فخرج من ذلك أن مالكا رضي الله عنه ضم وقائع الصحابة إلى الأمور الظاهرة في الشريعة، ولم يظن بهم افتتاح أمر من تلقاء أنفسهم، ولكنه قال: الأخبار محمولة على ما ينقل صريحا، وعلى ما فهم ضمنا، فأنا لا نظن بأئمة الصحابة استقلالهم بأنفسهم في تأسيس الأصول. فهذا بيان مذهبه.
ثم قال: فالاستدلال المقبول هو الذي(¬1)لا يخالف أصلا من أصول الشريعةن كما ذكرنا في المعنى المستنبط من الأصول.
ثم قال: كل معنى يلزم من طرده ما لم يكن مثله في الزمان الأطول، دل على خروج المعنى عن كونه معتبرا(¬2).
فانظر هذا الامام الذي نقل هذه المقالة عن مالك لم ينقلها على الوجه الذي نقله المملي، الا من نقلها عنه، ثم اعترف أنها زلة، ولم ينقلها أحد من علماء المذهب، ولا كثر عند المخالفين(¬3). ثم إنه في هذا الكلام الذي سردناه عنه اشترط فيما يعتبر من الأوصاف أن لايناقض مقتضاه أصلا من أصول الشريعة، وكذلك قوله: ولايجوز التعلق بكل مصلحة، ومن ظن ذلك بمالك فقد أخطأ. ثم قال: إن مالكا انما بنى مأخذه على أقوال الصحابة، وأنه لم يسترسل في المصالح، وصدق فيما قال، فانه لم يقل برأيه إلا في نوازل قليلة بالنسبة إلى ما أخذ عن السلف. والظاهر من حاله انما كان يختار في فتاويهم.
صفحہ 143