[ص36] نرى بعد هذا أن الإفراني جمع في شرحه بين اتجاهين طالما اعتبرا مختلفين أو متباينين وهما اتجاه "المعاني" واتجاه "البديع"، فتركيزه على التراكيب والعلاقة بين الكلمات والقيمة التي تكتسبها اللفظة من موقعها مما يرجع إلى علم المعاني الذي تحددت معالمه من خلال جهود عبد القاهر الجرجاني في كتابه (دلائل الإعجاز) فيما سماه بالنظم. وأغنى الزمخشري هذه الجهود بتطبيقها على آيات القرآن في (الكشاف)(¬1)[76] وهذا الكتاب هو، في تقديري، المدرسة التي تخرج منها الإفراني في القدرة على التمييز بين التراكيب وإدراك قيمتها. يقول في شرح البيت الثاني: "..فإن قلت: ما وجه العدول للإتيان بالظروف في قوله: فهو في حر وخفق؟ وهلا قال: حار وخافق؟ قلت: وجهه مراعاة الأبلغية، ولا خفاء أن قولك: فلان في حزن أبلغ من حازن، وفي سرور، أبلغ من مسرور، وسببها واضح، فتأمل. وهذه لطيفة استفدتها من الكشاف في غير ما موضع"(¬2)[77].
ولم يذكر الإفراني كتاب الكشاف من بين مصادره في أول المسلك السهل، وإن أحال عليه أثناء الشرح. وسبب ذلك، فيما نرى، أنه لم ينقل منه نصوصا. على أن اهتمام الإفراني بالزمخشري يظهر من تلخيص أخباره في تقييد سماه: طلعة المشتري في التعريف بمحمود الزمخشري، عدا حديثه عنه في المسلك السهل. وفي أزهار الرياض من الأخبار والشعر وما يبرز اهتمام المغاربة وغيرهم بالجانب البلاغي من كتاب الكشاف، برغم ازورارهم عن آراء الزمخشري الاعتزالية(¬3)[78].
أما المصدر الذي استفاد الإفراني منه في الاهتمام بقيمة الكلمة فهو شرح البردة للأليوري. وهو من مصادره المسطرة في أول الكتاب، فهذا الشارح يهتم اهتماما ملحوظا بقيمة الكلمة في موقعها على نحو ما نورده هنا في شرحه للبيت الأول:
أمن تذكر جيران بذي سلم
مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
صفحہ 40