أدبر؛ فأدبر. فقال: وعزتي ما خلقت خلقا أكرم علي منك) (¬1)، وفي لفظ: (لما خلق الله العقل. . .). فمدلول اللفظ أنه خاطبه في أول أوقات خلقه، لا أنه أول مخلوقاته. وقد بسطنا هذا في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا: أن جميع ما يذكرونه من الواحد وما يصدر عنه إنما هي أمور قدروها في أذهانهم، وتخيلوها في أنفسهم لا حقيقة لها في الخارج.
فدعواهم مع هذا: أن ذلك الوجود المطلق الواحد هو العلة لسائر الموجودات، وأنه معه أزلا وأبدا، من أبين الكلام فسادا بصريح العقل الذي يبين أن ما ذكروه يقتضي: أنه لا علة ولا معلول أصلا، وأنهم لم يثبتوا في الخارج عن أذهانهم موجودا واجبا بنفسه متميزا عن المحدثات المشهود حدوثها، فضلا عن الممكنات. وأنهم وإن أقروا بثبوت واجب الوجود لما أن الوجود لا بد فيه من واجب، لكن لم يفرقوا بينه وبين ما تشترك فيه الموجودات في مسمى الوجود، فصار ما ادعوه من الوجود الواجب مثلما يدعى من الأجناس والأنواع لجميع الجزئيات، فإن لا بد أن يكون بين الإنسان والإنسان قدر مشترك، وبين الجسم والجسم قدر مشترك، فالوجود الواجب هو عندهم من هذا الباب.
وقد رأيت بعضهم سلك في إثبات واجب الوجود هذا المسلك، وقال: من المعلوم أن أفراد الإنسان كزيد وعمرو يشترك في مسمى الإنسان.
وأن الإنسان والفرس والجمل ونحو ذلك يشترك في مسمى الحيوانية.
صفحہ 109