فيقال لهم: تلك الحوادث القائمة بالممكنات كحركات الفلك، وإرادات النفس وتصوراتها، والمولدات الحادثة من الحيوان والنبات والمعادن، وغير ذلك؛ حدوث كل منها: إما أن يكون له سبب حادث؛ فيلزم التسلسل في أمور تقوم بنفس الوجود الواجب. وإما أن لا يكون له سبب؛ فيلزم الترجيح بلا مرجح.
فإن هذه الحركة الدائمة المستمرة التي يجعلونها أزلية أبدية، وما يقدرونه سببا مرتبا لها: كون النفس التي تتضمن إرادات متعاقبة، وتصورات متعاقبة: إما أن يكون لها سبب، وإما أن لا يكون.
فإن قالوا: لا سبب لها؛ لزم الترجيح بلا مرجح. وهذا أبطل من قول خصومهم المعتزلة وغيرهم من أهل الكلام. فإن أولائك قالوا: القادر المختار يرجح أحد مقدوريه، أو قالوا: (المرجح): المشيئة القديمة للقادر المختار، أو قالوا: (المرجح): إرادة تحدث للقادر المختار؛ إما بنفسه / (¬1) وإما منفصلا عن نفسه.
وبكل حال فهم لم يقولوا: الحوادث تحدث بلا فاعل ولا مبدع، ولا أن ما يحدث من الأعراض والجواهر ليس له مبدع وفاعل، بل قالوا: له مبدع وفاعل؛ ولكن عجزت عقولهم عن سبب كونه فاعلا بعد أن لم يكن فاعلا.
ومعلوم: أن هذا إن كان فاسدا؛ فقول من يقول: إن ما يحدث من الحركات وسائر الأعراض والجواهر حدثت بلا فاعل أحدثها أعظم فسادا ومخالفة لصريح العقل؛ فإنه إذا عرض على العقل قول من يقول: أعلم أن للحوادث فاعلا فعل بعد أن لم يكن من غير أن يحدث له سبب يوجب كونه فعل بعد أن لم يكن؛ لكن لأنه على وجه له أن يفعل، وله أن لا يفعل، وإذا فعل لم يكن فعله لسبب حدث.
صفحہ 92