وعرض عليه أن يقال: هذه الحوادث تحدث بلا فاعل يحدثها.
كان علمه ببطلان هذا القول أبين، وجزمه بفساده أقوى وأفظع، ونفور العقل الصريح عن ذلك أشد.
[حقيقة قول المتفلسفة، وإبطال قولهم]
وإن قالوا: بل الوجود المجرد الواجب القديم اقتضى بنفسه: أن تكون الممكنات صادرة عنه على هذا الوجه المتضمن حدوث حوادث فيه متعاقبة. وهذا حقيقة قول القوم. فمجرد ذاته هو الموجب للحوادث المتعاقبة بتوسط العقل.
قيل لهم: هذا أيضا يقتضي الترجيح بلا مرجح من وجوه:
أحدها: أن واجب الوجود إذا كان هو في نفسه على حال واحدة أزلا وأبدا، والفعل الصادر عنه كذلك على حال واحدة أزلا وأبدا؛ لم يتميز وقت عن وقت بالنسبة إليه وإلى معلوله. فاختصاص هذا الوقت بحوادث مخالفة للحوادث في الوقت الأول ترجيح لأحد المتماثلين بغير مرجح.
ومعلوم أن الحوادث في الأزمنة ليست متماثلة، بل يحدث في كل زمان ما يخالف الحوادث في الزمان المتقدم، وإذا قيل إن ذلك لاختلاف حركات الأفلاك، فالكلام في اختلاف تلك الحركات؛ فيضطرون إلى القول بأن المختلف صدر عن غير مختلف. وهذا ترجيح بلا مرجح.
الثاني: أن هذا أيضا يلزمهم في مقادير الممكنات وصفاتها وحقائق ذواتها؛ فإن العقل الصريح يعقل من الذوات والصفات والمقادير الممكنة غير ما وجد. فترجيح أحد الممكنين على الآخر يفتقر إلى مرجح، وهو منتف.
صفحہ 93