ومثل ذلك من الشعر ما أنشدناه بعضهم لجرير في جواب زهرة اليمن وقد قال فيه:
أبلغ كليبًا، وأبلغ عنك شاعرها ... أنى الأعز، وأني زهرة اليمن
ألم يكن في وسومٍ قد وسمت بها ... من حان موعظةٌ يا زهرة اليمين
فعلى هذا النحو يكون تأويل "الغرانقة العلا" وروايته، وإذا صح فقد نسخ على وجهة النسيان من الناس له، لا على جهة التبديل له بشيء آخر؛ لأنه ليس بأمر، إنما هون خبر، وإنما نسخ لأنه كان أبلغ في المصلحة.
فإن قال قائل: فهلا لم ينزل لئلا يحتاج إلى إنسائه؟
قيل: كان إنزاله في الوقت الذي أنزله فيه أصلح من أن لا ينزل، فلذلك نزل.
وتقول: "رأي عيني زيدًا يفعل ذلك"، فقولك "يفعل" في موضع نصب على الحال، كقولك "ضربي زيدًا قائمًا" و"أكثر شربي السويق ملتوتًا". ولو جعلت المصدر للمتعدية إلى مفعولين لم يجز أن لا تأتي له بخبر؛ لأن الحال لد سدّ مسدّ أخبار المصادر، والمفعول الثاني لم يسدّ مسدّ أخبار المصادر، ومن ثم لم يجز "سمع أذني زيدًا يقول ذاك" حتى تقول "حسنٌ" أو "حقٌّ" ونحو ذلك؛ لأن "سمعت" إذا عُدّي إلى "زيد" ونحوه، لم يكن له من مفعول مما يسمع زيد، كقولك: سمعت زيدًا يقول ذاك، أو: يشتم عمرًا، ونحو ذلك من المفعولات التي تسمع.
1 / 82