وإنما أوردت هذا المثل لتعلم أن الطمع لا يوجد منه سوى وجع الخاطر وتفريق الفكر والحرمان فافتكر يا أخي في عقبي هذا الأمر قبل الشروع فيه، قال المحتال: نعم ولكن إذا ساعدني تقدير الله تعالى فكل شيء شرع الإنسان فيه نتج وتهيأت له أسباب حصوله من غير منة ولا قوة فلا تهتم أنت بهذا الأمر فإني رأيت فيك مخايل ذلك، فقال الزكي: يا أخي كف عن هذا الأمر قبل الشروع فيه فإن كل من طلب زيادة من الكفاف وقع في التعب وصار مثله مثل الذي يأكل ولا يشبع وأعلم أن لكل جمع تفريقًا ولكل صعود هبوطًا ولكل زيادة نقصانًا وأنا ما رأيت أحسن من القناعة وناهيك مثل صاحب الغنم، قال المحتال: من هو وما قصته؟
قال الزكي: إن صاحب الغنم التي كنت أحرسها كان له من الغنم ألف رأس فقط وكان عنده من المال ما يقدر بع على ألوف عديدة من الغنم وكل وقت تزداد مواشيه، غير أن صاحبي كان من عادته إذا زادت مواشيه، على ألف تصدق بالزائد ووهبه للفقراء وأخرجه عن ملكه بنوع من أنواع التصرفات الخيرية ولا يزيد على عدد الألف أبدًا. فاتفق أن راعيها سأله عن سبب ذلك فقال له أعلم أن أعلى مراتب الأعداد الألف فإذا جاوز الإنسان الأعلى هبط إلى الأدنى وما دام الإنسان قانعًا فهو مستريح.
1 / 88