والقصد الذي فكرته أمر عظيم يقصر عنه أكبر منا عمرًا وأكثر منا فضلًا ومن أين لنا ذلك وكلانا مفلس؟
قال المحتال: أما سمعت قول القائل: المرء يطير بهمته كالطير يطير بجناحيه: وأنا بعناية الله اجتهد إلى أن تصل إلى هذا القصد كما تحب ونحب ولي عليك شرط وهو أنك تترك أخلاقك المنفرة للوحوش عنك والحرص وتعف عن أكل لحوم الحيوانات إلى أن تتمكن وتتعاطى أسباب الزهد والصلاح والعفة بحيث تطمئن خواطرهم إليك ويأمنون على أنفسهم وأولادهم وقد بلغت مقصودك ثم بعد ذلك تتعاطاهم بالرفق واللين وحسن السياسة وقد ملكت قلب الصغير والكبير. قال الزكي: يا أخي هذا أمر محال ولا تعلق آمالي بشيءٍ لا ينال وكل من علق آماله بشيءٍ بعيد المنال وطمع في غير مطمع النوال أصابه ما أصاب مالك الحزين. قال المحتال وكيف كان ذلك الأمر؟
قال الزكي: ذكروا أنه كان في بعض الغياض جانب نهر يأوي إليه مالك الحزين وكان يتقوت من حشائش ذلك المكان فاتفق أنه أقام مدة أيام فلم يتحصل له شيءٍ يتقوت به فتطلب في نواحي الماء فوقع على سمكة صغيرة فلقفها وأراد ابتلاعها فقالت له: يا أخي أعلم أني بنت ملك هذا النهر وليس لأبي غيري وقد قيل في المثل مثل البرغوث ودمه والعصفور ودسمه لا يغني شيئًا وأنا لا أقع منك موقعًا ولا أسد لك جوعة فإن عاهدتني أحلف لك بالإيمان المغلظة أنك إن أطلقتني يحمل لك أبي الجميل ويلتزم لك كل يوم بعشر سمكات تأتيك هنية من غير تعب ولا مشقة، فلما سمع الطائر ذلك داخله الطمع وغلب عليه السرور إلى أن قال: كيف؟ قلت: فبمجرد ما فتح الطائر فمه بالكاف سقطت السمكة من فيه وذهبت، فلم يحصل له شيء غير الحرمان.
1 / 87