[ الآية الخامسة عشر ] :
قال الله تعالى : ((وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما)) [النساء:18] .
الشاهد : الخطاب هنا لأهل القبلة من المسلمين ، وفيه تأمل أخي الباحث امتناع الله تعالى من قبول التوبة حال غرغرة النفس واقتراب أجلها ، وتأمل وعيده لمن مات ولم يتب في قوله: ((أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما)) ، ستجد أنه جل شأنه يعتذر عن أي مغفرة مستقبلية لهؤلاء الفسقة المصرين ، والمغفرة متى انتفت كان الخلود في النار .
[ الآية السادسة عشر ] :
قال الله تعالى : ((ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزآؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما)) [النساء:93] .
الشاهد : وهنا سلوا أصحاب الشفاعة وعدم التخليد لأهل الكبائر من أهل القبلة ، وقولوا لهم : أيشفع الرسول (ص) في رجل من المسلمين قتل أخاه المسلم متعمدا بغير وجه حق ؟! إن قالوا : نعم ، وهو قولهم . فأعيدوا عليهم المسألة لتأكيد الوقوع في المحظور : هل تقولون أن ذلك القاتل سيخرج من النار ؟! ، إن قالوا : نعم ، وهو قولهم . فقولوا لهم : فقد كذبتم الله تعالى في قوله في حق كل من يقتل نفسا مؤمنة متعمدا : ((فجزآؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما)) ، وكذبتم على رسول الله (ص) عندما زعمتم أنه يشفع لمن لعنه الله وأعد له عذابا أليما ، ((ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون)) .
[ الآية السابعة عشر ] :
قال الله تعالى : ((ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما * يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا * هاأنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا)) [النساء:107-109] .
الشاهد : هذه الآية في إثبات المراد من هذه الرسالة ، أوضح من الشمس رابعة النهار ، إذ الله سبحانه وتعالى ينهى الرسول (ص) عن المجادلة في المنافقين العصاة أصحاب الكبائر ، ((ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما)) ، ثم يخبر الله تعالى بأنهم وإن جادلوا عن هؤلاء الفسقة العصاة في الدنيا ، فإنه لن يجادل عنهم أحد يوم القيامة ، وأنه لا وكيل لهم ولا ناصر ولا معين ، ((هاأنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا)) ،وهذا دليل قاطع صارم لنفي الشفاعة المحمدية لمن لا يرضى الله عنهم من الفسقة وأصحاب الكبائر والعصاة ، ودليل على أن الرسول (ص) ممنوع بأمر الله تعالى من أن يجادل أو يشفع لأمثالهم من الناس (أصحاب الكبائر) الذين لا يرضى الله أفعالهم ولا أقوالهم .
[ الآية الثامنة عشر ] :
قال الله تعالى : ((إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا * إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما)) [النساء:145-146]
الشاهد : سل أخي الباحث المنصف أصحاب الشفاعة لأهل الكبائر ، وعدم الخلود ، عن منافقي أهل القبلة ، هل سيخرجون من النار ؟! ، هل سيجدون لهم ناصرا يشفع لهم ، والله تعالى يقول لرسوله (ص) : ((ولن تجد لهم نصيرا)) ؟! إن قالوا : نعم ، سيخرجون من النار بشفاعة الرسول (ص) ، وهو قولهم . فقل : قد كذبتم الله تعالى في قوله : ((إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا)) . نعم ! ثم لا يفوتك أخي الباحث أن تتأمل متى سيغفر الله لأصحاب الكبائر من المنافقين المستحقين للخلود : ((إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما)) ، فإن الله لا يغفر لهم إلا بعد التوبة والإصلاح ، أما إذا أصروا ، فإن الله لا يشاء لهم المغفرة ولا الرحمة ، بل العذاب والخلود ، وتأمل قول الله تعالى في منافي أهل القبلة : ((وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم))[التوبة:68] .
[ الآية التاسعة عشر ] :
قال الله تعالى : ((وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير)) [المائدة:18].
الشاهد : تأمل أخي الباحث قول الله تعالى : ((يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء)) في حق اليهود والنصارى ، فهل يذهب ظنك إلى أن الله قد يغفر لمستحقي العقوبة منهم بدون توبة ، الناقض منهم لميثاق الله وعهده ، أم أنه سيخلده في النار ، اقرأ قول الله تعالى وتدبر وعيده في حق مرتكبي الكبائر منهم : ((وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون * وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون * ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون * أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون)) [البقرة:83-86] ، فهل من قال الله فيهم ((فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون)) جزاء ارتكابهم الكبائر والفواحش ، يصح أن يشاء الله لهم المغفرة يوم القيامة بعد عدم التوبة والإصرار؟! ، نعم ! وأما الذين يشاء الله لهم المغفرة من بني إسرائيل معشر اليهود والنصارى ، فهم الذين قال الله تعالى فيهم : ((ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرآئيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار)) [المائدة:12] ، فهؤلاء الأخيرين أخي الباحث هم الذين يشاء الله لهم المغفرة والرحمة من بني إسرائيل وليس أولئك المصرين على ارتكاب الفواحش والكبائر الموبقات ، فهم خالدون مخلدون في النار. فائدة : تدبر قول الله تعالى واربط معناه بما مضى وانظر متى استحق بنو إسرائيل التخليد في النيران: ((لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون * ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون)) [المائدة:78-80] ، نعم ! وبعد هذا كله تذكر أن ميزان الله عدل يوم القيامة ((سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا)) .
[ الآية العشرون ] :
قال الله تعالى : ((ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم)) [المائدة:65] .
الشاهد : هنا تأمل أخي في الله متى يستحق أهل الكتاب التكفير عن سيئاتهم ، لا يستحقونه إلا بعد الإيمان والتقوى ، فلا يكفي الإسلام وحده لتكفير السيئات بل هو بحاجة إلى إيمان وتقوى وعمل صالح ، عليه فالإيمان والتقوى والعمل الصالح شرط في تكفير السيئات ، والذين يموتون من المسلمين على المعاصي والكبائر من غير توبة فإنهم قطعا ليسوا بمؤمنين ولا متقين وليست أعمالهم بالأعمال الصالحة ، عليه فكيف يرجى لهم تكفير للسيئات ، ودخول للجنان ، والله تعالى يقول : ((ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم)) .
[ الآية الحادية والعشرون ] :
قال الله تعالى : ((وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم)) [الأنعام:54] .
الشاهد : تأمل عفو الله ورحمته من يشاء أن تتحقق فيه ، ومن يستحقها ، إنما يستحقها أصحاب الصغائر غير المتعمدين ، ثم هو بعد هذه الصغائر والهنات غير المتعمدة يستغفرون الله في حركاتهم وسكناتهم في ليلهم ونهارهم ، فهذا الاستغفار يمحو الصغائر غير المتعمدة، وهو يسمى توبة ، وليست توبة مقررة كالتوبة الواجبة على أصحاب الكبائر والفواحش ، فتوبتهم تكون من ذنب كبير متعمد ، فيلزم التوبة المخصصة للذنوب الكبيرة، وأن يعزم على ألا يعود لذلك الذنب ، وأن يستحل من الناس حقوقهم ، وكذلك الصغائر المتعمدة يجب التوبة منها . نعم ! ثم انظر حال أهل الكبائر المتعدين المصرين هل يستحقون رحمة الله وغفرانه ؟! والله تعالى يقول : ((أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم)) ، وأولئك (أصحاب الكبائر) فلم يتوبوا !!.
[ الآية الثانية والعشرون ] :
قال الله تعالى : ((ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أوليآؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم * وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون * يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين)) [الأنعام:128-130] .
الشاهد : هنا تأمل قول الله تعالى في حق الكافرين من غير أهل القبلة : ((خالدين فيها إلا ما شاء الله)) ، تأمل مشيئة الله هنا في حق الكفار غير المسلمين ، هل مضمونها أن يخرجهم الله من النار ؟! أم يخلدهم ؟! إن قلتم : بل يخرجهم من النار فقد خرجتم على إجماع الأمة بما فيهم أنفسكم ، فالكفار على شرطكم خالدون مخلدون في النار ، لا تنالهم شفاعة الرسول (ص) ، ولا رحمة الله عز وجل . إما إن قلتم : لا يخرجون من النار فمشيئة الله فيهم الخلود فيها أبدا . قلنا : فلم تحتجون علينا إذا قلنا أن مشيئة الله هي الخلود لأهل الكبائر بدليل صريح آي الكتاب بالخلود في حقهم ، في حق قاتلي الأنفس المؤمنة ، وأصحاب الربا ، ومخالفي أوامر الله في المواريث، وعليها يقاس باقي الموبقات كالسحر والخمر وقذف المحصنات وغيرها . إن قلتم : إنما يخرج الله أصحاب الكبائر من المسلمين بشفاعة الرسول (ص) ، وإن كان قد صرح في حقهم بالخلود ، لأنه قادر على كل شيء . قلنا : وكذلك الله قد يكذب جميع الأمة ويخرج الكفار والمشركين وإبليس من النار إلى الجنة لأنه على كل شيء قدير !! ، هل هذا منكم منطق إخوة البحث والإنصاف ، الله سبحانه وتعالى عندما يستثني بالمشيئة في مواطن عديدة من القرآن مع العلم والجزم بأن مشيئته معروفة مسبقا بآيات محكمة أخرى من القرآن ، فإن لله لا يذكر هذا الاستثناء بالمشيئة إلا ليعلم الناس أنه على كل شيء قدير ، فمعلوم أن الله تعالى يستطيع أن يظلم ، ولكنه لن يظلم أبدا ، لأنه عالم بأن الظلم قبيح ، وهو أحكم الحاكمين ، وفعل الظلم من الحكيم قبيح ، والله لا يفعل الظلم ولا القبيح . ومعلوم أيضا أخي الباحث أن الله تعالى يستطيع ألا يقيم يوم القيامة ، ويجعل الحياة أبدية سرمدية متى شاء ذلك ، ولكنه لن يفعل ذلك ، لأنه قد بعث رسله ووصاهم بتأكيد هذا اليوم على الناس ، ونطقت به كتبه العزيزة ، والله تعالى أصدق من كل صادق ، فتكذيب الله لنفسه ولأنبيائه قبيح ، والله لا يفعل القبيح ، وعلى هذا أخي في الله قس ، فالله تعالى وإن استثنى بالمشيئة المستوجبين للنار بالخروج منها (على مقتضى فهم المخالف) فهذا لا يعني أنهم سيخرجون منها ، لأن الله قد وعدهم بالخلود في مواطن عديدة من كتابه الكريم ، فلو أخرجهم من النار لكذب نفسه ، وأخلف وعيده في حق أصحاب الكبائر هؤلاء ، وهذا من الله قبيح ، والله منزه عن فعل القبيح ، بل إن الملائكة والأنبياء منزهون عن هذا الفعل فما بالك برب العزة والجلال !! ، نعم! فمشيئة الله تعالى واستثناؤه في الآيات ليس إلا لتبيينه أنه على كل شيء قدير ، ولكن كونه يختار بقدرته شيئا يخالف على ما وعد به في القرآن فهذا محال . وليس مثال هذا إلا قول الله تعالى : ((ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا)) فهذه المشيئة من الله ليست إلا لتبيين قدرته على أن يجعل جميع أهل الأرض مؤمنين ، ولكنه منعه من تنفيذ هذه المشيئة والقدرة حكمته في الابتلاء الذي صرحت به آيات عديدة من كتاب الله تعالى ، وهذا فواضح وجهه بحمد الله تعالى ، ونزيد وضوحه من قول الله تعالى في سورة هود : ((إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود *} وما نؤخره إلا لأجل معدود * يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد * فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق * خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد * وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ)) [هود:103-108] ، وفي هذه الآية تأمل كيف أن مشيئة الله تعالى لم تأت إلا لتعبر عن القدرة الإلهية على فعل كل شيء فقط ، ولا يترتب عليها أن الفسقة وأصحاب الكبائر من أهل القبلة سيخرجون من النار ولو كان ذلك كذلك ، لجاز أن يخرج أصحاب الجنة من الجنة إلى النار بدليل ما أردفت به المشيئة في الآية : ((وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ)) .
[ الآية الثالثة والعشرون ] :
قال الله تعالى : ((واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون)) [الأعراف:156] .
الشاهد : تأمل أخي الباحث رحمة الله تعالى لمن كتبها الله : ((فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون)) ، وشفاعة الرسول (ص) التي أعطاها إياها الله ليست إلا جزءا من رحمته ومغفرته للعباد ، فلن ينالها إلا من كتبت له ، ورضي الله عنه ، ومعلوم أن الملائكة والأنبياء لا يشفعون إلا لمن يشاء الله تعالى من الناس ويرضاه ، وقد بين الله من هي له هذه الرحمة والمغفرة فقال : ((فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون)) ، فهل تعلم أخي المخالف أن أصحاب الكبائر من أهل القبلة ممن شملتهم رحمة الله تعالى في الآية ؟!. إن كان ، نعم ! ، فقد باهت وكابرت ، وإن كان، لا ، أفلا تركب سفينة نوح وتقول بقول محمد وآل محمد ؟! ، وهم سيزيدونك تنويرا وتفهيما من جنس الآية القريبة بقول الله تعالى : ((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم)) [التوبة:71] ، وعليك التدبر .
[ الآية الرابعة والعشرون ] :
قال الله تعالى : ((إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون * الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم)) [الأنفال:02-04]
الشاهد : تأمل أخي الكريم كيف أن رحمة الله تعالى ليست إلا للمؤمنين دون الفساق والكفار ، ومثلها قول الله تعالى : ((يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم)) [الأنفال:29] ، فشرط تكفير الذنوب والسيئات في الآية هو التقوى ، والتقوى هي لب الإسلام ، فكيف يقال بعد هذا أن أصحاب الكبائر الذين لا تقوى لهم مستحقون لتكفير السيئات ، والله المستعان.
[ الآية الخامسة والعشرون ] :
قال الله تعالى : ((وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم * وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم * خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم * ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم * وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون * وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم)) [التوبة:101-106] .
الشاهد : هذه الآية أخي المهتم بحاجة إلى زيادة بيان ، فالله سبحانه وتعالى يسرد لنبيه الكريم (ص) ثلاثة أصناف من العصاة ، الصنف الأول : هم المنافقون ((وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق)) ، ثم بين الله تعالى لنبيه (ص) نوع العذاب الخاص بهم ، فقال جل شأنه : ((سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم)) ، ثم أخبر الله تعالى عن الصنف الثاني من العصاة : وهم أصحاب الصغائر المتعمدين والظانين ((وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا)) ، ثم بين الله تعالى لنبيه (ص) نوع العذاب الخاص بهم ، فقال جل شأنه : ((عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم * خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم)) ، ثم أخبر الله تعالى عن الصنف الثالث من العصاة : وهم أصحاب الكبائر الأحياء ، وإنما قلنا الأحياء ، لأن الخطاب موجه لأناس معاصرين للرسول (ص) ، فأخبر الله تعالى أن هؤلاء الفسقة العصاة أصحاب الكبائر لهم فرصة التأخير (الإرجاء) حتى وقت الغرغرة ، فإن تابوا قبلها وأصلحوا تاب الله عليهم ، وإن لم يتوبوا قبلها وماتوا وهم مصرين على كبائرهم لم يتب الله عليهم ، وهو قول الله تعالى : ((وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم)) ، ومعنى مرجون : أي مؤخرون ، وقوله تعالى : ((عليم)) أي عليم بما سيختم به هؤلاء العصاة حياتهم ، وقوله : ((حكيم)) دلالة على حسن تأخير الحكم عليهم إلى ساعة الغرغرة ، وإعطائهم الفرصة إلى ذلك الوقت ، أشار إلى هذا العلامة الفقيه محمد مداعس رضي الله عنه ، وهي إشارة قوية وصامدة.
[ الآية السادسة والعشرون ] :
قال الله تعالى : ((وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا)) [الكهف:17]
الشاهد : إجماعا من الأمة أن أصحاب المعاصي والمنكرات من شاربي الخمور ومرتكبي الزنا والقتل هم ضلال ، بل إنه معلوم أن أكثر الفرق تضلل غيرها من الفرق الإسلامية ، مع أنه يجمعهم جميعا الإسلام ، وأصل الضلال هو ارتفاع ألطاف الله وتوفيقه عن العبد العاصي المستمر في العناد وارتكاب المحظور ، وهنا يخبر الله تعالى أن ((من يضلل)) الله ((فلن تجد له وليا مرشدا)) أي وليا وناصرا ينقذه ويخرجه من هذا الضلال ما دام ذلك العبد مصرا على المعاصي والكبائر التي تغضب الله تعالى وتؤدي إلى ارتفاع الألطاف ، ونزع التوفيق ، وهنا يسأل المخالف عن المكلف الذي يموت مصرا على الكبائر ولم يوفق للتوبة ، ما مصيره يوم القيامة ؟! نعني من سينصره وينقذه مما توعد الله به أمثاله من العاصين ؟! إن قلتم : رسول الله ينقذه لأنه من أهل الإسلام وإن كان عاصيا !!. قلنا : ولكن الله تعالى يقول : ((ومن يضلل فلن تجد له وليا)) ، فثبت أن من استحق النار من أهل القبلة فإنه خالد مخلد في النار لن تنفعه شفاعة الأولياء .
[ الآية السابعة والعشرون ] :
قال الله تعالى : ((قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)) [الكهف:110]
الشاهد : معلوم أخي الباحث أن العمل والعقيدة هي أصل الأديان ، فالعقيدة لا تنفع بدون عمل ، والعمل لا يكون إلا بعقيدة ، وهذه قاعدة عامة ، فالله سبحانه وتعالى لن يتقبل من أصحاب موسى إلا من كان ذا عقيدة موسوية صحيحة ، وذا عمل واجتهاد لما تضمنته عقيدة موسى (ع) ، والأخير هو العمل الصالح ، فالأصل إذا ، العقيدة الصحيحة والعمل الصالح ، فمن أتى من أصحاب نبينا محمد (ص) وهو ذا عقيدة صحيحة (بمعنى أنه مسلم غير مشرك ولا سيء في مجمل عقيدته) ، ولكنه لم يعمل صالحا ، كان يزني ويسرق ولا يتوانى عن القتل لأجل المال أو الجاه ، وكان مواليا للكفرة مناصرا لهم ضد أهل القبلة ، ومات وهو مصر على هذه الأفعال الشنيعة ، والكبائر الموبقة ، فإنه قول الله تعالى : ((فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)) لا ينطبق عليه ، ولو كان من أهل القبلة (أي ليس بمشركا) ، لأنه أخل بشرط العمل الصالح الذي به وبالعقيدة يفوز بلقاء الله ، ولقاء الله تعالى يعني قبوله والفوز برضاه ونعيمه ، فقول الله تعالى : ((فمن)) خطاب عام يدخل تحته جميع المكلفين ، ((كان يرجو)) أي يود ويرغب ويطمع ، ((لقاء ربه)) في الفوز برضا الله تعالى ، ونعيمه ، وجنته ، فليلتزم بشرطين اثنين ، الأول : ((فليعمل عملا صالحا)) والأعمال الصالحة هي أعمال الجوارح من الالتزام بأمر الله والرسول (ص) ، والانتهاء بنهيهما ، والشرط الثاني للقبول والنعيم الإلهي : ((ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)) أي أن يكون إلى جنب العمل الصالح سليم الاعتقاد فلا يكون مشركا ، أو مخلا بموجبات الإيمان الصحيح ، كالإيمان بالله تعالى تنزيها وتصديقا وتعديلا ، والإيمان بملائكته تنزيها وتصديقا ، والإيمان بكتب الله تعالى تنزيها وتصديقا واتباعا ، والإيمان برسل الله تعالى تنزيها وتصديقا واتباعا ، والإيمان باليوم الآخر والبعث والحساب ، والإيمان بقدر الله تعالى خيره وشره ، فهذه أعمال القلوب ، وروى أهل البيت صلوات الله عليهم أن الرسول الله (ص) ، قال : ((الإيمان معرفة بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالجوارح)) ، نعم ! وهنا يسأل المخالف الذي يطمع في أن يغفر الله ، ويعفو ، ويقبل شفاعة الشافعين ، لصاحب الأعمال الغير الصالحة من أهل القبلة من مرتكبي الكبائر والرذائل والفواحش ، يسأل عن قول الله تعالى في الآية القريبة ، وعن قوله جل شأنه في غير موضع من الكتاب العزيز ، كقوله : ((إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما)) [الفرقان:70] ، وقوله تعالى : ((إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا)) [الشعراء:227] ، وقول الله تعالى : ((فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين)) [القصص:67] ، وقول الله تعالى : ((والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون)) [العنكبوت:07] ، وقول الله تعالى : ((والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين)) [العنكبوت:09] ، وقول الله تعالى في حق زوجات النبي (ص) : ((ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما)) [الأحزاب:31] ، وقول الله تعالى : ((الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير)) [فاطر:07] ، ففي هذه الآية وسابقاتها تأمل كيف جعل الله الإيمان والعمل الصالح شروطا للمغفرة والأجر والثواب العظيم ، فاسأل نفسك أيها المخالف هل سيستحق أصحاب الكبائر والفواحش من أهل الإسلام الأجر الكبير والمغفرة والرضوان ؟! وهل شفاعة الرسول (ص) لهم وإخراجهم من النيران إلا محض النعمة والبشرى والخير والفوز لهؤلاء المجرمين !! ، فهل يرد محمد (ص) على كتاب الله يا معشر الفقهاء ؟! أم ترد سنته على قرآنه يا معشر العلماء ؟! ، ((ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)) [النساء:82] .
[ الآية الثامنة والعشرون ] :
قال الله تعالى : ((أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا * فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا * إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا * جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا * لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا * تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا)) [مريم:58-63]
الشاهد : تدبر هذه الآيات تدبر المنصف أخي الباحث ، ستجد أن الله تعالى يصف حال أنبياء الله تعالى ، إيمانا ، وإخلاصا ، وعبادة ، وزهدا ، وأنهم وكثير من أتباعهم كانوا ((إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا)) ، ثم أخبر تعالى أنه قد خلف هؤلاء الآباء ذرية ابتعدوا عن عبادة الله تعالى ، وضعف الإيمان في صدورهم ، فكانوا أجرأ على المعاصي ، وعلى ترك الواجبات ، فحكى الله تعالى حالهم بقوله : ((فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات)) ثم أخبر تعالى بعقابهم ، فقال : ((فسوف يلقون غيا)) أي عقابا وعذابا ، ولكن الله تعالى استثنى من العقاب أناسا معينين ، فمن هم ؟! ((إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا)) ، فالتوبة هي شرط النجاة الوحيد من العقاب (وليست الشفاعة) ، وشرائط التوبة هي الإيمان والعمل الصالح ، ثم أخبر الله تعالى أن أصحاب الجنة ليسوا إلا الأتقياء دون الفسقة والعصاة ، فقال جل شأنه : ((تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا)) ، فهل تعلمون معشر المخالفين أن أصحاب الكبائر من الأتقياء حتى يورثوا الجنة ويدخلوها؟! فتردوا على الله قوله وتصريحه ؟! ، أليس الله تعالى هو القائل : ((وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا * ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا)) [مريم:71-72] .
[ الآية التاسعة والعشرون ] :
قال الله تعالى : ((وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى)) [طه:82]
الشاهد : اربط هذه الآية أخي الباحث مع قول الله تعالى : ((إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)) ، من هم الذين يشاء الله أن يغفر لهم عدى المشركين ؟! أهل البيت (ع) ، ثقل الله الأصغر في الأرض ، يقولون أن الذين يشاء الله أن يغفر لهم هم أهل القبلة التائبون العاملون بشرائط الإيمان والإسلام ، والقرآن ، ثقل الله الأكبر يقول فيه الله تعالى : ((وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى)) ، والمخالفون للعترة وللكتاب يقولون : أن مشيئة الله في الآية هي أن يغفر لجميع أهل القبلة ممن ماتوا وهم مصرون على الكبائر أو الصغائر ولم يتوبوا ، فسيغفر الله لهم ويخرجهم من النار إلى الجنة بشفاعة الشافعين ؟! ، فالقول قولك أخي الباحث وعليك وعلى إنصافك التبعة .
[ الآية الثلاثون ] :
قال الله تعالى : ((إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد)) [الحج:14]
الشاهد : تأمل أخي الباحث قول الله تعالى : ((إن الله يفعل ما يريد)) ، وانظر ما هي إرادة الله تعالى في من يدخل الجنة ممن لا يدخلها ؟! تجد الله تعالى يقول : ((الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار)) ، ثم أخبر أنها إرادته ((إن الله يفعل ما يريد)) ، فمن قال لك بعد هذا أن الله يريد أن يدخل أهل القبلة أصحاب الأعمال غير الصالحة ، نعني أصحاب الكبائر والفواحش فاتهمه في رأيه ، وحاكمه إلى إلى كتاب الله تعالى ، وقل من قول الله تعالى: ((ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء)) [الحج:18] هل تظن في من يريد الله إهانتهم أن شخصا يستطيع أن يكرمهم ؟! إن قلت : لا ، لا يستطيع أحد أن يكرمهم . قلنا : ولكن الله تعالى يقول ((إن الله يفعل ما يشاء)) ، فقد يشاء أن يستطيع أحد أن يكرم من أهانهم . فإن قلت : قول الله تعالى في الآية واضح ولا يحتمل ما قلتموه . قلنا : وكذلك نقول أن قول الله تعالى واضح في قوله : ((إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد)) فإن الله لا يريد أن يدخل الجنة إلا أصحاب الأعمال الصالحة من المؤمنين ، دون أصحاب الكبائر والمعاصي والفواحش ، وأنتم تصرون على دخول الأخيرين الجنة والله المستعان .
[ الآية الحادية والثلاثون ] :
قال الله تعالى : ((قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون * والذين هم عن اللغو معرضون * والذين هم للزكاة فاعلون * والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون * والذين هم لأماناتهم وعهدهم * والذين هم على صلواتهم يحافظون * أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون)) [المؤمنون:1-11]
الشاهد : استلهم أخي الباحث الصفات المذكورة في هذه الآيات ، ((الذين هم في صلاتهم خاشعون)) ، ((والذين هم عن اللغو معرضون)) ، ((والذين هم للزكاة فاعلون))، ((والذين هم لفروجهم حافظون)) ، ((والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون)) ، ((والذين هم على صلواتهم يحافظون)) ، تأمل أخي في الله هذه الصفات وانظر ماذا يستحق أصحابها : ((هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون)) ، فهل يحق لنا أن نقول فيمن هم : ((لصلاتهم ساهون)) ، والذين هم ((في اللغو واقعون)) ، والذين هم ((للزكاة مانعون)) ، والذين هم ((للزنى مرتكبون)) ، والذين هم ((للأمانات خائنون)) ، والذين هم ((للعهود ناقضون)) ، الذين قال الله عنهم ((فأولئك هم العادون)) ، هل يستحق هؤلاء أن يكونوا : ((هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون)) ، أو أن يشاركوا المحافظون الملتزمون في جنان الخلد ؟! الله يقول أن المستحق لدخول الجنة والإقامة فيها هم أصحاب الصفات الحميدة المذكورة ، وأن من دونهم هم العادون ، وأنت أخي المخالف تقول أن من دون الصالحين (أصحاب الكبائر) سيرثون جنات النعيم ، فمن بربك نتهم ربنا أم نتهمك ؟! أليس قول الله تعالى في الآيات القريبة صريح في أنه لن يدخل جنة النعيم ، ولن يورثها إلا أصحاب الأعمال الصالحة من المؤمنين ، وهذا يدل على أن أصحاب الكبائر والفواحش لن يدخلوا الجنة ولن يورثوها ، عليه فسيدخلوا النار وسيخلدوا فيها ، لأنه لا مقام في ذلك المقام إلا في الجنة أو النار ، أعاذنا الله وإياكم من عذاب النار .
[ الآية الثانية والثلاثون ] :
قال الله تعالى : ((والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما * ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا * والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما * والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا * والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما * أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما *خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما)) [الفرقان:68-76]
الشاهد : خير مفسر للقرآن هو القرآن ، مشيئة الله التي تعلقت بها أيها المخالف من قول الله تعالى : ((إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)) ، وزعمت أنه قد يدخل تحتها كبائر الظنون والذنوب من الزنا وقتل النفس المحرمة وغيرها من الكبائر العظام ، يبين لك فساد هذا المذهب قول الله تعالى في سورة الفرقان : ((والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا)) ، ففيه إثبات ظاهر أن أصحاب الكبائر خالدون مخلدون في نار جهنم ليس تشملهم مشيئة الغفران في الآية التي تمسكتم بها، وذلك أنه معلوم أن قتل النفس المحرمة ، والزنى دون الشرك ، ومع ذلك توعد الله سبحانه وتعالى مرتكبيها بالخلود في النيران ، ولكن يبقى السؤال : من هم الذين يشاء الله أن يغفر لهم ذنوبهم ممن لهم أعمال دون الشرك من أهل القبلة ؟! الجواب تجده في قول الله تعالى : ((إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما * ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا)) ، فهي للمذنبين التائبين ، فإن الله تعالى يغفر له ذنوبهم ، ويكفر عنهم سيئاتهم ، عليه فليست مشيئة الله في غفران الذنوب لمن مات وهو مصر على كبائر الظنون والذنوب ، وهذه لعمري آية واضحة في الدلالة على المراد من هذه الرسالة ، بل هي مغنية عنها لمن كان دواءه القرآن، وأما المكابرة فحقا أعيت من يداويها ، ولست أتعجب إلا لمن يقول بعد صريح قول الله في كتابه قال فلان ، وقال علان ، وليت أن مستنده على سادات أهل البيت الملازمين للكتاب ، ولكن على علماء العامة من الناس ، والله المستعان .
[ الآية الثالثة والثلاثون ] :
قال الله تعالى : ((وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون * ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين * فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون * فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين)) [القصص:64-67]
الشاهد : الخطاب في هذه الآية عام في المشركين ، ويدخل تحته التائبون من الشرك ، والتائبون من الشرك معلوم أنهم أصبحوا لاشك مسلمين ، فهنا يخاطب الله تعالى المسلمون التائبون من الشرك بقوله : ((فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين)) ، وهذا يدخل تحته أيضا المسلمون التائبون من الكبائر الموبقة ، عليه تأمل قول الله تعالى : ((فعسى أن يكون من المفلحين)) ، أي فعسى أن يكون أولئك (المشركون أو الفسقة) بتوبتهم وعملهم الصالح من المفلحين ، أي من المغفور لهم ، والمرضيوا الحال ، وهذا أخي الباحث هو ما نسميه بالرجاء ، فالرجاء : هو طلب المغفرة والقبول من الله تعالى وأن يكفر السيئات والذنوب صغيرها والكبير . وشرط قبول الرجاء : التوبة ، فالإيمان والعمل الصالح ، فليس يرجى لعاص قبول يوم القيامة أبدا ، والرجاء بهذا المفهوم هو مذهب أهل البيت (ع) ، تماما كما في قول الله تعالى : ((إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم)) [البقرة:128] ، وكقوله تعالى : ((أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا)) [الإسراء:57] .
[ الآية الرابعة والثلاثون ] :
قال الله تعالى : ((من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون)) [القصص:84]
الشاهد : وهنا يسأل المخالف عن الذين يعملون السيئات ويموتون مصرين عليها ماذا سيجزون ؟! ، هل سيجزون الجنة ؟! أم سيجزون مقاما مناسبا لعملهم السيئ ؟! ، الله تعالى يقول : ((من جاء بالحسنة فله خير منها)) ، ومعلوم أن مقام هذا هو الجنة ، ويقول جل شأنه : ((من جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون)) ، ومعلوم أن مقام هذا هو النار ، فهل سيرد المخالف على الله تعالى قوله ، فيقول مباهتا ، أن من جاء بالسيئة فإنه سيجزى بالجنة ؟! ، وتذكر قول الله تعالى : ((أحسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون)) [العنبكوت:04] ، ومثل هذا كله تدبر قول العزيز الحكيم : ((من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب)) [غافر:40] ، اللهم صل على محمد وآل محمد .
[ الآية الخامسة والثلاثون ] :
قال الله تعالى : ((وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون)) [غافر:58]
الشاهد : وهنا يأتي المخالف ويقول بأن أصحاب الكبائر وأهل الإيمان والعمل الصالح والتحري ، والتائبين ، بمنزلة واحدة عند الله تعالى ، وأنه سيكون مآلهم جميعا النعيم رغم تضاد أعمالهم ، رغم جلد وصبر المؤمنين في جانب الله تعالى ، والحرمان الدائم الذي يعيشونه في دنياهم من كل الملاهي والملاذ المحرمة ، بعكس ذلك الفاسق اللاهي بين لذات الخمور والغواني والترفل بين النعيم الزائل ، والله المستعان ، بربك أيها العاقل ما تقول ؟! ولا تنسى أن تتأمل قول الله تعالى : ((أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون )) [الجاثية:21] .
[ الآية السادسة والثلاثون ] :
قال الله تعالى : ((ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى * الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى)) [النجم:31-32] .
الشاهد : هنا أخي الباحث دليل قوي على صحة مذهب أهل البيت (ع) في فساق أهل القبلة ، من مات منهم مصرا على كبيرة من الكبائر غير تائب منها ، ففيها يخبر الله تعالى أن مستحقي المغفرة هم ((الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ... إن ربك واسع المغفرة)) ، فكيف يقال بعد هذا أن المرتكبين للكبائر والفواحش هم من سيغفر الله لهم ، وستكون شفاعة نبينا محمد (ص) لهم ؟! ، وتأويل قول الله تعالى : ((إلا اللمم)) ففيه دليل على أن الله تعالى قد يكفر سيئات من وقعوا في اللمم ، واللمم هي المعاصي التي دون الكبائر ويتوب العبد منها ويستغفر الله تعالى عليها ، قال الطبري من الفرقة السنية : ((وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : ((إلا)) بمعنى الاستثناء المنقطع، ووجه معنى الكلام إلى : ((الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم)) بما دون كبائر الإثم ودون الفواحش الموجبة للحدود في الدنيا ، والعذاب في الآخرة ، فإن ذلك معفو لهم عنه ، وذلك عندي نظير قوله جل ثناؤه : ((إن تجتنبوا كبآئر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما)) فوعد جل ثناؤه باجتناب الكبائر العفو عما دونها من السيئات وهو اللمم))[9] اه ، قلت : وهذا كلام نفيس للطبري ، لا ينسى المخالف فليعمل النظر وليعرضه على قول الله تعالى : ((إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)) ، ولينظر إلى ((اللمم)) هل يستحق أن يكون هو المقصود بقول الله تعالى : ((ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)) ، طبعا بدون الإصرار على اللمم ، فالتوبة منه مطلوبة .
[ الآية السابعة والثلاثون ] :
قال الله تعالى : ((يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير)) [التحريم:08]
الشاهد : في هذه الآية أخي الباحث رجاء معلق بشرط إلهي مهم ، بدون هذا الشرط لن (تفيد النفي والتأبيد) يتحقق قول الله تعالى : ((عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار)) ، فما هو هذا الشرط الذي به يكفر الله عنا سيئاتنا ويدخلنا جنان الخلد ، الشرط هو قول الله تعالى : ((توبوا إلى الله توبة نصوحا)) ، فالتوبة النصوح هي طريق غفران الذنوب والخلود في الجنان ، وبدونها لا يستحق العبد دخول الجنة ولا الخلود فيها ، ومن لم يكن مقامه الجنة يوم القيامة فلا شك مقامه النار خالدا فيها وبئس المصير ، أعاذنا الله وإياكم منها .
صفحہ 16