مقالات إسلامية - مجالس آل محمد ع
مقالات إسلامية - مجالس آل محمد ع
أهل البيت من منظور الإمام الأعظم زيد بن علي (ع) :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله الغر الميامين .
وبعد :
تطرقنا في دراستنا لحديث الثقلين إلى كون أهل البيت علما لهذه الأمة يجسدون منهج الحق كما وعد الرسول الكريم صلى الله عليه وآله حيث قال : ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا ؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) .
وحديث الثقلين - وغيره من الآيات والأحاديث - تدل قطعا على أن منهج أهل البيت (ع) هو منهج واحد - لأنه صلى الله عليه وآله وسلم قرن أهل البيت بالقرآن الكريم فلا يمكن أن يخالفوه ، ولأن الحق واحد لا يتعدد - وتأكيدا على مدلول الحديث نقدم هذه الدراسة التي تثبت أن منهج أهل البيت العقائدي هو منهج واحد وأن أهل البيت المتقدم منهم والمتأخر كانوا أصحاب فكر واحد وعقيدة واحدة ، وإن اختلفت صياغتهم لأفكارهم وطرحهم لها فإنما كان ذلك لاختلاف الأفكار المنتشرة في أزمانهم .
وهنا نقف وإياكم مع إمام الأئمة الإمام الشهيد حليف القرآن أبي الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام في قراءة ممعنة لكتبه ورسائله التي تتعلق بأهل البيت وما يحوم حول ذلك من أسئلة مثبتين أن عقيدته التي دعا إليهم وأفكاره التي طرحها هي عين أفكار من جاء بعده من أهل البيت (ع) الزيدية الذي يؤكد كونهم هم المعنيين بحديث الثقلين والسفينة وآية التطهير وغير ذلك من الأحاديث المتواترة والتي يؤيد كل واحد منها الآخر .
ولنشرع بتأمل درر كلامه مقسمين له إلى ثلاثة أقسام :
الأول : في كلامه في مكانة أهل البيت (ع) بشكل عام .
الثاني : في اختيارهم لقيادة الأمة .
الثالث : في كلامه عن أمير المؤمنين (ع) خاصة .
صفحہ 1
أولا : مكانة أهل البيت (ع) :
احتل أهل البيت مقاما عظيما في هذه الأمة كما تشهد به الآثار والأيات ، آمن بذلك المقام من آمن ، وجحده من جحد ، ومهما يكن مقامهم في الأمة فهو مقام ، ومهما يكن موقعهم فيها فلهم موقع خاص ؛ خصوصية أفردهم الله عز وجل دون غيرهم بها ، نعم ؛ فالشهادة على الأمة هو موقع ليس بالبسيط ، وهكذا يتجلى لنا كلام الإمام زيد (ع) ؛ فأهل البيت عنده هم الشهداء ؛ يقول - متحدثا عن بني هاشم محاجا من عاصره - :
(( واجتمعت الأمة على: أن بني هاشم هم الذين استجابوا للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصدقوه، فتلى عليهم آياته كما تلى عليهم الكتاب والحكمة وزكاهم.
واجتمعت الأمة على: أنهم فيها أمة وسطا ليكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليهم شهيدا )) .
صفحہ 2
بهذه الجملة نستهل بابنا هذا المعقود للحديث عن أن أهل البيت - كما يرى الإمام زيد (ع) - قد خصوا بموقع خاص في هذه الأمة ، وموقع خاص امتازوا به عن غيرهم ، ونتحدث عنه - من حيث هو - قبل الحديث عن ماهيته ، فإثبات وجوده من حيث هو في فكر الإمام (ع) كاف في إثارتنا للبحث عن خصائص هذا الموقع عنده ! ، وإمامنا الأعظم - كما تقدم ويأتي - يتحدث عن فضل أهل البيت (ع) كقاعدة مسلمة ، ومسألة ضرورية متقررة ، وهاهو يستهل رسالته إلى علماء الأمة بقوله :
(( بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين حتى يرضى وصلى الله وسلم وبارك وترحم وتحنن وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد.
إلى علماء الأمة الذين وجبت لله عليهم الحجة، من زيد بن علي ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ))
هذا القول الذي يبرز فيه إمامنا موقعه لجميع من أرسل إليه رسالته من العلماء ، وينبه فيه على مكانته كونه من أهل البيت .
ثم يقول لعلماء الأمة مبكتا لهم بما قد عرفوه - وهذا ما يشعر بأن المسألة معلومة لكنها معرض عنها لسبب أو لآخر - :
(( فلو كنتم سلمتم إلي أهل الحق حقهم، وأقررتم لأهل الفضل بفضلهم، لكنتم أولياء الله، ولكنتم من العلماء به حقا الذين امتدحهم الله عز وجل في كتابه بالخشية منه. ))
إذا فقضية أهل البيت في نظر الإمام زيد محسومة معلومة عند العلماء ، ولا ينقصها إلا الإقرار باللسان ، ولكن قوله : (( لكنتم أولياء الله )) ينبه على أهمية موقع أهل البيت (ع) غاية تنبيه ! .
صفحہ 3
ولا يأنف الإمام زيد (ع) من الإعادة والتكرير لقضية أهل البيت في حديثه للعلماء ، بل إنه يرى وجوب سرعة العودة إليهم ، ويطلب ذلك في رسالة أراد فيها أن يؤدي العلماء دورهم المنشود في الأمة من أجل إصلاحها ، فيقول (ع) :
(( عباد الله فأسرعوا بالإنابة وابذلوا النصيحة، فنحن أعلم الأمة بالله، وأوعى الخلق للحكمة، وعلينا نزل القرآن ، وفينا كان يهبط جبريل عليه السلام، ومن عندنا اقتبس الخير، فمن علم خيرا فمنا اقتبسه، ومن قال خيرا فنحن أصله، ونحن أهل المعروف، ونحن الناهون عن المنكر، ونحن الحافظون لحدود الله )) .
إن الإمام زيدا (ع) لم يأل جهدا في إثبات ذلك الفضل لأهل البيت ، فأورد الحجج العقلية والنقلية ، سرد الآيات والأحاديث ، ثم انتهى إلى إلزام الخصم بما يلتزمه ؛ فها هو يحاور خصمه بأسلوبه الشيق حتى يثبت فضل أهل البيت له بما يلتزمه ، ففضل آل إبراهيم عليهم الصلاة والسلام ( ذرية إبراهيم ) لم يكن خصمه منكرا له ، ولذلك قال في كتابه تثبيت الإمامة :
(( ثم اجتمعوا على أن لله خيره من خلقه اختارهم واصطفاهم، وجعلهم أدلاء على الفرائض والحكم على خلقه
فقلنا: هاتوا برهانكم عليه؟
قالوا: قول الله تبارك وتعالى: ?إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم?[آل عمران:33].
فاجتمعوا على أن الأمة المسلمة خلقها الله من ذرية إسماعيل بن إبراهيم، وأن آل إبراهيم خاصة المصطفين الذين اختارهم الله واصطفاهم على العالمين.
فقلنا: هاتوا برهانكم عليه؟
قالوا: قول الله تبارك وتعالى: ?وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم? [البقرة: 127 - 129].
فقبلنا منهم، وشهدنا أن الأمة المسلمة خلقها الله تبارك وتعالى من ذرية إسماعيل خاصة وأنهم آل إبراهيم الذين اصطفاهم الله على العالمين، وأنهم أهل البيت الذين رفع الله منهم الأئمة من ذرية إبراهيم وإسماعيل، وبعث فيهم الرسول.
فصار النبي - الذي بعث الله عز وجل - محمدا صلى الله عليه وعلى آله ، وصار أولئك ذرية إبراهيم حقا يقينا، لأن الأمة اجتمعت على أن إبراهيم المصطفى وذرية إبراهيم الذين على دين إبراهيم.
صفحہ 4
وبواسطة ذلك استدل على اصطفاء ذرية محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وها هو يكرر ذكر خصوصية ذرية إبراهيم (ع) حتى ينتهي إلى خلاصة مفادها أن أهل بيت الميت هو الأولى بميراثه كما اجتمع عليه البر والفاجر ، والمؤمن والكافر ، فيقول عليه السلام :
(( وكما قال إبراهيم وإسماعيل: ?ومن ذريتنا أمة مسلمة لك? [البقرة: 128] ولم يقولا: اجعل الأمة مسلمة من ذريتنا ومن غير ذريتنا، ولكنهما افردا الأمة المسلمة، ?ومن ذريتنا أمة مسلمة لك? خاصة، ?وابعث فيهم رسولا منهم?، ولم يقولا: وابعث من غيرهم رسولا، ولكنهما قالا: ومن ذريتنا، وابعث فيهم رسولا منهم، فصار الرسول من أنفسهم شهيدا عليهم بما انتهى إليهم من الكتاب، وصاروا شهداء على الناس بما يكون على الناس من علم الكتاب والحكمة.
وقال الله عز وجل: ?يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وماجعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير? [الحج: 77 - 78].
وهذا ما اجتمع عليه كل بار وفاجر، وكل مؤمن وكافر. اجتمعوا على أن الميت إذا مات فأهل بيته أولى بميراثه )) .
صفحہ 5
وخصوصية موقع أهل البيت (ع) ومكانتهم إنما هو في نظر الإمام منهج يحتكم إليه ، إنه الميزان الذي توزن عليه الأقوال لتميز صحيحها من سقيمها ، وهو صمام الأمان الذي إذا انفلت صار الدين مرتعا لكل جاهل يريد أن يدلي بدلو له فيه ، فمن بعدهم يرجع إليه ! ووضح لنا هذا قوله عليه السلام في كتاب الصفوة :
(( وذلك أنهم لم يروا لأهل بيت نبيهم صلى الله عليه فضلا عليهم - يعترفون لهم به - في قرابتهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا علما بالكتاب ينتهون إلى شيء من قولهم فيه، فلما جاز لهم إنكار فضلهم، جاز ذلك لبعضهم على بعض.
وسمي كل من استقبل القبلة وقرأ القرآن - من مؤمن أو منافق، أو أعرابي أو مهاجر، أو أعجمي أو عربي - من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وجاز لهم - فيما بينهم إذ لم يروا لأهل بيت نبيهم فضلا عليهم - أن يتأول كل من قرأ القرآن برأيه، ثم يقول هو ومن تابعه على رأيه: نحن أعلم الناس بالقرآن وأهداهم فيه )).
صفحہ 6
ثم ها هو يسرد الآية تلو الآية محتجا بكتاب الله على ما يقول ، فيقول في كتاب تثبيت الوصية :
(( وقال: ?إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا? [الأحزاب: 33].
ثم فرض مودتهم فقال: ?قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى? [الشورى: 23] يقول: أن تودوني في قرابتي.
ثم فرض لهم الخمس فيما غنم المسلمون من شيء: سهمه تعالى، وسهم رسوله دون المؤمنين، فقال: ? واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى?[الأنفال: 41].
فعرفنا أن الفضل والخيرة لأهل هذا البيت، الذي فضله الله على جميع البيوت، لأنهم جمعوا السبق والتطهير، فينبغي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيرهم، لأنه خير الناس، وأفضلهم عند الله، وينبغي أن يكونوا قادة الناس إلى يوم القيامة ... إلخ )) .
نعم ؛ والإمام يرى أن الإقرار لأهل الفضل بفضلهم واجب ، واتباعهم كذلك واجب ، وأن تركه كان ذريعة للوصول إلى رقاب القائمين من أهل البيت (ع) ، فها هو يقرن توبيخه للعلماء على خذلانهم لأهل البيت بتوبيخه لهم على سكوتهم عن النهي عن السوء ، ثم يجمع ذلك كله في كونه مما استحفظ العلماء عليه ، وسيسألهم الله تعالى عنه ، فيقول (ع) :
(( عباد الله إن الظالمين قد استحلوا دماءنا، وأخافونا في ديارنا، وقد اتخذوا خذلانكم حجة علينا فيما كرهوه من دعوتنا، وفيما سفهوه من حقنا، وفيما أنكروه من فضلنا عنادا لله، فأنتم شركاؤهم في دمائنا، وأعوانهم في ظلمنا، فكل مال لله أنفقوه، وكل جمع جمعوه، وكل سيف شحذوه وكل عدل تركوه، وكل جور ركبوه، وكل ذمة لله تعالى أخفروها، وكل مسلم أذلوه، وكل كتاب نبذوه، وكل حكم لله تعالى عطلوه، وكل عهد لله نقضوه فأنتم المعينون لهم على ذ لك بالسكوت عن نهيهم عن السوء.
عباد الله إن الأحبار والرهبان من كل أمة مسؤلون عما استحفظوا عليه، فأعدوا جوابا لله عز وجل على سؤاله )) .
صفحہ 7
وبشكل عام فإن الإمام زيدا (ع) لم يترك منبرا يستطيع أن يعلن عليه مكانة أهل البيت (ع) إلا واعتلاه معلنا مكانتهم وفضلهم ، فكان بالأولى منابر الخطابة ، وهذا ما كان يفعله (ع) ولا شك ، كيف لا وهو يقول في إحدى خطبه (ع) :
(( الحمدلله الذي من علينا بالبصيرة، وجعل لنا قلوبا عاقلة، وأسماعا واعية، وقد أفلح من جعل الخير شعاره، والحق دثاره، وصلى الله على خير خلقه الذي جاء بالصدق من عند ربه وصدق به، الصادق محمد صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين من عترته وأسرته والمنتخبين من أهل بيته وأهل ولاتيه )) .
ولكن الإمام مع شدة تعظيمه لأهل البيت (ع) لم ينس أن يذكر أن مكانتهم العظيمة لا تبرر عمل الأفراد المنحرفين منهم ، بل من ظهر عيبه أخذ به وعوقب عليه ، ولكن هذا ليس مسوغا للزهد فيما عندهم ، يقول الإمام (ع) في كتاب الصفوة مجيبا على تساؤل :
(( فإن قلت: إن من آل محمد من ينبغي للناس أن يتفرقوا عنه، فإن فيهم بعض ما يكره لهم.
فلعمري إن فيهم لما في الناس من الفضل والذنوب، ولكن ليس ذلك في جل القوم إنما هو في خواصهم، فمن ظهر عليه عيبه عوقب به من أتاه، وإن ستر عليه عيبه فأمره إلى الله، إن شاء عاقبه وإن شاء غفر له، ما لم يدع الناس إلى ضلالة ولم يضل بهم عن حق، ولم يتأول شيئا يعلمه في الإسلام بدعة أو سنة باطل يتبعه الناس عليها، ومن اتبعه عليها ضل هو ومن اتبعه كبقية من عمل بذلك فضل وأضل.
قال الله تبارك وتعالى: ?ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون?[النحل: 25] .
وإني إنما قلت لك هذا كي لا تزهد في حق آل محمد صلى الله عليه وسلم إن ترى في بعضهم عيوبا، ولكن أحق من وجب على الناس الإقبال إليه من آل محمد صلى الله عليه من ائتمنه المسلمون على نفسه وغيبه، ثم رضوا فهمه وعلمه بكتاب الله وتبيين الحق فيه، وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فهدى الله عز وجل به الناس إلى ذلك، وأهداهم الموثوق في حديثه وفهمه وفضله، ووصفه الحق بما يعرف المسلمين من معالم دينهم، ثم الاستقامة لهم عليه، ليس له أن يجوز بهم عن الحق وليس لهم أن يبتغوا غيره ما ستقام لهم، ولم يكن آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم والحمدلله - على حال منذ فارقهم نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم - إلا وفيهم رضا عند من عرفه من المسلمين، في أنواع الخير التي يفضل بها الناس، عرف ذلك من حقهم من عرفه وأنكره من أنكره )) .
صفحہ 8
وهذه الجملة الأخيرة من أهم الجمل التي قالها التي قالها إمامنا الأعظم (ع) ؛ إذ فيها أوصاف من يجب اتباعه من أهل البيت (ع) والائتمام به ، وربما كنا قد تعدينا حدنا في هذا الباب قليلا ودخلنا قليلا في الباب الثاني ، إلا أن تداخل المواضيع قد يكون عاذرا لنا في هذا وأنت تلوم ! .
وبشكل عام ؛ فإن أدنى نظرة على كلام الإما الأعظم (ع) تعرفنا مكانة أهل البيت المترسخة في فكره ، بل إنه يرجو الله أن يجعل لهم الفضل على سائر أهل الأنبياء عليهم السلام وكأن المسألة قاعدة متقررة مع كل نبي ، فيقول :
(( وإنا لنرجو من الله جل ثناؤه أن يجعل لنا من الفضل بقرابته صلى الله عليه وآله وسلم، على أهل الأنبياء كفضل ما جعل الله لنبينا صلى الله عليه وآله عليهم؛ لأن الله قال: ?كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون? )) .
من هم أهل البيت ؟!
ولما تقدم قد يتسائل المتسائل ؛ فيا ترى من هم أهل البيت في نظر الإمام ؟! هل هم أفراد مسمون بأسمائهم ?! أم هم أشخاص معينون بأوصافهم ?! ويا ترى هل يدخل فيهم المنحرف عن نهج آبائه ؛ فكلامه السابق يوهم ذلك! ، وهل هم جماعة كاملة ؟! فإن كانوا كذلك ، فهل هم كل الأمة ؟! أم هم نساء النبي ؟! أم هم بنو هاشم ؟! .
أسئلة تطرح نفسها بقوة لكل من يبحث في موضوع أهل البيت (ع) ، وإجابة على هذه التساؤلات المهم نرى الإمام زيدا (ع) يختصر لنا المسافة الطويلة بعبارة قصيرة موضحا من هم آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد علي والحسن والحسين (ع) مجيبا على سؤال : فمن أولى الناس بعد الحسين ؟ قال في كتاب تثبيت الوصية :
فقولوا: آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم أولادهما )) ثم يواصل حديثه قائلا : أفضلهم أعلمهم بالدين، الداعي إلى كتاب الله، الشاهر سيفه في سبيل الله... إلخ )) .
لكنه مع ذلك ينكر أشد الإنكار أن يكون منهم أشخاص مسمون ، أو أفراد معينون مفترضي الطاعة ، بل وينكر أن يكون أحد منهم قد ادعى ذلك ؛ فيقول فيما يرويه المفسر فرات الكوفي :
(( والله ما ادعى أحد منا - لا من ولد الحسن ولا من ولد الحسين - أن فينا إماما مفترض الطاعة علينا وعلى جميع المسلمين ، فو الله ما ادعاها أبي علي بن الحسين في طول ما صحبته حتى قبضه الله إليه ، وما ادعاها محمد بن علي فيما صحبته من الدنيا حتى قبضه الله إليه ، فما ادعاها ابن أخي من بعده )) [ هناك نص نقله نشوان الحميري في الحور العين ] .
ومن هذا النص الجلي يتبين ابتداع فكر التنصيص ؛ فهاهو إمامنا ينكر أن يكون أبوه أو أخوه أو ابن أخيه - عليهم سلام الله - قد ادعى أحدهم أنه إمام مفترض الطاعة ، فيا ترى هل خفي على الإمام زيد (ع) مثل هذا الأمر العظيم !! طبعا على تقدير وجوده !! .
صفحہ 9
ثانيا : أهل بيت لقيادة الأمة :
بما تقدم ثبت أن لأهل البيت في نظر الإمام زيد (ع) منزلة عالية رفيعة أكثر من ذكرها والاحتجاج لها ، وتجلى لنا أنهم عنده صمام أمان لهذه الأمة ، وأن بغيابهم ستظهر فجوة كبيرة في الواقع الإسلامي - بل قد وقعت وظهرت - فلا بد من وجودهم ، وحضورهم .
لكن أي وجود هذا ! ترى أي ماهية لوجود وحضور أهل البيت (ع) يريد الإمام زيد (ع) ؟!
طبعا لا يمكننا معرفة إجابة هذا السؤال إلا بتتبع كلامه والتمعن في أطروحاته (ع) .
لكن دعونا نستبق ما ستحمله لنا الأسطر القريبة لنجزم بالقول بأنه إنما أراد بحضورهم تسلم زمام قيادة الأمة الإسلامية ؛ القيادة الدينية ( المرجعية ) ، والقيادة في الحكم ( الإمامة ) ، فإلى كلامه عليه السلام ؛
يقول جوابا لرجل من أهل الشام :
(( وذكرت أن قوما ذكروا أن الله سبحانه وتعالى جعل رعاية عباده إلى الملوك، وجعل ذرية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كسائر رعية الملوك، وأنه ليس لأحد من ذرية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إزالة ما جعله الله سبحانه وتعالى للملوك، لأن الله تعالى قد قال: ?قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير?[آل عمران:26] فقد كذب القائلون هذا على الله عز وجل، وأحالوا جميع الحق وأزالوه عن معدنه.
فنحن الذين ملكنا الله تعالى الملك وآتاناه، واسترعانا رعاية عباده، وذلك حين يقول سبحانه: ?أم يحسدون الناس على ماآتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما?[النساء:54]، ونحن الذين أعز الله تعالى، وعدونا من أذل الله تعالى، وإن كان عدونا غالبا بسلطان الجور، فالله برئ منه وممن زعم أن أمره من الله تعالى.
)) ومن كلام له في الإمامة :
صفحہ 10
(( قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكان أولى الناس بالناس أمير المؤمنين علي صلى الله عليه، ثم قبض أمير المؤمنين علي صلى الله عليه فكان أولى الناس بالناس أمير المؤمنين الحسن بن علي عليهما السلام، ثم قبض أمير المؤمنين الحسن بن علي عليهما السلام، فكان أولى الناس بالناس أمير المؤمنين الحسين بن علي عليهما السلام، ثم سكت.
وقال: الرد إلينا، نحن والكتاب الثقلان.
وقال: نحن ولاة أمر الله، وخزان علم الله، وورثة وحي الله، وعترة نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشيعتنا رعاة الشمس والقمر، والله لاتقبل التوبة إلا منهم، ولا يخص بالرحمة سواهم )) .
وقال (ع) - في كتاب تثبيت الوصية بعد إثبات الوصية من حيث هي ، وإثبات كونها في أمير المؤمنين (ع) خاصة ، ثم إثبات أن أحق الناس بالناس وأولاهم بهم الحسن والحسين على الترتيب لأنهما ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - :
(( فإن قالوا: فمن أولى الناس بعد الحسين؟
فقولوا: آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم أولادهما أفضلهم أعلمهم بالدين، الداعي إلى كتاب الله، الشاهر سيفه في سبيل الله.
فإن لم يدع منهم داع. فهم أئمة للمسلمين في أمرهم وحلالهم وحرامهم، أبرارهم وأتقياؤهم )) .
مما سبق يتضح صحة ما قدمناه من أن حضور أهل البيت (ع) في نظر الإمام زيد إنما هو القيادة الإسلامية ؛ المرجعية والإمامة ، بل إنه عليه السلام لا يشك في فريضة اتباع أهل البيت أبدا بل إنه يحلف بالله ويقول : (( وشيعتنا رعاة الشمس والقمر، والله لاتقبل التوبة إلا منهم، ولا يخص بالرحمة سواهم )) .ومن كلام له في الإمامة : ¶ (( قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكان أولى الناس بالناس أمير المؤمنين علي صلى الله عليه، ثم قبض أمير المؤمنين علي صلى الله عليه فكان أولى الناس بالناس أمير المؤمنين الحسن بن علي عليهما السلام، ثم قبض أمير المؤمنين الحسن بن علي عليهما السلام، فكان أولى الناس بالناس أمير المؤمنين الحسين بن علي عليهما السلام، ثم سكت. ¶ وقال: الرد إلينا، نحن والكتاب الثقلان. ¶ وقال: نحن ولاة أمر الله، وخزان علم الله، وورثة وحي الله، وعترة نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشيعتنا رعاة الشمس والقمر، والله لاتقبل التوبة إلا منهم، ولا يخص بالرحمة سواهم )) . ¶ وقال (ع) - في كتاب تثبيت الوصية بعد إثبات الوصية من حيث هي ، وإثبات كونها في أمير المؤمنين (ع) خاصة ، ثم إثبات أن أحق الناس بالناس وأولاهم بهم الحسن والحسين على الترتيب لأنهما ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - : ¶ (( فإن قالوا: فمن أولى الناس بعد الحسين؟ ¶ فقولوا: آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم أولادهما أفضلهم أعلمهم بالدين، الداعي إلى كتاب الله، الشاهر سيفه في سبيل الله. ¶ فإن لم يدع منهم داع. فهم أئمة للمسلمين في أمرهم وحلالهم وحرامهم، أبرارهم وأتقياؤهم )) . ¶ مما سبق يتضح صحة ما قدمناه من أن حضور أهل البيت (ع) في نظر الإمام زيد إنما هو القيادة الإسلامية ؛ المرجعية والإمامة ، بل إنه عليه السلام لا يشك في فريضة اتباع أهل البيت أبدا بل إنه يحلف بالله ويقول : (( وشيعتنا رعاة الشمس والقمر، والله لاتقبل التوبة إلا منهم، ولا يخص بالرحمة سواهم )) .
البيت و( مشايعتهم ) أمر متقرر في فكر الإمام ، بل هو أمر بالنسبة له ضروري كما هو واضح مما يدل على أن هذا الفكر ليس فكرا جديدا عليه ، إنه هو الفكر الذي لقنه منذ نعومة أظافره ولم يتلق سواه ؛ إنه فكر أهل البيت (ع) ولا شك ؛ زين العابدين ، والحسين ، وأمير المؤمنين ، مأخوذ من عين صافية عبر تلك المجاري الطاهرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم !
لماذا أهل البيت ؟!!
سؤال قد يتردد على الأذهان ، لكن إمامنا (ع) كونه يطرح قضية أهل البيت ويجعلها قضيته الأهم لا بد أن يجيب عليه ، فما إجابته عنده (ع) ؟
يقول (ع) في كتاب تثبيت الوصية :
(( وقال: ?إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا? [الأحزاب: 33].
ثم فرض مودتهم فقال: ?قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى? [الشورى: 23] يقول: أن تودوني في قرابتي.
ثم فرض لهم الخمس فيما غنم المسلمون من شيء: سهمه تعالى، وسهم رسوله دون المؤمنين، فقال: ? واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى?[الأنفال: 41].
فعرفنا أن الفضل والخيرة لأهل هذا البيت، الذي فضله الله على جميع البيوت، لأنهم جمعوا السبق والتطهير، فينبغي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيرهم، لأنه خير الناس، وأفضلهم عند الله، وينبغي أن يكونوا قادة الناس إلى يوم القيامة؛ لأن الله عز وجل يقول: ?أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون?[يونس: 35]. وقال:? إنما أنت منذر ولكل قوم هاد?[الرعد: 7].
فلا ينبغي أن يكون الهادي إلا أعلمهم؛ لأن الله عز وجل اصطفى محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وطهره وعلمه، وجعله القائد المعلم، ومن بعده علي عليه السلام على منهاجه، يحتاج إليه الناس ولا يحتاج إليهم، فإن الله عزوجل قد فضلهم على الخلق بالهدى والطاعة، وأعلم الناس عصمتهم، فلايضلون عن الحق أبدا، والدليل على ذلك ماقد بينت لكم من قوله: ?قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى? [الشورى: 23]. وقال: ?لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون?[المجادلة: 22].
فلو كانوا ممن يحاد الله ورسوله، لم يفرض مودتهم.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا - ولن تذلوا - كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)).
وقال: ?واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل? [الأنفال: 41].
فإن قالوا: فإن الله قد جعل لليتامى والمساكين وابن السبيل، فقولوا: ألا ترون أن الله تعالى قد فرض الخمس لنفسه، وفرضه من بعده لرسوله، وإنما صار لرسوله لفضله عند الله، ولو كان أحد أفضل منهم لكان أحق به منهم. فجروا في ذلك مجرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وإنما فرض الله لليتامى نصيبهم من الخمس ليتمهم، فإذا ذهب يتمهم فلا حق لهم. وإنما فرض للمساكين نصيبهم من الخمس بدل مسكنتهم، فإذا ذهبت عنهم المسكنة فلا حق لهم فيه، وإنما فرض لابن السبيل نصيبهم بدلا من الغربة، فإذا بلغوا بلادهم فلا حق لهم فيه، وكان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كل حال في الغنى والفقر، وهو لذوي القربى على كل حال بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأن الله عز وجل جعل لهم ذلك لما حرم عليهم من الصدقة إذ لم يرضها لهم.
)) .وهذا اليمين في غاية الأهمية ؛ إذ فيه دلالة واضحة على أن وجوب اتباع أهل البيت و ( مشايعتهم ) أمر متقرر في فكر الإمام ، بل هو أمر بالنسبة له ضروري كما هو واضح مما يدل على أن هذا الفكر ليس فكرا جديدا عليه ، إنه هو الفكر الذي لقنه منذ نعومة أظافره ولم يتلق سواه ؛ إنه فكر أهل البيت (ع) ولا شك ؛ زين العابدين ، والحسين ، وأمير المؤمنين ، مأخوذ من عين صافية عبر تلك المجاري الطاهرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ! ¶ لماذا أهل البيت ؟!! ¶ سؤال قد يتردد على الأذهان ، لكن إمامنا (ع) كونه يطرح قضية أهل البيت ويجعلها قضيته الأهم لا بد أن يجيب عليه ، فما إجابته عنده (ع) ؟ ¶ يقول (ع) في كتاب تثبيت الوصية : ¶ (( وقال: ?إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا? [الأحزاب: 33]. ¶ ثم فرض مودتهم فقال: ?قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى? [الشورى: 23] يقول: أن تودوني في قرابتي. ¶ ثم فرض لهم الخمس فيما غنم المسلمون من شيء: سهمه تعالى، وسهم رسوله دون المؤمنين، فقال: ? واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى?[الأنفال: 41]. ¶ فعرفنا أن الفضل والخيرة لأهل هذا البيت، الذي فضله الله على جميع البيوت ، لأنهم جمعوا السبق والتطهير، فينبغي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيرهم، لأنه خير الناس، وأفضلهم عند الله، وينبغي أن يكونوا قادة الناس إلى يوم القيامة؛ لأن الله عز وجل يقول: ?أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون?[يونس: 35]. وقال:? إنما أنت منذر ولكل قوم هاد?[الرعد: 7]. ¶ فلا ينبغي أن يكون الهادي إلا أعلمهم؛ لأن الله عز وجل اصطفى محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وطهره وعلمه، وجعله القائد المعلم، ومن بعده علي عليه السلام على منهاجه، يحتاج إليه الناس ولا يحتاج إليهم، فإن الله عزوجل قد فضلهم على الخلق بالهدى والطاعة، وأعلم الناس عصمتهم، فلايضلون عن الحق أبدا، والدليل على ذلك ماقد بينت لكم من قوله: ?قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى? [الشورى: 23]. وقال: ?لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون?[المجادلة: 22]. ¶ فلو كانوا ممن يحاد الله ورسوله، لم يفرض مودتهم. ¶ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا - ولن تذلوا - كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)). ¶ وقال: ?واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل? [الأنفال: 41]. ¶ فإن قالوا: فإن الله قد جعل لليتامى والمساكين وابن السبيل، فقولوا: ألا ترون أن الله تعالى قد فرض الخمس لنفسه، وفرضه من بعده لرسوله، وإنما صار لرسوله لفضله عند الله، ولو كان أحد أفضل منهم لكان أحق به منهم. فجروا في ذلك مجرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ¶ وإنما فرض الله لليتامى نصيبهم من الخمس ليتمهم، فإذا ذهب يتمهم فلا حق لهم. وإنما فرض للمساكين نصيبهم من الخمس بدل مسكنتهم، فإذا ذهبت عنهم المسكنة فلا حق لهم فيه، وإنما فرض لابن السبيل نصيبهم بدلا من الغربة، فإذا بلغوا بلادهم فلا حق لهم فيه، وكان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كل حال في الغنى والفقر، وهو لذوي القربى على كل حال بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأن الله عز وجل جعل لهم ذلك لما حرم عليهم من الصدقة إذ لم يرضها لهم. ¶ )) .
نعم ؛ أليسوا ذرية نبي هذه الأمة البشير النذير ، أوليسوا السابقين في دين الله ؟!
(( وأحق الناس بالناس وأولاهم بهم الحسن والحسين؛ لأنهما ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعقبه )) . [ كتاب تثبيت الوصية ]
(( فقد نظرنا لكم وأردنا صلاحكم، ونحن أولى الناس بكم، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جدنا، والسابق إليه المؤمن به أبونا، وبنته سيدة النسوان أمنا، فمن نزل منكم منزلتنا؟ )) [ رسالة الإمام زيد إلى علماء الأمة ]
(( عباد الله فأسرعوا بالإنابة وابذلوا النصيحة، فنحن أعلم الأمة بالله، وأوعى الخلق للحكمة، وعلينا نزل القرآن ، وفينا كان يهبط جبريل عليه السلام، ومن عندنا اقتبس الخير، فمن علم خيرا فمنا اقتبسه، ومن قال خيرا فنحن أصله، ونحن أهل المعروف، ونحن الناهون عن المنكر، ونحن الحافظون لحدود الله )). [ رسالة الإمام زيد إلى علماء الأمة ]
القيادة الدينية ( المرجعية ) :
(( الرد إلينا، نحن والكتاب الثقلان .... نحن ولاة أمر الله، وخزان علم الله، وورثة وحي الله، وعترة نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشيعتنا رعاة الشمس والقمر، والله لاتقبل التوبة إلا منهم، ولا يخص بالرحمة سواهم )) . [ من كلام له في الإمامة ]
فإن لم يدع منهم داع. فهم أئمة للمسلمين في أمرهم وحلالهم وحرامهم، أبرارهم وأتقياؤهم. [ تثبيت الوصية ]
من هاتين الفقرتين يتضح عمق المكانة الدينية لأهل البيت (ع) في نظر الإمام زيد بن علي (ع) ؛ فهم والكتاب الثقلان ، ومعروف مكانة القرآن في هذه الأمة ... فأهل البيت هم قرناء الكتاب في نظره وهم الثقل الثاني ، وهذا الموضوع يذكرنا بالحديث الشهير المتواتر المشهور ب( حديث الثقلين ) الذي استدل به الإمام (ع) في كتاب تثبيت الوصية على ( عصمتهم ) وأنهم ( لا يضلون عن الحق أبدا ) ؛ إنه قول الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم : (( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا - ولن تذلوا - كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض )).
إلا أن قول الإمام زيد (ع) في أهل البيت : لا يضلون عن الحق أبدا . يوحي بأنهم عنده معصومون أفرادا ، يقوي هذا ما جاء قبل هذه الجملة من قوله : وأعلم [ أي الله تعالى ] الناس عصمتهم . لكنه يرد على هذا المفهوم وينكره ولا يقبله ، فيعلن قائلا :
(( إنما نحن مثل الناس ، منا المخطئ ومنا المصيب، فسائلونا ولا تقبلوا منا إلا ما وافق كتاب الله وسنة نبيئه صلى الله عليه وآله وسلم )) . [ من كلام له عن أهل البيت ]
وكأن هذا المفهوم - أعني مفهوم عصمة الأفراد - كان قد بدأ يسري في عقول عامة الشيعة ، فأعلن الإمام (ع) إنكاره ، فنظرة الإمام زيد (ع) لأهل البيت نظرة وسطية ؛ فهو ينظر إليهم على أنهم هداة الأمة ، وأنهم معصومون على سبيل الجملة ، لكن هذه الكلية لا تبرر خطأ المخطئ فيكون صوابا ، ولا ترفع من دخل في دائرتها إلى درجة لم يبلغها .ويمكن تلخيص جميع ما تقدم في قوله (ع) : (( لأنهم جمعوا السبق والتطهير ! )) ¶ نعم ؛ أليسوا ذرية نبي هذه الأمة البشير النذير ، أوليسوا السابقين في دين الله ؟! ¶ (( وأحق الناس بالناس وأولاهم بهم الحسن والحسين؛ لأنهما ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعقبه )) . [ كتاب تثبيت الوصية ] ¶ (( فقد نظرنا لكم وأردنا صلاحكم، ونحن أولى الناس بكم، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جدنا، والسابق إليه المؤمن به أبونا، وبنته سيدة النسوان أمنا، فمن نزل منكم منزلتنا؟ )) [ رسالة الإمام زيد إلى علماء الأمة ] ¶ (( عباد الله فأسرعوا بالإنابة وابذلوا النصيحة، فنحن أعلم الأمة بالله، وأوعى الخلق للحكمة، وعلينا نزل القرآن ، وفينا كان يهبط جبريل عليه السلام، ومن عندنا اقتبس الخير، فمن علم خيرا فمنا اقتبسه، ومن قال خيرا فنحن أصله، ونحن أهل المعروف، ونحن الناهون عن المنكر، ونحن الحافظون لحدود الله )). [ رسالة الإمام زيد إلى علماء الأمة ] ¶ القيادة الدينية ( المرجعية ) : ¶ (( الرد إلينا، نحن والكتاب الثقلان .... نحن ولاة أمر الله، وخزان علم الله، وورثة وحي الله، وعترة نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشيعتنا رعاة الشمس والقمر، والله لاتقبل التوبة إلا منهم، ولا يخص بالرحمة سواهم )) . [ من كلام له في الإمامة ] ¶ فإن لم يدع منهم داع. فهم أئمة للمسلمين في أمرهم وحلالهم وحرامهم، أبرارهم وأتقياؤهم. [ تثبيت الوصية ] ¶ من هاتين الفقرتين يتضح عمق المكانة الدينية لأهل البيت (ع) في نظر الإمام زيد بن علي (ع) ؛ فهم والكتاب الثقلان ، ومعروف مكانة القرآن في هذه الأمة ... فأهل البيت هم قرناء الكتاب في نظره وهم الثقل الثاني ، وهذا الموضوع يذكرنا بالحديث الشهير المتواتر المشهور ب( حديث الثقلين ) الذي استدل به الإمام (ع) في كتاب تثبيت الوصية على ( عصمتهم ) وأنهم ( لا يضلون عن الحق أبدا ) ؛ إنه قول الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم : (( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا - ولن تذلوا - كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض )). ¶ إلا أن قول الإمام زيد (ع) في أهل البيت : لا يضلون عن الحق أبدا . يوحي بأنهم عنده معصومون أفرادا ، يقوي هذا ما جاء قبل هذه الجملة من قوله : وأعلم [ أي الله تعالى ] الناس عصمتهم . لكنه يرد على هذا المفهوم وينكره ولا يقبله ، فيعلن قائلا : ¶ (( إنما نحن مثل الناس ، منا المخطئ ومنا المصيب، فسائلونا ولا تقبلوا منا إلا ما وافق كتاب الله وسنة نبيئه صلى الله عليه وآله وسلم )) . [ من كلام له عن أهل البيت ] ¶ وكأن هذا المفهوم - أعني مفهوم عصمة الأفراد - كان قد بدأ يسري في عقول عامة الشيعة ، فأعلن الإمام (ع) إنكاره ، فنظرة الإمام زيد (ع) لأهل البيت نظرة وسطية ؛ فهو ينظر إليهم على أنهم هداة الأمة ، وأنهم معصومون على سبيل الجملة ، لكن هذه الكلية لا تبرر خطأ المخطئ فيكون صوابا ، ولا ترفع من دخل في دائرتها إلى درجة لم يبلغها .
ولذلك وجه أحد أبناء المدينة سؤالا في هذا إلى الإمام زيد (ع) ، فأجابه الإمام إجابة شافية لنا بكل وضوح نظريته في هذه المسألة ؛ فقال :
(( وكتبت تسألني عن أهل بيتي وعن إختلافهم. فاعلم يرحمك الله تعالى أن أهل بيتي فيهم المصيب وفيهم المخطيء، غير أنه لا تكون هداة الأمة إلا منهم، فلا يصرفك عنهم الجاهلون، ولا يزهدك فيهم الذي لا يعلمون، وإذا رأيت الرجل منصرفا عن هدينا، زاهدا في علمنا، راغبا عن مودتنا، فقد ضل ولا شك عن الحق، وهو من المبطلين الضالين، وإذا ضل الناس عن الحق، لم تكن الهداة إلا منا، فهذا قولي يرحمك الله تعالى في أهل بيتي )) .
نعم ؛ ونظرية الإمام زيد (ع) في وجوب اتباع أهل البيت هي ذات أفق واسع وأهداف في غاية الأهمية ، لأنه يرى أن سبب تشتت الأمة وتفرقها وتشرذمها إنما هو عدم احتكامهم ورجوعهم إلى خط أهل البيت (ع) ، فلذلك نشأت المذاهب والفرق وتعددت الأهواء ، وتبرأ كل من الآخر ونبزه بأسوأ الألقاب ، ومنذ ذلك الحين البعيد ! وكل أراد أن يكون متبوعا لا تابعا وأن يؤخذ بتأويله للقرآن وإن كان لا يؤوله إلا وفق هواه ، وإلا فوصمة الضلال قد نزلت على من أبى اتباعه ، هكذا دون دليل جعل فلانا هو المتبوع دون فلان .
يقول (ع) في مقدمة كتاب الصفوة : (( وقد رأيت ما وقع الناس فيه من الاختلاف، تبرأوا [من بعضهم] وتأولوا القرآن برأيهم على أهوائهم،[و] اعتنقت كل فرقة منهم هوى، ثم تولوا عليه، وتأولوا القرآن على رأيهم ذلك ، بخلاف ما تأوله عليه غيرهم، ثم برئ بعضهم من بعض، وكلهم يزعم فيما يزين له أن على هدى في رأيه وتأوله، وأن من خالفه على ضلالة أو كفر أو شرك، لابد لكل أهل هوى منهم أن يقولوا بعض ذلك.
وكل أهل هوى من أهل هذه القبلة يزعمون أنهم أولى الناس بالنبي صلى الله عليه وآله، وأعلمهم بالكتاب الذي جاء به، وأنهم أحق الناس بكل آية ذكر الله فيها صفوة أو حبوة أو هدى لأمة محمد صلى الله عليه وآله، وكلهم يزعم أن من خالفهم - في رأيهم وتأويلهم - من أهل بيت نبيهم برؤا منه، وأن أهل بيت نبيهم صلى الله عليه وآله لن يهتدوا إلا بمتابعتهم إياهم )) .
ثم أخذ (ع) يذم التفرق والاختلاف ، بل إنه - لما رآه وعاينه - لم يعد مقتنعا بأن ما أمامه أمة واحدة ، بل هم أمم وأديان ؛ إذ ليس الأخوان في الدين بالذين يتبرأ بعضهم من بعض ويقتل بعضهم بعضا ؛ يقول (ع) في نفس المقدمة :
(( فإن قلت: هم أمة محمد صلى الله عليه وآله لأنهم كانوا مجتمعين في عهده، كما أمرهم الله عز وجل. قلنا: نعم، فلما تفرقوا كما تفرق من كان قبلهم وقد نهوا عن التفرق صاروا أمما كما كان من قبلهم حين تفرقوا بعد أن كانوا أمة واحدة، قال الله تبارك وتعالى: ? واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون? [آل عمران: 103]. وليس الإخوان في الدين بالذين يتبرأ بعضهم من بعض، ويقتل بعضهم بعضا، قال الله تبارك وتعالى: ?ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم?[آل عمران: 105].
وقد بين الله لكم أمر من كان قبل أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بني إسرائيل كانوا أمة في عهد موسى صلى الله عليه، فلما تفرقوا سماهم الله أمما، فقال: ?وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون?[الأعراف: 168]. بلوا لأنهم تفرقوا بعد موسى، يزعمون كلهم أنهم متبعون لموسى مصدقون بالتوراة ويستقبلون قبلة واحدة، قال الله تبارك وتعالى: ?ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة?[آل عمران: 113] فسماهم الله أهل الكتاب، ثم سمى أهل الحق منهم أمة قائمة، ثم وصفها، فقال: ?يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين?[آل عمران: 113 - 114].
فكل فرقة من أهل هذه القبلة نصبوا أديانا يتأولون عليها ويتبرأون ممن خالفهم، فهم أمة على هدى كانوا أم على ضلالة، قال الله جل جلاله: ?إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين?[النحل:120]. فسماه الله حين كان على دين لم يكن عليه أحد غيره: أمة. قال الله جل ثناؤه لقوم اتبعوا ضلالة آبائهم: ?إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون?[الزخرف: 23].
وكذلك تفرقت هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وآله وسلم، أمما، كما تفرقت بنو إسرائيل بعد موسى أمما، وقد قال الله جل ثناؤه: ?ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون?[الأعراف: 159].
)) .
أين الحل ؟!
الحل في نظر الإمام ليس إلا التزام منهج أهل البيت ، يواصل الإمام حديثه ويقول :
(( واعلم أنما أصاب الناس من الفتن والاختلاف وشبهت عليهم الأمور إلا من قبل ما أذكر لك، فأحسن النظر في كتابي هذا، واعلم أنك لن تستشفي بأول قولي حتى تبلغ آخره إن شاء الله.
وذلك أنهم لم يروا لأهل بيت نبيهم صلى الله عليه فضلا عليهم - يعترفون لهم به - في قرابتهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا علما بالكتاب ينتهون إلى شيء من قولهم فيه، فلما جاز لهم إنكار فضلهم، جاز ذلك لبعضهم على بعض.ولعل التساؤل عن وجوب اتباع أهل البيت مع اختلافهم كان موجودا آنذاك ، ولذلك وجه أحد أبناء المدينة سؤالا في هذا إلى الإمام زيد (ع) ، فأجابه الإمام إجابة شافية لنا بكل وضوح نظريته في هذه المسألة ؛ فقال : ¶ (( وكتبت تسألني عن أهل بيتي وعن إختلافهم. فاعلم يرحمك الله تعالى أن أهل بيتي فيهم المصيب وفيهم المخطيء، غير أنه لا تكون هداة الأمة إلا منهم، فلا يصرفك عنهم الجاهلون، ولا يزهدك فيهم الذي لا يعلمون ، وإذا رأيت الرجل منصرفا عن هدينا، زاهدا في علمنا، راغبا عن مودتنا، فقد ضل ولا شك عن الحق، وهو من المبطلين الضالين، وإذا ضل الناس عن الحق، لم تكن الهداة إلا منا، فهذا قولي يرحمك الله تعالى في أهل بيتي )) . ¶ نعم ؛ ونظرية الإمام زيد (ع) في وجوب اتباع أهل البيت هي ذات أفق واسع وأهداف في غاية الأهمية ، لأنه يرى أن سبب تشتت الأمة وتفرقها وتشرذمها إنما هو عدم احتكامهم ورجوعهم إلى خط أهل البيت (ع) ، فلذلك نشأت المذاهب والفرق وتعددت الأهواء ، وتبرأ كل من الآخر ونبزه بأسوأ الألقاب ، ومنذ ذلك الحين البعيد ! وكل أراد أن يكون متبوعا لا تابعا وأن يؤخذ بتأويله للقرآن وإن كان لا يؤوله إلا وفق هواه ، وإلا فوصمة الضلال قد نزلت على من أبى اتباعه ، هكذا دون دليل جعل فلانا هو المتبوع دون فلان . ¶ يقول (ع) في مقدمة كتاب الصفوة : (( وقد رأيت ما وقع الناس فيه من الاختلاف، تبرأوا [من بعضهم] وتأولوا القرآن برأيهم على أهوائهم،[و] اعتنقت كل فرقة منهم هوى، ثم تولوا عليه، وتأولوا القرآن على رأيهم ذلك ، بخلاف ما تأوله عليه غيرهم، ثم برئ بعضهم من بعض، وكلهم يزعم فيما يزين له أن على هدى في رأيه وتأوله، وأن من خالفه على ضلالة أو كفر أو شرك، لابد لكل أهل هوى منهم أن يقولوا بعض ذلك. ¶ وكل أهل هوى من أهل هذه القبلة يزعمون أنهم أولى الناس بالنبي صلى الله عليه وآله، وأعلمهم بالكتاب الذي جاء به، وأنهم أحق الناس بكل آية ذكر الله فيها صفوة أو حبوة أو هدى لأمة محمد صلى الله عليه وآله، وكلهم يزعم أن من خالفهم - في رأيهم وتأويلهم - من أهل بيت نبيهم برؤا منه، وأن أهل بيت نبيهم صلى الله عليه وآله لن يهتدوا إلا بمتابعتهم إياهم )) . ¶ ثم أخذ (ع) يذم التفرق والاختلاف ، بل إنه - لما رآه وعاينه - لم يعد مقتنعا بأن ما أمامه أمة واحدة ، بل هم أمم وأديان ؛ إذ ليس الأخوان في الدين بالذين يتبرأ بعضهم من بعض ويقتل بعضهم بعضا ؛ يقول (ع) في نفس المقدمة : ¶ (( فإن قلت: هم أمة محمد صلى الله عليه وآله لأنهم كانوا مجتمعين في عهده، كما أمرهم الله عز وجل. قلنا: نعم، فلما تفرقوا كما تفرق من كان قبلهم وقد نهوا عن التفرق صاروا أمما كما كان من قبلهم حين تفرقوا بعد أن كانوا أمة واحدة، قال الله تبارك وتعالى: ? واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون? [آل عمران: 103]. وليس الإخوان في الدين بالذين يتبرأ بعضهم من بعض، ويقتل بعضهم بعضا، قال الله تبارك وتعالى: ?ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم?[آل عمران: 105]. ¶ وقد بين الله لكم أمر من كان قبل أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بني إسرائيل كانوا أمة في عهد موسى صلى الله عليه، فلما تفرقوا سماهم الله أمما، فقال: ?وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون?[الأعراف: 168]. بلوا لأنهم تفرقوا بعد موسى، يزعمون كلهم أنهم متبعون لموسى مصدقون بالتوراة ويستقبلون قبلة واحدة، قال الله تبارك وتعالى: ?ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة?[آل عمران: 113] فسماهم الله أهل الكتاب، ثم سمى أهل الحق منهم أمة قائمة، ثم وصفها، فقال: ?يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين?[آل عمران: 113 - 114]. ¶ فكل فرقة من أهل هذه القبلة نصبوا أديانا يتأولون عليها ويتبرأون ممن خالفهم، فهم أمة على هدى كانوا أم على ضلالة، قال الله جل جلاله: ?إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين?[النحل:120]. فسماه الله حين كان على دين لم يكن عليه أحد غيره: أمة. قال الله جل ثناؤه لقوم اتبعوا ضلالة آبائهم: ?إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون?[الزخرف: 23]. ¶ وكذلك تفرقت هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وآله وسلم، أمما، كما تفرقت بنو إسرائيل بعد موسى أمما، وقد قال الله جل ثناؤه: ?ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون?[الأعراف: 159]. ¶ )) . ¶ أين الحل ؟! ¶ الحل في نظر الإمام ليس إلا التزام منهج أهل البيت ، يواصل الإمام حديثه ويقول : ¶ (( واعلم أنما أصاب الناس من الفتن والاختلاف وشبهت عليهم الأمور إلا من قبل ما أذكر لك، فأحسن النظر في كتابي هذا، واعلم أنك لن تستشفي بأول قولي حتى تبلغ آخره إن شاء الله. ¶ وذلك أنهم لم يروا لأهل بيت نبيهم صلى الله عليه فضلا عليهم - يعترفون لهم به - في قرابتهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا علما بالكتاب ينتهون إلى شيء من قولهم فيه، فلما جاز لهم إنكار فضلهم، جاز ذلك لبعضهم على بعض.
مهاجر، أو أعجمي أو عربي - من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وجاز لهم - فيما بينهم إذ لم يروا لأهل بيت نبيهم فضلا عليهم - أن يتأول كل من قرأ القرآن برأيه، ثم يقول هو ومن تابعه على رأيه: نحن أعلم الناس بالقرآن وأهداهم فيه. فخالفهم ضرباؤهم - من الناس في رأيهم وتأولهم - وأكفاؤهم في السنة. وقد قرأوا القرآن مثل قراءتهم، وأقروا من تصديق النبي صلى الله عليه وآله بمثل ما أقروا به، فمن هنالك اختلفوا ولا يرجع بعضهم إلى بعض، فانظر فيما أصف لك.
فلعمري إنا لنعلم أن أعلم الناس أعلمهم بالقرآن، وأن أهدى الناس لمن عمل به المتبع لما فيه، ولقد قال الله جل ثناؤه: ?إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا?[الإسراء: 9].
ولكن انظر - إذا تفرق الناس وكلهم يقر بالكتاب وبالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبعضهم ينتحل الهدى دون بعض - هل في كتاب الله عز وجل تفضيل لبعض أهل هذه القبلة على بعض؟ فينبغي أن تعرف أهل ذلك التفضيل في كتاب الله جل ثناؤه، وتفضلهم بما فضلهم الله عز وجل، وتكون بهم مقتديا. )) .وسمي كل من استقبل القبلة وقرأ القرآن - من مؤمن أو منافق، أو أعرابي أو مهاجر، أو أعجمي أو عربي - من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وجاز لهم - فيما بينهم إذ لم يروا لأهل بيت نبيهم فضلا عليهم - أن يتأول كل من قرأ القرآن برأيه، ثم يقول هو ومن تابعه على رأيه: نحن أعلم الناس بالقرآن وأهداهم فيه. فخالفهم ضرباؤهم - من الناس في رأيهم وتأولهم - وأكفاؤهم في السنة. وقد قرأوا القرآن مثل قراءتهم، وأقروا من تصديق النبي صلى الله عليه وآله بمثل ما أقروا به، فمن هنالك اختلفوا ولا يرجع بعضهم إلى بعض، فانظر فيما أصف لك. ¶ فلعمري إنا لنعلم أن أعلم الناس أعلمهم بالقرآن، وأن أهدى الناس لمن عمل به المتبع لما فيه، ولقد قال الله جل ثناؤه: ?إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا?[الإسراء: 9]. ¶ ولكن انظر - إذا تفرق الناس وكلهم يقر بالكتاب وبالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبعضهم ينتحل الهدى دون بعض - هل في كتاب الله عز وجل تفضيل لبعض أهل هذه القبلة على بعض؟ فينبغي أن تعرف أهل ذلك التفضيل في كتاب الله جل ثناؤه، وتفضلهم بما فضلهم الله عز وجل، وتكون بهم مقتديا. )) .
مسألة الإمامة في نظر الإمام (ع) مسألة لا بد منها ، فلا بد للناس من وال يقيم أمورهم ويدبر شئونهم ، لكنها مع ذلك تخضع للموازين الشرعية ، فليس للناس اختيار الإمام - الذي لا بد منه - إلا وفق موازين الشارع ، وبعد النظر في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله ؛ يقول الإمام [ كتاب تثبيت الإمامة ] :
(( ثم سألنا الفريقين جميعا هل للناس بد من وال يصلي بهم، ويقيم أعيادهم، ويجبي زكاتهم، ويعطيها فقراءهم، ويأخذ غنائمهم ويقسمها، ويقضي بينهم، ويأخذ لضعيفهم من قويهم، ويقيم حدودهم؟ فاجتمع الفريقان على أنه لابد من وال يقوم فيهم بالحق، ويعمل فيهم بالسنة. فقبلنا منهم، وشهدنا أنه الحق، وأنه لابد للناس من وال يقوم فيهم بالحق، ويعمل فيهم بالسنن.
ثم سألنا الفريقين هل للناس أن يتبرعوا بتولية رجل يجعلونه إماما وخليفة عليهم قبل أن ينظروا في كتاب الله عز وجل والسنة؟ فإن وجدوا الكتاب والسنة يدلان على تولية رجل باسمه وبفضله يولونه عليهم، لفضله عليهم في الكتاب والسنة. فاجتمع الفريقان على أن ليس للأمة أن يتبرعوا بولاية رجل يختارونه ويجعلونه عليهم واليا، يحكم بينهم، دون أن ينظروا في كتاب الله عز وجل والسنة، فإن وجدوا الكتاب والسنة يدلان على تولية رجل باسمه وفضله ولوه عليهم، وإن لم يجدوا الكتاب والسنة يدلان على تولية رجل باسمه وفضله كانت لهم الشورى بعد ذلك بما وافق الكتاب والسنة. فلما أجمعوا على ذلك قبلنا منهم، وشهدنا أنه ليس للأمة أن يتبرعوا بتولية وال على أن يجعلوه الخليفة والإمام دون أن ينظروا في الكتاب والسنة )) .
ثم جعل عليه السلام يتتبع صفات الإمام أخذا وردا وفق الموازين الشرعية ليصل في النهاية إلى استحقاق أمير المؤمنين (ع) لها ، وذلك حيث الميزان الشرع لا الرأي .
إلا أن لنا تنبيها هنا بخصوص كتاب ( تثبيت الإمامة ) وهو أن الإمام زيدا بنى كلامه فيه على إثبات المذهب بما يلتزمه الخصم أصلا ، وعلى ذلك فربما أتى بأدلة توهم في ظاهرها أن لا منصب معين للإمامة ، وهذا خلاف ما صرح به أكثر من مرة وأسلفنا ذكره عنه ، يوضح هذا قوله (ع) :
(( ثم سألنا الذين زعموا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استخلف علي بن أبي طالب - صلوات الله عليه وسلامه - ومضى: هل لكم بينة عدول من غيركم على ما ادعيتم فنصدقكم ونقضي لكم؟
قالوا: لا نجد بينة عدولا من غيرنا .
ثم سألنا الذين زعموا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مضى ولم يستخلف أحدا - وأنه جعل ذلك إليهم ليختاروا لأنفسهم، فاختاروا أبا بكر-: هل لكم بينة عدول من غيركم فنصدقكم ونقضي لكم؟
قالوا: لا نجد بينة عدولا من غيرنا.
فلما لم يجد الفريقان البينة العدول من غيرهم على ما ادعوا أوقفناهم حتى نعلم المحق من المبطل )) .
وبالطبع هذا لا يعني عدم قيام الحجة على المخالف بالآيات والأحاديث القطعية ، إذ المخالف لا يلتزم مدلولها ، والله أعلم .
نعم ؛ ثم اختتم الإمام (ع) كتابه تثبيت الإمامة بخاتمة هامة استدل فيها على ثبوت الإمامة من حيث هي ، وهي في نفس الوقت تحمل إشارة واضحة على كون الإمامة شرعية ، فقال (ع) :
(( واجتمعت الأمة على: أن الله تبارك وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة، فأقام في قومه عشر سنين كما حكم الله عليه، وجادلهم بالتي هي أحسن، فسموه: مجنونا، وكذابا، وكاهنا، وساحرا، فأقام مع المشركين وهم في شركهم حتى انقضت الأيام والسنون، ثم أمره الله عز وجل أن ينصر هجرته وأن يشهر سيفه، وأن يصير إلى حيث يقاتل من خالفه، حتى يدخل في طاعته، وأن يقيم الحدود، وأن يأخذ للضعيف من القوي، فلم يزل ناصرا هجرته، وشاهرا سيفه، يقاتل من خالفه، ويقيم الحدود حتى لحق بالله عز وجل.
واجتمعت الأمة على: أن النبوة لا تورث، فقبلنا منهم وشهدنا أن النبوءة لا تورث.
وسألنا الأمة: إنفاذ الذي جاء من عند الله بالسنن، وإقامة الحدود، ودفع إلى كل ذي حق حقه ونبوة؟ فكان من عمل بها فهو نبي؟ فقالوا: لا، ولكن النبوة: الإخبار عن الله والسبيل بالكتاب والسنة . فهذا بيان لمن تفكر فيه ولم يعطف الحق إلى هواه، ورضي بالحياة الدنيا واطمأن إليها. والسلام )) .
والواجبات التي ذكرها الإمام (ع) ماهي معلومة إلا من قبل الشرع ، وبها أشار إلى ضرورة من يقوم بها بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم !
وجوب طاعة الإمام ! :
لا بد من طاعة الإمام لينفذ أحكامه ، وإلا فما فائدته فإنما جعل الإمام ليؤتم به ، وهذا الأمر بالتأكيد لم يغفل الإمام ذكره ، وكيف يغفل ذكره وإنما تقوم الإمامة به !
يقول الإمام في رسالة الحقوق : (( وحق الله على عبده في أئمة الهدى أن ينصح لهم في السر والعلانية، وأن يجاهد معهم، وأن يبذل نفسه وماله دونهم، إن كان قادرا على ذلك من أهل السلامة )) .
لكن .. وكيف يطاع الإمام ؟! ما الموجب لطاعة فرد من أهل البيت والنص عليه غير موجود كما قدمنا ؟! وباختصار : كيف نعرف الإمام ؟!!
سؤال قد يتبادر إلى الأذهان ، وإمامنا الأعظم أبو الحسين (ع) يجيب لنا عنه أيضا عندما نتأمل كلماته في رسالته العظيمة إلى علماء الأمة ، فهو فيها ( يدعوهم ) إلى كتاب الله ، و( يدعوهم ) إلى الإجابة .. والإنابة .. والإعانة ، إنها الدعوة وإظهار الأمر التي من خلالها تقوم الحجة على العباد .
يقول الإمام (ع) في رسالته إلى العلماء : (( اللهم قد طلبنا المعذرة إليك، وقد عرفتنا أنك لا تصلح عمل المفسدين، فأنت اللهم ولينا، والحاكم فيما بيننا وبين قومنا بالحق. .
هذا مانقول وهذا ما ندعوا إليه، فمن أجابنا إلى الحق فأنت تثيبه وتجازيه، ومن أبى إلا عتوا وعنادا فأنت تعاقبه على عتوه وعناده
فالله الله عباد الله أجيبوا إلى كتاب الله وسارعوا إليه، واتخذوه حكما فيما شجر بينكم، وعدلا فيما فيه اختلفنا، وإماما فيما فيه تنازعنا، فإنا به راضون، وإليه منتهون، ولما فيه مسلمون لنا وعلينا، لانريد بذلك سلطانا في الدنيا، إلا سلطانك، ولا نلتمس بذلك أثرة على مؤمن، ولا مؤمنة، ولا حر، ولا عبد.
عباد الله فأجيبونا إجابة حسنة تكن لكم البشرى بقول الله عز وجل في كتابه: ?فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه? [الزمر: 18]، ويقول: ?ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين?[فصلت: 33].
عباد الله فاسرعوا بالإنابة وابذلوا النصيحة، فنحن أعلم الأمة بالله، وأوعى الخلق للحكمة، وعلينا نزل القرآن ، وفينا كان يهبط جبريل عليه السلام، ومن عندنا اقتبس الخير، فمن علم خيرا فمنا اقتبسه، ومن قال خيرا فنحن أصله، ونحن أهل المعروف، ونحن الناهون عن المنكر، ونحن الحافظون لحدود الله.
عباد الله فأعينونا على من استعبد أمتنا، وأخرب أمانتنا، وعطل كتابنا، وتشرف بفضل شرفنا، وقد وثقنا من نفوسنا بالمضي على أمورنا، والجهاد في سبيل خالقنا، وشريعة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، صابرين على الحق، لا نجزع من نائبة من ظلمنا، ولا نرهب الموت إذا سلم لنا ديننا، فتعاونوا تنصروا يقول الله عز وجل في كتابه: ?يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم? [محمد: 7]، ويقول الله عز وجل: ?ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور? [الحج: 40 - 41].
)) .
ثم ها هو يقرر هذه القضية ؛ قضية ( الدعوة ) ووجوب نصرة ( الداعي ) و( القائم ) من أهل البيت (ع) فيقول :
(( فيا علماء السوء محوتم كتاب الله محوا، وضربتم وجه الدين ضربا، فند والله نديد البعير الشارد، هربا منكم، فبسوء صنيعكم سفكت دماء القائمين بدعوة الحق من ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ورفعت رؤوسهم فوق الأسنة، وصفدوا في الحديد، وخلص إليهم الذل، واستشعروا الكرب وتسربلوا الأحزان، يتنفسون الصعداء، ويتشاكون الجهد؛ فهذا ما قدمتم لأنفسكم، وهذا ما حملتموه على ظهوركم، فالله المستعان، وهو الحكم بيننا وبينكم، يقضي بالحق وهو خير الفاصلين)) .
ويواصل عليه السلام موضحا دعوته قائلا : (( وقد كتبت إليكم كتابا بالذي أريد من القيام به فيكم، وهو: العمل بكتاب الله، وإحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فبالكتاب قوام الإيمان، وبالسنة يثبت الدين، وإنما البدع أكاذيب تخترع، وأهواء تتبع، يتولى فيها وعليها رجال رجالا صدوهم عن دين الله، وذادوهم عن صراطه، فإذا غيرها المؤمن، ونهى عنها الموحد، قال المفسدون: جاءنا هذا يدعونا إلى بدعة!!
وأيم الله ماالبدعة إلا الذي أحدث الجائرون، ولا الفساد إلا الذي حكم به الظالمون، وقد دعوتكم إلى الكتاب فأجيبوا داعي الله وانصروه.
فوالذي بأذنه دعوتكم، وبأمره نصحت لكم، ما ألتمس أثرة على مؤمن، ولا ظلما لمعاهد، ولوددت أني قد حميتكم مراتع الهلكة، وهديتكم من الضلالة، ولو كنت أوقد نارا فأقذف بنفسي فيها، لا يقربني ذلك من سخط الله، زهدا في هذه الحياة الدنيا، ورغبة مني في نجاتكم، وخلاصكم، فإن أجبتمونا إلى دعوتنا كنتم السعداء والموفورين حظا ونصيبا.
عباد الله انصحوا داعي الحق، وانصروه إذا قد دعاكم لما يحييكم، ذلك بأن الكتاب يدعو إلى الله وإلى العدل والمعروف، ويزجر عن المنكر.
فقد نظرنا لكم وأردنا صلاحكم، ونحن أولى الناس بكم، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جدنا، والسابق إليه المؤمن به أبونا، وبنته سيدة النسوان أمنا، فمن نزل منكم منزلتنا؟ فسارعوا عباد الله إلى دعوة الله، ولا تنكلوا عن الحق، فبالحق يكبت عدوكم ، وتمنع حريمكم، وتأمن ساحتكم.
وذلك أنا ننزع الجائرين عن الجنود، والخزائن، والمدائن، والفيء، والغنائم، ونثبت الأمين المؤتمن، غير الراشي والمرتشي الناقض للعهد؛ فإن نظهر فهذا عهدنا، وإن نستشهد فقد نصحنا لربنا، وأدينا الحق إليه من أنفسنا، فالجنة مثوانا ومنقلبنا، فأي هذا يكره المؤمن، وفي أي هذا يرهب المسلم؟ وقد قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: ?ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما? [النساء: 107].
)) .
نعم ؛ وتكررت الدعوة من الإمام (ع) مقررا بها الحجة على من حوله ، وها هو يخطب الناس خطبة يبين فيها دعوته وآداب الجهاد قائلا :
(( فمن سمع دعوتنا هذه الجامعة غير المفرقة، العادلة غير الجائرة، فأجاب دعوتنا وأناب إلى سبيلنا، وجاهد بنفسه نفسه ومن يليه من أهل الباطل ودعائم النفاق، فله ما لنا وعليه ما علينا، ومن رد علينا دعوتنا وأبى إجابتنا، واختار الدنيا الزائلة الآفلة على الآخرة الباقية، فالله من أولئك برئ، وهو يحكم بيننا وبينهم.
عباد الله إذا لقيتم القوم فادعوهم إلى أمركم، فلأن يستجيب لكم رجل واحد خير لكم مما طلعت عليه الشمس من ذهب وفضة، وعليكم بسيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بالبصرة والشام، لا تتبعوا مدبرا، ولا تجهزوا على جريح، ولا تفتحوا بابا مغلقا، والله على ما أقول وكيل.
عباد الله لا تقاتلوا عدوكم على الشك فتضلوا عن سبيل الله، ولكن البصيرة .. البصيرة ثم القتال، فإن الله يجازي عن اليقين أفضل جزاء يجزي به على حق، إنه من قتل نفسا يشك في ضلالتها كمن قتل نفسا بغير حق.
عباد الله البصيرة .. البصيرة )) .
وظل الإمام (ع) مواصلا مسيرته في دعوة الخلق وإقامة الحجة - كونه قد دعا لنفسه لما رأى في نفسه الأهلية لذلك ، وهذا تطبيق فعلي لنظريته التي كتب عنها واحتج لها - حتى خفقت رايات الجهاد فوق رأسه (ع) وهو يؤم كتيبته الزيدية ، فلما رآها قال - مقررا جميع ما قدمناه هنا - :
(( الحمدلله الذي أكمل لي ديني، والله ما يسرني أن لقيت محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، ولم آمر في أمته بالمعروف ولم أنههم عن المنكر، والله ما أبالي إذا أقمت كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ أن أججت لي نار ثم قذفت فيها، ثم صرت بعد ذلك إلى رحمة الله تعالى، والله لا ينصرني أحد إلا كان في الرفيق الأعلى، مع محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين صلوات الله وسلامه عليهم.
ويحكم أما ترون هذا القرآن بين أظهركم جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن بنوه. يا معاشر الفقهاء، ويا أهل الحجا، أنا حجة الله عليكم، هذه يدي مع أيديكم، على أن نقيم حدود الله، ونعمل بكتاب الله، ونقسم بينكم فيأكم بالسوية، فاسألوني عن معالم دينكم، فإن لم أنبئكم بكل ما سألتم عنه فولوا من شئتم ممن علمتم أنه أعلم مني! والله لقد علمت علم أبي علي بن الحسين، وعلم جدي الحسين بن علي، وعلم علي بن أبي طالب وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعيبة علمه، وإني لأعلم أهل بيتي. والله ما كذبت كذبة منذ عرفت يميني من شمالي، ولا انتهكت لله محرما منذ عرفت أن الله يؤاخذني، هلموا فاسألوني )) .
وبهذا يتبين عظمة هذه الفريضة ؛ فريضة طاعة الإمام ، ويتبين كذلك أن الطاعة لا تثبت وتستقر لأي فرد من أهل البيت إلا بالدعاء للنصرة ، ولعل ما نورده الآن من كلامه (ع) يوضح هذا غاية الوضوح ؛ قال (ع) : (( فالإمام منا المفترض الطاعة علينا وعلى جميع المسلمين الخارج بسيفه الداعي إلى كتاب الله وسنة نبيه ، الظاهر على ذلك الجارية أحكامه ، فأما أن يكون إمام مفترض الطاعة علينا وعلى جميع المسلمين متكئ فرشه مرجئ على حجته ، مغلق عنه أبوابه تجري عليه أحكام الظلمة ، فإنا لا نعرف هذا ! )) [ تفسير فرات الكوفي ]
لكن يأتي هنا سؤال ؛ هل كل فرد من أهل البيت دعا لنفسه قد استوجب الطاعة على غيره ؟! وإن لم يكن كذلك فما هي الشروط المفترضة ؟!
صفات الإمام :
بالطبع الإجابة تكون : لا ؛ فالإمامة مقام عال جدا لا يتربع عليه إلا من تحلى لأعلى الصفات الخاصة به ، وأهل البيت فيهم ( ما في الناس من الفضل والذنوب ) على حد تعبير الإمام عليه السلام ، أما عن هذه الصفات فندع الإمام (ع) يحدثنا عنها بقوله :
(( اعلم أنه لا ينبغي لأحد منا أن يدعو إلى هذا الأمر حتى تجتمع فيه هذه الخلال:حتى يعلم التنزيل والتأويل، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، وعلم الحلال والحرام، والسنة الناسخة ما كان قبلها، وما يحدث كيف يرده إلى ما قد كان لمثل ما فيه وله، وحتى يعلم السيرة في أهل البغي، واليسرة في أهل الشرك، ويكون قويا على جهاد عدو المؤمنين، يدافع عنهم، ويبذل نفسه لهم، لا يسلمهم حذر دائرة، ولا يخالف فيهم حكم الله تعالى، فهذه صفة من يجب طاعته من آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم )) . [ من كلام له في صفة الإمام ]
وفي قوله : (( ولكن أحق من وجب على الناس الإقبال إليه من آل محمد صلى الله عليه من ائتمنه المسلمون على نفسه وغيبه، ثم رضوا فهمه وعلمه بكتاب الله وتبيين الحق فيه، وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فهدى الله عز وجل به الناس إلى ذلك، وأهداهم الموثوق في حديثه وفهمه وفضله، ووصفه الحق بما يعرف المسلمين من معالم دينهم، ثم الاستقامة لهم عليه، ليس له أن يجوز بهم عن الحق وليس لهم أن يبتغوا غيره ما ستقام لهم، ولم يكن آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم والحمدلله - على حال منذ فارقهم نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم - إلا وفيهم رضا عند من عرفه من المسلمين، في أنواع الخير التي يفضل بها الناس، عرف ذلك من حقهم من عرفه وأنكره من أنكره )) . [ كتاب الصفوة ]
وبهذه الجملة الأخيرة يتبين أن الإمام زيد يعتقد عدم خلو الزمان من مستحق للإمامة من أهل البيت ، وبالطبع هذه الجملة في غاية الأهمية فلتتذكر !القيادة في الحكم ( الإمامة ) : ¶ مسألة الإمامة في نظر الإمام (ع) مسألة لا بد منها ، فلا بد للناس من وال يقيم أمورهم ويدبر شئونهم ، لكنها مع ذلك تخضع للموازين الشرعية ، فليس للناس اختيار الإمام - الذي لا بد منه - إلا وفق موازين الشارع ، وبعد النظر في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله ؛ يقول الإمام [ كتاب تثبيت الإمامة ] : ¶ (( ثم سألنا الفريقين جميعا هل للناس بد من وال يصلي بهم، ويقيم أعيادهم، ويجبي زكاتهم، ويعطيها فقراءهم، ويأخذ غنائمهم ويقسمها، ويقضي بينهم، ويأخذ لضعيفهم من قويهم، ويقيم حدودهم؟ فاجتمع الفريقان على أنه لابد من وال يقوم فيهم بالحق، ويعمل فيهم بالسنة. فقبلنا منهم، وشهدنا أنه الحق، وأنه لابد للناس من وال يقوم فيهم بالحق، ويعمل فيهم بالسنن. ¶ ثم سألنا الفريقين هل للناس أن يتبرعوا بتولية رجل يجعلونه إماما وخليفة عليهم قبل أن ينظروا في كتاب الله عز وجل والسنة؟ فإن وجدوا الكتاب والسنة يدلان على تولية رجل باسمه وبفضله يولونه عليهم، لفضله عليهم في الكتاب والسنة. فاجتمع الفريقان على أن ليس للأمة أن يتبرعوا بولاية رجل يختارونه ويجعلونه عليهم واليا، يحكم بينهم، دون أن ينظروا في كتاب الله عز وجل والسنة، فإن وجدوا الكتاب والسنة يدلان على تولية رجل باسمه وفضله ولوه عليهم، وإن لم يجدوا الكتاب والسنة يدلان على تولية رجل باسمه وفضله كانت لهم الشورى بعد ذلك بما وافق الكتاب والسنة. فلما أجمعوا على ذلك قبلنا منهم، وشهدنا أنه ليس للأمة أن يتبرعوا بتولية وال على أن يجعلوه الخليفة والإمام دون أن ينظروا في الكتاب والسنة )) . ¶ ثم جعل عليه السلام يتتبع صفات الإمام أخذا وردا وفق الموازين الشرعية ليصل في النهاية إلى استحقاق أمير المؤمنين (ع) لها ، وذلك حيث الميزان الشرع لا الرأي . ¶ إلا أن لنا تنبيها هنا بخصوص كتاب ( تثبيت الإمامة ) وهو أن الإمام زيدا بنى كلامه فيه على إثبات المذهب بما يلتزمه الخصم أصلا ، وعلى ذلك فربما أتى بأدلة توهم في ظاهرها أن لا منصب معين للإمامة ، وهذا خلاف ما صرح به أكثر من مرة وأسلفنا ذكره عنه ، يوضح هذا قوله (ع) : ¶ (( ثم سألنا الذين زعموا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استخلف علي بن أبي طالب - صلوات الله عليه وسلامه - ومضى: هل لكم بينة عدول من غيركم على ما ادعيتم فنصدقكم ونقضي لكم؟ ¶ قالوا: لا نجد بينة عدولا من غيرنا . ¶ ثم سألنا الذين زعموا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مضى ولم يستخلف أحدا - وأنه جعل ذلك إليهم ليختاروا لأنفسهم، فاختاروا أبا بكر-: هل لكم بينة عدول من غيركم فنصدقكم ونقضي لكم؟ ¶ قالوا: لا نجد بينة عدولا من غيرنا. ¶ فلما لم يجد الفريقان البينة العدول من غيرهم على ما ادعوا أوقفناهم حتى نعلم المحق من المبطل )) . ¶ وبالطبع هذا لا يعني عدم قيام الحجة على المخالف بالآيات والأحاديث القطعية ، إذ المخالف لا يلتزم مدلولها ، والله أعلم . ¶ نعم ؛ ثم اختتم الإمام (ع) كتابه تثبيت الإمامة بخاتمة هامة استدل فيها على ثبوت الإمامة من حيث هي ، وهي في نفس الوقت تحمل إشارة واضحة على كون الإمامة شرعية ، فقال (ع) : ¶ (( واجتمعت الأمة على: أن الله تبارك وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة، فأقام في قومه عشر سنين كما حكم الله عليه، وجادلهم بالتي هي أحسن، فسموه: مجنونا، وكذابا، وكاهنا، وساحرا، فأقام مع المشركين وهم في شركهم حتى انقضت الأيام والسنون، ثم أمره الله عز وجل أن ينصر هجرته وأن يشهر سيفه، وأن يصير إلى حيث يقاتل من خالفه، حتى يدخل في طاعته، وأن يقيم الحدود، وأن يأخذ للضعيف من القوي، فلم يزل ناصرا هجرته، وشاهرا سيفه، يقاتل من خالفه، ويقيم الحدود حتى لحق بالله عز وجل. ¶ واجتمعت الأمة على: أن النبوة لا تورث، فقبلنا منهم وشهدنا أن النبوءة لا تورث. ¶ وسألنا الأمة: إنفاذ الذي جاء من عند الله بالسنن، وإقامة الحدود، ودفع إلى كل ذي حق حقه ونبوة؟ فكان من عمل بها فهو نبي؟ فقالوا: لا، ولكن النبوة: الإخبار عن الله والسبيل بالكتاب والسنة . فهذا بيان لمن تفكر فيه ولم يعطف الحق إلى هواه، ورضي بالحياة الدنيا واطمأن إليها. والسلام )) . ¶ والواجبات التي ذكرها الإمام (ع) ماهي معلومة إلا من قبل الشرع ، وبها أشار إلى ضرورة من يقوم بها بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ! ¶ وجوب طاعة الإمام ! : ¶ لا بد من طاعة الإمام لينفذ أحكامه ، وإلا فما فائدته فإنما جعل الإمام ليؤتم به ، وهذا الأمر بالتأكيد لم يغفل الإمام ذكره ، وكيف يغفل ذكره وإنما تقوم الإمامة به ! ¶ يقول الإمام في رسالة الحقوق : (( وحق الله على عبده في أئمة الهدى أن ينصح لهم في السر والعلانية، وأن يجاهد معهم، وأن يبذل نفسه وماله دونهم، إن كان قادرا على ذلك من أهل السلامة )) . ¶ لكن .. وكيف يطاع الإمام ؟! ما الموجب لطاعة فرد من أهل البيت والنص عليه غير موجود كما قدمنا ؟! وباختصار : كيف نعرف الإمام ؟!! ¶ سؤال قد يتبادر إلى الأذهان ، وإمامنا الأعظم أبو الحسين (ع) يجيب لنا عنه أيضا عندما نتأمل كلماته في رسالته العظيمة إلى علماء الأمة ، فهو فيها ( يدعوهم ) إلى كتاب الله ، و ( يدعوهم ) إلى الإجابة .. والإنابة .. والإعانة ، إنها الدعوة وإظهار الأمر التي من خلالها تقوم الحجة على العباد . ¶ يقول الإمام (ع) في رسالته إلى العلماء : (( اللهم قد طلبنا المعذرة إليك، وقد عرفتنا أنك لا تصلح عمل المفسدين، فأنت اللهم ولينا، والحاكم فيما بيننا وبين قومنا بالحق. . ¶ هذا مانقول وهذا ما ندعوا إليه، فمن أجابنا إلى الحق فأنت تثيبه وتجازيه، ومن أبى إلا عتوا وعنادا فأنت تعاقبه على عتوه وعناده ¶ فالله الله عباد الله أجيبوا إلى كتاب الله وسارعوا إليه، واتخذوه حكما فيما شجر بينكم، وعدلا فيما فيه اختلفنا، وإماما فيما فيه تنازعنا ، فإنا به راضون، وإليه منتهون، ولما فيه مسلمون لنا وعلينا، لانريد بذلك سلطانا في الدنيا، إلا سلطانك، ولا نلتمس بذلك أثرة على مؤمن، ولا مؤمنة، ولا حر، ولا عبد. ¶ عباد الله فأجيبونا إجابة حسنة تكن لكم البشرى بقول الله عز وجل في كتابه: ?فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه? [الزمر: 18]، ويقول: ?ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين?[فصلت: 33]. ¶ عباد الله فاسرعوا بالإنابة وابذلوا النصيحة، فنحن أعلم الأمة بالله، وأوعى الخلق للحكمة، وعلينا نزل القرآن ، وفينا كان يهبط جبريل عليه السلام، ومن عندنا اقتبس الخير، فمن علم خيرا فمنا اقتبسه، ومن قال خيرا فنحن أصله، ونحن أهل المعروف، ونحن الناهون عن المنكر، ونحن الحافظون لحدود الله. ¶ عباد الله فأعينونا على من استعبد أمتنا، وأخرب أمانتنا، وعطل كتابنا، وتشرف بفضل شرفنا، وقد وثقنا من نفوسنا بالمضي على أمورنا، والجهاد في سبيل خالقنا، وشريعة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، صابرين على الحق، لا نجزع من نائبة من ظلمنا، ولا نرهب الموت إذا سلم لنا ديننا، فتعاونوا تنصروا يقول الله عز وجل في كتابه: ?يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم? [محمد: 7]، ويقول الله عز وجل: ?ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور? [الحج: 40 - 41]. ¶ )) . ¶ ثم ها هو يقرر هذه القضية ؛ قضية ( الدعوة ) ووجوب نصرة ( الداعي ) و ( القائم ) من أهل البيت (ع) فيقول : ¶ (( فيا علماء السوء محوتم كتاب الله محوا، وضربتم وجه الدين ضربا، فند والله نديد البعير الشارد، هربا منكم، فبسوء صنيعكم سفكت دماء القائمين بدعوة الحق من ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ورفعت رؤوسهم فوق الأسنة، وصفدوا في الحديد، وخلص إليهم الذل، واستشعروا الكرب وتسربلوا الأحزان، يتنفسون الصعداء، ويتشاكون الجهد؛ فهذا ما قدمتم لأنفسكم، وهذا ما حملتموه على ظهوركم، فالله المستعان، وهو الحكم بيننا وبينكم، يقضي بالحق وهو خير الفاصلين)) . ¶ ويواصل عليه السلام موضحا دعوته قائلا : (( وقد كتبت إليكم كتابا بالذي أريد من القيام به فيكم، وهو: العمل بكتاب الله، وإحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فبالكتاب قوام الإيمان، وبالسنة يثبت الدين، وإنما البدع أكاذيب تخترع، وأهواء تتبع، يتولى فيها وعليها رجال رجالا صدوهم عن دين الله، وذادوهم عن صراطه، فإذا غيرها المؤمن، ونهى عنها الموحد، قال المفسدون: جاءنا هذا يدعونا إلى بدعة!! ¶ وأيم الله ماالبدعة إلا الذي أحدث الجائرون، ولا الفساد إلا الذي حكم به الظالمون، وقد دعوتكم إلى الكتاب فأجيبوا داعي الله وانصروه. ¶ فوالذي بأذنه دعوتكم، وبأمره نصحت لكم، ما ألتمس أثرة على مؤمن، ولا ظلما لمعاهد، ولوددت أني قد حميتكم مراتع الهلكة، وهديتكم من الضلالة، ولو كنت أوقد نارا فأقذف بنفسي فيها، لا يقربني ذلك من سخط الله، زهدا في هذه الحياة الدنيا، ورغبة مني في نجاتكم، وخلاصكم، فإن أجبتمونا إلى دعوتنا كنتم السعداء والموفورين حظا ونصيبا. ¶ عباد الله انصحوا داعي الحق، وانصروه إذا قد دعاكم لما يحييكم، ذلك بأن الكتاب يدعو إلى الله وإلى العدل والمعروف، ويزجر عن المنكر. ¶ فقد نظرنا لكم وأردنا صلاحكم، ونحن أولى الناس بكم، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جدنا، والسابق إليه المؤمن به أبونا، وبنته سيدة النسوان أمنا، فمن نزل منكم منزلتنا؟ فسارعوا عباد الله إلى دعوة الله، ولا تنكلوا عن الحق، فبالحق يكبت عدوكم ، وتمنع حريمكم، وتأمن ساحتكم. ¶ وذلك أنا ننزع الجائرين عن الجنود، والخزائن، والمدائن، والفيء، والغنائم، ونثبت الأمين المؤتمن، غير الراشي والمرتشي الناقض للعهد؛ فإن نظهر فهذا عهدنا، وإن نستشهد فقد نصحنا لربنا، وأدينا الحق إليه من أنفسنا، فالجنة مثوانا ومنقلبنا، فأي هذا يكره المؤمن، وفي أي هذا يرهب المسلم؟ وقد قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: ?ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما? [النساء: 107]. ¶ )) . ¶ نعم ؛ وتكررت الدعوة من الإمام (ع) مقررا بها الحجة على من حوله ، وها هو يخطب الناس خطبة يبين فيها دعوته وآداب الجهاد قائلا : ¶ (( فمن سمع دعوتنا هذه الجامعة غير المفرقة، العادلة غير الجائرة، فأجاب دعوتنا وأناب إلى سبيلنا، وجاهد بنفسه نفسه ومن يليه من أهل الباطل ودعائم النفاق، فله ما لنا وعليه ما علينا، ومن رد علينا دعوتنا وأبى إجابتنا، واختار الدنيا الزائلة الآفلة على الآخرة الباقية، فالله من أولئك برئ، وهو يحكم بيننا وبينهم. ¶ عباد الله إذا لقيتم القوم فادعوهم إلى أمركم، فلأن يستجيب لكم رجل واحد خير لكم مما طلعت عليه الشمس من ذهب وفضة، وعليكم بسيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بالبصرة والشام، لا تتبعوا مدبرا، ولا تجهزوا على جريح، ولا تفتحوا بابا مغلقا، والله على ما أقول وكيل. ¶ عباد الله لا تقاتلوا عدوكم على الشك فتضلوا عن سبيل الله، ولكن البصيرة .. البصيرة ثم القتال، فإن الله يجازي عن اليقين أفضل جزاء يجزي به على حق، إنه من قتل نفسا يشك في ضلالتها كمن قتل نفسا بغير حق. ¶ عباد الله البصيرة .. البصيرة )) . ¶ وظل الإمام (ع) مواصلا مسيرته في دعوة الخلق وإقامة الحجة - كونه قد دعا لنفسه لما رأى في نفسه الأهلية لذلك ، وهذا تطبيق فعلي لنظريته التي كتب عنها واحتج لها - حتى خفقت رايات الجهاد فوق رأسه (ع) وهو يؤم كتيبته الزيدية ، فلما رآها قال - مقررا جميع ما قدمناه هنا - : ¶ (( الحمدلله الذي أكمل لي ديني، والله ما يسرني أن لقيت محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، ولم آمر في أمته بالمعروف ولم أنههم عن المنكر، والله ما أبالي إذا أقمت كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ أن أججت لي نار ثم قذفت فيها، ثم صرت بعد ذلك إلى رحمة الله تعالى، والله لا ينصرني أحد إلا كان في الرفيق الأعلى، مع محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين صلوات الله وسلامه عليهم. ¶ ويحكم أما ترون هذا القرآن بين أظهركم جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن بنوه. يا معاشر الفقهاء، ويا أهل الحجا، أنا حجة الله عليكم، هذه يدي مع أيديكم، على أن نقيم حدود الله، ونعمل بكتاب الله، ونقسم بينكم فيأكم بالسوية، فاسألوني عن معالم دينكم، فإن لم أنبئكم بكل ما سألتم عنه فولوا من شئتم ممن علمتم أنه أعلم مني! والله لقد علمت علم أبي علي بن الحسين، وعلم جدي الحسين بن علي، وعلم علي بن أبي طالب وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعيبة علمه، وإني لأعلم أهل بيتي. والله ما كذبت كذبة منذ عرفت يميني من شمالي، ولا انتهكت لله محرما منذ عرفت أن الله يؤاخذني، هلموا فاسألوني )) . ¶ وبهذا يتبين عظمة هذه الفريضة ؛ فريضة طاعة الإمام ، ويتبين كذلك أن الطاعة لا تثبت وتستقر لأي فرد من أهل البيت إلا بالدعاء للنصرة ، ولعل ما نورده الآن من كلامه (ع) يوضح هذا غاية الوضوح ؛ قال (ع) : (( فالإمام منا المفترض الطاعة علينا وعلى جميع المسلمين الخارج بسيفه الداعي إلى كتاب الله وسنة نبيه ، الظاهر على ذلك الجارية أحكامه ، فأما أن يكون إمام مفترض الطاعة علينا وعلى جميع المسلمين متكئ فرشه مرجئ على حجته ، مغلق عنه أبوابه تجري عليه أحكام الظلمة ، فإنا لا نعرف هذا ! )) [ تفسير فرات الكوفي ] ¶ لكن يأتي هنا سؤال ؛ هل كل فرد من أهل البيت دعا لنفسه قد استوجب الطاعة على غيره ؟! وإن لم يكن كذلك فما هي الشروط المفترضة ؟! ¶ صفات الإمام : ¶ بالطبع الإجابة تكون : لا ؛ فالإمامة مقام عال جدا لا يتربع عليه إلا من تحلى لأعلى الصفات الخاصة به ، وأهل البيت فيهم ( ما في الناس من الفضل والذنوب ) على حد تعبير الإمام عليه السلام ، أما عن هذه الصفات فندع الإمام (ع) يحدثنا عنها بقوله : ¶ (( اعلم أنه لا ينبغي لأحد منا أن يدعو إلى هذا الأمر حتى تجتمع فيه هذه الخلال:حتى يعلم التنزيل والتأويل، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، وعلم الحلال والحرام، والسنة الناسخة ما كان قبلها، وما يحدث كيف يرده إلى ما قد كان لمثل ما فيه وله، وحتى يعلم السيرة في أهل البغي، واليسرة في أهل الشرك، ويكون قويا على جهاد عدو المؤمنين، يدافع عنهم، ويبذل نفسه لهم، لا يسلمهم حذر دائرة، ولا يخالف فيهم حكم الله تعالى، فهذه صفة من يجب طاعته من آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم )) . [ من كلام له في صفة الإمام ] ¶ وفي قوله : (( ولكن أحق من وجب على الناس الإقبال إليه من آل محمد صلى الله عليه من ائتمنه المسلمون على نفسه وغيبه، ثم رضوا فهمه وعلمه بكتاب الله وتبيين الحق فيه، وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فهدى الله عز وجل به الناس إلى ذلك، وأهداهم الموثوق في حديثه وفهمه وفضله، ووصفه الحق بما يعرف المسلمين من معالم دينهم، ثم الاستقامة لهم عليه، ليس له أن يجوز بهم عن الحق وليس لهم أن يبتغوا غيره ما ستقام لهم، ولم يكن آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم والحمدلله - على حال منذ فارقهم نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم - إلا وفيهم رضا عند من عرفه من المسلمين، في أنواع الخير التي يفضل بها الناس، عرف ذلك من حقهم من عرفه وأنكره من أنكره )) . [ كتاب الصفوة ] ¶ وبهذه الجملة الأخيرة يتبين أن الإمام زيد يعتقد عدم خلو الزمان من مستحق للإمامة من أهل البيت ، وبالطبع هذه الجملة في غاية الأهمية فلتتذكر !
إن أمير المؤمنين يشكل مفترقا للطرق ، فهو معلم للحق ورمز للعدالة ، وحضوره في الأطروحات الفكرية هام جدا ، وبخاصة في تلك الفترة التي عاشها الإمام زيد (ع) ، حيث تحكم الأمة الإسلامية الدولة التي كانت تسب أمير المؤمنين (ع) على المنابر وعلى رؤوس الأشهاد .
أمير المؤمنين ؛ علي بن أبي طالب ، تلميذ الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - النجيب ، أخوه ، ووزيره ، ومعينه وناصره ، له حضور في كلام الإمام زيد (ع) وخصوصية تليق بمكانته .
وأمير المؤمنين في نظر الإمام زيد هو الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بلا فصل ، ويرى الإمام أن ذلك الحق ، فما سواه باطل !
(( فوجدنا الناس مختلفين يتبرأ بعضهم من بعض، وقد يجمعهم في حال اختلافهم فريقان .
فريق قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مضى ولم يستخلف أحدا بعينه، وإنه جعل ذلك إلينا معاشر المسلمين، نختار لأنفسنا رجلا فنستعمله علينا، فاخترنا أبا بكر.
وفرق قالوا: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استخلف عليا فجعله خليفة وإماما نستبين به بعده. فصارت كل فرقة منهم مدعية تدعي الحق.
فلما رأينا ذلك أوقفنا الفريقين جميعا، حتى نستبين ذلك، ونعرف المحق من المبطل )) . [ تثبيت الإمامة ]
وها هو يصرح بأولوية وأحقية أمير المؤمنين (ع) بالأمة فيقول :
(( قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكان أولى الناس بالناس أمير المؤمنين علي صلى الله عليه، ثم قبض أمير المؤمنين علي صلى الله عليه فكان أولى الناس بالناس أمير المؤمنين الحسن بن علي عليهما السلام، ثم قبض أمير المؤمنين الحسن بن علي عليهما السلام، فكان أولى الناس بالناس أمير المؤمنين الحسين بن علي عليهما السلام، ثم سكت. وقال: الرد إلينا، نحن والكتاب الثقلان )). [ من كلام له في الإمامة ]
والإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باب يطرق ليفتح لنا تساؤلات عدة ، إنها فعلا شكلت مفترق طرق ، بل هي في نظر الإمام زيد (ع) ( أول خلاف وقع في الأمة ) وأنت ترى ما حجم هذه القضية الهائلة ، فيا ترى كيف يرى الإمام زيد الأحداث التي جرت آنذاك ؟!
(( إن الإمامة أول خلاف وقع في الأمة بعد مضي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ووفاته، انتهبها قوم كما ينتهب تراث الدنيا، فكل يقول إنه أحق - برأيه وبزعمه -، وإنه أخص وأولى ، فحاج أبوبكر الأنصار بحجج عامة لسائر قريش، ثم أختص بها دونهم من غير مشاورة من جميعهم، ولا أخذ إقرارهم أنه أولاهم بها، ثم قام بها أيام حياته، وتضمنها بعد وفاته بما جعل لعمر بن الخطاب منها، وما خصه بها من تسليمها له دون غيره، نصا وتسمية وتعيينا، فقام عمر ينحو نحوه، ولا يتغير عن طريقته، حتى كان من أمر عبد المغيرة بن شعبة ما كان، فجعلها في ستة ليختاروا أحدهم، وكان من عبدالرحمن بن عوف الذي كان، فسلمها إلى عثمان [ بياض في الأصل ] فيما خيروه، وعاتبوه، واستتابوه، فلم يتب، فهجموا على داره فقتلوه.
فأتى قوم من المهاجرين أمير المؤمنين عليا وهو لا يشعر فنعوا إليه عثمان بن عفان، وقالوا: قتله المصريون وإنا لا نجد عنك غنى ولا ملجأ ولا معاذا، فكان منه الجواب الذي أخفيه عنك، فلا يضرك إن أخفيته، ولا ينفعك إن رسمته في كتابي هذا، فبايعوه على كتاب الله تعالى، والعمل بما فيه، فأقام لهم العدل وعمل فيهم بالقرآن )) . [ من جواب الإمام (ع) على واصل بن عطاء ] .
نعم ؛ وقد أكثر الإمام (ع) من الاستدلال على إمامة أمير المؤمنين (ع) في كتاب تثبيت الوصية بما لا مزيد عليه ، أثبت الوصية ولزوم حصولها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم أثبت كونها في أمير المؤمنين ، إلى نحو ذلك من الاستدلالات الواضحة ، وإليكم جملة ذلك ؛
((سلوا الناس: هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو لم يوص؟
فإن قالوا: لم يوص، أو لاندري أوصى أو لم يوص.
فقولوا: إن في القرآن دليلا على أنه قد أوصى، يقول الله تبارك وتعالى: ?يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل? [المائدة: 106]. وقال: ?كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين?[البقرة: 180]. وقال: ?من بعد وصية يوصي بها أو دين?[النساء: 11]. وقال: ?أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ماتعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون?[البقرة: 133].
وقد ذكر الناس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم - لا يختلفون فيه -: أنه كان يبعث السرايا فيوصيهم، وقد بعث جعفرا ، وزيدا ، وعبد الله بن رواحة فأوصى: إن حدث بفلان ففلان، أو حدث بفلان ففلان. فيكون يؤمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حياته ويوصي بهم، ويدع أهله وذريته والأمة جمعاء لا يوصي بهم أحدا! أفأمركم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالفضل وترك أن يأخذ به؟! وهو أحسن الناس بالأخذ بالفضل؛ وإنما عرف الفضل به.
فهذا مما يستدل به على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أوصى ولم يضع أمر أمته.
فإن قالوا: قد أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكن لا ندري إلى من أوصى. فإن في القرآن ما يستدل به على وصيه، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان خير الناس وأعلم الناس؛ فينبغي أن يكون وصيه من بعده خيرهم وأعلمهم، وأطوعهم لأمره، وأنفذهم لوصيته، وأوثقهم عنده.
وقد بين الله تبارك وتعالى الفضل في كتابه؛ فأفضلهم عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فضله الله في كتابه، وهو وصيه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن ليختار غير الذي اختاره الله، فهلموا فلننظر في كتاب الله من أهل صفوته، وأهل خيرته؟ فإن الله تبارك وتعالى يقول: ?وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة?[القصص: 68].
وقال: ?والسابقون السابقون أولئك المقربون?[الواقعة:10 -11]. وقال: ?والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار? [التوبة:100]. وقال: ?لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا? [الحديد: 10]. وقال: ?والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان?[الحشر:10].
فجعل الله للسابق بالإيمان والجهاد فضيلة؛ فالفضل في السابقين دون الناس، وأول السابقين أفضل السابقين لما سبق به السابقين، لأن الله عز وجل فضل السابقين على التابعين. وقال: ? قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين? [يوسف: 108].
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الداعي على بصيرة. وكان أول من اتبعه عليا عليه السلام وكان الداعي من بعده على بصيرة؛ لأنه أول من اتبعه، وأولى أن يكون وصيه.
ولا ينبغي أن يكون الداعي من بعده على بصيرة إلا من يعلم جميع ما جاء به، وهل أحد من الناس يزعم أنه يعلم علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا علي عليه السلام؟
وقال: ?إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا? [الأحزاب: 33].
ثم فرض مودتهم فقال: ?قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى? [الشورى: 23] يقول: أن تودوني في قرابتي.
ثم فرض لهم الخمس فيما غنم المسلمون من شيء: سهمه تعالى، وسهم رسوله دون المؤمنين، فقال: ? واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى?[الأنفال: 41].
فعرفنا أن الفضل والخيرة لأهل هذا البيت، الذي فضله الله على جميع البيوت، لأنهم جمعوا السبق والتطهير، فينبغي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيرهم، لأنه خير الناس، وأفضلهم عند الله، وينبغي أن يكونوا قادة الناس إلى يوم القيامة؛ لأن الله عز وجل يقول: ?أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون?[يونس: 35]. وقال:? إنما أنت منذر ولكل قوم هاد?[الرعد: 7].
فلا ينبغي أن يكون الهادي إلا أعلمهم؛ لأن الله عز وجل اصطفى محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وطهره وعلمه، وجعله القائد المعلم، ومن بعده علي عليه السلام على منهاجه، يحتاج إليه الناس ولا يحتاج إليهم، فإن الله عزوجل قد فضلهم على الخلق بالهدى والطاعة، وأعلم الناس عصمتهم، فلايضلون عن الحق أبدا، والدليل على ذلك ماقد بينت لكم من قوله: ?قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى? [الشورى: 23]. وقال: ?لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون?[المجادلة: 22].
فلو كانوا ممن يحاد الله ورسوله، لم يفرض مودتهم.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا - ولن تذلوا - كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)) . وقال: ?واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل? [الأنفال: 41].
فإن قالوا: فإن الله قد جعل لليتامى والمساكين وابن السبيل، فقولوا: ألا ترون أن الله تعالى قد فرض الخمس لنفسه، وفرضه من بعده لرسوله، وإنما صار لرسوله لفضله عند الله، ولو كان أحد أفضل منهم لكان أحق به منهم. فجروا في ذلك مجرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وإنما فرض الله لليتامى نصيبهم من الخمس ليتمهم، فإذا ذهب يتمهم فلا حق لهم. وإنما فرض للمساكين نصيبهم من الخمس بدل مسكنتهم، فإذا ذهبت عنهم المسكنة فلا حق لهم فيه، وإنما فرض لابن السبيل نصيبهم بدلا من الغربة، فإذا بلغوا بلادهم فلا حق لهم فيه، وكان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كل حال في الغنى والفقر، وهو لذوي القربى على كل حال بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأن الله عز وجل جعل لهم ذلك لما حرم عليهم من الصدقة إذ لم يرضها لهم.
فكان علي صلى الله عليه أحق الناس بالله وبرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان إمامهم بعد نبيهم )) .
باب مدينة العلم ؛
ولم يقتصر الإمام زيد (ع) في حديثه عن أمير المؤمنين (ع) على جانب الإمامة فقط ، بل لأمير المؤمنين حضور في القضايا الشرعية كونه باب مدينة العلم ، ولذلك يقول في سياق الحديث عن رواة الصحابة للآثار :
(( وعليك بعلي بن أبي طالب صلوات الله عليه وسلامه، فإنه كان باب حكمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان وصية في أمته، وخليفته على شريعته، فإذا ثبت عنه شيء فاشدد يدك به، فإنك لن تضل ما اتبعت عليا صلوات الله عليه وسلامه )) .
وعلى العموم فولاية أمير المؤمنين وتفضيله هو أول باب يطرق في مثل هذا الموضوع الذي أنشأنا البحث لأجله ، وقد أتى فيه الإمام زيد بأوضح بيان وأجلى برهان .
صفحہ 11
خاتمة ؛
في الختام أرجو أن أكون قد وفقت في هذا العمل ، وأن أكون قد أظهرت مذهب الإمام زيد بن علي (ع) كما يريد النص أن يكون ، لا كما أريده أنا أن يكون ! وأسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم إظهارا لما أمر الله بإظهاره ، وإعلانا للحق الذي جر بنواصينا وأخذ بمجامعنا للإذعان به ، آمين اللهم آمين ، ولنختتم هذا البحث بهذا الدعاء لإمامنا الأعظم أبي الحسين (ع) :
(( اللهم وقد شملنا زيغ الفتن، واستولت علينا غشوة الحيرة، وقارعنا الذل والصغار، وحكم علينا غير المأمونين على دينك، وابتز أمورنا من نقص حكمك وسعى في إتلاف عبادك، وعاد فينا دولة، وإمامتنا غلبة، وعهدنا ميراثا بين الفسقة، واشتريت الملاهي بسهم اليتيم والأرملة، ورتع في مال الله من لايرعى له حرمة، وحكم في أبشار المؤمنين أهل الذمة، وتولى القيام به فاسق كل محلة، فلا ذائد يذودهم عن هلكة، ولا رادع يردعهم عن إرادتهم المظلمة، ولاراع ينظر إليهم بعين الرحمة، ولا ذو شفقة يشفي ذات الكبد الحراء من مسغبة، فهم هؤلاء صرعى ضيعة، وأسرى مسكنة، وحلفاء كآبة وذلة )) .
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .
صفحہ 12
كوب ماء ؛ بحث تفكري
ومن هنا .. كانت البداية
إهداء
إلى :
المتفكرين في آلاء الله
إلى العطشى لماء الحياة
إلى الهائمين حبا في جنب الله
أهدي هذا الجهد المتواضع
... أسأل الله أن ينفعني وإياكم
المقدمة:-
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ...
أما بعد
عندما طلب منا أن نكتب عن الماء.. لم أدر من أين أبدأ.. احترت.. وزادت حيرتي عندما قيل لي "ولكن كوني مع الله".
بدأت أتفكر في خلق الماء.. وأي ماء يقصد ؟!
الماء الذي نشربه ؟! أم الماء الذي خلقنا منه ؟!
وعندما شرعت في الكتابة توقفت حتى أسطر قليلة.. لا لقلة المعلومات بل لتفكري في معنى "كوني مع الله"..
تساءلت ما المقصود؟! وكيف أكون مع الله وأنا أكتب ؟!
وأنا مع من إذا.. ألست مع الله؟!
وهكذا دارت الأسئلة في رأسي لأنني وفي خلال سني دراستي
لم يواجهني أمر بهذا المعنى "كن مع الله".
أخذت كوب ماء لأشرب وأتأمل.. رفعت الكأس إلى فمي لأتذوق الماء.. أخذت رشفة.. ثم رشفة.. ثم أخرى.. دون جدوى. فرأيت أن آخذ رشفة وأقلبها في فمي لعلي أحس بطعم الماء.. توالت المرات.. وأعجبتني الفكرة... وهكذا حتى امتلأت معدتي بالماء ولكني لم أحس بالارتواء.. حاولت أن أشبه طعم الماء بشيء ما..
والغريب الذي توصلت إليه أنه طعم يمتاز لوحده لا يشبه شيئا ولا شيء يشبهه، وهذا بحد ذاته نعمة جلل من نعم الله التي لا تحصى، وإذا حاولنا إحصاء نعم الماء في القرآن لرأينا العجب العجاب.
حقيقة ولأول مرة أتنبه إلى أن الماء يمتاز بكل هذه الحقائق المذكورة في القرآن الكريم خاصة أنه يجمع بين الشيء وضده وهذا من عظيم نعم الله علينا.
وقد اعتمدت في بحثي هذا على المرجع الأصل وهو القرآن الكريم مع التفسير.
الماء في حياتنا
إن المتأمل في المادة التي يتكون منها الماء يجد أن ذرتين من الأكسجين اتحادا مع ذرة هيدروجين يكون الماء الذي به حياة المخلوقات، فالكائنات تعيش على الماء وتتنفس الأكسجين الموجود في الهواء.
والناظر يجد أنه لاغنى للمخلوقات عن الماء والهواء، إلا أن العلم الحديث اكتشف أن هناك نوعا من البكتيريا تستطيع العيش بدون هواء وتسمى "بكتيريا لا هوائية" ولكنها أبدا لا تستطيع العيش بدون الماء, فسبحان من أخبرنا قبل أن يثبت العلم ذلك ب 14 قرن (وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ) -سورة الأنبياء (30)-
أي أن كل شيء قابل للحياة، وصدق الله حين قال:
( يخرج الحي من الميت ) -سورة الروم ( 19)- ..
فقد أخرج الماء من بطن الحجر ( وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء ) -البقرة (74)-.
الماء.. ذلك السائل العجيب الذي يخيل للرائي أن لا طعم له ولا لون أو رائحة. ولكن بقليل من التأمل نجد اللون أبيض شفافا، والطعم أطيب من الثمر من على الشجر، والرائحة أزكى من مسك وعنبر. وإذا أردنا الدليل نجد هذه التعابير عند من ذهب به العطش ألف مذهب.
خواص الماء
هناك خاصية يمتاز بها الماء ولا يكون ذلك إلا للماء.. وهي أنه يتحد مع أي شيء يضاف إليه، فمثلا إذا أضفنا ملعقة عسل إلى كوب ماء وشربنا فكأننا شربنا كوب عسل كامل ويستفيد منه الجسم تمام الاستفادة.
* * لقد أعطى الله سبحانه وتعالى أربع خواص للماء في آية واحدة لنصرة المؤمنين في غزوة بدر، وليس ذلك إلا للمؤمنين .
( إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام ) .-الأنفال (11)-
في هذه الآية حقيقة علمية وهي أن الماء ينعش النفس، والاستحمام بالماء يزيل الإكتئاب ويبعث في النفس التفاؤل،
لذا يقرر علماء النفس أن المكتئب لا يحب الاستحمام حيث أن الماء يطهر الروح والجسد ويذهب الوساوس الشيطانية بدليل أن الغضبان يؤمر بشرب ماء أو الاغتسال كي تنتهي حالة الغضب والفوران التي تصيبه وتنطفئ النار التي بداخله.
* * وتارة يعطي القرآن الماء صفة عنيفة ( وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم) -محمد (15)-.
* * وتارة يصف الماء بالعذوبة ( وأسقيناكم ماء فراتا ) -المرسلات (27)- والفرات هو العذب الطيب الذي لا ملوحة فيه .
* * وكما جاء الماء من السماء نعمة (وهو الذي ينزل الغيث ) -الشورى (2Cool- جاء أيضا نقمة على قوم نوح عليه السلام (مما خطيئاتهم أغرقوا) -نوح ( 25)-.
* * إن من الصعوبة بمكان أن يجتمع عسران ، وفي الأثر "لا يغلب عسر يسرين".. هذا في حق من خشي واتقى ، أما في حق من تكبر وطغى كان حقيقا على الله أن يريه ما لا يرى من فوقه وتحته ، وهذا إن دل على شيء فيدل على أن الله هو المنتقم الجبار حيث استجاب لدعوة نوح عليه السلام حين قال : (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) -نوح (26)- كيف لا وقد لبث يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاما وما آمن معه إلا قليل (ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر*وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر) -القمر (11-12)- فالسماء تمطر والعيون تنفجر والتقى الماء على إهلاك قوم نوح حتى ابن نوح عليه السلام لم ينج من الماء واستهان بقدرة الله . .
( قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين ) -هود (43)-.
وقفة . . .
البعض يخاف من نزول الأمطار خشية السيل .. والمقيمين في المناطق الساحلية يترقبون حركة المد والجزر خشية الغرق ! ! لم الخوف والترقب من خروج الماء من موضعه الطبيعي ؟! فالذي أخرج الماء من الحجر وأخرج الماء من التنور -كما في قصة نوح (حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور) -هود (40)- قادر في طرفة عين أن يخرج الماء من أي مكان شاء، ولا يأمن مكر الله إلا القوم الكافرون.
* * ومثلما كان الماء غضب على ابن نبي كان رحمة لنبي وابن نبي( فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب ) -يوسف (16)- إنه يوسف عليه السلام كان الماء يدا حانية عليه.. عندما ألقى به إخوته في ظلمة البئر، ومن ظلمة الجب وقعره أنقذ الله يوسف عليه السلام من بطش إخوته ليشرى بثمن بخس وهذه سنة الله في كونه ولكن أكثر الناس لا يعلمون ما الله صانع بيوسف وما يؤول إليه حاله. . تمضي السنون ويشاء الحكم العدل أن يجعل الجزاء من جنس العمل.. فكما ألقوه في الماء حقدا وظلما.. جعل السقاية - ما يشرب فيها- في رحل أخيه ليأخذه حقا وصدقا ، وكما فجعوا أباهم في يوسف فجعوا في فقد أخيهم من بين أظهرهم بعد أن كتبوا المواثيق ( قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف ) -يوسف (80)-.
* * ولما كان الماء يدا حانية على يوسف.. كان سجنا لنبي الله يونس عليه السلام في بطن الحوت( فالتقمه الحوت وهو مليم) -الصافات (142)-، تخيل الحالة التي يصلها أحدهم عندما يغلق عليه باب داخله باب.. إلا أن الله تدارك يونس برحمته (لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم )-القلم (49)-
قصة الماء مع موسى عليه السلام
ونلاحظ أن الماء لعب دورا كبيرا في حياة نبي الله موسى عليه السلام منذ الولادة عندما أمر الله أم موسى أن تلقيه في اليم (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين) -القصص (7)- فجمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين وبشارتين.
أما الثانية:عند توجهه تلقاء مدين ( ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير)-القصص (23-24)-
فبسبب السقيا.. جاءته إحداهما تمشي على استحياء.. وبدأت مرحلة جديدة في حياة كليم الله موسى عليه السلام وقصة زواجه من ابنة نبي الله شعيب عليه السلام .
الثالثة:
عندما طلعت الشمس لأول مرة على قاع البحر( فلما تراء الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون* قال كلا إن معي ربي سيهدين *فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر)-الشعراء (61-63)- قالها موسى بثبات ويقين بالمعية
(إن معي) لم يأت هذا اليقين فجأة أو جراء هول الموقف.. إنما تدرجت هذه المعية منذ الولادة. فالبحر الذي رآه موسى من أمامه ما هو إلا تلك الأم الرؤوم التي احتضنته وهو وليد وألقت به بتقدير من الله إلى حيث يكون فرعون.
فالماء هنا هو الماء هناك ، وعناية الله تلحظه
فكما نجى موسى ومن معه ، أغرق فرعون وجنوده .
الرابعة:
كان الماء ملتقى موسى والخضر عليهما السلام ( وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين ) -الكهف (60)- وهو ملتقى بحر فارس والروم .. كان الماء نقطة التقاء.. لتبدأ مرحلة تعليم من لدن الله.
وقفة ...
إن المتتبع لتسلسل أحداث القرآن الكريم لكل قوم عوقبوا بالماء - خاصة بني إسرائيل- سواء على شكل طوفان أو غرق أو تحول الماء إلى دم .. يجد أن هذه آية قوية رادعة تهز القلوب هزا.. لكن أنى هذا عند من تبلدت أحاسيسهم !
محطات مائية
جاء الماء محطة اختبار في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم .
الأولى:
(فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده ) -البقرة (249)- فإذا هم قدروا على تحمل العطش كانوا أقدر على تحمل مشقة القتال.
الثانية:
لبني إسرائيل ( وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر )-الأعراف (163)- وكعادتهم فشلوا في الامتحان فجاء الرد سريعا (كونوا قردة خاسئين) -البقرة (65)-.
الثالثة:
لقوم صالح مع الناقة ( ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر) -القمر (2Cool-ولما فشلوا في الامتحان ( أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر) -القمر (31)-.
تساؤل ...
عندما نقف عند محطات كهذه ونواجه امتحانا في حياتنا يا ترى هل سنثبت..؟؟
علمتني هاجر
إن المتصفح لكتاب الله الكريم يجد أن كل موضع ذكر فيه الماء قد سبقه سبب ، ومباشرة الأسباب لا ينافي التوكل .. ومن أعظم الأسباب التي أخذت في هذه الدنيا وهي باقية إلى ما شاء الله هو ما فعلته هاجر عندما كانت تذهب وتجيء بين الصفا والمروة ساعية دون كلل.. علها تجد ما يروي ظمأ وليدها (اسماعيل عليه السلام) فسمعت صوتا من تحت وليدها فظلت تبعد التراب وتحفر حتى رأت ماء فخشيت أن يضيع فأخذت تجمع حوله التراب .
* * قيل في إحدى الروايات أن هاجر لو لم تتخذ حفرة لفاضت زمزم عيونا.. ولكن الله أراد أن يكون نبعا لا ينفد معينه إلى ما شاء الله .
رؤية...
إن نبع العبرة التي تعلمناه أكثر من نبع الماء الذي شربناه.. ذاك اسماعيل عليه السلام.. لم يتزعزع يقين اسماعيل - رغم حداثة سنه- بأن الخير كل الخير قادم بقدوم الذبح والذي قال :
( يا أبت افعل ما تؤمر)-الصافات (102)-
أتدرون لماذا ؟ لأن أمه هاجر علمته الاستسلام لله رب العالمين منذ الصغر حيث امتثلت لأمر الله (صابرة محتسبة) حين تركها إبراهيم بواد غير ذي زرع.. وقالت كلمتها الشهيرة :
" ءآلله أمرك بهذا.. إذا فلن يضيعنا "
تلك الكلمة اليقينية.. فقد عرفت من البداية أن الله هو الحكم العدل وعرفت لا إله إلا الله بحقائقها ومعانيها.. ودلالاتها.. ومع هذا فقد أخذت بالأسباب.. وإكراما من الله لها فنحن إلى يومنا هذا نسعى بين الصفا والمروة سبع مرات كما فعلت هاجر لنتذكرها دائما.. فقد سعت باحثة عن حياة الماء لوليدها.. ونحن نسعى للبحث عن ماء الحياة فلا نجلس مكتوفي الأيدي منتظرين الفرج أو قدوم معجزة , وإذا رأى الله منا ذلك وقد أخلصنا النية لله . . فلن يضيعنا .
دعوة للتأمل
* * دعانا القرآن الكريم للتفكر في خلق الماء (فلينظر الإنسان إلى طعامه * أنا صببنا الماء صبا * ثم شققنا الأرض شقا * فأنبتنا فيها حبا ) -عبس (24-27)-فبحصول الأمطار تتشقق الأرض ليخرج النبات.. فقدم صب الماء على إخراج النبات ، وفي آية أخرى قدم إخراج الماء على النبات (والأرض بعد ذلك دحاها * أخرج منها ماءها ومرعاها) -النازعات (30-31)-.
* * *
(فلينظر الإنسان مم خلق * خلق من ماء دافق ) -الطارق (5-6)-.
* * *(أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون )-الأنبياء (30)- .
[إن السماوات والأرض كانتا ذات رتق فجعلهما الله ذات فتق أي كانتا متلاصقتين وكذلك الأرض ففتقهما وفرج بينهما ففتقهما بالمطر والنبات بعد أن كانت مصمتة (وجعلنا من الماء كل شيء حي) أي خلقنا كل شيء حي من نطفة كقوله (والله خلق كل دابة من ماء ) -النور (45)- أراد به الماء في الحقيقة ، وقيل: جعلنا الماء حياة كل ذي روح ونماء كل نامي] .
* * *
(وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج ) -الفرقان (53)-
ومرج أي خلط الشديد العذوبة والشديد الملوحة.. فمن الذي جمع وخلط بينهما متلاصقين وهو بقدرته يفصل بينهما ويمنعهما التمازج وهذا من عظيم اقتداره ؟! -تفسير الأعقم للعلامة الآنسي-
وليس هو الزئبق يمنع امتزاجه إنما هو ماء من جنس ماء.
هل بعد هذه الآيات البينة في الدلالة يبقى شك في اليقين ؟!
وقفة...
قال تعالى( ألم نخلقكم من ماء مهين ) -المرسلات (20)-.
فسبحان من شرف هذه النطفة ليجعل الإنسان( في أحسن تقويم )-المرسلات (20)- .
الاستشفاء بالماء
* نشرت جمعية مكافحة الأمراض اليابانية أن أكثر من عشرين مرضا عالجه الماء عن طريق الشرب بطريقة معينة في وقت محدد ولفترة محدودة. وقد سبق القرآن في ذكر الاستشفاء بالماء حين أمر الله أيوب عليه السلام
( اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب) -ص (42)-.
فالماء بارد هنا.. وحار في موضع آخر. إنها المياه الكبريتية ذات النبع الحار شفاء لأمراض البرد والمفاصل والأمراض الجلدية.. فمن الذي أمده بهذه الخاصية.. خاصية الشفاء.. الحرارة.. والبرودة؟ ؟ إنه الله ولا حي سواه
* أيضا ماء زمزم عالج أمراضا كثيرة ومستعصية كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " ماء زمزم لما شرب له " المهم أن نشرب بيقين والقصص في هذا كثير .
بشائر مائية
(1) بشارة في الدنيا
الماء.. الماء في السماء.. في البحار.. والأنهار.
لا أتخيل نفسي أن أعيش في مكان يندر وجود المياه فيه.. لذا يجب علينا الحفاظ على حياة الماء، فلا نسرف في استخدامه ولو كنا على نهر جار.. لكن إذا شح الماء فإننا سنبدأ في الذبول.. وتذبل الأشجار والتربة.. وإذا تحقق هذا المعنى فقد فتحنا للشيطان بابا كبيرا ليدخل منه لأن قوانا ستضعف لعدم وجود ما ينعش الحياة .
والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.. لكن رحمة الله أوسع وأشمل فقد شرع لنا صلاة الاستسقاء وكما فعل نبي الله موسى عليه السلام ( وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا )-الأعراف (160)-.
(2) بشارة في الآخرة
قد وعد الله المؤمنين بجنات تجري من تحتها الأنهار في أكثر من 36 موضعا في القرآن الكريم، مما يدلل على أنها نعمة كبيرة من الله وفضل.
اللهم اجعلنا ممن يقال لهم ( كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون)-المرسلات (43)- .
التجارب الطبية ومعجزات العلاج بالماء
تستخدم المياه لعلاج الأمراض المزمنة والقديمة والجديدة .
أصدرت جمعية مكافحة الأمراض اليابانية أن الماء قد عالج الآتي :
1: الصداع - ارتفاع ضغط الدم - التهاب المفاصل .
2: السعال - الدرن - السل - الصرع - البدانة .
3: التهاب المعدة - الإمساك - السكر .
4: جميع الأمراض المرتبطة بالعيون .
5: جميع الأمراض المرتبطة بالأنف والأذن والحنجرة .
طريقة العلاج :-
1: القيام من النوم مبكرا، ثم تناول (4) أكواب من الماء (160) مل لكل كوب .
2: عدم تناول أي سوائل أو أي شيء (جامد) خلال فترة 45 دقيقة .
3: عدم تناول أي مأكولات خلال فترة ساعتين بعد تناول الوجبات .
فترة العلاج:-
أثبتت التجارب أن فترة العلاج لكل مرض كانت كالآتي :-
1: ارتفاع ضغط الدم 30 يوما
2: أمراض المعدة 10 أيام
3: السكر 30 يوما
4: الإمساك 10 أيام
5: السرطان 6 أشهر
6: الدرن 3 أشهر
7: الذين يعانون من التهاب المفاصل يمكنهم مداومة هذا العلاج لمدة أسبوع بشرب الكمية المقررة 3 مرات في اليوم ثم مرة واحدة .
ملاحظة:- لا توجد أي آثار جانبية لهذا العلاج وإنما فقط كثرة البول،
والله هو الشافي......
الخاتمة
الناظر في صفحات القرآن الكريم يجد الماء معنا خطوة ..خطوة..في البر.. والبحر.. والجو، في الدنيا والآخرة ، إلا في موضع واحد حرم الله وجود الماء فيه وهي (النار) ، إلا أن يتصف الماء بصفة النار(لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا )-النبأ (24-25)-.
( ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين )-الأعراف (50)-.
ومن عظيم فضل الله علينا ورحمته أن جعل لنا (حوض الكوثر) نشرب منه يوم القيامة .
اللهم اسقنا شربة هنيئة من يد نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا نظمأ بعدها أبدا .
وما هذا إلا غيض من فيض والمتتبع خط سير القرآن يرى ذلك.
( ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار)-آل عمران (191)-.
والحمدلله من قبل ومن بعد
صفحہ 13
عقيدة الخلود ... في ميزان الثقلين
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد ......
رفاق البحث في هذا المنبر المحمدي المبارك بإذن الله تعالى ، أشارككم جهودكم في إعلاء كلمة الله ، والرسول ، وأهل البيت ، ببحث متواضع ، أصله عبارة عن إبراز قول الكتاب (ثقل الله الأكبر) ، وقول أهل البيت (ثقل الله الأصغر) ، في مسألة خلود أصحاب الكبائر المصرين من أهل القبلة في النار ، وذلك من (سبع وثلاثين) آية من الكتاب ، بلا حصر ، ومن (ستين) قولا ، ل (أربعين) إماما ومقتصدا من سادات بني الحسن والحسين أهل البيت (ع) ، ومن (اثني عشر) قولا ، ل (أحد عشر) عالما من شيعة أهل البيت (ع) ، وبها يظهر إجماع أهل البيت (ع) في عقيدة الخلود .
وأهدي ثواب هذه السطور إلى روح شيعي الآل وعالمهم صلاح بن أحمد فليتة ، حشره الله في زمرة محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين .
صفحہ 14
عقيدة الخلود ... في ميزان الثقلين
إعداد : الشريف أبو الحسن الرسي .
(الكاظم الزيدي)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، صادق الوعد والوعيد ، العدل الذي لا يجور ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، محمد بن عبدالله النبي الهادي الأمين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، نجوم السماء ، وسفن النجا ، وأهل كل مكرمة ومنقبة ، ورضوانه على صحابته المتقين حصون الدين ومعقله ، والتابعين لهم بخير وإحسان إلى يوم الدين .
وبعد :
فإنه كثر الكلام على مسألة خلود أصحاب الكبائر المصرين من أهل القبلة ، وأطنب الباحثون في شرحها وتبيانها ، نقضا وإثباتا ، فأصاب البعض ، وأخطأ البعض الآخر ، هذا ويعلم الله الذي لا إله إلا هو أن لا غرض لنا من كتابة هذه السطور إلا إحقاق الحق الذي أدى إليه بحثنا (ولا أقول اجتهادنا) ، إذ نحن دون مرتبة الاجتهاد ، وإن كنا في الحقيقة مجتهدين في البحث عن طرق السلامة ، إذ هذا واجب التكليف ، وحق العقل الذي أنعم الله به علينا وعلى سائر أهل التكليف من الجن والإنس أجمعين ، نعم! وضروري استنادي على ما صح عن رسول الله (ص) عندما قال : ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)) ، فعلق التمسك بالكتاب والعترة بعدم الضلال ، وأكد هذا بعدم الافتراق إلى يوم القيامة ، نعم ! فلست أعول إلا على ما نطق به الكتاب ، وأجمعت العترة الحسنية والحسينية عليه منه ، فإن كان قارئ هذه السطور ذا لب سوي فلن ينازعني شرطي هذا (أعني التعويل على الكتاب وإجماع أهل البيت) ، لأنه وإن أنكر حق العترة وواجب الإتباع والإقتداء بإجماعاتهم ، فإنه حتما لن يستطيع أن ينكر منطوق الكتاب العزيز الذي : ((لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)) [فصلت:42] ، ولن ينكر قول الرسول (ص) في حديث العرض : ((ما أتاكم من حديثي فاقرأوا كتاب الله واعتبروه فما وافق كتاب الله فأنا قلته ، وما لم يوافق كتاب الله فلم أقله)) ، فإن أنكر منكر حديث العرض هذا ، فليعمل العاقل عقله وليعلم أنه لو لم يرد أثر كهذا لوجب أن يستنبط مفهوم هذا الحديث بعقله ، إذ أن رسول الله (ص) يستحيل أن يأتي بما يخالف على الكتاب ، نعم ! ليس هذا مقام الإسهاب بل الإشارة والاختصار ، فكتاب الله وإجماع العترة شرطي في هذا البحث ، بقي أمر يجب التنبيه عليه في هذه الديباجة ، وهو أنه نازعنا في أقوال أهل البيت (ع) في مسألة الخلود عدة من الباحثين فذهبوا إلى نفيهم لها عنهم ، إضافة إلى الخلط منهم بين مفهوم الرجاء وإنكار الخلود ، ونسبوا هذا كله إلى سادات بني الحسن والحسين صلوات الله عليهم ، واستدلوا على هذا بأدلة ونقولات سنتعرض لها في المبحث الثاني من رسالتنا هذه بإذن الله تعالى ، وذلك أنا قسمنا الكلام إلى ثلاثة مباحث ، المبحث الأول : عبارة عن تمهيد واستقراء مختصر لعقيدة خلود فساق أهل القبلة في النار . والمبحث الثاني : يتكلم عقيدة الخلود في القرآن الكريم (ثقل الله الأكبر) وما يقوله الكتاب عنها . والمبحث الثالث : يتكلم عن عقيدة وأقوال أهل البيت (ثقل الله الأصغر) وإجماعهم في المسألة ، وكذلك ينقل أقوال شيعتهم الكرام . نعم ! وهذا فأوان الابتداء بعد التوكل على صادق الوعد والوعيد رب العالمين :
المبحث الأول : تمهيد واستقراء لعقيدة خلود فساق أهل القبلة في النار :
أولا : تمهيد :
أجمعت الأمة الإسلامية أن من مات وهو مؤمن ، مقرنا إيمانه بالأعمال الصالحة التي أمر بها الله والرسول (ص) ، فإنه مستحق لدخول الجنة والخلود فيها ، بنص الكتاب العزيز ، وصريح قول الرسول (ص) ، ثم اختلفت بعد ذلك في من مات من أهل الإسلام وهو مصر على ارتكاب كبيرة من الكبائر ، كالخمر ، أو الزنى ، أو أكل مال اليتيم ، اختلفوا في حاله بعد الموت ، ففرقة قالت : أن مرتكب الكبيرة هذا يكون مؤمنا ناقصا إيمانه ، وأنه يستحق دخول النار ، ولكنه لا يستحق الخلود فيها لمكان وجود بعض الإيمان في قلبه ، وقالوا : بأن خروج هذا العاصي من النار إلى الجنة يكون بشفاعة الرسول (ص) له ، وهذا هو قول الفرقة السنية ويشاركهم فيه الجعفرية من الشيعة ، فكلهم رووا عن رسول الله (ص) أنه قال : ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)) ، نعم ! وفرقة قالت بأن مرتكب الكبيرة المصر عليها عند الموت يستحق دخول النار ، ويستحق الخلود فيها ، وأنه لن يخرج منها إلى الجنة أبدا ، وأن رسول الله (ص) لن يشفع لهؤلاء العصاة أبدا ، وهذا هو قول الزيدية من الشيعة والإباضية ، واستدلوا بآيات عديدة من القرآن الكريم (سنذكرها بالتفصيل في المبحث الثاني بإذن الله تعالى) ، ومن هذه الآيات قول الله تعالى : ((والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما)) [الفرقان:68-70] ، وهذا تصريح من الله تعالى في استحقاق الخلود لمن مات مصرا غير تائب من كبيرته ، ولقي الله عليه ، ومن استحق عليه الخلود لم يشفع له رسول الله (ص)، وإلا كذبت وكذبت الآية ، عياذا بالله وتعالى ، إذ خروج المسلمين العصاة المصرين من النار إلى الجنة ينافي الخلود ، والقرآن مصرح بالخلود في حقهم ، هذا باختصار ، وتفصيله في سرد قول القرآن ومذهب أهل البيت (ع) ، سادات الزيدية ، في مسألة الخلود .
ثانيا: علاقة الخلود بمسألة الشفاعة :
وفيه اعلم هدانا الله تعالى وإياك ، أن نقاشنا في هذه الرسالة لمسألة خلود فساق أهل القبلة في النار ، يرتبط بنتيجته ، الوقوف على القول الحق في عقيدة الشفاعة ، نعني شفاعة الرسول (ص) لأهل الكبائر ، وإخراجهم من النار إلى الجنة ، لأنا متى أثبتنا أن الخلود في النار لازم لأصحاب الكبائر من المسلمين ، لزم هذا انتفاء أن يشفع لهم رسول الله (ص) ، لأن الرسول (ص) لا يرد على الله قرآنه ، ولا يكذبه في قوله ووعده ووعيده، وهذا معروف بالفطرة السوية .
نعم ! بقي أن نناقش مسألة خلود أهل الكبائر من أهل القبلة بالدليل الذي اشترطناه على أنفسنا في ديباجة هذه الرسالة ، وهو استعراض أدلة الكتاب الثقل الأكبر، وأدلة أهل البيت (ع) ، سادات بني الحسن والحسين (ع) ، ثقل الله الأصغر ، والسنة لن ترد حتما على الكتاب ، وإجماع أهل البيت (ع) لن يرد على السنة ، فاجتماع الكتاب وإجماع أهل البيت (ع) يعني أن قولهم في السنة صحيح ومتين .
المبحث الثاني : إثبات أن عقيدة خلود أهل الكبائر هي منطوق القرآن الكريم:
في هذا المبحث نتناول مسألة الخلود من منظور قرآني بحت ، نستعرض فيه سبعا وثلاثين آية فيها الدلالة على خلود أصحاب الكبائر في النار ، فمن تلك الآيات :
[ الآية الأولى ] :
قال الله تعالى : ((يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير)) [البقرة:20]
الشاهد : هنا استلهم أخي الباحث أن المانعين لخلود أصحاب الكبائر في النار هم المتعذرون بالمشيئة الإلهية من قول الله تعالى : ((إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما)) [النساء:48] ، فقالوا : أن مشيئة الله تعالى هي غفران جميع الذنوب (صغائر أو كبائر) التي دون الشرك ، وبالتالي سيدخلهم الله الجنة ، ونحن نقول أن مشيئة الله تعالى لغفران الذنوب في الآية ليست تنطبق على العصاة المصرين وإنما تنطبق على التائبين من الذنوب منهم ، فإن الله تعالى سيغفر لهم ، إذ لا غفران لكبيرة بدون توبة ، فمشيئة الله تعالى لغفران الذنوب في آية النساء القريبة مشروطة بالتوبة ، وزيادة في البيان لأبعاد ومعاني إطلاق الله للمشيئة في القرآن ، نستحضر آية البقرة السابقة (وننحى فيها منحى آخر في النقاش للمسألة مقرب للفهم) وفيها تأمل مشيئة الله تعالى في إذهاب سمع وأبصار الكفار ، تجده يقول : ((ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم)) ، ولكن في الحقيقة والواقع أنه لم يذهب بسمعهم ولا أبصارهم ، وهذا دليل على أنه (لا يشاء ) أن يذهب سمعهم ولا أبصارهم ، ومثله نقول لمن تعلل بأن الله قادر على أن يدخل مستحق النار الجنة إذا شاء ذلك ، وعليه فدخول أصحاب الكبائر إلى الجنة أمر غير ممتنع على الله تعالى ، وعلى هذا نرد ونقول : تسليما وتسايرا معكم في الجدال كيلا يطول ، أخبرونا هل مشيئة الله تعالى التي أخبر عنها في القرآن قد تخالف مشيئة الله التي قد يشاؤها يوم القيامة ؟! إن قلتم : نعم ، قد تخالف مشيئة الله التي شاءها ونطق بها القرآن مشيئته يوم القيامة . قلنا : فهذا القول منكم يجعل وعود الله ووعيده الذي اشتمل عليه الكتاب وصرحت بها السنة غير مركون إليها ، ولا موثوق فيها ، فعلى قولكم أن الشفاعة لأهل الكبائر نصيب منها ، نقول : قولكم مردود بالمشيئة الأخروية التي آمنتم بها ، إذ قد يشاء الله ألا يشفع لأهل الكبائر ، وقد يشاء الله أن يخلد أصحاب الكبائر في النار كما تقول الزيدية ، وقد يشاء الله ألا يجعل الشفاعة العظمى من نصيب نبينا محمد (ع) فيجعلها لإبراهيم (ع) ، وقد يشاء الله ألا يقيم مهديا في آخر الزمان ، وقد يشاء الله ألا تكون هناك قيامة بل تكون حياة سرمدية أبدية !! . إن قلتم : ما هذا يا رحمكم الله ، كيف بنيتم أصل كلامكم هذا؟! .قلنا : بنيناه على أصلكم الذي يقول : أن الله قد يشاء في الآخرة بما لم يشأه في القرآن أو السنة ، لأن الله على كل شيء قدير .إن قيل : وضحوا ذلك أكثر ودعموه بالأدلة . قلنا : مشيئة الله في القرآن تقول في حق من تعدى حدود الله من المسلمين في المواريث ولم ينصف في القسمة وأجحف فيها مطيعا هوى نفسه ، ومؤثرا طمع الدنيا على الآخرة : ((تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم * ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين)) [النساء13-14] ، فمشيئة الله تعالى تقول في حق المتعدي في قسمة المواريث أنه : ((يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين)) ، وذلك لأنه عصى الله وتعدى حدوده ، وقولك أيها المخالف: أن الله تعالى قد يشاء في الآخرة أن يدخل ذلك العاصي الغير تائب إلى الجنة بدون مرور على النار ، وقد تقول أيضا : أن الله قد يشاء أن يدخل ذلك العاصي الغير تائب إلى النار ولكنه لا يشاء أن يخلده فيها ، بل سيخرجه بعد زمن إلى الجنة !! ، فهل هذا أخي العاقل إلا عين ما ذكرنا لك من الأمثلة القريبة !! ، انظر إلى قول الله تعالى أخي الباحث : ((وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا)) [الكهف:58] ، وهنا تأمل موعد الله تعالى في هذه الآية هل هو حق على قاعدتكم أخي المخالف ؟! نعم ! فإن بان لك أخي المخالف عوار هذا القول من جهة العقل ، فاعلم أن ما بني على باطل فهو باطل ، وقاعدتكم هذه باطلة فما ابتنى عليها لاشك باطل . نعم ! وأما إن قلتم : لا ، إن مشيئة الله في القرآن لن (تفيد النفي والتأبيد) تخالف مشيئة الله في الآخرة ، فقد رجعتم إلى قول أهل البيت (ع) ، ووافقتم الكتاب وصحيح السنة المحمدية ، فالله تعالى يقول في محكم كتابه : ((ومن أصدق من الله حديثا)) [النساء:87] ، ويقول : ((ومن أصدق من الله قيلا)) [النساء:122] ، والحمد لله .
[ الآية الثانية ] :
قال الله تعالى : ((فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم)) [البقرة:37]
الشاهد : هنا تأمل آدم صلوات الله عليه عندما عصى الله وأكل من الشجرة التي نهاه عنها، تأمل الفرق بين حاله وحال إبليس ، إبليس عصى الله وأبى أن يسجد لآدم ، وآدم عصى الله تعالى وأكل من الشجرة التي نهاه الله عنها ، فأخرج الله آدم وأودعه الأرض ، الجدير بالذكر هنا أن الله رضي على آدم ولم يرض عن إبليس ، مع أنهما اشتركا في عصيان الله تعالى ، لماذا ؟! لا سبب ، إلا التوبة ، فآدم (ع) قطع غضب الله تعالى عليه بالتوبة والرجوع والإنابه ، ((فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه)) ، وكلمات آدم كانت عبارة عن استغفار ، وأما إبليس فلم يقطع غضب الله تعالى عنه بل زاد في عناده طاغيا في الأرض ، فالتوبة إذا شرط انقطاع غضب الله تعالى ، يقول الله تعالى في حق نبي الله يونس (ع) : ((فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلى يوم يبعثون)) [الصافات:143-144] ، فكان تسبيح يونس (ع) سبب في إطفاء غضب الله تعالى عليه، هذا ويونس (ع) لم يفعل إلا صغيرة بغير تعمد ، وذلك أنه استعجل قومه بالتوبة والرجوع إلى الله فخرج من قريتهم غير مأذون له من الله ظانا أن الله لن يغضب عليه ، قال تعالى : ((وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)) [الأنبياء:87] ، فتوبة آدم ويونس صلوات الله عليهما قطعت عنهما غضب الله تعالى ، وإلا لكانوا ممن غضب الله عليهم إلى يوم الدين ، وذنوبهم صغائر ، فكيف بأصحاب الكبائر المشركين والقتلة والزناة وأصحاب الربا من أصحاب القبلة ممن ماتوا وهم مصرون غير تائبون ؟! هل نتوقع أن ينقطع غضب الله عليهم في الآخرة بدون توبة ، ومعلوم أن التوبة محلها الدنيا ؟! فكيف أخي وآيات الوعيد تخبر بحالهم الخالد الأبدي يوم القيامة ؟! ، اللهم صل على محمد وآل محمد .
[ الآية الثالثة ] :
قال الله تعالى : ((واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون)) [البقرة:48]
الشاهد : هذه الآية من الآيات المحكمات في القرآن الكريم ، إذ أن حال هذه الآية منطبق على جميع الأمم يوم القيامة ، ((واتقوا)) يا بني إسرائل ، ((يوما)) هو يوم القيامة ، ((لا تجزي)) لا تنفع ولا تشفع ولا تدفع ((نفس عن نفس )) بتحمل العذاب عنها ، أو بالشفاعة في إزالته عنها ، ((شيئا)) ولا مثقال ذرة ، ((ولا يقبل منها)) من النفس التي تريد أن تتحمل عذاب غيرها ، أو تشفع لغيرها بما لا تستحق ، ((شفاعة)) أي وساطة ، ((ولا يؤخذ منها)) من النفس الشافعة لمن لا يستحقون ((عدل)) أي فداء أو ما يماثل الشفاعة في طريقته ، ((ولا هم)) أصحاب الأنفس الظالمة ((ينصرون)) بشفاعة الشافعين ، أو فداء المفتدين . نعم ! إن قيل : هذه آية خاصة ببني إسرائيل ، إذ جاءت في سياق آيات تتكلم عنهم . قلنا : بل هي عامة في كل نفس ظالمة يوم القيامة ، فالله سبحانه وتعالى يخاطب بني إسرائيل ويعلمهم بحال جميع الأنفس ، جميع الأمم ، جميع الجماعات ، يوم القيامة ، فتأمل قوله تعالى : ((يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا)) تجده جل ذكره يتكلم عن يوم القيامة ويصف حالة شاملة لجميع الأنفس في ذلك اليوم ، فلو قال الرجل لبني زيد من الناس : يا آل زيد اتقوا يوم تعارك العرب والعجم فإنه يوم لا ينفع فيه شفاعة ولا افتداء ، فهل تفهم من هذا أخي الباحث عن الحق أن عدم قبول الشفاعة والافتداء ليست إلا في بني زيد هؤلاء فقط ، وأن بقية العرب والعجم في ذلك اليوم سيقبل فيهم الشفاعة والافتداء ، وتنبه : أن القائل قال : ((اتقوا يوم تعارك)) ، فمقصده شمول عدم قبول الشفاعة ولا الافتداء لكل من حضر ذلك اليوم ، فإن فهمت هذا وتدبرته ، فأعد تفهم الآية الكريمة وتدبرها ، فلله المثل الأعلى . إن قيل : قد فهمنا قولكم القريب ، ولكنا وجدنا كلامكم في الشفاعة في الآية ينصرف إلى الأنفس الظالمة وأنه لا يقبل فيها شفاعة ولا عدل ، بينما الخطاب جاء عاما في جميع الشفاعات ((ولا يقبل منها شفاعة)) أي ولا يقبل من أي نفس أي شفاعة للنفس الأخرى ، وهذا ينفي الشفاعة من أساسها ، لا الشفاعة للمؤمنين ، ولا الشفاعة لأصحاب الكبائر . قلنا : آخر الآية لا يصرح بهذا ، فالشفاعة المقصودة في الآية (نعني الشفاعة الغير مقبولة) هي الشفاعة للنفس الغير مستحقة ، أي للنفس المستحقة للنار ، أي للنفس التي لا يرتضيها الله تعالى ، والدليل قوله تعالى : ((ولا هم ينصرون)) ، والمعلوم أن الأنفس التي لا تنصر يوم القيامة ليست إلا الأنفس الظالمة ، أما الأنفس الصالحة المؤمنة فإنها منصورة بإذن الله تعالى ، عليه فالخطاب في الآية عام في جميع الأنفس الظالمة ، الغير مرضي حالها عند الله سبحانه وتعالى ، والأنفس الظالمة منها المشركة الكافرة ، ومنها المسلمة الفاسقة ، فارتكاب المسلم للزنا فسق ، والزنا عمل لا يرضي الله تعالى ، ومن ارتكبه فقد ظلم نفسه ، فهو شخص ظالم فاسق غير مرضي عند الله تعالى شملته الآية الكريمة القريبة ، فالأنفس في الآية لفظة يدخل تحتها كل نفس ظالمة حالها غير مرضي عند الله تعالى يوم القيامة ، عليه فقد ثبت إجماعا أن للملائكة شفاعات ، ولرسول الله (ص) وإخوانه من الأنبياء شفاعات لأقوامهم إجماعا ، بل حتى وأئمة أهل البيت (ع) سادات بني الحسن والحسين لهم شفاعات يوم المحشر ، ثم أثبتت هذه الآية أن شفاعة الشافعين لا تقبل في الأنفس التي لا يرتضيها الله تعالى ، والفسقة والعصاة من أهل القبلة ليس الله براض عنهم قطعا ما أصروا على فسقهم ، فلم يبق لشفاعة الملائكة والأنبياء والأئمة إلا الأنفس المؤمنة كي تزيد في الترفل في النعيم ، قال الله تعالى : ((وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى)) [النجم:26] ، تأمل هنا أن شفاعة الملائكة وهم أعظم خلق الله لا تنفع إلا بثلاثة شروط : الشرط الأول : ((إلا من بعد أن يأذن الله)) أن يأذن الله للملائكة بالشفاعة . والشرط الثاني : ((لمن يشاء)) أن تكون شفاعتهم لمن يشاء الله أن يشفع لهم من الناس ، ولكن هذا مبهم إذ قد يقال أن جميع أصحاب المعاصي والكبائر وكذلك المؤمنون داخلون في مشيئة الله تعالى هذه ، فإن قيل هذا ، قلنا : ولكن الله قيد مشيئته بشرط الرضوان ، فقال ((لمن يشاء ويرضى)) ، ومعلوم أن الناس يوم القيامة صنفان اثنان ، صنف مرضي عند الله ، وصنف مغصوب عليه عند الله ، عليه فشفاعة الله تعالى التي أذن بها لملائكته لن تنال إلا الصنف المرضي عنه عند الله تعالى ، وإلا أصبحت زيادة قوله تعالى : ((ويرضى)) خالية من الفائدة لو تعنت المخالف وقال أن المعنى : لمن يشاء الله من الناس ويرضى بالشفاعة له سواء كان من أصحاب الكبائر أو من المؤمنين ، وذلك لو كان صحيحا لاكتفى الله تعالى بقوله : ((إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء)) بدون إضافة ((ويرضى)) ، فتأمل هذا ، فإن تأملته فاشدد عليه ،وما قيل من شروط بحق قبول شفاعة الملائكة المكرمين يقال في سائر شفاعات الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين ، وتأمل قوله تعالى لتعرف من يرضى الله ليشفع فيه ممن لا يرضى : ((فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين)) [التوبة:96] ، وقال تعالى : ((إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى)) [الزمر:07] ، فشفاعة الله للشاكرين المؤمنين لأنهم مرضيون عند الله تعالى ((تشكروا يرضه لكم)) ، نعم ! فإن قال لكم مشائخكم إخوتي الباحثين عن الحقيقة أن هذه الآيات إنما هي للكافرين والمشركين وليست لأهل القبلة ، فقولوا لهم : فما نصنع إذا بقول الله تعالى العام في جميع أهل المحشر : ((وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى)) ، فإنا إن سلمنا لكم أن آيات عدم الرضا السابقة مخاطبة للمشركين والكافرين ، فإن أصحاب الكبائر والفجور من أهل القبلة ، قتلة ، وزناة ، وأصحاب الربا ، والسحرة ، وآكلوا أموال اليتامى ، والظلمة ، وأمثالهم ، قطعا ليسوا بمرضيين عند الله تعالى ، عقلا وشرعا ، والملائكة والأنبياء لن (تفيد النفي والتأبيد) يشفعوا إلا لمن ارتضى الله تعالى ، فهل هؤلاء عندكم مشائخنا الكرام ممن يستحق رضوان الله تعالى ؟!! ، ومعلوم أنكم مشائخنا لا تنفون استحقاق هؤلاء الغير مرضيين عند الله لوعيده القرآني بالنار لهم ، فإذا كان ذلك كذلك ، وكان أن لا شفاعة إلا للمرضيين عند الله ، فإن هؤلاء الفسقة سيخلدون في النار ، وكذلك لن يدخل أحد منهم الجنة بشفاعة الشافعين وهو لا يستحق ذلك ، بل إلى النار خالد مخلد أبد الآبدين ، اللهم صل على محمد وآل محمد .
[ الآية الرابعة ] :
قال الله تعالى : ((بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)) [البقرة:81]
الشاهد : الخطاب في هذه الآية جاء بخطاب عام لجميع الأمم والناس ، وسياقه في تكذيب بني إسرائيل عندما قالوا : ((وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون)) [البقرة:80] ، فأجاب الله جل شأنه عليهم بجواب عام شامل ينطبق على بني إسرائيل وعلى جميع الأمم ، فقال : ((بلى)) أي ليس الأمر كما ذهبتم معشر اليهود ، ف ((من كسب سيئة)) أي من ارتكب كبائر المعاصي ، كأن يشرك بي ، أو يقتل الأنفس المؤمنة ، أو يولي يوم الزحف ، أو يزني ..إلخ من الكبائر العظام ، ((وأحاطت به)) ولزمته ولم تنفك عنه ، بمعنى أصر عليها ، ((خطيئته)) والخطيئة هي أقل من السيئة مرتبة في الآية ، فالخطيئة تعني الصغيرة، أما السيئة فهي تعني الكبيرة ، وهي من قول الله تعالى على لسان إبراهيم (ع) : ((والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين)) ، فنسب الخطيئة إلى نفسه ومعلوم أن خطايا الأنبياء ليست إلا صغائر ، فيكون معنى الآية : ومن ارتكب كبيرة وأحاطت به هذه الكبيرة أي أصر عليها ومات عليها ، أو من ارتكب صغيرة وأصر عليها ومات عليها، ((فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)) ، إن قيل : لم لا يكون المقصود بالسيئة والخطيئة هي الشرك بالله تعالى ، فيكون الخلود مخصص لهم دون أصحاب الكبائر من أهل القبلة ؟! قلنا : يمتنع هذا من سياق الآية ، إذ الآية تخبر عن مستحقي عذاب الله تعالى يوم القيامة ، وكذلك تخبر عن مستحقي ثواب الله تعالى يوم القيامة ، وسياق الآية هو قول الله تعالى : ((بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون * والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون)) ، فجميع أصناف الناس داخلون تحت وعد الله ووعيده في هاتين الآيتين ، وعده بالجنة للذين آمنوا، ووعيده بالخلود في النار لمن أساؤا ، والناس يوم القيامة ثلاثة أصناف ، إما مؤمنون ، وإما فساق أصحاب كبائر وصغائر ، وإما كفار مشركين ، والله قد أخبر عن حال المؤمنين في قوله: ((والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون)) ، فبقي صنفان ، الفساق والكفار ، وقد شملهما الله تعالى بقوله : ((بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)) ، فأصحاب السيئات هم الكفار وأصحاب الكبائر من أهل القبلة ، وأصحاب الصغائر (الخطيئات) من أهل القبلة هم من أصروا على خطيئاتهم فأحاطت بهم ولزمتهم إلى يوم القيامة ، على أن هناك طائفة من علماء أهل القبلة قالوا بأن هذه الآية شاملة لأهل الكبائر ، منهم : الحسن بن أبي الحسن البصري والسدي ، قالا عن (السيئة) : ((هي الكبيرة من الكبائر))[1] ، وقال الأعمش والسدي وأبي رزين في قول الله تعالى : ((وأحاطت به خطيئته)) : ((الذي يموت على خطاياه من قبل أن يتوب)) [2] ، وقال أبو العالية ومجاهد والحسن بن أبي الحسن البصري والربيع بن أنس أن الخطيئة هي : ((الموجبة الكبيرة))[3] ، والكبائر الموجبات منها ، الشرك بالله ، وقتل النفس المؤمنة والربا والسحر وقذف المحصنات وغيرها ، فأصحاب هذه الكبائر لاشك خالدون مخلدون في النار كما صرحت الآية ، نعم ! إن قيل : إنما مراد هؤلاء العلماء بالكبائر ، أي الشرك بالله تعالى وفقط ؟! قلنا : الكبيرة لفظة يدخل تحتها جميع الموجبات ، ولو سلمنا لكم هذا، فإن بقية آيات القرآن تشهد لقولنا في أن (السيئة) في الآية هي الكبيرة ، وأن الكبيرة تشمل الشرك بالله وبقية الموجبات التي قد يرتكبها فسقة أهل القبلة ، ومعلوم أن خير مفسر للقرآن هو القرآن ، فالله تعالى يقول في حق قاتل النفس المؤمنة : ((ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزآؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما)) ، وقتل النفس من الكبائر الموجبات ، والآية صرحت بخلود صاحبها في النار ، فهي توافق تأويلنا للآية بأن السيئة (هي لفظة يدخل تحتها جميع الكبائر الموجبة) ، بدليل تخليد الله لأصحابها، فقد خلد القرآن أصحاب الربا[4] ، وخلد المتعدين لحدوده في أكل أموال الناس بالباطل وذلك في آية المواريث[5] ، وخلد قاتلي الأنفس المؤمنة بغير وجه حق[6] ، والمنافقين والمنافقات[7] ، والسنة كذلك خلدت أصنافا كثيرة من مرتكبي الكبائر ، كشاربي الخمر[8] ، فهذه الكبائر كلها تشهد لقولنا القريب ، والحمد لله .
[ الآية الخامسة ] :
قال الله تعالى : ((واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضآرين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون)) [البقرة:102]
الشاهد : هنا تأمل أخي الباحث أن الله تعالى في هذه الآية يحكي حالا عاما لكل من يتعاطى السحر ، يحكي جل شأنه حالهم في الآخرة ، وأنه لا خلاق لهم ولا قبول ، والمنع من السحر شريعة موسى ومحمد وغيرهما من الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم أجمعين، فأما في شريعة محمد (ص) فظاهر إجماعا ، وأما في شريعة موسى (ع) فيدل عليه قول الله تعالى : ((ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق)) ، وليس من مصدر لعلمهم إلا تعاليم التوراة ، فإن تفهمت هذا ، فاعلم أن القول بالشفاعة للسحرة من أهل القبلة ، يعني أنه أصبح لهم خلاق وقبول عند الله تعالى في الآخرة ، وهذا تكذيب لقول الله جل شأنه : ((ما له في الآخرة من خلاق)) ، إذ الظاهر اللازم من الآية استمرارية عدم القبول من الله لهم في الآخرة أبدا ، والكلام هنا على المصرين غير التائبين ، عليه فالخلود ثابت في حق مرتكبي كبيرة السحر ، وعليها يقاس سائر الكبائر الموبقة .
[ الآية السادسة ] :
قال الله تعالى : ((وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين * بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )) [البقرة:111-112]
الشاهد : هنا تأمل أخي الباحث كيف أنكر الله تعالى على اليهود والنصارى قولهم : ((لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى)) ، فقال جل شأنه : ((قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)) ، ثم أخبر الله تعالى عن المستحق للجنة منهم ومن غيرهم ، فقال جل شأنه : ((بلى من أسلم وجهه لله)) ، أي من آمن بالله وبرسوله ودخل في الإسلام ، ثم اشترط الله شرطا ضمنيا بعد الإسلام العام ، فقال جل شأنه : ((وهو محسن)) ، أي وهو مؤمن خالص إيمانه لله تعالى ، فلا يرتكب ما نهى الله ورسوله عنه من الكبائر والفواحش ، ولا يصر على صغائر الظنون والأوهام ، ثم أخبر الله تعالى عن جزاء هذا المسلم المؤمن المحسن فقال جل شأنه : ((فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)) ، وهذا أخي الباحث دليل على أن الإخلاص مع الإسلام شرط دخول الجنة ، وأن أهل الكبائر لن يدخلوا الجنة أبدا ، لأنهم ليسوا من أهلها ، إذ ليسوا بمخلصين ، وإن كانوا مسلمين ، فشرط الإسلام وإن تحقق فيهم ، فإن شرط الله الضمني لم يتحقق فيهم ، وهو قوله : ((وهو محسن)) ، وهذا ظاهر لمن تدبر الآية ، ولم تعم العصبية قلبه .
[ الآية السابعة ] :
قال الله تعالى : ((يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين *واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون)) [البقرة:122-123]
الشاهد : في هذه الآية يحكي الله لبني إسرائيل حال جميع الناس يوم القيامة ، فقال جل شأنه : ((واتقوا)) يا بني إسرائيل ، ((يوما)) هو يوم القيامة ، ويوم القيامة أخي الباحث ليس يوما خاصا ببني إسرائيل في أحكامه ، بل هو يوم عام شامل لجميع الأمم ، فالخطاب الإلهي في الآية عام لجميع من حضر ذلك اليوم من الناس ، نعم ! ثم قال الله تعالى عن ذلك اليوم : ((لا تجزي نفس عن نفس شيئا)) ، أي لا تدفع ولا تتحمل نفس عن نفس عذابها ، ولا آثامها ، فالأم لا تغني عن ابنها ، والولد لا يغني عن والده ، ((ولا يقبل منها عدل)) أي فداء أو عطاء لإسقاط العذاب ، ((ولا تنفعها شفاعة)) أي لن تنفع النفس الظالمة أي شفاعة ، سواء من محمد (ص) أو من غيره ، فهو نفي قاطع عن نفع أي شفاعة لمن لا يستحقها ، وزاد تأكيدها الله تعالى بقوله : ((ولا هم ينصرون)) ، وهذا خطاب عام شامل لجميع الأمم يخبر فيه الله سبحانه وتعالى أن ما ستقدموه من عمل ستجدونه أمامكم ، فإن قدمتم معشر المكلفين كبائرا وأصررتم عليها ، عوقبتم بجزائها ، ولن ينفعكم شفاعة الشافعين ، فالنار مثواكم خالدين مخلدين أبدا ، وإنما قلنا خالدين مخلدين لانتفاء الشفاعة عنهم ، فهم بهذا لن يخرجوا من النار أبدا .
[ الآية الثامنة ] :
قال الله تعالى : ((إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون * إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم)) [البقرة:159-160]
الشاهد : تأمل أخي الباحث على ضوء الآيتين السابقتين ، حال من كتم علما أعطاه الله إياه ، أو دلس فيه على الناس ، ما سيكون مآله ؟! يقول الله تعالى عن حاله ومآله : ((أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون)) ، في الدنيا وبعد الممات إن مات غير تائب ، دعك من أعظم اللعنات وأكبرها ، نعني لعنة الله لمن هذا حاله من الناس ، وتأمل قول الله تعالى : ((ويلعنهم اللاعنون)) ، أليس الرسول (ص) سيكون أول اللاعنين لمن يلعنهم الله تعالى ؟! فمن مات وهو مصر على كتم العلم ، أو التدليس فيه على طالبيه ، فقد ارتكب كبيرة من الكبائر ، واستحق لعنة الرسول (ص) في الدنيا والآخرة ، وإنما قلنا أنه مستحق للعنة الرسول (ص) في الآخرة لمكان الموت مع الإصرار على هذه الكبيرة ، والله تعالى لم يستثن من استحقاقية اللعن لمن هذا حاله : ((إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم)) ، ومعلوم أن كاتم العلم ، والمدلس على الناس ، مستحق لعن الله والرسول وسائر المؤمنين في الدنيا ، فمتى مات مصرا غير تائب ، فإنه يظل مستحقا للعنة الإلهية والمحمدية ، ((ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا)) ، نعم ! وهذا الكاتم للعلم المصر عليه ، المستحق للعنة الرسول (ص) في الدنيا والآخرة ، كيف يظن المخالف أنه سيشفع له يوم القيامة ، ويخرجه من النار إلى الجنة والنعيم ؟! ، والله سبحانه وتعالى لم يستثن من اللعنة إلا التائبين ، قال جل شأنه : ((إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم)) ، وهذا ظاهر ، إذ لو شفع رسول الله (ص) يوم القيامة لصاحب الكبيرة الكاتم للعلم لأكذب الله في قوله : ((ولا يشفعون إلا لمن ارتضى)) ، ولشفع لشخص غير مرضي عند الله تعالى ، إذ الملعون من قبل الله غير مرضي عنده قطعا ، فإن فهمت مرادنا هنا ، فاعلم أن جزاء من لم يتب من الكاتمين والمدلسين للعلوم هو اللعنة الخالدة الأبدية من الله تعالى . سلمنا أن الله سيخرج كاتمي العلم من أهل الإسلام من النار (على حد قول المخالف) ، فأخبرونا لماذا اشترط الله للرحمة بهذا العبد لزوم التوبة منه والإقلاع عن هذه المعصية ؟! ، فزيادة قول الله تعالى : ((إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم)) ، زيادة لا فائدة منها ، فالتوبة ليست شرط لرحمة الله تعالى بهذا العاصي المرتكب للكبيرة ، إذ أن الله تعالى قد يتوب عليهم بدون توبة على شرط المخالفين ، فيتوب عليهم بشفاعة الرسول (ص) ويدخلهم الجنان ، ويبدلهم مكان اللعنة الرحمة ؟! ، وهذا وهم ماحق ساحق ، وإسقاط من شأن وعيد الله تعالى ، ومن شأن رسول الله (ص) ، ومن شأن كتاب الله تعالى ، ولو تأمل المتجرأ على هذا القول ، قول الله تعالى مخاطبا المؤمنين : ((إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم * أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فمآ أصبرهم على النار))[البقرة:174-175] ، وزاد في تدبر قوله : ((ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم)) ، وزاد في التدبر وقرأ قوله تعالى : ((فمآ أصبرهم على النار)) مع ما سبق من الآية القريبة ، لعلم حقا صدق مذهب أهل البيت (ع) في المسألة .
[ الآية التاسعة ] :
قال الله تعالى : ((زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب)) [البقرة:212]
الشاهد : الكلام هنا حول المشيئة الإلهية ، أهل البيت سادات الزيدية يقولون أن مشيئة الله تعالى في قول الله جل شأنه : ((والله يرزق من يشاء بغير حساب)) لا تحمل إلا المتقين الذين يرضاهم الله تعالى دون الظالمين غير مرضيي الطريقة عند الله تعالى ، والمخالف على مقتضى فهمه للمشيئة في قول الله تعالى : ((إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)) ، سيقول : أن الله قد يشاء أن يرزق المتقين أو الظالمين ، من يرضى عنهم ، ومن لا يرضى عنهم ، كما قالوا سابقا أن الله سيشاء أن يغفر لأصحاب الكبائر الظالمين من أهل القبلة ، ويرحمهم ، ويخرجهم من النار ، عليه فلننظر أخي الباحث لكتاب الله تعالى ، مشيئة الله تعالى فيمن تحققت ؟! هل فيمن هو متق فقط ؟! أم في المتقين والظالمين؟! قال تعالى : ((زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب)) ، فأخبر الله تعالى أنه رزق الذين اتقوا ورفعهم فوق الذين كفروا ، ومعلوم أن صفة التقوى ليست تنطبق على كل المسلمين ، إذ كل متق مسلم ، وليس كل مسلم متقي ، فمشيئة الله تعال هي أن يرزق المتقين لا الظالمين ، فصح قول ثقل الله الأصغر ، وشهد له الثقل الأكبر ، فكان هو الحجة .
[ الآية العاشرة ] :
قال الله تعالى : ((الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون * يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم * إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون * يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين* فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون)) [البقرة:275-278] .
الشاهد : هنا يخاطب الله المؤمنين ، ويحذرهم من الوقوع في الربا ، والربا من الكبائر الموبقة ، فيسأل المخالف : عن المسلم الذي مات وهو مصر على التعامل بالربا ، هل تجوز له شفاعة رسول الله (ص) ؟! هل سيخرجه رسول الله (ص) من النار إلى الجنة ؟! . إن قال: نعم !. قلنا : فكيف إذا ؟! أنتهم ربنا ، أم نتهمك؟! ، والله يقول عن هذا وأمثاله : ((فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)) ، والله المستعان . نعم! وبمعنى آخر سلوا أصحاب الشفاعة لأهل الكبائر من أهل القبلة وقولوا لهم : من مات من أهل القبلة وهو مصر على المتاجرة بالربا ، هل سيشفع لهم الرسول (ص) ؟! إن قالوا : نعم ! وهو قولهم ، فقولوا : إن الرسول (ص) ذلك اليوم سيكون حربا عليهم لا عونا لهم ، سيكون عليهم أقسى من كل قاس ، لا أرحم من كل رحيم : ((فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله)) ، فكيف توفقون بين هذا وبين معتقدكم ؟! . نعم ! فإن وقفت أخي الباحث على الخلل ، فاعلم أن كتاب الله تعالى لا يرد بعضه على بعض ، بل يصدق بعضه البعض ، فمن استحق حرب الله ورسوله من أهل الكبائر (كالربا) ، فقد استحق الخلود في النار ، وعدم الشفاعة ، وهذا صريح قول الله تعالى : ((فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)) ، فحقق الله عليهم الخلود . نعم! ثم تأمل ثانية قول الله تعالى : ((فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله)) ، تجد أن الإيذان بالحرب من الله والرسول لن ينقطع إلا بالتوبة النصوح ، فما حال من مات وهو مصر غير تائب؟! الله تعالى يقول : ((واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون)) ، فإن كان كسب النفس ذلك اليوم هو الإصرار على الكبائر والفواحش (كالربا) فماذا ستوفى؟! لاشك لن توفى إلا بذات الإيذان بالحرب من الله والرسول (ص) ، الخلود في النار ، والعياذ بالله.
[ الآية الحادية عشر ] :
قال الله تعالى : ((قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم )) [آل عمران:31] .
الشاهد : تأمل أخي الباحث متى يغفر الله الذنوب للعباد ، ((فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم)) ، الله لا يغفر لعباده ذنوبهم وكبائرهم إلا إذا اتبعوا الرسول (ص) ، وائتمروا بأمره ، وانتهوا بنهيه ، عندها يغفر الله لهم ذنوبهم ، فكيف تقول أيها المخالف : أن الله سيغفر ذنوب أصحاب الكبائر الموبقة المصرين عليها بدون تحقق شرط غفران الذنوب ، وهو التوبة في الدنيا ، والالتزام بمنهج الله ومنهج الرسول (ص)؟! .
[ الآية الثانية عشر ] :
قال الله تعالى : ((إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم)) [آل عمران:77] .
الشاهد : هنا سلوا معشر من قال بأن الله قد يرحم ويغفر لمن ((يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا)) من أهل القبلة ويدخلهم جنات النعيم ، ألا يرد عليكم قول الله تعالى : ((أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم)) ، أليس في هذا دلالة على أنه جل شأنه سيهملهم ولا يلتفت إليهم ، ولا إلى نداءاتهم وتضرعاتهم ؟! ألا يدل هذا على خلودهم في النار أبد الآبدين؟!.
[ الآية الثالثة عشر ] :
قال الله تعالى : ((وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون * وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين * الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين * والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون * أولئك جزآؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين)) [آل عمران:132-136] .
الشاهد : تأمل أخي الباحث في هذه الآيات العظيمة ، تجد بغية الناشد فيها ، خصوصا متى استحضرت التمعن والإنصاف ، فالله سبحانه وتعالى أخبر أن أسباب الرحمة في إطاعة الله وإطاعة الرسول (ص) ، ((وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون)) ، فمن لم يطعهما وارتكب كبائر ما نهي عنه فليست الرحمة له بمرجوة ، ثم تأمل قول الله تعالى ، وهو يحث الناس على المسارعة إلى المغفرة وتكفير الذنوب والقبول ، فقال : ((وسارعوا إلى مغفرة من ربكم)) ، ثم أخبر جل شأنه أن هذه المغفرة أعدت للمتقين ، ((أعدت للمتقين)) ، فلا حظ للفساق من المسلمين بهذه المغفرة الإلهية ، ثم أخبر الله تعالى أن مغفرته تشمل : ((الذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون)) ، وهذه صفة اصحاب الكبائر أو الصغائر التائبين الغير مصرين ، فرحمة الله ومغفرته تنالهم ، قال الله تعالى عنهم : ((أولئك جزآؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين)) ، فهؤلاء أخي الباحث الذين صرح الله باستحقاقهم للرحمة والمغفرة العظيمة ، هؤلاء هم الذين يشاء الله أن يغفر لهم في قوله : ((إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)) ، فالذين يشاء الله أن يغفر لهم من أهل القبلة هم المرجوة لهم الرحمة، والرحمة ليست مرجوة إلا لمن يطيع الله ورسوله ، ويأتمر بأمرهما ، وينتهي بنهيهما ، ويجتهدون في ذلك ، وإن حصل وارتكبوا الكبائر والصغائر تابوا إلى الله منها ، ولم يصروا عليها ، فهؤلاء يتوب الله عليهم ، والمشيئة فيهم متحققة ، ولو كان كلام المخالف صامدا لذكر الله أصحاب الكبائر المصرين غير التائبين في موضع الرحمة والغفران في الآيات ، بل على العكس من ذلك تماما ، فإن الله خصص رحمته ومغفرته للتائبين الغير مصرين ، فأما المصرين فلا رحمة لهم ولا مغفرة ، عليه فالخلود في نيران الجحيم لاشك مآلهم ، والله المستعان .
[ الآية الرابعة عشر ] :
قال الله تعالى : ((ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع ....* تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم * ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين )) [النساء:12-14]
الشاهد : هنا يخاطب الله أهل القبلة معلما إياهم قسمة المواريث ، وبعد أن بين الله تعالى أحكام الموريث ، حذر المسلمين الذين يتعدون حدوده التي حدها وبينها لهم في كيفية قسم المواريث ، فأخبر جل شأنه أن من لم يلتزم بها فإن مأواه نار جهنم خالدا فيها أبدا ، وهو قول أهل البيت (ع) ، سادات الزيدية ، وهنا يسأل المخالف عن تعدي حدود الله وقسمة المواريث بغير ما أنزل الله وبين ، هل هي من الكبائر ؟!. إن قال : نعم ، وهو قوله. فقولوا له : ومذهبك أن صاحب الكبيرة سيشفع له الرسول (ص) يوم القيامة فيغفر الله له ويخرج من النار ؟! إن قال : نعم ، وهو قوله . فقولوا له : قد رددت على الله آيته ، فالله يقول في مآل ذلك المتعدي : ((ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين)) ، وأنت تقول بأنه لن يخلد في النار ، وأن سيفوز بالنعيم!!.
صفحہ 15
[ الآية الخامسة عشر ] :
قال الله تعالى : ((وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما)) [النساء:18] .
الشاهد : الخطاب هنا لأهل القبلة من المسلمين ، وفيه تأمل أخي الباحث امتناع الله تعالى من قبول التوبة حال غرغرة النفس واقتراب أجلها ، وتأمل وعيده لمن مات ولم يتب في قوله: ((أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما)) ، ستجد أنه جل شأنه يعتذر عن أي مغفرة مستقبلية لهؤلاء الفسقة المصرين ، والمغفرة متى انتفت كان الخلود في النار .
[ الآية السادسة عشر ] :
قال الله تعالى : ((ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزآؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما)) [النساء:93] .
الشاهد : وهنا سلوا أصحاب الشفاعة وعدم التخليد لأهل الكبائر من أهل القبلة ، وقولوا لهم : أيشفع الرسول (ص) في رجل من المسلمين قتل أخاه المسلم متعمدا بغير وجه حق ؟! إن قالوا : نعم ، وهو قولهم . فأعيدوا عليهم المسألة لتأكيد الوقوع في المحظور : هل تقولون أن ذلك القاتل سيخرج من النار ؟! ، إن قالوا : نعم ، وهو قولهم . فقولوا لهم : فقد كذبتم الله تعالى في قوله في حق كل من يقتل نفسا مؤمنة متعمدا : ((فجزآؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما)) ، وكذبتم على رسول الله (ص) عندما زعمتم أنه يشفع لمن لعنه الله وأعد له عذابا أليما ، ((ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون)) .
[ الآية السابعة عشر ] :
قال الله تعالى : ((ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما * يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا * هاأنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا)) [النساء:107-109] .
الشاهد : هذه الآية في إثبات المراد من هذه الرسالة ، أوضح من الشمس رابعة النهار ، إذ الله سبحانه وتعالى ينهى الرسول (ص) عن المجادلة في المنافقين العصاة أصحاب الكبائر ، ((ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما)) ، ثم يخبر الله تعالى بأنهم وإن جادلوا عن هؤلاء الفسقة العصاة في الدنيا ، فإنه لن يجادل عنهم أحد يوم القيامة ، وأنه لا وكيل لهم ولا ناصر ولا معين ، ((هاأنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا)) ،وهذا دليل قاطع صارم لنفي الشفاعة المحمدية لمن لا يرضى الله عنهم من الفسقة وأصحاب الكبائر والعصاة ، ودليل على أن الرسول (ص) ممنوع بأمر الله تعالى من أن يجادل أو يشفع لأمثالهم من الناس (أصحاب الكبائر) الذين لا يرضى الله أفعالهم ولا أقوالهم .
[ الآية الثامنة عشر ] :
قال الله تعالى : ((إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا * إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما)) [النساء:145-146]
الشاهد : سل أخي الباحث المنصف أصحاب الشفاعة لأهل الكبائر ، وعدم الخلود ، عن منافقي أهل القبلة ، هل سيخرجون من النار ؟! ، هل سيجدون لهم ناصرا يشفع لهم ، والله تعالى يقول لرسوله (ص) : ((ولن تجد لهم نصيرا)) ؟! إن قالوا : نعم ، سيخرجون من النار بشفاعة الرسول (ص) ، وهو قولهم . فقل : قد كذبتم الله تعالى في قوله : ((إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا)) . نعم ! ثم لا يفوتك أخي الباحث أن تتأمل متى سيغفر الله لأصحاب الكبائر من المنافقين المستحقين للخلود : ((إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما)) ، فإن الله لا يغفر لهم إلا بعد التوبة والإصلاح ، أما إذا أصروا ، فإن الله لا يشاء لهم المغفرة ولا الرحمة ، بل العذاب والخلود ، وتأمل قول الله تعالى في منافي أهل القبلة : ((وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم))[التوبة:68] .
[ الآية التاسعة عشر ] :
قال الله تعالى : ((وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير)) [المائدة:18].
الشاهد : تأمل أخي الباحث قول الله تعالى : ((يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء)) في حق اليهود والنصارى ، فهل يذهب ظنك إلى أن الله قد يغفر لمستحقي العقوبة منهم بدون توبة ، الناقض منهم لميثاق الله وعهده ، أم أنه سيخلده في النار ، اقرأ قول الله تعالى وتدبر وعيده في حق مرتكبي الكبائر منهم : ((وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون * وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون * ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون * أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون)) [البقرة:83-86] ، فهل من قال الله فيهم ((فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون)) جزاء ارتكابهم الكبائر والفواحش ، يصح أن يشاء الله لهم المغفرة يوم القيامة بعد عدم التوبة والإصرار؟! ، نعم ! وأما الذين يشاء الله لهم المغفرة من بني إسرائيل معشر اليهود والنصارى ، فهم الذين قال الله تعالى فيهم : ((ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرآئيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار)) [المائدة:12] ، فهؤلاء الأخيرين أخي الباحث هم الذين يشاء الله لهم المغفرة والرحمة من بني إسرائيل وليس أولئك المصرين على ارتكاب الفواحش والكبائر الموبقات ، فهم خالدون مخلدون في النار. فائدة : تدبر قول الله تعالى واربط معناه بما مضى وانظر متى استحق بنو إسرائيل التخليد في النيران: ((لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون * ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون)) [المائدة:78-80] ، نعم ! وبعد هذا كله تذكر أن ميزان الله عدل يوم القيامة ((سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا)) .
[ الآية العشرون ] :
قال الله تعالى : ((ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم)) [المائدة:65] .
الشاهد : هنا تأمل أخي في الله متى يستحق أهل الكتاب التكفير عن سيئاتهم ، لا يستحقونه إلا بعد الإيمان والتقوى ، فلا يكفي الإسلام وحده لتكفير السيئات بل هو بحاجة إلى إيمان وتقوى وعمل صالح ، عليه فالإيمان والتقوى والعمل الصالح شرط في تكفير السيئات ، والذين يموتون من المسلمين على المعاصي والكبائر من غير توبة فإنهم قطعا ليسوا بمؤمنين ولا متقين وليست أعمالهم بالأعمال الصالحة ، عليه فكيف يرجى لهم تكفير للسيئات ، ودخول للجنان ، والله تعالى يقول : ((ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم)) .
[ الآية الحادية والعشرون ] :
قال الله تعالى : ((وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم)) [الأنعام:54] .
الشاهد : تأمل عفو الله ورحمته من يشاء أن تتحقق فيه ، ومن يستحقها ، إنما يستحقها أصحاب الصغائر غير المتعمدين ، ثم هو بعد هذه الصغائر والهنات غير المتعمدة يستغفرون الله في حركاتهم وسكناتهم في ليلهم ونهارهم ، فهذا الاستغفار يمحو الصغائر غير المتعمدة، وهو يسمى توبة ، وليست توبة مقررة كالتوبة الواجبة على أصحاب الكبائر والفواحش ، فتوبتهم تكون من ذنب كبير متعمد ، فيلزم التوبة المخصصة للذنوب الكبيرة، وأن يعزم على ألا يعود لذلك الذنب ، وأن يستحل من الناس حقوقهم ، وكذلك الصغائر المتعمدة يجب التوبة منها . نعم ! ثم انظر حال أهل الكبائر المتعدين المصرين هل يستحقون رحمة الله وغفرانه ؟! والله تعالى يقول : ((أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم)) ، وأولئك (أصحاب الكبائر) فلم يتوبوا !!.
[ الآية الثانية والعشرون ] :
قال الله تعالى : ((ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أوليآؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم * وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون * يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين)) [الأنعام:128-130] .
الشاهد : هنا تأمل قول الله تعالى في حق الكافرين من غير أهل القبلة : ((خالدين فيها إلا ما شاء الله)) ، تأمل مشيئة الله هنا في حق الكفار غير المسلمين ، هل مضمونها أن يخرجهم الله من النار ؟! أم يخلدهم ؟! إن قلتم : بل يخرجهم من النار فقد خرجتم على إجماع الأمة بما فيهم أنفسكم ، فالكفار على شرطكم خالدون مخلدون في النار ، لا تنالهم شفاعة الرسول (ص) ، ولا رحمة الله عز وجل . إما إن قلتم : لا يخرجون من النار فمشيئة الله فيهم الخلود فيها أبدا . قلنا : فلم تحتجون علينا إذا قلنا أن مشيئة الله هي الخلود لأهل الكبائر بدليل صريح آي الكتاب بالخلود في حقهم ، في حق قاتلي الأنفس المؤمنة ، وأصحاب الربا ، ومخالفي أوامر الله في المواريث، وعليها يقاس باقي الموبقات كالسحر والخمر وقذف المحصنات وغيرها . إن قلتم : إنما يخرج الله أصحاب الكبائر من المسلمين بشفاعة الرسول (ص) ، وإن كان قد صرح في حقهم بالخلود ، لأنه قادر على كل شيء . قلنا : وكذلك الله قد يكذب جميع الأمة ويخرج الكفار والمشركين وإبليس من النار إلى الجنة لأنه على كل شيء قدير !! ، هل هذا منكم منطق إخوة البحث والإنصاف ، الله سبحانه وتعالى عندما يستثني بالمشيئة في مواطن عديدة من القرآن مع العلم والجزم بأن مشيئته معروفة مسبقا بآيات محكمة أخرى من القرآن ، فإن لله لا يذكر هذا الاستثناء بالمشيئة إلا ليعلم الناس أنه على كل شيء قدير ، فمعلوم أن الله تعالى يستطيع أن يظلم ، ولكنه لن يظلم أبدا ، لأنه عالم بأن الظلم قبيح ، وهو أحكم الحاكمين ، وفعل الظلم من الحكيم قبيح ، والله لا يفعل الظلم ولا القبيح . ومعلوم أيضا أخي الباحث أن الله تعالى يستطيع ألا يقيم يوم القيامة ، ويجعل الحياة أبدية سرمدية متى شاء ذلك ، ولكنه لن يفعل ذلك ، لأنه قد بعث رسله ووصاهم بتأكيد هذا اليوم على الناس ، ونطقت به كتبه العزيزة ، والله تعالى أصدق من كل صادق ، فتكذيب الله لنفسه ولأنبيائه قبيح ، والله لا يفعل القبيح ، وعلى هذا أخي في الله قس ، فالله تعالى وإن استثنى بالمشيئة المستوجبين للنار بالخروج منها (على مقتضى فهم المخالف) فهذا لا يعني أنهم سيخرجون منها ، لأن الله قد وعدهم بالخلود في مواطن عديدة من كتابه الكريم ، فلو أخرجهم من النار لكذب نفسه ، وأخلف وعيده في حق أصحاب الكبائر هؤلاء ، وهذا من الله قبيح ، والله منزه عن فعل القبيح ، بل إن الملائكة والأنبياء منزهون عن هذا الفعل فما بالك برب العزة والجلال !! ، نعم! فمشيئة الله تعالى واستثناؤه في الآيات ليس إلا لتبيينه أنه على كل شيء قدير ، ولكن كونه يختار بقدرته شيئا يخالف على ما وعد به في القرآن فهذا محال . وليس مثال هذا إلا قول الله تعالى : ((ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا)) فهذه المشيئة من الله ليست إلا لتبيين قدرته على أن يجعل جميع أهل الأرض مؤمنين ، ولكنه منعه من تنفيذ هذه المشيئة والقدرة حكمته في الابتلاء الذي صرحت به آيات عديدة من كتاب الله تعالى ، وهذا فواضح وجهه بحمد الله تعالى ، ونزيد وضوحه من قول الله تعالى في سورة هود : ((إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود *} وما نؤخره إلا لأجل معدود * يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد * فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق * خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد * وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ)) [هود:103-108] ، وفي هذه الآية تأمل كيف أن مشيئة الله تعالى لم تأت إلا لتعبر عن القدرة الإلهية على فعل كل شيء فقط ، ولا يترتب عليها أن الفسقة وأصحاب الكبائر من أهل القبلة سيخرجون من النار ولو كان ذلك كذلك ، لجاز أن يخرج أصحاب الجنة من الجنة إلى النار بدليل ما أردفت به المشيئة في الآية : ((وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ)) .
[ الآية الثالثة والعشرون ] :
قال الله تعالى : ((واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون)) [الأعراف:156] .
الشاهد : تأمل أخي الباحث رحمة الله تعالى لمن كتبها الله : ((فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون)) ، وشفاعة الرسول (ص) التي أعطاها إياها الله ليست إلا جزءا من رحمته ومغفرته للعباد ، فلن ينالها إلا من كتبت له ، ورضي الله عنه ، ومعلوم أن الملائكة والأنبياء لا يشفعون إلا لمن يشاء الله تعالى من الناس ويرضاه ، وقد بين الله من هي له هذه الرحمة والمغفرة فقال : ((فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون)) ، فهل تعلم أخي المخالف أن أصحاب الكبائر من أهل القبلة ممن شملتهم رحمة الله تعالى في الآية ؟!. إن كان ، نعم ! ، فقد باهت وكابرت ، وإن كان، لا ، أفلا تركب سفينة نوح وتقول بقول محمد وآل محمد ؟! ، وهم سيزيدونك تنويرا وتفهيما من جنس الآية القريبة بقول الله تعالى : ((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم)) [التوبة:71] ، وعليك التدبر .
[ الآية الرابعة والعشرون ] :
قال الله تعالى : ((إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون * الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم)) [الأنفال:02-04]
الشاهد : تأمل أخي الكريم كيف أن رحمة الله تعالى ليست إلا للمؤمنين دون الفساق والكفار ، ومثلها قول الله تعالى : ((يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم)) [الأنفال:29] ، فشرط تكفير الذنوب والسيئات في الآية هو التقوى ، والتقوى هي لب الإسلام ، فكيف يقال بعد هذا أن أصحاب الكبائر الذين لا تقوى لهم مستحقون لتكفير السيئات ، والله المستعان.
[ الآية الخامسة والعشرون ] :
قال الله تعالى : ((وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم * وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم * خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم * ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم * وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون * وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم)) [التوبة:101-106] .
الشاهد : هذه الآية أخي المهتم بحاجة إلى زيادة بيان ، فالله سبحانه وتعالى يسرد لنبيه الكريم (ص) ثلاثة أصناف من العصاة ، الصنف الأول : هم المنافقون ((وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق)) ، ثم بين الله تعالى لنبيه (ص) نوع العذاب الخاص بهم ، فقال جل شأنه : ((سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم)) ، ثم أخبر الله تعالى عن الصنف الثاني من العصاة : وهم أصحاب الصغائر المتعمدين والظانين ((وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا)) ، ثم بين الله تعالى لنبيه (ص) نوع العذاب الخاص بهم ، فقال جل شأنه : ((عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم * خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم)) ، ثم أخبر الله تعالى عن الصنف الثالث من العصاة : وهم أصحاب الكبائر الأحياء ، وإنما قلنا الأحياء ، لأن الخطاب موجه لأناس معاصرين للرسول (ص) ، فأخبر الله تعالى أن هؤلاء الفسقة العصاة أصحاب الكبائر لهم فرصة التأخير (الإرجاء) حتى وقت الغرغرة ، فإن تابوا قبلها وأصلحوا تاب الله عليهم ، وإن لم يتوبوا قبلها وماتوا وهم مصرين على كبائرهم لم يتب الله عليهم ، وهو قول الله تعالى : ((وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم)) ، ومعنى مرجون : أي مؤخرون ، وقوله تعالى : ((عليم)) أي عليم بما سيختم به هؤلاء العصاة حياتهم ، وقوله : ((حكيم)) دلالة على حسن تأخير الحكم عليهم إلى ساعة الغرغرة ، وإعطائهم الفرصة إلى ذلك الوقت ، أشار إلى هذا العلامة الفقيه محمد مداعس رضي الله عنه ، وهي إشارة قوية وصامدة.
[ الآية السادسة والعشرون ] :
قال الله تعالى : ((وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا)) [الكهف:17]
الشاهد : إجماعا من الأمة أن أصحاب المعاصي والمنكرات من شاربي الخمور ومرتكبي الزنا والقتل هم ضلال ، بل إنه معلوم أن أكثر الفرق تضلل غيرها من الفرق الإسلامية ، مع أنه يجمعهم جميعا الإسلام ، وأصل الضلال هو ارتفاع ألطاف الله وتوفيقه عن العبد العاصي المستمر في العناد وارتكاب المحظور ، وهنا يخبر الله تعالى أن ((من يضلل)) الله ((فلن تجد له وليا مرشدا)) أي وليا وناصرا ينقذه ويخرجه من هذا الضلال ما دام ذلك العبد مصرا على المعاصي والكبائر التي تغضب الله تعالى وتؤدي إلى ارتفاع الألطاف ، ونزع التوفيق ، وهنا يسأل المخالف عن المكلف الذي يموت مصرا على الكبائر ولم يوفق للتوبة ، ما مصيره يوم القيامة ؟! نعني من سينصره وينقذه مما توعد الله به أمثاله من العاصين ؟! إن قلتم : رسول الله ينقذه لأنه من أهل الإسلام وإن كان عاصيا !!. قلنا : ولكن الله تعالى يقول : ((ومن يضلل فلن تجد له وليا)) ، فثبت أن من استحق النار من أهل القبلة فإنه خالد مخلد في النار لن تنفعه شفاعة الأولياء .
[ الآية السابعة والعشرون ] :
قال الله تعالى : ((قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)) [الكهف:110]
الشاهد : معلوم أخي الباحث أن العمل والعقيدة هي أصل الأديان ، فالعقيدة لا تنفع بدون عمل ، والعمل لا يكون إلا بعقيدة ، وهذه قاعدة عامة ، فالله سبحانه وتعالى لن يتقبل من أصحاب موسى إلا من كان ذا عقيدة موسوية صحيحة ، وذا عمل واجتهاد لما تضمنته عقيدة موسى (ع) ، والأخير هو العمل الصالح ، فالأصل إذا ، العقيدة الصحيحة والعمل الصالح ، فمن أتى من أصحاب نبينا محمد (ص) وهو ذا عقيدة صحيحة (بمعنى أنه مسلم غير مشرك ولا سيء في مجمل عقيدته) ، ولكنه لم يعمل صالحا ، كان يزني ويسرق ولا يتوانى عن القتل لأجل المال أو الجاه ، وكان مواليا للكفرة مناصرا لهم ضد أهل القبلة ، ومات وهو مصر على هذه الأفعال الشنيعة ، والكبائر الموبقة ، فإنه قول الله تعالى : ((فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)) لا ينطبق عليه ، ولو كان من أهل القبلة (أي ليس بمشركا) ، لأنه أخل بشرط العمل الصالح الذي به وبالعقيدة يفوز بلقاء الله ، ولقاء الله تعالى يعني قبوله والفوز برضاه ونعيمه ، فقول الله تعالى : ((فمن)) خطاب عام يدخل تحته جميع المكلفين ، ((كان يرجو)) أي يود ويرغب ويطمع ، ((لقاء ربه)) في الفوز برضا الله تعالى ، ونعيمه ، وجنته ، فليلتزم بشرطين اثنين ، الأول : ((فليعمل عملا صالحا)) والأعمال الصالحة هي أعمال الجوارح من الالتزام بأمر الله والرسول (ص) ، والانتهاء بنهيهما ، والشرط الثاني للقبول والنعيم الإلهي : ((ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)) أي أن يكون إلى جنب العمل الصالح سليم الاعتقاد فلا يكون مشركا ، أو مخلا بموجبات الإيمان الصحيح ، كالإيمان بالله تعالى تنزيها وتصديقا وتعديلا ، والإيمان بملائكته تنزيها وتصديقا ، والإيمان بكتب الله تعالى تنزيها وتصديقا واتباعا ، والإيمان برسل الله تعالى تنزيها وتصديقا واتباعا ، والإيمان باليوم الآخر والبعث والحساب ، والإيمان بقدر الله تعالى خيره وشره ، فهذه أعمال القلوب ، وروى أهل البيت صلوات الله عليهم أن الرسول الله (ص) ، قال : ((الإيمان معرفة بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالجوارح)) ، نعم ! وهنا يسأل المخالف الذي يطمع في أن يغفر الله ، ويعفو ، ويقبل شفاعة الشافعين ، لصاحب الأعمال الغير الصالحة من أهل القبلة من مرتكبي الكبائر والرذائل والفواحش ، يسأل عن قول الله تعالى في الآية القريبة ، وعن قوله جل شأنه في غير موضع من الكتاب العزيز ، كقوله : ((إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما)) [الفرقان:70] ، وقوله تعالى : ((إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا)) [الشعراء:227] ، وقول الله تعالى : ((فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين)) [القصص:67] ، وقول الله تعالى : ((والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون)) [العنكبوت:07] ، وقول الله تعالى : ((والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين)) [العنكبوت:09] ، وقول الله تعالى في حق زوجات النبي (ص) : ((ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما)) [الأحزاب:31] ، وقول الله تعالى : ((الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير)) [فاطر:07] ، ففي هذه الآية وسابقاتها تأمل كيف جعل الله الإيمان والعمل الصالح شروطا للمغفرة والأجر والثواب العظيم ، فاسأل نفسك أيها المخالف هل سيستحق أصحاب الكبائر والفواحش من أهل الإسلام الأجر الكبير والمغفرة والرضوان ؟! وهل شفاعة الرسول (ص) لهم وإخراجهم من النيران إلا محض النعمة والبشرى والخير والفوز لهؤلاء المجرمين !! ، فهل يرد محمد (ص) على كتاب الله يا معشر الفقهاء ؟! أم ترد سنته على قرآنه يا معشر العلماء ؟! ، ((ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)) [النساء:82] .
[ الآية الثامنة والعشرون ] :
قال الله تعالى : ((أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا * فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا * إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا * جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا * لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا * تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا)) [مريم:58-63]
الشاهد : تدبر هذه الآيات تدبر المنصف أخي الباحث ، ستجد أن الله تعالى يصف حال أنبياء الله تعالى ، إيمانا ، وإخلاصا ، وعبادة ، وزهدا ، وأنهم وكثير من أتباعهم كانوا ((إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا)) ، ثم أخبر تعالى أنه قد خلف هؤلاء الآباء ذرية ابتعدوا عن عبادة الله تعالى ، وضعف الإيمان في صدورهم ، فكانوا أجرأ على المعاصي ، وعلى ترك الواجبات ، فحكى الله تعالى حالهم بقوله : ((فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات)) ثم أخبر تعالى بعقابهم ، فقال : ((فسوف يلقون غيا)) أي عقابا وعذابا ، ولكن الله تعالى استثنى من العقاب أناسا معينين ، فمن هم ؟! ((إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا)) ، فالتوبة هي شرط النجاة الوحيد من العقاب (وليست الشفاعة) ، وشرائط التوبة هي الإيمان والعمل الصالح ، ثم أخبر الله تعالى أن أصحاب الجنة ليسوا إلا الأتقياء دون الفسقة والعصاة ، فقال جل شأنه : ((تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا)) ، فهل تعلمون معشر المخالفين أن أصحاب الكبائر من الأتقياء حتى يورثوا الجنة ويدخلوها؟! فتردوا على الله قوله وتصريحه ؟! ، أليس الله تعالى هو القائل : ((وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا * ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا)) [مريم:71-72] .
[ الآية التاسعة والعشرون ] :
قال الله تعالى : ((وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى)) [طه:82]
الشاهد : اربط هذه الآية أخي الباحث مع قول الله تعالى : ((إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)) ، من هم الذين يشاء الله أن يغفر لهم عدى المشركين ؟! أهل البيت (ع) ، ثقل الله الأصغر في الأرض ، يقولون أن الذين يشاء الله أن يغفر لهم هم أهل القبلة التائبون العاملون بشرائط الإيمان والإسلام ، والقرآن ، ثقل الله الأكبر يقول فيه الله تعالى : ((وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى)) ، والمخالفون للعترة وللكتاب يقولون : أن مشيئة الله في الآية هي أن يغفر لجميع أهل القبلة ممن ماتوا وهم مصرون على الكبائر أو الصغائر ولم يتوبوا ، فسيغفر الله لهم ويخرجهم من النار إلى الجنة بشفاعة الشافعين ؟! ، فالقول قولك أخي الباحث وعليك وعلى إنصافك التبعة .
[ الآية الثلاثون ] :
قال الله تعالى : ((إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد)) [الحج:14]
الشاهد : تأمل أخي الباحث قول الله تعالى : ((إن الله يفعل ما يريد)) ، وانظر ما هي إرادة الله تعالى في من يدخل الجنة ممن لا يدخلها ؟! تجد الله تعالى يقول : ((الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار)) ، ثم أخبر أنها إرادته ((إن الله يفعل ما يريد)) ، فمن قال لك بعد هذا أن الله يريد أن يدخل أهل القبلة أصحاب الأعمال غير الصالحة ، نعني أصحاب الكبائر والفواحش فاتهمه في رأيه ، وحاكمه إلى إلى كتاب الله تعالى ، وقل من قول الله تعالى: ((ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء)) [الحج:18] هل تظن في من يريد الله إهانتهم أن شخصا يستطيع أن يكرمهم ؟! إن قلت : لا ، لا يستطيع أحد أن يكرمهم . قلنا : ولكن الله تعالى يقول ((إن الله يفعل ما يشاء)) ، فقد يشاء أن يستطيع أحد أن يكرم من أهانهم . فإن قلت : قول الله تعالى في الآية واضح ولا يحتمل ما قلتموه . قلنا : وكذلك نقول أن قول الله تعالى واضح في قوله : ((إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد)) فإن الله لا يريد أن يدخل الجنة إلا أصحاب الأعمال الصالحة من المؤمنين ، دون أصحاب الكبائر والمعاصي والفواحش ، وأنتم تصرون على دخول الأخيرين الجنة والله المستعان .
[ الآية الحادية والثلاثون ] :
قال الله تعالى : ((قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون * والذين هم عن اللغو معرضون * والذين هم للزكاة فاعلون * والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون * والذين هم لأماناتهم وعهدهم * والذين هم على صلواتهم يحافظون * أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون)) [المؤمنون:1-11]
الشاهد : استلهم أخي الباحث الصفات المذكورة في هذه الآيات ، ((الذين هم في صلاتهم خاشعون)) ، ((والذين هم عن اللغو معرضون)) ، ((والذين هم للزكاة فاعلون))، ((والذين هم لفروجهم حافظون)) ، ((والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون)) ، ((والذين هم على صلواتهم يحافظون)) ، تأمل أخي في الله هذه الصفات وانظر ماذا يستحق أصحابها : ((هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون)) ، فهل يحق لنا أن نقول فيمن هم : ((لصلاتهم ساهون)) ، والذين هم ((في اللغو واقعون)) ، والذين هم ((للزكاة مانعون)) ، والذين هم ((للزنى مرتكبون)) ، والذين هم ((للأمانات خائنون)) ، والذين هم ((للعهود ناقضون)) ، الذين قال الله عنهم ((فأولئك هم العادون)) ، هل يستحق هؤلاء أن يكونوا : ((هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون)) ، أو أن يشاركوا المحافظون الملتزمون في جنان الخلد ؟! الله يقول أن المستحق لدخول الجنة والإقامة فيها هم أصحاب الصفات الحميدة المذكورة ، وأن من دونهم هم العادون ، وأنت أخي المخالف تقول أن من دون الصالحين (أصحاب الكبائر) سيرثون جنات النعيم ، فمن بربك نتهم ربنا أم نتهمك ؟! أليس قول الله تعالى في الآيات القريبة صريح في أنه لن يدخل جنة النعيم ، ولن يورثها إلا أصحاب الأعمال الصالحة من المؤمنين ، وهذا يدل على أن أصحاب الكبائر والفواحش لن يدخلوا الجنة ولن يورثوها ، عليه فسيدخلوا النار وسيخلدوا فيها ، لأنه لا مقام في ذلك المقام إلا في الجنة أو النار ، أعاذنا الله وإياكم من عذاب النار .
[ الآية الثانية والثلاثون ] :
قال الله تعالى : ((والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما * ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا * والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما * والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا * والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما * أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما *خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما)) [الفرقان:68-76]
الشاهد : خير مفسر للقرآن هو القرآن ، مشيئة الله التي تعلقت بها أيها المخالف من قول الله تعالى : ((إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)) ، وزعمت أنه قد يدخل تحتها كبائر الظنون والذنوب من الزنا وقتل النفس المحرمة وغيرها من الكبائر العظام ، يبين لك فساد هذا المذهب قول الله تعالى في سورة الفرقان : ((والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا)) ، ففيه إثبات ظاهر أن أصحاب الكبائر خالدون مخلدون في نار جهنم ليس تشملهم مشيئة الغفران في الآية التي تمسكتم بها، وذلك أنه معلوم أن قتل النفس المحرمة ، والزنى دون الشرك ، ومع ذلك توعد الله سبحانه وتعالى مرتكبيها بالخلود في النيران ، ولكن يبقى السؤال : من هم الذين يشاء الله أن يغفر لهم ذنوبهم ممن لهم أعمال دون الشرك من أهل القبلة ؟! الجواب تجده في قول الله تعالى : ((إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما * ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا)) ، فهي للمذنبين التائبين ، فإن الله تعالى يغفر له ذنوبهم ، ويكفر عنهم سيئاتهم ، عليه فليست مشيئة الله في غفران الذنوب لمن مات وهو مصر على كبائر الظنون والذنوب ، وهذه لعمري آية واضحة في الدلالة على المراد من هذه الرسالة ، بل هي مغنية عنها لمن كان دواءه القرآن، وأما المكابرة فحقا أعيت من يداويها ، ولست أتعجب إلا لمن يقول بعد صريح قول الله في كتابه قال فلان ، وقال علان ، وليت أن مستنده على سادات أهل البيت الملازمين للكتاب ، ولكن على علماء العامة من الناس ، والله المستعان .
[ الآية الثالثة والثلاثون ] :
قال الله تعالى : ((وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون * ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين * فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون * فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين)) [القصص:64-67]
الشاهد : الخطاب في هذه الآية عام في المشركين ، ويدخل تحته التائبون من الشرك ، والتائبون من الشرك معلوم أنهم أصبحوا لاشك مسلمين ، فهنا يخاطب الله تعالى المسلمون التائبون من الشرك بقوله : ((فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين)) ، وهذا يدخل تحته أيضا المسلمون التائبون من الكبائر الموبقة ، عليه تأمل قول الله تعالى : ((فعسى أن يكون من المفلحين)) ، أي فعسى أن يكون أولئك (المشركون أو الفسقة) بتوبتهم وعملهم الصالح من المفلحين ، أي من المغفور لهم ، والمرضيوا الحال ، وهذا أخي الباحث هو ما نسميه بالرجاء ، فالرجاء : هو طلب المغفرة والقبول من الله تعالى وأن يكفر السيئات والذنوب صغيرها والكبير . وشرط قبول الرجاء : التوبة ، فالإيمان والعمل الصالح ، فليس يرجى لعاص قبول يوم القيامة أبدا ، والرجاء بهذا المفهوم هو مذهب أهل البيت (ع) ، تماما كما في قول الله تعالى : ((إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم)) [البقرة:128] ، وكقوله تعالى : ((أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا)) [الإسراء:57] .
[ الآية الرابعة والثلاثون ] :
قال الله تعالى : ((من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون)) [القصص:84]
الشاهد : وهنا يسأل المخالف عن الذين يعملون السيئات ويموتون مصرين عليها ماذا سيجزون ؟! ، هل سيجزون الجنة ؟! أم سيجزون مقاما مناسبا لعملهم السيئ ؟! ، الله تعالى يقول : ((من جاء بالحسنة فله خير منها)) ، ومعلوم أن مقام هذا هو الجنة ، ويقول جل شأنه : ((من جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون)) ، ومعلوم أن مقام هذا هو النار ، فهل سيرد المخالف على الله تعالى قوله ، فيقول مباهتا ، أن من جاء بالسيئة فإنه سيجزى بالجنة ؟! ، وتذكر قول الله تعالى : ((أحسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون)) [العنبكوت:04] ، ومثل هذا كله تدبر قول العزيز الحكيم : ((من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب)) [غافر:40] ، اللهم صل على محمد وآل محمد .
[ الآية الخامسة والثلاثون ] :
قال الله تعالى : ((وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون)) [غافر:58]
الشاهد : وهنا يأتي المخالف ويقول بأن أصحاب الكبائر وأهل الإيمان والعمل الصالح والتحري ، والتائبين ، بمنزلة واحدة عند الله تعالى ، وأنه سيكون مآلهم جميعا النعيم رغم تضاد أعمالهم ، رغم جلد وصبر المؤمنين في جانب الله تعالى ، والحرمان الدائم الذي يعيشونه في دنياهم من كل الملاهي والملاذ المحرمة ، بعكس ذلك الفاسق اللاهي بين لذات الخمور والغواني والترفل بين النعيم الزائل ، والله المستعان ، بربك أيها العاقل ما تقول ؟! ولا تنسى أن تتأمل قول الله تعالى : ((أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون )) [الجاثية:21] .
[ الآية السادسة والثلاثون ] :
قال الله تعالى : ((ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى * الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى)) [النجم:31-32] .
الشاهد : هنا أخي الباحث دليل قوي على صحة مذهب أهل البيت (ع) في فساق أهل القبلة ، من مات منهم مصرا على كبيرة من الكبائر غير تائب منها ، ففيها يخبر الله تعالى أن مستحقي المغفرة هم ((الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ... إن ربك واسع المغفرة)) ، فكيف يقال بعد هذا أن المرتكبين للكبائر والفواحش هم من سيغفر الله لهم ، وستكون شفاعة نبينا محمد (ص) لهم ؟! ، وتأويل قول الله تعالى : ((إلا اللمم)) ففيه دليل على أن الله تعالى قد يكفر سيئات من وقعوا في اللمم ، واللمم هي المعاصي التي دون الكبائر ويتوب العبد منها ويستغفر الله تعالى عليها ، قال الطبري من الفرقة السنية : ((وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : ((إلا)) بمعنى الاستثناء المنقطع، ووجه معنى الكلام إلى : ((الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم)) بما دون كبائر الإثم ودون الفواحش الموجبة للحدود في الدنيا ، والعذاب في الآخرة ، فإن ذلك معفو لهم عنه ، وذلك عندي نظير قوله جل ثناؤه : ((إن تجتنبوا كبآئر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما)) فوعد جل ثناؤه باجتناب الكبائر العفو عما دونها من السيئات وهو اللمم))[9] اه ، قلت : وهذا كلام نفيس للطبري ، لا ينسى المخالف فليعمل النظر وليعرضه على قول الله تعالى : ((إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)) ، ولينظر إلى ((اللمم)) هل يستحق أن يكون هو المقصود بقول الله تعالى : ((ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)) ، طبعا بدون الإصرار على اللمم ، فالتوبة منه مطلوبة .
[ الآية السابعة والثلاثون ] :
قال الله تعالى : ((يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير)) [التحريم:08]
الشاهد : في هذه الآية أخي الباحث رجاء معلق بشرط إلهي مهم ، بدون هذا الشرط لن (تفيد النفي والتأبيد) يتحقق قول الله تعالى : ((عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار)) ، فما هو هذا الشرط الذي به يكفر الله عنا سيئاتنا ويدخلنا جنان الخلد ، الشرط هو قول الله تعالى : ((توبوا إلى الله توبة نصوحا)) ، فالتوبة النصوح هي طريق غفران الذنوب والخلود في الجنان ، وبدونها لا يستحق العبد دخول الجنة ولا الخلود فيها ، ومن لم يكن مقامه الجنة يوم القيامة فلا شك مقامه النار خالدا فيها وبئس المصير ، أعاذنا الله وإياكم منها .
صفحہ 16
المبحث الثالث : إثبات أن عقيدة خلود أهل الكبائر هو مذهب أهل البيت (ع) :
أولا : أقوال علماء أهل البيت (ع) :
أولا : ما جاء عن رسول الله (ص) ، (ت11ه) :
1- روى الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين الهاروني (ع) ، بسنده إلى الحسين (ذو الدمعة) بن زيد بن علي عن جعفر (الصادق) بن محمد ، عن محمد (الباقر) بن علي، عن علي (زين العابدين) بن الحسين، عن الحسين (الشهيد) بن علي عن علي (المرتضى) (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( في الزنا ست خصال: ثلاث في الدنيا، وثلاث في الآخرة، فأما التي في الدنيا فإنها تذهب البهاء، وتعجل الفناء، وتقطع الرزق، وأما التي في الآخرة فسوء الحساب، وسخط الرحمن، والخلود في النار))[10] .
تعليق : وهنا تأمل جعل الرسول (ص) الخلود في النيران من نصيب أهل الزنا والفجور، والخلود معناه البقاء الأبدي السرمدي الذي لا انقطاع له ، وهو قول أحفاد محمد (ص) من سادات بني الحسن والحسين ، فالزنا كبيرة من الكبائر ومن مات مصرا عليها غير تائب فإن الخلود في النار لاشك مأواه ، وإنما قلنا (لاشك) لمكان عصمة صاحب الشريعة محمد (ص) عن الهذيان أو النطق عن الهوى ، والله المستعان .
وهنا دليل من القرآن يشهد لمضمون هذا الحديث ، وهو قول الله تعالى مخاطبا المؤمنين : ((الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين)) [النور:02] ، وهنا انظر الله تعالى يدعو إلى عدم الشفة والهوادة مع الزاني والزانية ((ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله)) ، ثم علق ضرورة إقامة الحد عليهما ، وعدم الرأفة بهما بانتفاء الإيمان ، فقال : ((إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر)) ، وزاد تعالى تأكيد عدم الرأفة والشفقة بالحث على حضور إقامة الحد عليهما للاتعاظ والاعتبار ((وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين)) ، ومنه تأمل أخي الباحث كيف أن الله تعالى شدد على المؤمنين في عدم الرحمة والشفقة والتهاون في حق أهل الزنا ، وانظر هل من هذا أمره لعباده سيشفق بحال أهل الزنا يوم القيامة وسيرأف بهم ، أو سيجعل لعباده عليهم شفاعة ، أو سيسقط عنهم ما توعدهم به من عذاب وعقاب ؟! . نعم ! تأمل قول الله تعالى محذرا المؤمنين : ((ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا)) [الإسراء:32]، وانظر هذا النهي الشديد عن عدم القرب من الزنا والتوعد الإلهي لفاعله هل تجد بعد هذا من شفاعة أوهوادة في مرتكبه ، قال تعالى : ((وساء سبيلا)) ، روى ابن أبي الدنيا بإسناده ، عن الهيثم بن مالك الطائي ، قال : قال رسول الله (ص) : ((ما من ذنب بعد الشرك بالله أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا تحل له))[11] ، قال الشوكاني في تفسير آخر الآية : ((أي بئس طريقا طريقه ، وذلك لأنه يؤدي إلى النار ، ولا خلاف في كونه من كبائر الذنوب ، وقد ورد في تقبيحه والتنفير عنه من الأدلة ما هو معلوم))[12] ، ومن طريق الجعفرية عن الباقر (ع) : ((هو أشد الناس عذابا ، والزنا من أكبر الكبائر))[13] ، ومن طريق الزيدية ، عن أبي سعيد الخدري ، قال: قال رسول الله (ص) : ((لا يزني الزاني وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر وهو مؤمن، قيل: يا رسول الله كيف يصنع إذا واقع شيئا من ذلك؟ قال: إن راجع التوبة راجعه الإيمان، وإن لم يتب لم يكن مؤمنا))[14] ، هذا والعاقل المنصف خصيم نفسه ، إذ أنه لا بد من أن تتضح له أمور كثيرة .
ثانيا : ما جاء عن أمير المؤمنين علي (ع) ، (ت40ه) :
2- روى الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين الهاروني (ع) ، بسنده إلى محمد بن الحنفية رضي الله عنه ، أنه قال : (( لما قدم أمير المؤمنين عليه السلام إلى البصرة بعد قتال الجمل دعاه الأحنف بن قيس رضي الله تعالى عنه، واتخذ له طعاما، وبعث إليه وإلى أصحابه فأقبل إليه أمير المؤمنين ثم قال له: يا أحنف ادع أصحابي، فدعاهم فدخل عليه قوم متخشعون كأنهم شنان بوال. فقال الأحنف بن قيس: يا أمير المؤمنين ما هذا الذي نزل بهم، أمن قلة الطعام أم من هول الحرب؟ قال: لا يا أحنف. إن الله عز وجل إذا أحب قوما تنسكوا له في دار الدنيا تنسك من هجم على ما علم من فزع يوم القيامة ... فإن فاتك يا أحنف ما ذكرت لك فلترفلن في سرابيل القطران، ولتطوفن بينهما وبين حميم آن، فكم يومئذ في النار من صلب محطوم، ووجه مشؤوم، ولو رأيت وقد قام مناد ينادي: يا أهل الجنة ونعيمها وحليها وحللها خلودا لا موت فيها، ثم يلتفت إلى أهل النار فيقول: يا أهل النار يا أهل النار، يا أهل السلاسل والأغلال، خلودا لا موت، فعندها انقطع رجاؤهم وتقطعت بهم الأسباب، فهذا ما أعد الله عز وجل للمجرمين، وذلك ما أعد الله عز وجل للمتقين ))[15] .
تعليق : وهنا تأمل كيف أن خطاب أمير المؤمنين (ع) كان موجها لأهل القبلة من المسلمين ، ثم تأمل قوله (ع) : ((ثم يلتفت إلى أهل النار فيقول: يا أهل النار يا أهل النار، يا أهل السلاسل والأغلال، خلودا لا موت، فعندها انقطع رجاؤهم وتقطعت بهم الأسباب)) ، وهذا تصريح بالخلود لمن يستحق الخلود من أهل المعاصي والكبائر من أهل الإصرار ، ثم تأمل ثالثة إلى انقطاع الرجاء ، وتقطع الأسباب بمن حقت عليه النار ، فلا شفيع يرجى ، ولا ناصر ينتصر ، والله المستعان .
ثالثا : ما جاء عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت95) :
3- قال الإمام زين العابدين علي بن الحسين (ع) من دعاء له : ((في يوم الفطر إذا انصرف من صلاته قام قائما ثم استقبل القبلة وفي يوم الجمعة فقال: ... كلهم صائرون إلى حكمك وأمورهم آئلة إلى أمرك، لم يهن على طول مدتهم سلطانك ولم يدحض لترك معاجلتهم برهانك. حجتك قائمة لا تدحض، وسلطانك ثابت لا يزول، فالويل الدائم لمن جنح عنك، والخيبة الخاذلة لمن خاب منك، والشقاء الاشقى لمن اغتر بك. ما أكثر تصرفه في عذابك، وما أطول تردده في عقابك، وما أبعد غايته من الفرج، وما أقنطه من سهولة المخرج عدلا من قضائك لا تجور فيه، وإنصافا من حكمك لا تحيف عليه، فقد ظاهرت الحجج، وأبليت الاعذار، وقد تقدمت بالوعيد وتلطفت في الترغيب، وضربت الامثال، وأطلت الامهال، وأخرت وأنت مستطيع للمعاجلة، وتأنيت وأنت مليء بالمبادرة، لم تكن أناتك عجزا، ولا إمهالك وهنا، ولا إمساكك غفلة، ولا انتظارك مداراة، بل لتكون حجتك أبلغ، وكرمك أكمل، وإحسانك أوفى ونعمتك أتم))[16] .
رابعا : ما جاء عن الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ، (70-122ه) :
4- قال الإمام زيد بن علي (ع): ((فسلهم عن أصحاب الموجبات [أي الموبقات ، الكبائر] ، هل وعدهم الله تعالى النار عليها ، أم لا؟! فإن شهدوا أن الله تعالى قد وعدهم النار عليها، فقل: أتشهدون أن الله سبحانه وتعالى سينجز وعده ، أم في شك أنتم لا تدرون هل ينجز الله وعده أم لا؟! ،...، فارضوا بما شهد الله به واشهدوا عليه ولا ترتابوا، فإن الله جل وعلا قال: ((ومن أصدق من الله قيلا))[النساء: 122] ، فمن حدثكم حديثا بخلاف القرآن فلا تصدقوه واتهموه، وليكن قول الله عز وجل أشفى لقلوبكم من قولهم : إن أصحاب الموجبات في المشيئة ، .... ، وكذلك من شاء أن يغفر له من أهل القبلة يترك الموجبات لا يعمل بها، فإن عمل بشيء منها ثم تاب إلى الله تعالى قبل أن يموت فإن الله تعالى قال: ((يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين)) [إبراهيم:27]، فمن مات مؤمنا دخل قبره مؤمنا، وبعثه الله تعالى يوم القيامة مؤمنا))[17].
خامسا : ما جاء عن الإمام يحيى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت145ه) :
5- روى ابن سهل الرازي في كتابه (أخبار فخ ويحيى بن عبدالله) ، ما اتفق على يحيى بن عبدالله (ع) ، وذلك عندما أودعه هارون العباسي عند جعفر بن يحيى البرمكي ليحبسه في بيته (وهو يريد منه أن يقتله بالسم) ، فلما صار يحيى (ع) إلى بيت جعفر ، ألقى إليه الإمام يحيى نصيحة وموعظة وقعت في قلبه ، وحثه من خلالها على إطلاقه ليسيح في الأرض ، محذرا إياه من أن يلقى الله غدا بدمه : ((فلما كان بالليل أرسل [جعفر البرمكي] إلى يحيى فقال [له]: إن كلامك قد وقع في قلبي ، وإن للناس قبلي مظالم كثيرة ، وإن لي من الذنوب العظام والكبائر الموبقات مالا أطمع معها في النجاة والمغفرة . فقال له يحيى (ع) : لا تفعل [أي لا تقنط] ، فإنه ليس ذنب أعظم من الشرك ، وقد قال الله في محكم التنزيل للمسرفين الذين أسرفوا في الشرك وفي معاداة النبي ، وقتل أصحابه: ((يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون))[الزمر: 53-54]، فأمر [الله] بالإنابة والتوبة، والله تبارك وتعالى يغفر [تأمل] لمن تاب وإن عظم جرمه . قال [جعفر] : فتضمن لي المغفرة إن أنا خليتك؟! . قال له يحيى (ع) : نعم ، أضمن لك ذلك على شريطة [تأمل شرط يحيى (ع)] . قال جعفر : وما هي؟ قال (ع) : تتوب من كل ذنب أذنبته بينك وبين الله ، ثم لا تعود في ذنب أبدا [أي لا تصر عليه] ، وأما الذنوب التي بينك وبين الناس ، فكل مظلوم ظلمته ترد ظلامته عليه، فإنك إذا فعلت ذلك، وأديت الفرائض التي لله عليك ، غفر الله لك، وأنا الضامن لك على ذلك))[18] اه . قلت : لله در إمامنا يحيى بن عبدالله (ع) ، فقد نصح وأخلص في النصيحة ، إذ لا مغفرة مع عدم التوبة، ولا مغفرة مع الإصرار ، وهو قول الزيدية ، ملاحظة : ما بين الأقواس [ ] هو منا للتبيين وليس من صاحب السيرة ، ثم لايفوتك أن تتأمل أنه كان يخاطب جعفرا البرمكي ، والبرمكي مسلم من أهل القبلة .
سادسا : ما جاء عن فقيه الآل أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) (158-240ه) :
6- روى الشريف العلوي محمد بن علي البطحاني الحسني (ع) ، في كتابه جامع علوم آل محمد ، تحت باب ((هل يخرج أحد من أهل التوحيد من النار)) ، أن محمد بن منصور المرادي الحافظ ، قال : ((قلت لأحمد بن عيسى : يخرج من النار أحد ممن يدخلها؟! فقال (ع) : هيهات ، وأنى له الخروج ، وقال (ع) : هو في القرآن ، وذكر آيات من القرآن منها: ((لا يخرجون منها)) وقال: ((وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار)) اه .
تعليق : وهنا تأمل أن الخطاب موجه لأهل التوحيد من أهل القبلة ، وكيف أثبت الإمام أحمد بن عيسى (ع) عدم خروج من يدخل النار منهم ، وهو قول الزيدية .
7- روى الشريف العلوي محمد بن علي البطحاني الحسني (ع) ، في كتابه جامع علوم آل محمد ، تحت باب ((القول في من مات على كبيرة)) ، أن محمد بن منصور المرادي الحافظ ، قال : ((سألت أحمد بن عيسى عمن يعمل بمعصية كبيرة مات عليها ولم يتب منها؟ قال (ع) : كافر[19] ، قلت : في النار؟ قال : في النار)) .
تعليق : وهنا تأمل كيف أن الإمام أحمد بن عيسى (ع) لم ير في حق أهل الكبائر المصرين الغير تائبين أي رجاء أو مغفرة من الله تعالى يوم القيامة ، فحكم لهم بالنار .
سابعا: ما جاء عن الإمام القاسم الرسي بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (168-246ه) :
8- أجاب الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي (ع)، على مسألة ابنه محمد : ((وسألته: عن قول الله: ((خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك )) [هود: 107] ؟ فقال: خبر من الله من القدرة والاقتدار على كل شيء ، وليس هو خبر أن الله مخرج من النار بعد دخولها أحدا، ولو خرج منها خارج بعد دخولها لم يكن فيها مخلدا، وقد قال الله في غير مكان ((خالدين فيها)) ، ((وما هم منها بمخرجين)) [الحجرات: 48] ))[20] .
9- وقال الإمام محمد بن القاسم الرسي (ع) : ((وكان أبي رحمة الله عليه يقول: إن كل كبيرة وعد الله سبحانه العقاب عبده فيها، فإن عقاب الله له بها ثابت أبدا عليه، وإن من دخل النار غير خارج منها ، وإنه مخلد فيها، غير غائب عنها))[21] .
ثامنا : ما جاء عن فقيه الآل الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت247ه) :
10- روى الشريف العلوي محمد بن علي البطحاني الحسني (ع) ، في كتابه جامع علوم آل محمد ، تحت باب ((هل يخرج أحد من أهل التوحيد من النار)) ، أن الحسن بن يحيى (ع) ، قال : ((وسألت عمن دخل النار أيخرجه الله من النار أم لا؟! فالجواب : أنا نشهد على أهل النار كما يشهد الله عليهم، فمن قال الله خالدا فيها شهدنا عليه بما شهد الله عليه، وقال الله عز وجل: ((فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق، خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد، وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ))، يعني غير مقطوع، فنحن نشهد عليهم بما شهد الله عليهم في كتابه من الخلود فيها أبدا)) اه .
تعليق : وهنا تأمل شهادة الحسن بن يحيى (ع) بخلود أصحاب النار والمستحقين لها .
11- روى الشريف العلوي محمد بن علي البطحاني الحسني (ع) ، في كتابه جامع علوم آل محمد ، تحت باب ((القول في الإيمان وزيادته ونقصانه)) ، أن الحسن بن يحيى (ع)، قال : ((ومن عمل شيئا من الكبائر مثل الزنا ، وشرب الخمر ، والسرقة ، وأكل مال اليتيم ، واليمين الفاجرة ، وعقوق الوالدين ،وما أشبه ذلك ، ولم يحل حلال ما في القرآن فيتبعه ، ويحرم حرامه فيجتنبه ، فإنه فاسق لا تحل ولايته وإن كان مؤمنا به في الجملة[22] ، سمعنا أنه ما آمن بالقرآن من لم يحل حلاله ولم يحرم حرامه، وبلغنا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((لا يسرق السارق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر وهو مؤمن، ولا يزني الزاني وهو مؤمن)) )) اه .
تاسعا : ما جاء عن الإمام قاموس العترة محمد بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (199-284ه) :
12- قال الإمام محمد بن القاسم الرسي (ع) : ((وكل من أتى كبيرة من الكبائر، أو ترك شيئا من أوجب الفرائض على الاستحلال لذلك فهو كافر مريد، حكمه حكم المرتدين ، ومن [ارتكب] ذلك اتباعا لهواه وإيثارا لشهوته، كان فاجرا فاسقا، كافرا كفر نعمة ، لا كفر شكر وجحود، ما أقام على خطيئته، فإن مات عليها غير تائب منها ، كان من أهل النار خالدا فيها أبدا وبئس المصير))[23] .
13- وقال الإمام محمد بن القاسم الرسي (ع) أيضا : ((ولو كانت الشفاعة لمن مات مصرا على كبيرة لبطل قوله سبحانه : ((فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره))[الزلزلة:7-8]))[24] .
عاشرا : ما جاء عن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (245-298ه) :
14- قال الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع): ((ثم يجب عليه أن يعلم أن وعده ووعيده حق ، من أطاعه أدخله الجنة ، ومن عصاه أدخله النار أبد الأبد ، لا ما يقول الجاهلون من خروج المعذبين من العذاب المهين إلى دار المتقين، ومحل المؤمنين))[25] .
15- وقال الإمام الهادي إلى الحق (ع) أيضا : ((وذكر الله الوعيد في كتابه في أهل الكبائر من الموحدين، وأخبر أنهم يدخلون النار بأعمالهم الردية فيعذبون بها، ويخلدون فيها أبدا بما قدمت أيديهم وما الله بظلام للعبيد))[26] .
الحادي عشر : ما جاء عن الإمام العالم عبدالله بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت بعد300ه) :
16- قال الإمام العالم عبدالله بن الحسين (ع) : ((وقال سبحانه: ((إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ))[النساء:48] فحرم الله المغفرة على من تاب على شركه [يعني بقي عليه] ، وأرجأ أهل الذنوب ، فلم يخص أحدا منهم بترك قبول توبته إذا تاب، وهذه آية مبهمة أخبر الله فيها عن قدرته ، وأنه يغفر ما يشاء لمن يشاء، غير أنه لا يشاء أن يغفر لأهل الكبائر الذين يموتون عليها [يعني مصرين عليها] ، والذين قد انتضمهم الوعيد))[27] .
الثاني عشر : ما جاء عن الإمام المرتضى محمد بن الإمام الهادي على الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت310ه) :
17- قال الإمام المرتضى محمد بن الإمام الهادي إلى الحق (ع) ، (ت310ه) ، مخاطبا أمة جده (ص) : ((ثم تعلمون من بعد ذلك أن وعيد الله سبحانه وما أعده لأعدائه المخالفين لطاعته حق ،.....، فهم في بلاء لا ينفد ، وعذاب سرمد مؤبد،....، فإذا علمتم ذلك ، وأيقنتم أنه ليس بخارج من النار من دخل فيها ، فقد عرفتم الوعد والوعيد))[28] .
الثالث عشر : ما جاء عن الإمام الناصر لدين الله أحمد بن الإمام الهادي على الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت325ه) :
18- قال الإمام الناصر لدين الله أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق (ع) ، مخاطبا رجلا يقال له عبدالله بن يزيد البغدادي : ((وأما قولك إن الله عز وجل لو شاء لفعل ما لا يجوز فعله ، من أن لا تكون القيامة ، وأن يتخذ الولد ، وأن يخلف الوعد ، وأن يبدل القول ، فهذا كله قولكم أنتم ، وهو لازم لكم ، وليس أهل العدل والتوحيد يقولون هذا القول ، هم أعرف بتوحيد الله سبحانه وأقوم بدله من أن يقال لهم هذا القول، أو ينسب إليهم))[29] .
الرابع عشر : ما جاء عن الإمام المنصور بالله القاسم العياني بن علي بن عبدالله بن محمد بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ت393ه) :
19- قال الإمام المنصور بالله القاسم بن علي العياني (ع) في كتابه ((تنبيه الدلائل)) : ((وأما الوجه الثاني: فهو الاكتساب من حيث حجر الله على العباد ، فمن اكتسب مالا نهاه الله عن اكتسابه ، وأخذه بالباطل من أصحابه ، فقد تعدى ورزق نفسه ما لم يرزقه الله ، ... ، فإذا فعل ذلك من العباد فاعل ، فالنار لا مرية في ذلك له ، يكون فيها من الخالدين))[30] .
تعليق : وهنا تأمل كيف أن أخذ مال الغير بغير وجه حق يعتبر من كبائر الظنون والذنوب ، وكيف أثبت له الإمام المنصور بالله (ع) النار خالدا فيها ، والعياذ بالله .
الخامس عشر: ما جاء عن الإمام الحسين بن القاسم العياني بن علي بن عبدالله بن محمد بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت404ه) :
20- قال الإمام الحسين بن القاسم العياني (ع) : ((فإن قال بعض الجهال : فلم زعمتم أنه لا يرحم أهل النار؟! ولا ينقلهم إلى دار الأبرار؟ قيل له : ولا قوة إلا بالله العظيم: لأن إخراج الفاسقين من العذاب الأليم ، إلى الجنة والثواب الكريم ، يدعوهم إلى البطر والفساد ، وإلى ما كانوا فيه من الكفر والعناد ، والعبث والظلم للعباد ، وذلك قول الواحد الرحمن ، فيما نزل من محكم القرآن : ((بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون)) [الأنعام:28] ، فكيف لا يستحق هؤلاء الفاسقون ، ما صاروا إليه من العذاب المهين؟! مع ما علم الله من كفرهم وفسادهم ، وفجورهم وعنادهم ، حتى أنه علم أنه لو أخرجهم من العذاب ، لعادوا لما نهوا عنه من الأسباب ، فكيف يا أخي - أكرمك الله بثوابه ، ونجانا وإياك من عذابه - يرجي لهؤلاء أبدا ثوابه؟! أو ينتظر منهم إنابة؟! أو تنفع فيهم موعظة أو تذكير؟! مع ما سمع من قول العليم الخبير!! ومتى يرجي لهم فلاح؟! أو صبر أو رجعة أو صلاح؟! إذا لم يزجروا أنفسهم عن اللذات ، ويقطعوها قطعا عن الشهوات ، ويجاهدوها جهادا عن المهلكات))[31] .
السادس عشر: ما جاء عن الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين بن هارون بن الحسين بن محمد بن هارون بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، (333-411ه) :
21- قال الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (ع) في كتابه (التبصرة في التوحيد والعدل) ، ما نصه : ((فإن قيل: فما قولكم في فسق أهل الصلاة ، المرتكبين للكبائر؟! قيل له : نقول إنهم معذبون في الآخرة بالنار ، خالدين فيها أبدا ،((ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين)) [النساء:14] ، وقوله تعالى : ((إن الأبرار لفي نعيم * وإن الفجار لفي جحيم * يصلونها يوم الدين * وما هم عنها بغائبين)) [الانفطار:13-16] ، وقوله تعالى : ((إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا)) [الجن:23] ، فهذه الآيات قد حكمت بأن كل من ارتكب الكبائر، ولزمه اسم الفسق معذب في النار أبدا))[32].
تعليق : وهنا تأمل كيف أن عقيدة المؤيد بالله (ع) في أصحاب الكبائر هي الخلود وعدم الرجاء ، والحمد لله .
السابع عشر : ما جاء عن الإمام الناطق بالحق يحيى بن الحسين بن هارون بن الحسين بن محمد بن هارون بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (340-424ه) :
22- قال الإمام الناطق بالحق يحيى بن الحسين الهاروني ، (340-424ه) : ((وطريق الحجة في تخليد الفساق في النار من الكتاب ، قال تعالى: ((ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها))[33] .
الثامن عشر : ما جاء عن الإمام مانكديم أحمد بن الحسين بن أبي هاشم محمد بن علي بن محمد بن الحسن بن الإمام محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن علي بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت بعد 420ه) :
23- قال الإمام مانكديم أحمد بن الحسين بن أبي هاشم (ع) : ((والذي يدل على أن الفاسق يخلد في النار ، ويعذب فيها أبدا ما ذكرناه عمومات الوعيد ، فإنها كما تدل على أن الفاسق يفعل به ما يستحقه من العقوبة ، تدل على أنه يخلد ، إذا ما من آية من هذه الآيات التي مرت إلا وفيها ذكر الخلود والتأبيد أو ما يجري مجراهما))[34] .
التاسع عشر : ما جاء عن الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان بن محمد بن المطهر بن علي بن الإمام الناصر لدين الله أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم (ع) ، (ت566) :
24- قال الإمام أحمد بن سليمان (ع) : ((فعندنا، وعند المعتزلة ، أن الله صادق الوعيد، كما أنه صادق الوعد، وأن من مات مصرا على معصية أنه مخلد في النار وإن كان من أهل القبلة ، .... ، ((فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق ، خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد ، وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ)) ، ....، ومما يؤيد ذلك أن الذين سعدوا لا يخرجون من الجنة أبدا إذا ماتوا سعداء بالإجماع ، فلو جاز خروج أحد من النار، جاز خروج من يدخل الجنة؛ لأن الاستثناء هاهنا في ذكر الجنة والنار ، فبطل تعلقهم بهذه الآية))[35] .
العشرون : ما جاء عن الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن علي بن حمزة بن الإمام النفس الزكية الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبدالله بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت614ه) :
25- قال الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) : ((فإن قيل: ما الدليل على خلود الكفار في النار؟ قلت: لأن الله تعالى وعدهم بذلك وإخلاف الوعيد كذب ، والكذب قبيح، والله تعالى لا يفعل القبيح. فإن قيل : ما الدليل على دخول الفساق النار وخلودهم فيها؟ قلت: قوله تعالى: ((ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا))، والخلود هو الدوام ، وإخلاف الوعد كذب ، والكذب قبيح ، والله تعالى لا يفعل القبيح))[36] .
الواحد والعشرون : ما جاء عن الإمام الحافظ الحسين بن بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الحسن بن عبدالله بن الإمام المنتصر بالله محمد بن الإمام المختار القاسم بن الإمام أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق القويم يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت663ه) :
26- قال الإمام الحافظ الحسين بن بدر الدين (ع) ((وأدين الله تعالى بأنهم متى ماتوا مصرين على الكبائر فإنهم يدخلون نار جهنم، ويخلدون فيها أبدا ، ولا يخرجون في حال من الأحوال))[37] ، وقال العلامة محمد بن يحيى مداعس عن هذا القول ، هو : ((قول جمهور أهل العدل من الزيدية والمعتزلة))[38].
27- وقال الإمام الحسين بن بدر الدين (ع) أيضا : ((وإنما الخلاف في فساق أهل الصلاة هل يدخلون النار أو لا؟! ، وهل يخرجون منها أو لا؟! ، ونحن نعتقد أنهم إذا ماتوا مصرين على الكبائر دخلو النار ، وأنهم لا يخرجون منها أبدا ، بل يخلدون فيها ،...، والذي يدل على صحة ما ذهبا إليه وبطلان ما ذهبوا إليه وجوه ، منها : أن العترة (ع) أجمعوا على دخول الفساق من أهل الصلاة النار ، وعلى خلودهم فيها أبدا ، وإجماعهم حجة))[39] .
الثاني والعشرون: ما جاء عن الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم بن يوسف بن علي بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن إدريس بن جعفر الزكي بن علي النقي بن محمد الجواد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت749ه) :
28- قال الإمام يحيى بن حمزة الحسيني (ع) ، شارحا لكلام أمير المؤمنين (ع) في النهج : (("من كبير أوعد عليه نيرانه" : من هاهنا دالة على التبعيض ، أي بعض ذلك من جملة الكبائر الموبقة الكفرية أو الفسقية التي استحق الوعيد على فاعلها بإدخاله النار وخلوده فيها))[40] .
29- وقال الإمام يحيى بن حمزة (ع) أيضا ، شارحا لكلام أمير المؤمنين (ع) في النهج: (("وفي حرامها عقاب": خلود في النار في عقاب دائم ، .... ، "ونساكا بلا صلاح": النسك هو: العبادة ، والصلاح هو: إصلاح الحال في مجانبة الكبائر، فالعبادة من دونها محال لا تنفع،....، "تبكون على أعمالكم": لما فيها من التقصير والتهاون بحق الله وما ينبغي من القيام بحقه، أو لأنكم أحبطتموها بارتكاب الكبائر، وأبطلتم ثوابها المستحق عليها)) [41] .
30- وقال الإمام يحيى بن حمزة (ع) أيضا ، شارحا لكلام أمير المؤمنين (ع) في النهج: (("لا يستبدلون بها": أما أهل الجنة فلا يستبدلون لما هم فيه من النعم ، وأما أهل النار فلا يستبدلون لخلودهم فيها. "ولا ينقلون عنها": إلى غيرها فهم خالدون فيهما خلودا لا انقطاع له،...، "والعذاب الوبيل": الشديد، وهو: الخلود في النار في أنواع العذاب وألوانه)) [42] .
31- وقال الإمام يحيى بن حمزة (ع) أيضا : ((الخلاف في الكبائر الفسقية الصادرة من أهل الصلاة هل تغفر من دون توبة أم لا؟! فعندنا وهو قول المعتزلة: إنها لا تغفر إلا بالتوبة، وعند سائر فرق المرجئة: إنها مغفورة من دون توبة))[43] .
32- وقال الإمام يحيى بن حمزة (ع) ، في كتابه (عقد اللآلئ في الرد على أبي حامد الغزالي) ، من ضمن تبينه لمذهب الزيدية وعقائده الأصيلة في الإلهيات ، فقال (ع) : ((ولهم [أي أهل البيت الزيدية] فيها [في الإلهيات] معتقدات يتميزون بها عن سائر الفرق ، أولها:....، وسابعها: الوعيد لأهل القبلة ، وفساق أهل الصلاة ، ممن مات مصرا على كبيرة ، فإن الله يدخله النار ، ويخلده فيها تخليدا دائما))[44] .
الثالث والعشرون: ما جاء عن الهادي بن إبراهيم الوزير بن علي بن المرتضى بن المفضل بن منصور بن محمد العفيف بن المفضل الكبير بن عبدالله بن الحجاج بن علي بن يحيى بن القاسم بن يوسف بن الإمام المنصور بالله يحيى بن الإمام الناصر لدين الله أحمد بن يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت822ه) :
33- قال الإمام الهادي بن إبراهيم الوزير (ع) ، في قصيدته المشهورة (منظومة الخلاصة أو نظم الخلاصة) ، والتي مطلعها (أبا حسن يا بن الجحاجحة الغر...) ، وننقل منها ما يخص تخليد أهل الكبائر من أهل القبلة :
94-كذاك من الفساق من مات عاصيا ***** فإن له نارا مؤججة الجمر
95- يخلده الباري بها في عذابها *******وما أن له في النار يكشف من ضر
96- بذلك جاء النص وهو مؤيد ********بتحقيق برهان من الكلم الغر
الرابع والعشرون: ما جاء عن الإمام أحمد بن يحيى بن المرتضى بن أحمد بن المرتضى بن المفضل بن منصور بن المفضل الكبير بن عبدالله بن الحجاج بن علي بن يحيى بن القاسم بن يوسف بن الإمام المنصور بالله يحيى بن الإمام الناصر لدين الله أحمد بن يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت840ه) :
34- قال الإمام أحمد بن يحيى المرتضى (ع) : ((وأما الفصل الثاني: في سبب غفلة العبد في حال قيامه لحال مناجاة ملك السماوات والأرض ، وهو يعلم أنه حاضر لديه ، ورقيب عليه، وأن عظمته فوق كل عظيم،...، وأن عاقبة عصيانه الخلود في النيران))[45] .
35- وقال الإمام أحمد بن يحيى المرتضى (ع) أيضا ، منشأ في قصيدته الغراء المخاطبة بالنصح للفاطميين العصاة ، والتي مطلعها ((إذا ما رأيت الفاطمي تمردا...)) ، فيما يخص تخليد العصاة وأهل الكبائر :
فيا سوءتا للفاطمي إذا أتى*****أسير المعاصي يوم يلقى محمدا
فلو لم يكن إلا الحياء عقوبة******ولم يخش أن يصلى الجحيم مخلدا
لكان له والله أعظم وازع********من النكر والفحشاء كهلا وأمردا
36- وقال الإمام أحمد بن يحيى المرتضى (ع) ، فيما نقله عنه السيد العلامة أحمد بن محمد الشرفي : ((وقال المرتضى (ع) في جواب من سأله: عن التخليد بالنار على ذنب واحد ، من كلام طويل ، مالفظه : "وقد أنصف الله عز وجل خلقه ، وعدل بينهم في حكمه ، أولا ترى لو أن رجلا عصى الله طول عمره ثم تاب وأخلص ورجع في صحة من بدنه من قبل نزول الموت به ، أن تلك الذنوب جميعا تحط عنه وتغفر له ، وإن مات على ذلك دخل الجنة!! ، فكذلك من ختم عمله بالمعصية لله سبحانه وتعالى ومات عليها حكم له بالعذاب ، كما حكم له عند التوبة بالثواب ، فهذا عين الإنصاف والعدل))[46] .
37- وقال الإمام أحمد بن يحيى المرتضى (ع) في كتابه (القلائد في تصحيح العقائد) ، والذي تضمنته مقدمة كتابه العظيم (البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار) ، قال (ع) : (("مسألة" مستحق العقاب دائما كالذم . الجهمية : بل ينقطع في الفاسق . مقاتل وأصحابه: لا يستحق عقابا. لنا : حسن ذمه دائما ، والإجماع في الكفار ، وقوله تعالى : ((وما هم عنها بغائبين)) . "مسألة" والمدح والذم يدومان ويدلان على الثواب والعقاب،....، "مسألة" والتكفير والإحباط على ما بينا يصح ، خلافا للمرجئة . قلنا : العقاب دائم ، الثواب دائم ، فاستحال اجتماعهما فتساقطا،....، "مسألة" ولايسقط العقاب بالشفاعة خلاف المرجئة . لنا : ((ولا شفيع يطاع))، "مسألة" والمسلمون العاصون داخلون في الوعيد لعمومه . الأصم : لا ، لعلمنا أنها ليست على عمومها بدليل خروج التائب ونحوه ، فهي مجملة مع التخصيص. مقاتل : لا وعيد لمسلم. قلنا : فيلزم الإغراء . أبو شمر : يجوز إن تم استثناء لم نعلمه فيتوقف (ج): في الوعد والوعيد تعارض فلا نعلم أيهما المخصص للآخر فيتوقف . قلت : دليله قوي ، لولا قوله تعالى ، رادا على من أرجى من المسلمين واليهود : ((ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به)) [النساء:123] ، ولا يحتمل التخفيض بآيات الوعد إذ فيه نقض ما سيقت له من الرد . زبرقان وأكثر المرجئة : يقطع بخروج ذوي الكبائر من النار إلى الجنة لاحتمال الوعد والوعيد فيهم . الخالدي: الطاعة توجب قطع العقاب. لنا : إذا قطعنا باستحقاقهم ، وأن البيان لا يتأخر ، بطل ما زعموا))[47] اه .
تعليق : هذه الأقوال من الإمام أحمد بن يحيى المرتضى (ع) صريحة في القول بخلود الفساق وأهل الكبائر ودوام استحقاقهم للعذاب في النار ، إن قيل : بينوا هذا من قوله السابق ؟! قلنا : قد قال : (("مسألة" مستحق العقاب دائما كالذم... لنا : حسن ذمه دائما ، والإجماع في الكفار ، وقوله تعالى : ((وما هم عنها بغائبين)) ، وهذا منه (ع) تصريح بأن الذم يستحقه صاحبه دائما ، ومرتكب المعاصي مذموم ، فاستحقاقه للذم أي العقاب يكون دائما ، إلا إن تاب ، فإن مات مستحقا للذم كان مستحقا للعقاب الدائم الأبدي ، أي الخلود . ثم تأمل قوله (ع) : (("مسألة" ولايسقط العقاب بالشفاعة خلاف المرجئة . لنا : ((ولا شفيع يطاع)) ، وهذا تصريح صريح بأن العقاب لا يسقط بالشفاعة ، يعني: أن أصحاب النار لن يخرجوا منها بالشفاعة ، فهو خلود في النار . ثم تأمل قوله (ع) : ((أبو شمر : يجوز إن تم استثناء لم نعلمه فيتوقف (ج): في الوعد والوعيد تعارض فلا نعلم أيهما المخصص للآخر فيتوقف . قلت : دليله قوي ، لولا قوله تعالى ، رادا على من أرجى من المسلمين واليهود : ((ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به)) [النساء:123] ، ولا يحتمل التخفيض بآيات الوعد إذ فيه نقض ما سيقت له من الرد)) وهذا دليل على أن الإمام المرتضى (ع) لا يقول بالتوقف في حال من يستحق النار ، هل يدخل الجنة أو النار ، أو فيمن هو في النار ، هل يخرج منها أو لا ، إذ الإمام يشير إلى أن كل إنسان سيجزى بعمله ، ثم تأمل قوله (ع) : ((. زبرقان وأكثر المرجئة : يقطع بخروج ذوي الكبائر من النار إلى الجنة لاحتمال الوعد والوعيد فيهم . الخالدي: الطاعة توجب قطع العقاب. لنا : إذا قطعنا باستحقاقهم ، وأن البيان لا يتأخر ، بطل ما زعموا)) ، وهنا تأمل كيف نسب الإمام المرتضى (ع) قول زبرقان والخالدي بخروج ذوي الكبائر وأن الثواب يقطع العقاب ، فقال (ع) : أن كلامهم لا يصح ، خصوصا إذا قطعنا باستحقاقهم للنار لارتكابهم الكبائر ، ثم قلنا بأن البيان من الله تعالى لا يتأخر عن موضع الإبلاغ ، والله تعالى قد صرح بالخلود فقط في حق أصحاب الكبائر هؤلاء ، عليه فقد بطل ما زعموا من خروج أصحاب الكبائر من النار ، وهذا بين ظاهر وهو عقيدة الإمام المرتضى (ع) ، يجدر بالذكر التنويه أن هذا الكتاب (القلائد في تصحيح العقائد) قد شرحه الإمام أحمد بن يحيى المرتضى (ع) بكتاب آخر سماه : ((الدرر الفرائد في شرح كتاب القلائد)) وهو كتاب ضخم ، ورأي الإمام أحمد بن يحيى المرتضى (ع) فيه كان القول بتخليد الفسقة من أهل القبلة في النار ، قال الدكتور محمد محمد الحاج حسن الكمالي في كتابه (الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى وأثره في الفكر الإسلامي سياسيا وعقائديا) ، قال : ((وإمامنا [يعني الإمام المرتضى] في هذه المسألة أخذ بمذهب المعتزلة ، ودافع عنه ، وأثبت أن الفساق محرومون من الشفاعة ، ومخلدون في النار ، إذا ماتوا قبل التوبة)) ، وأحال المؤلف مصدر كلامه هذا إلى كتاب (الدرر الفرائد في شرح كتاب القلائد:2/75)[48] . قلت : والحق أن الإمام أحمد بن يحيى (ع) لم يأخذ هذه العقيدة من المعتزلة بل من سلفه من أهل البيت (ع) ، كما أثبتناه في هذه الرسالة من أقوالهم ، نعم! كما أن متن (كتاب القلائد) لمن تدبره مصرح بهذه العقيدة عن الإمام (ع) ، ولم نطول في هذه المسألة إلا لما رأينا صاحب المستطاب المؤرخ يحيى بن الحسين ، يقول : ((وروى السيد محمد في الروض الباسم مختصر العواصم والقواصم ، عن الإمام المهدي أحمد بن يحيى ثبوت الشفاعة لأهل الكبائر كقول أهل السنة)) ، وهذا وهم ماحق لا مكان له من الصحة ، فيحتمل الوهم على ابن الوزير رضوان الله عليه .
الخامس والعشرون : ما جاء عن الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن الرشيد بن أحمد بن الأمير الحسين الأملحي بن علي بن يحيى بن محمد بن يوسف الأشل بن القاسم بن الإمام الداعي إلى الله يوسف بن الإمام المنصور بالله يحيى بن الإمام الناصر أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت1029ه) :
38- قال الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد (ع): ((أئمتنا عليهم السلام ، وجمهور المعتزلة : وشفاعة النبي (ص) لأهل الجنة من أمته يرقيهم الله تعالى بها من درجة إلى أعلى منها ، ومن نعيم إلى أسنى منه ، وأما من أدخله الله النار فهو خالد فيها أبدا))[49] ، ثم قارع الإمام (ع) حجج القائلين بعدم الخلود وفندها .
السادس والعشرون : ما جاء عن السيد العلامة أحمد بن محمد بن صلاح بن محمد الشرفي بن صلاح بن أحمد بن محمد بن القاسم بن يحيى بن الأمير داود بن المترجم بن يحيى بن عبدالله بن القاسم بن سليمان بن علي بن محمد بن يحيى بن علي بن القاسم بن محمد بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت1055ه) :
39- قال العلامة أحمد بن محمد الشرفي (ع) ، مجيبا على معرض نقاش حول احتمال توبة يزيد بن معاوية قبل موته، وأن هذا يمنع البراءة منه ، فأجاب العلامة أحمد بن محمد الشرفي (ع) بكلام طويل نقتصر منه على محل الشاهد في موضوع إثبات الخلود في حق أهل الكبائر : ((والجواب والله الموفق : أنا علمنا أن الكافر وأهل الكبائر مطرودون من رحمة الله الذي لا يبدل القول لديه ((وما أنا بظلام للعبيد)) ، وذلك بما ظهر لنا من أفعالهم ،... ، وأما ما أشار إليه من أن أهل الكبائر وإن ماتوا على ذلك فلا يجوز لعنهم ولا البراءة منهم فذلك مبني على الأحياء ، وأن أهل الكبائر من أهل الجنة وذلك رد لقوله تعالى : ((ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها)) الآية، وقوله تعالى((ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزآؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما)) الآية، وغيرهما))[50] .
40- وقال العلامة أحمد بن محمد الشرفي أيضا : ((وأما الفصل الثاني : وهو أن الفاسق يستحق العقاب دائما ، فدلالة العقل عليه: أن المقتضي للعقاب هو المقتضي للذم وهو فعل المعصية ، وقد علمنا حسن ذم الفاسق دائما ، وأما دلالة الشرع فهي كثيرة منها ما قد ذكر من الآيات في الفصل الأول المصرحة بدوام العقاب والتخليد في النار))[51] .
السابع والعشرون : ما جاء عن السيد العلامة محمد بن الحسن بن الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن الرشيد بن أحمد بن الأمير الحسين الأملحي بن علي بن يحيى بن محمد بن يوسف الأشل بن القاسم بن الإمام الداعي إلى الله يوسف بن الإمام المنصور بالله يحيى بن الإمام الناصر أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت1079ه) :
41- قال العلامة محمد بن الحسن بن الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد (ع) : ((ويجب اعتقاد صدق وعيده للكفار والفساق بالخلود في نار جهنم، وإلا كان ردا لآيات الله المحكمة وتكذيبا بها، ومن كذب بآية من القرآن فقد كفر بالاتفاق ، ... ، والقرآن اشتمل على آيات محكمات عديدة في أن المصر مخلد في النار)) [52].
الثامن والعشرون : ما جاء عن الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن الرشيد بن أحمد بن الأمير الحسين الأملحي بن علي بن يحيى بن محمد بن يوسف الأشل بن القاسم بن الإمام الداعي إلى الله يوسف بن الإمام المنصور بالله يحيى بن الإمام الناصر أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت1087ه) :
42- قال الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم بن محمد ، في كتابه (العقيدة الصحيحة) : ((وأن من تعدى حدود الله فله عذاب النار خالدا فيها ، ... ، وأن من أدخل النار فهو خالد فيها))[53] .
التاسع والعشرون: ما جاء عن الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين بن علي بن عبدالله بن أحمد بن علي بن الحسين بن علي بن عبدالله بن محمد بن الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم بن يوسف بن علي بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن إدريس بن جعفر الزكي بن علي النقي بن محمد الجواد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت1319ه ) :
43- قال الإمام المهدي محمد بن القاسم الحوثي الحسيني (ع): ((المسألة الثالثة : أن من توعده الله تعالى من الفساق بالنار ومات مصرا على فسقه غير تائب ، فإنه صائر إلى النار ومخلد فيها دائما ، والدليل على ذلك قوله تعالى ((ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا)) ، ...... ، ودليل آخر: وهو إجماع أهل البيت (ع) على القول بخلود أهل الكبائر ، وإجماعهم حجة قطعية كما هو مذكور في مواضعه ، بل هو حجة الإجماع))[54] .
44- وقال الإمام محمد بن القاسم الحسيني الحوثي (ع) ، جوابا على مسألة القاضي إبراهيم بن عبدالله الغالبي حول الرجاء والإرجاء : ((فيقال : تقرر في الأصول بآيات الإحباط ، وآيات الوعد والوعيد المشهورة ، أن فاعل الكبيرة يستحق العقاب الدائم،....،إذا تقرر هذا فنقول: الروايات المشهورة عن أئمتنا عليهم السلام في كتب الأصول وغيرها ، الإطباق على أن صاحب الكبيرة إذا مات غير تائب فهو يستحق العذاب الدائم لا محالة))[55].
الثلاثون : ما جاء عن السيد العلامة الحسن بن الإمام الهادي لدين الله الحسن بن يحيى بن علي بن أحمد بن علي بن القاسم بن 8هالحسن بن محمد بن أحمد بن الحسن بن زيد بن محمد بن أبي القاسم بن الإمام الهادي إلى الحق علي بن المؤيد بن جبريل بن المؤيد بن ترجمان الدين أحمد الملقب المهدي بن الأمير شمس الدين الداعي إلى الله يحيى بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الحسن بن المعتضد بالله عبدالله بن الإمام المنتصر لدين الله محمد بن الإمام القاسم المختار بن الإمام الناصر أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) (ع) ، (ت1380ه) :
45- قال العلامة الحسن بن الإمام الهادي القاسمي ، مجتهدا في إحقاق الحق والرد على ما بثه صاحب (الروض الباسم) ، وإثبات عقيدة عدم خروج أهل النار وتخليدهم ، قال (ع) : ((هذا وقد ورد من غير ما سبق التصريح بأن الظالم والفاجر من أهل النار، ... ، قلنا: التخصيص بيان وآيات الوعيد وإن عم لفظها فالمقام صيرها من قسم الخاص، لو لم يكن كذلك لكان قد تعبدنا بما ليس واقعا من عدم خروجهم عند نزول الآية ، فظهر أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وبهذه المقالة يعرف أنهم فتنوا كما فتن بنوا إسرائيل [حين] قالوا: ((لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ))[البقرة:80] قالوا: يطهرهم من الذنوب الدنيوية ، فرد الله عنهم هذه المقالة بقوله سبحانه وتعالى: ((قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون ، بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)) [البقرة:80،81]، فعمت كل من أحاطت به خطيئته في مقام بيان وتعليم ومحاجة بين الفريقين، ونزولها جوابا على الجميع ، فامتنع تخصيصها في غير مقام البيان مع قوله تعالى: ((ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به)) [النساء:123]))[56] .
الواحد والثلاثون : ما جاء عن السيد العلامة علي بن محمد بن يحيى بن أحمد بن الحسين بن محمد (العجري) بن يحيى بن أحمد بن يحيى الشهيد بن محمد بن صلاح بن علي بن الحسين بن الإمام عز الدين بن الحسن بن أمير المؤمنين علي بن المؤيد بن جبريل بن فقيه آل محمد المؤيد بن أحمد الملقب المهدي بن الأمير شمس الدين الداعي إلى الله يحيى بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الحسن بن المعتضد بالله عبدالله بن الإمام المنتصر لدين الله محمد بن الإمام القاسم المختار بن الإمام الناصر أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) (ع) ، (ت1407ه) :
46- قال العلامة علي بن محمد العجري (ع) ، في معرض تفسيره لآيات سورة البقرة : ((واعلم أن هذه الآيات كما دلت على أن العاصي معاقب لا محالة، ففيها ما يدل على دوام عقابه للتصريح فيها بالخلود ، وقد مر في قوله تعالى: ((وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات...))[البقرة:25] الآية ، أن الخلود الدوام))[57] .
47- أيضا حكى العلامة العجري عقيدة الخلود أهل الكبائر من أهل القبلة عن أهل البيت (ع) ، وأثبت أنه قولهم ، فقال ذاكرا أقوال الفرق في الخلود : ((أحدها : قول أئمة العترة، وجمهور المعتزلة، والخوارج وهو أن فساق هذه الأمة كمرتكبي الفواحش نحو الزنا، وشرب الخمر، وترك الصلاة داخلون في الوعيد، مستحقون للعقاب بالنار، وأن العقاب واصل إليهم لا محالة إذا ماتوا مصرين على ذلك ومخلدين فيها، وهؤلاء قالوا لا يجوز من الله تعالى خلف الوعيد)) [58] .
48- وقال العلامة علي العجري (ع) ، أيضا : ((ولم يرد في الفسقة إلا الوعيد بالخزي والبوار والخلود في النار))[59] .
الثاني والثلاثون : ما جاء عن السيد العلامة يحيى بن عبدالله راويه الذماري (ع) ، (1350-1414ه) :
49- قال السيد العلامة يحيى بن عبدالله راويه الذماري (ع) ، وهو يعد أنواع المعاصي : ((ومنها: الربا المتوعد عليها بالخلود في النيران ، قال الله سبحانه: ((فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون))[البقرة:275] ، لهذا تأذن الله على صاحب هذه الكبيرة بالحرب منه ومن رسوله،...، ومنها القتل والزنا ، المقرونان بالشرك ، المهدد عليهما بالخلود في النار ، ومضاعفة العذاب ،...، فهذه وأمثالها وما يساويها من المعاصي المتوعد عليها بالنار ، والخلود فيها ، المقيدة بالتوبة ، فمثل هذه لابد فيها من التوبة ، وإلا كانت محبطة للأعمال ))[60] .
الثالث والثلاثون : ما جاء عن السيد العلامة الحسن بن علي المستكا (ع) ، (ت1415ه) :
50- قال السيد العلامة الورع الحسن بن علي بن عباس المستكا (ع) ، بما نقله عنه السيد العلامة يحيى بن عبدالله راويه في معرض نقاش دار بينهما : ((وبعد : فإنه وصلني كتاب من سيدي العلامة العامل الورع الحسن بن علي عباس ، يشير فيه إلى ما يرى في المعاصي من أنها محبطة للأعمال ،....، وأنها موجبة للخلود في النيران))[61] .
صفحہ 17
الرابع والثلاثون : ما جاء عن السيد العلامة يحيى بن عبدالكريم الفضيل (ع) ، (ت1412ه) :
51- قال العلامة يحيى بن عبدالكريم الفضيل ، مقررا وذاكرا لعقيدة الزيدية : ((والثالث: أن الله سبحانه صادق الوعد والوعيد ، يجزي بمثقال ذرة خيرا ، ويجزي بمثقال ذرة شرا ، ومن صيره الله إلى العذاب فهو فيه أبدا خالدا كخلود من صيره إلى الثواب الذي لا ينفد))[62] .
الخامس والثلاثون : ما جاء عن الإمام حجة عصره مجد الدين بن محمد بن منصور بن أحمد بن عبدالله بن يحيى بن الحسن بن يحيى بن عبدالله بن علي بن صلاح بن علي بن الحسين بن الإمام الهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن بن الإمام علي بن المؤيد بن جبريل بن فقيه آل محمد المؤيد بن أحمد الملقب المهدي بن الأمير شمس الدين الداعي إلى الله يحيى بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الحسن بن المعتضد بالله عبدالله بن الإمام المنتصر لدين الله محمد بن الإمام القاسم المختار بن الإمام الناصر أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت1428ه) :
52- قال الإمام الحجة مجد الدين بن محمد المؤيدي (ع) ، في معرض إجابته على سؤال وارد : ((والمسألة التي ورد فيها من أصول مسائل الوعد والوعيد، وقد علم من هناك [أي من الدليل] خلود من دخل النار أعاذنا الله تعالى منها بآيات القرآن الحكيم ، وقواطع السنة النبوية ، وإجماع آل الرسول (ص) قرناء التنزيل))[63] .
53- وقال الإمام الحجة مجد الدين بن محمد المؤيدي (ع) ، أيضا : ((وروى الإمام أحمد بن سليمان عليهما السلام ، والإمام الأواه المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليهما السلام ، والإمام القاسم بن محمد ، والقاضي محمد بن أحمد الديلمي ، إجماع أهل البيت في أن من مات مصرا على معصية فإنه مخلد في النار، وكذلك غيرهم من علماء الآل وشيعتهم عليهم السلام، وهذه مسألة مشهورة وأدلتها غير مغمورة بل هي بصرائح الكتاب وقواطع السنة معمورة ، وقد دار فيها الخلاف والنزاع بين أهل العدل ومن خالفهم من المرجئة ، وأوضح الآل وشيعتهم فيها الأدلة التي لا تخفى إلا على غبي أو معاند غوي، فمن أراد السلوك في منهاجهم والعبور في طريقتهم فليطالع مؤلفاتهم))[64] .
السادس والثلاثون : ما جاء عن العلامة المجاهد بدر الدين بن أمير الدين الحوثي الحسني حفظه الله :
54- قال العلامة المجاهد بدر الدين بن أمير الدين الحوثي حفظه الله تعالى ، وذلك في كتابه (تحرير الأفكار) الذي رد فيه على مقبل الوادعي : ((قال مقبل : وهل تؤمنون أنه يخرج من النار أقوام من الموحدين بسبب شفاعة الشافعين ؟ الجواب : إنا نؤمن أنكم قد حذوتم حذو أهل الكتاب في تحديد العذاب ، وربما كان تحديدكم أقرب!! لأنهم جعلوه أياما معدودة ، وجعلتم حده عقيب آخر سجدة في المحشر يسجدها رسول الله (ص)، أو ما قبل الآخرة كما رواه سلفكم ، وذلك يمكن أن يكون ساعات أو دقائق ، .... ، ونذكر هنا بعض ما يفيد في المسألة فنقول : قال الله تعالى في سورة النساء عقيب ما حدده من المواريث خطابا للمسلمين : ((تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم * ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين)) ، دلت على أن من عصى الله وتعدى حدوده في المواريث أو غيرها فإنه يصير في جهنم خالدا فيها وله عذاب مهين))[65] .
55- وقال العلامة بدر الدين بن أمير الدين الحوثي الحسني حفظه الله تعالى أيضا ، معلما أمة جده العقيدة الصحيحة ، قال : ((لا يخلف الله وعده ولا وعيده ، لأنه حكيم ، والحكيم لا يكذب ، ولا يوعد بما يعلم أنه لا يفعله ، وقد قال تعالى : ((قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد * ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد)) [ق:28-29] ،....، والفجار المصرون على الكبائر الذين يموتون غير تائبين إلى الله يصيرون إلى النار ولا يخرجون منها ، ((ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا)) [الجن:23] ، وما يرويه المخالفون عن رسول الله (ص) مما يخالف ذلك فهو غير صحيح))[66] اه .
السابع والثلاثون : ما جاء عن السيد العلامة عبد الرحمن بن حسين شايم الحسني حفظه الله :
56- قال العلامة عبد الرحمن بن حسين شايم حفظه الله تعالى : ((وأما مسألة الفساق من أهل القبلة فاعلم : أن هذه المسألة هي أم مسائل الوعيد والمختصة بالنزاع الشديد ، تشعب فيها الخلاف بين علماء الأمصار فجمهور العدلية من الزيدية والمعتزلة وبعض الإمامية والخوارج وغيرهم: أن كل واحد من فساق الأمة وأهل الكبائر يستحق العذاب بالنار في الآخرة ولابد أن يدخلها ويعذب فيها ويخلد فيها أبد الآبدين وماهم عنها بغائبين كما حكى الله رب العالمين))[67] .
الثامن والثلاثون: ما جاء عن السيد العلامة الحسين بن يحيى الحوثي الحسني حفظه الله :
57- قال العلامة الحسين بن يحيى الحوثي الحسني (ع) حفظه الله تعالى ، في معرض احتجاجه على الجعفرية من الشيعة ، بعد أن ساق عدة آيات يحتج بها : ((أنها دلت على الخلود فلا يصح الخروج بشفاعة النبي (ص) ، .... ، فدلت هذه الآيات على تخليد مرتكبيها في النار فلا شفاعة لهم ؛ لأن الشفاعة إما أن توجب عدم دخوله النار أو خروجه منها ، وهذه الآيات تدل على الدخول والخلود أعاذنا الله منها))[68] .
التاسع والثلاثون: ما جاء عن السيد العلامة القاسم بن أحمد بن الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين بن علي بن عبدالله بن أحمد بن علي بن الحسين بن علي بن عبدالله بن محمد بن الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم بن يوسف بن علي بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن إدريس بن جعفر الزكي بن علي النقي بن محمد الجواد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) حفظه الله :
58- قال العلامة القاسم بن أحمد بن الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم الحوثي الحسيني ، في معرض كلامه عن فضل صلاة التسبيح وما يحصل بسببها من غفران للذنوب ، قال (ع) : ((قلت : وروايات من ذكر متقاربة ، وقوله: ((صغيرة وكبيرة)) هذا مشروط بالتوبة ، بدليل قول الله تعالى : ((توبوا إلى الله توبة نصوحا)) [التحريم:8] ، وقوله تعالى : ((وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له ))[الزمر:54] وهذا واضح ، لأن بعض الذنوب مثل الكبائر ومثل حقوق المسلمين ونحو ذلك لا يمحوها إلا التوبة النصوح ، وعلى هذا يحمل كل ما جاء في هذا الباب ، والله أعلم))[69] اه . قلت : ومن مات ولم يتب توبة نصوحا من كبائر الذنوب والظنون فإنه خالد مخلد في النار ، ولا حظ له في رحمة الله تعالى بما تعدى من حدود الله ، وتجرأ على وعيده وترهيبه .
الأربعون : ما جاء عن السيد العلامة محمد بن عبدالله بن يحيى بن علي عوض الضحياني حفظه الله :
59- قال العلامة محمد الضحياني حفظه الله تعالى : ((وأن من دخل النار من الكافرين أو المنافقين، أو من عصاة هذه الأمة فإنه: خالد فيها أبدا لا يخرج منها. وأنه لا وثوق بالأحاديث التي ذكرت أن الشفاعة لأهل الكبائر من هذه الأمة، والتي ذكرت أن الموحدين العصاة سيخرجون من النار،))[70] .
60- وقال العلامة محمد عبدالله عوض الضحياني ، أيضا : ((من دخل النار فإنه لا يخرج منها، سواءا كان من المسلمين أم من غيرهم،...)) [71] .
ثانيا : أقوال علماء شيعة أهل البيت (ع) :
الواحد والأربعون: ما جاء عن داعية الحسين السبط ، مسلم بن عقيل بن أبي طالب رضوان الله عليه، (ت60ه) :
61- قال مسلم بن عقيل بن أبي طالب رضوان الله عليه ، رسول الحسين السبط (ع) إلى أهل الكوفة ، وقد طلب ساعة حصاره أن يسقوه ماء : ((فقال له مسلم بن عمر وأبوقتيبة بن مسلم الباهلي : أتراها ما أبردها ؟! فوالله لا تذوق منها قطرة واحدة حتى تذوق الحميم في نار جهنم!! . فقال له مسلم بن عقيل : ويلك ولأمك الثكلى ، ما أجفاك ، وأفظك ، وأقسى قلبك ، أنت يابن باهلة أواب [أي أحق] بالحميم ، والخلود في نار جهنم))[72] .
الثاني والأربعون : ما جاء عن العلامة المجاهد أبو الحسين أحمد بن موسى الطبري ، (ت340ه) :
62- قال العلامة أبو الحسين الطبري : ((وكذلك قولنا واعتقادنا في الرسول أنه لا يشفع لأحد من العصاة ، لقول الله سبحانه فيه وفي إخوانه النبيين جميعا: ((ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون))[73] . قلت : وعقيدته بانتفاء الشفاعة عن العصاة تعني التخليد في حقهم .
الثالث والأربعون : ما جاء عن العلامة ابن أبي الفوارس الهمداني ، (ت412ه) :
63- وعن العلامة علي [أومحمد] بن أبي الفوارس الهمداني ، كما جاء في حكاية المؤرخ العلامة يحيى بن الحسين في المستطاب ، قال : ((قال مسلم اللحجي: وأخبرني عليان بن إبراهيم ، وأحسبه فيما أخبرني به محمد بن إبراهيم بن رفاد عن مشايخهما ، قالوا : دخل ريدة بعض متكلمي المرجئة ، فحضره جماعة من الزيدية فمنهم علي بن أبي الفوارس ، فاحتجوا عليه [على المرجئي] في خلود أهل النار في النار بقول الله تعالى ((لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط)) [الأعراف:40] ، فقال : وجود هذا هين على الله لقدرته ورحمته ، إذا شاء أولج الجمل في سم الخياط ، وحان انصرافهم ، فقام علي بن أبي الفوارس إلى منزله يفكر فيما يحل هذه الشبهة من كلام المرجئ من الحجة ، فسألته امرأته عن خبره فأخبرها ، فقالت : قال الله تعالى: ((حتى يلج الجمل)) [الأعراف:40] فاعلا لا مفعولا به ، فانتبه لها وقرت عينه ونام ، فلما أصبح بكر إلى أصحابه فتكلم بذلك وأن الله تعالى قال يلج ولم يقل يولج ، فانقطع المرجئ))[74] . قلت : الغرض من إيراد هذه الرواية هي إثبات قول ابن أبي الفوارس بالخلود على أهل الكبائر وأصحاب النار .
الرابع والأربعون : ما جاء عن العلامة الحاكم المحسن بن كرامة الجشمي ، (ت494ه) :
64- قال العلامة الحاكم المحسن بن كرامة الجشمي ، ((نقول: إن الشفاعة ثابتة لرسول الله (ص) يوم الحشر ، ولكن يشفع للمؤمنين فيكون له رتبة ويزيد درجة المؤمن، فأما المستحق للنار فلا شفاعة له))[75] ، قلت : يعني هو من الخالدين .
الخامس والأربعون : ما جاء عن العلامة الأصولي أحمد بن الحسن بن محمد الرصاص ، (ت621ه) :
65- قال العلامة أحمد بن الحسن الرصاص : ((المسألة الثالثة: أن من توعده الله بالعقاب من الفساق ، فإنه متى مات مصرا على فسقه فإنه يدخله النار ويخلده فيها خلودا دآئما))[76] .
66- وقال العلامة أحمد بن الحسن الرصاص أيضا : ((والثالثة : أن من قد وعده الله تعالى بالعقاب من الفساق ، فإنه متى مات مصرا على فسقه صائر إلى النار، مخلدا فيها خلودا دائما، وهذا هو مذهبنا))[77] .
السادس والأربعون : ما جاء عن العلامة يحيى بن الحسن القرشي ، (ت780) :
67- قال العلامة يحيى بن حسن القرشي الصعدي ، صاحب (المنهاج) ، في معرض كلام كان يخاطب به أهل الجبر : ((وإذا كانت الشفاعة للفجرة والفساق فما معنى: ((أفأنت تنقذ من في النار)) [الزمر: 19] ، وإذا لم يكن بين الطائع والعاصي فرقا ، فما معنى آخر سورة الفرقان؟! ، وإذا كان الفاسق بالمؤمنين لاحقا ، فما معنى: ((أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا )) [السجدة: 18]؟! ، وإذا جاز أن يخلف الله في الوعيد، ففسروا : ((ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد)) [ق: 29]))[78] .
السابع والأربعون : ما جاء عن العلامة علي بن يحيى بن إبراهيم الضمدي في إثبات الخلود ، (ت بعد900ه) :
68- قال العلامة علي بن يحيى بن إبراهيم الهذلي الضمدي ، من قصيدة غراء أشاد بها برسول الله (ص) وأئمة أهل البيت (ع) ، سادات الزيدية ، فمما يستشهد من قصيدته بقوله بالخلود في حق أهل الكبائر والطغاة ، قوله :
وشيعة كليوث الغاب كان لهم ***** حصل السباق معا في كل مضمار
حتى أقر بحبل الله معترفا ***** من لم يكن ثاويا منهم لإقرار
وبالشهيد الولي بن الحسين[79] ومن ***** له الفضيلة من خبر وإخبار
إلى أن قال :
يا أهل بيت رسول الله غارتكم ***** فما استغرت لعمري غير مغوار
أنتم عتادي وحزبي في الأمور معا ***** ولي بكم علقة كل بها داري
إلى أن قال :
يخدع الناس عنكم ما ألم بكم ***** من كل أحمق غدار ومكار
فإنما هي إحدى الحسنيين لكم ***** وللطغاة خلود بعد في النار
ما نالكم غير ما نال الكرام وهل ***** بالقتل في الله يا للناس من عار[80]
الثامن والأربعون: ما جاء عن العلامة الأصولي أحمد بن يحيى حابس ، (ت1061ه) :
69- قال العلامة أحمد بن يحيى حابس : ((أنه يجب على المكلف أن يعلم أن من توعده الله من الفساق بالنار كمرتكبي الفواحش التي هي غير مخرجة من الملة من الزنا وشرب الخمر وتاركي الصلاة والزكاة ونحو ذلك ، فإنه إذا مات مصرا على فسقه غير تائب منه فإنه صائر إلى النار ومخلد فيها خلودا دائما،...، والدليل على ذلك المذهب الصحيح ، وهو قول جمهور العدلية قوله تعالى : ((ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا)) [الجن:23] فتوعد الله كل عاص على سبيل العموم بالخلود في النار ، والخلود هو الدوام ،...، فثبت بذلك الذي ذكرنا خلود كل فاسق وفاجر في النار وبطل ما قاله المخالفون))[81] .
التاسع والأربعون : ما جاء عن العلامة النحرير إبراهيم بن عبدالله بن علي الغالبي ، (ت1327ه) :
70- قال القاضي العلامة إبراهيم بن عبدالله الغالبي ، مصرحا بعقيدة الخلود في حق أهل الكبائر ، وذلك من سؤال سأله للإمام المهدي محمد بن القاسم الحوثي الحسيني (ع) ، يستشكل فيه بعض شبه أهل الرجاء والإرجاء ، فكان سؤال العلامة إبراهيم الغالبي سؤال المسلم بعقيدة الخلود ، فقال : ((تقرر عند أكثر أئمتنا (ع) أن من عصى الله ومات غير تائب أنه يستحق العقاب لا محالة ، لئلا يلزم الخلف في الوعيد ، وقرروا ذلك بالأدلة،....،والقول بخروج أهل النار فذاك أيضا لم يقل به أحد من أئمتنا، [ثم قال مبينا للإمام المهدي أنه لا يذكر سؤاله هذا عن شبه أهل الرجاء والإرجاء من باب التسليم والقول بقولهم] ، ولم نذكر هذا [السؤال] اعتقادا له ، بل أشكل علينا لأن المسألة أصولية والمخالف فيها مخط آثم))[82] .
الخمسون : ما جاء عن الفقيه العلامة محمد بن يحيى مداعس ، (ت1351ه) :
71- قال العلامة الفقيه محمد بن يحيى مداعس : ((وقد تكلم السلف [يعني من أهل البيت] رحمهم الله تعالى على هذه المسألة ، وهي القول بخلود الفساق في النار ، واستدلوا عليها بأدلة كثيرة سمعية، [ثم أسهب العلامة يحيى مداعس في إثبات هذا القول من الكتاب والسنة]))[83] .
الواحد والخمسون : ما جاء عن القاضي العلامة صلاح بن أحمد فليتة رحمه الله (ت1429ه) :
71- قال القاضي العلامة صلاح بن أحمد فليتة : ((آيات التخليد كثيرة ولا تخفى على ذي لب ،...، ولا اعتماد على أقوال المضلين من المرجئة الغاوين))[84] .
72- وقال القاضي صلاح بن أحمد فليتة رضوان الله عليه ، أيضا : ((وأما دوامه أي دوام العقاب لذلك ، لأنه ملازم للذم ، والذم يلزم دوامه فكذلك العقاب ، ولأنه لو لم يكن دائما لسهل على كثير من الناس احتماله إيثارا للذة العاجلة، ولاشك أنهم مع العلم بدوامه أبعد عن المعصية ، ولمثل ذلك يجب أن يكون بالغا مبلغا عظيما ليكون المكلف مع العلم به أبعد عن المعصية ، ولأنه جل وعلا عرض بالتكليف لغاية المنافع ، فلابد أن يتضمن التحذير غاية المضار))[85] .
نعم ! وبهذا القدر من النقل من كتاب الله تعالى ، ثقل الله الأكبر ، ومن أقوال أهل البيت صلوات الله عليهم وعلى جدهم ، ثقل الله الأصغر ، ومن أقوال شيعتهم الكرام البررة (رعاة الشمس والقمر) ، نكتفي ، على أنه كان في الخاطر التوسع في المبحث الأول ، وإضافة مبحث رابع يناقش أبرز الشبه التي يثيرها المخالفون على عقيدة الخلود، ولكن عسى أن يمن الله علينا بوقت ، واستقرار بال ، لإتمام هذا ، على أن جميع رسالتنا هذه جواب عن شبهة واحدة ، فهي موجهة لمن ادعى على أهل البيت (ع) أنهم قائلون بعدم تخليد فسقة أهل القبلة المصرين ، ومن ادعى أن هذه عقيدة القرآن الكريم ، وختاما نطلب العفو والعافية والمعافاة في الدنيا والآخرة ، لنا ولجميع إخواننا من المسلمين والمسلمات ، الأموات منهم والأحياء ، هذا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين .
وكتبه : الشريف أبو الحسن الرسي
17/5/1429ه
=======================
[1] تفسير ابن كثير:1/120 .
[2] تفسير ابن كثير:1/120 .
[3] تفسير ابن كثير:1/120 .
[4] قال الله تعالى : ((الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)) [البقرة:275] .
[5] قال الله تعالى : ((ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين)) [النساء:14].
[6] قال الله تعالى : ((ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزآؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما)) [النساء:93] .
[7] قال الله تعالى : ((وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم)) [التوبة:68] .
[8] قال رسول الله (ص) : ((لا يدخل الجنة مدمن خمر)) . رواه ابن حبان في صحيحه :13/507 ، والبيهقي في السنن الكبرى:3/175، والطبراني في المعجم الكبير:11/98 ، وغيرهم .
[9] تفسير الطبري:27/68 .
[10] تيسير المطالب في أمالي أبي طالب ، الباب الخمسون ، ص545 ، وهذا الحديث محفوظ في كتاب (الفردوس بمأثور الخطاب) لابن شيرويه الديلمي المعروف بالكيا 3/138، وفي (كشف الخفاء) للجراحي 1/532 ، ورواه الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) وآخره كان لفظه : ((وسوء الحساب والحلول في النار إلا أن يشاء الله)) ، قال الخطيب : ((رجال إسناد هذا الحديث كلهم ثقات سوى كعب حدثني أحمد بن على التوزي أخبرنا محمد بن أبى الفوارس قال كان كعب بن عمرو البلخي المؤدب سيء الحال في الحديث)) ، قلت : والظاهر أن هذه الزيادة الشاذة (والحلول في النار إلا أن يشاء الله)) جاءت من سوء حال كعب بن عمرو هذا ، إذ أن هذه الزيادة لم تؤثر إلا من طريقه ، مع العلم أن لهذا الحديث ثلاث طرق ، طريقان منها عن علي (ع) عن الرسول (ص) ، وطريق عن أنس عن رسول الله (ص) ، وتفصيل هذه الطرق كالتالي ، الطريق الأولى : عن الأشج أبي الدنيا عن علي (ع) ، ذكرها القزويني في (تاريخ قزوين:4/71) . والثانية : عن الحسين السبط عن أبيه علي (ع) ، التي ذكرها الإمام أبوطالب (ع) في أماليه . والثالثة : عن أنس عن الرسول (ص) ، ذكرها الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد:12/493) . فهو حديث حسن يحتج به . نعم ! ولتوسع أكثر في إثبات هذا الحديث نذكر طرقا أخرى إليه رواها الجعفرية من الشيعة ، فممن رواه منهم ، الشيخ الصدوق في كتابه (من لايحضره الفقيه:4/365) بلفظ الخلود ، والعاملي في (وسائل الشيعة:20/311) بلفظ الخلود ، كلهم عن الحسين عن علي عن رسول الله (ص) ، ورواه الشيخ الصدوق في كتابه (الخصال:1/320) من طريق حذيفة بن اليمان عن رسول الله (ص) ، بلفظ الخلود ، وهذا يعتبر حجة على الجعفرية من الشيعة أيضا لأنهم لايقولون بتخليد أهل الكبائر في النار .
[11] الورع لابن أبي الدنيا : 94 ، كنز العمال:5/125 .
[12] فتح القدير :3/223 .
[13] مستدرك الوسائل: 14/332 ، بحار الأنوار :76/19 ، تفسير القمي:2/19 .
[14] تيسير المطالب في أمالي أبي طالب ، الباب الخمسون ، 545.
[15] تيسير المطالب في أمالي أبي طالب ، الباب الرابع والستون ، 596 ، ورواه الشيخ الصدوق مرسلا عن أبي العباس الدنيوري عن محمد بن الحنفية عن علي (ع) ، صفات الشيعة : 39 ، بحار الأنوار :7/219 .
[16] الصحيفة السجادية ، دعاؤه (ع) في يوم الفطر إذا انصرف من صلاته : 278.
[17] مجموع كتب ورسائل الإمام زيد بن علي ، كتاب الإيمان:143-144 .
[18] أخبار فخ ويحيى بن عبدالله :118-119 .
[19] يعني كفر نعمة ، وليس كفر جحود ، فيكون المعنى أنه فاسق .
[20] مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم الرسي ، مسائل القاسم (ع) :2/565.
[21] مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي ، كتاب الشرح والتبيين :14 .
[22] يعني : وإن كان مؤمنا بأن معصيته التي فعلها هي حرام في القرآن ، فهذا العاصي مؤمن بحرمة معصيته ولكنه مع هذا لم يجتنبها .
[23] مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي ، كتاب الشرح والتبيين :35 .
[24] الأصول الثمانية:43.
[25] مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق ، كتاب معرفة الله عز وجل :52 .
[26] مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق ، كتاب المنزلة بين المنزلتين :171.
[27] الناسخ والمنسوخ من القرآن الكريم:الكتروني .
[28] مجموع كتب ورسائل الإمام المرتضى محمد بن يحيى، كتاب الأصول:2/709.
[29] كتاب النجاة:296.
[30] مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم العياني ، كتاب تنبيه الدلائل .
[31] مجموع كتب ورسائل الإمام الحسين بن القاسم العياني (ع) ، كتاب الطبائع : 84-86 .
[32] التبصرة في التوحيد والعدل : 69 .
[33] شرح كتاب البالغ المدرك :63.
[34] شرح الأصول الخمسة:450.
[35] حقائق المعرفة في علم الكلام:223-226 .
[36] المجموع المنصوري الجزء الثاني القسم الثاني ، كتاب زبد الأدلة في معرفة الله :558 .
[37] العقد الثمين في معرفة رب العالمين:59 .
[38] الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين:مخطوط .
[39] ينابيع النصيحة في العقائد الصحيحة:466-467.
[40] الديباج الوضيء في الكشف عن أسرار كلام الوصي :1/176 .
[41] الديباج الوضيء في الكشف عن أسرار كلام الوصي :2/565 .
[42] الديباج الوضيء في الكشف عن أسرار كلام الوصي :3/1266 .
[43] الديباج الوضيء في الكشف عن أسرار كلام الوصي :4/1509-1510 .
[44] عقد اللآلئ في الرد على أبي حامد الغزالي:170 .
[45] حياة القلوب في إحياء عبادة علام الغيوب:54 .
[46] عدة الأكياس في شرح معاني الأساس:323-324.
[47] مقدمة البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار:78-81.
[48] الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى وأثره في الفكر الإسلامي سياسيا وعقائديا:406.
[49] الأساس لعقائد الأكياس:196.
[50] اللآلئ المضيئة : مخطوط .
[51] عدة الأكياس في شرح معاني الأساس:2/322.
[52] سبيل الرشاد إلى معرفة رب العباد:52 .
[53] العقيدة الصحيحة :13 .
[54] الموعظة الحسنة :90-91 .
[55] البدور المضيئة جوابات الأسئلة الضحيانية:64-66.
[56] العلم الواصم في الرد على هفوات الروض الباسم : تحت التحقيق والطبع .
[57] كتاب مفتاح السعادة : 1/3815-3816 .
[58] كتاب مفتاح السعادة : 1/3794.
[59] الأنظار السديدة في الفوائد المفيدة:79 .
[60] رسالة الغفران:33.
[61] رسالة الغفران:27-28.
[62] من هم الزيدية:22-123 .
[63] مجمع الفوائد ، كتاب الحجج المنيرة على الأصول الخطيرة : 80 .
[64] مجمع الفوائد ، كتاب الثواقب الصائبة لكواذب الناصبة :144.
[65] تحرير الأفكار.
[66] إرشاد الطالب:13-15.
[67] رفع الخصاصة عن قراء لباب المصاصة : 85 .
[68] الجواب الكاشف للالتباس عن مسائل الإفريقي إلياس ويليه الجواب الراقي على مسائل العراقي:الكتروني.
[69] المسنونات والمندوبات والمستحبات من الصلوات:103 .
[70] المركب النفيس في التنزيه والتقديس:45 .
[71] نظرات في ملامح المذهب الزيدي وخصائصه :الكتروني.
[72] مقاتل الطالبيين : 104 .
[73] مجالس أبي الحسين الطبري.
[74] المستطاب :مخطوط .
[75] تحكيم العقول في تصحيح الأصول :223.
[76] مصباح العلوم الثلاثين مسألة :57 .
[77] الخلاصة النافعة:177.
[78] مآثر الأبرار في تفصيل مجملات الأخبار :2/1040 .
[79] يعني الإمام أبوطير أحمد بن الحسين (ع) .
[80] مطلع البدور ومجمع البحور:3/376 .
[81] الإيضاح شرح المصباح:260 .
[82] البدور المضيئة جوابات الأسئلة الضحيانية:63-64.
[83] الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين:مخطوط .
[84] العقيدة الأصولية والنظم البديع في الرد على أهل التشبيه والتبديع:44.
[85] القول الحق في حكمة الخلق:42-43.
صفحہ 18
علم الكلام عند الزيدية ، حقيقته وأبعاده ، نظرة سريعة
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد ......
أخي القارئ هل تسائلت يوما (أو سئلت) عن ماهية علم الكلام عند الزيدية ؟! ، وبتعبير أدق وأصح : هل اعترض عليك معترض وقال أن الزيدية ابتدعت في علم الكلام ، فبنت عليه عقائدها ، وأصلت وفرعت ، وبنت وشيدت ، وهذا مخالف لما كان عليه السلف من أهل البيت والصحابة وخيار التابعين ؟!! . إذا كان نعم قد تعرضت لمثل هذه الأسئلة ، أو مرت عليك أمثال هذه الاستشكالات (ولو مع نفسك) ، فإنا مقدموا لك مناقشة الحافظ الكبير محمد بن إبراهيم الوزير (ع) لهذا الموضوع ، وفيه تأمل كيف أنه (وهو الأقرب والأخبر) بين عقيدة ومنهج الزيدية في علم الكلام، وكذلك تأمل وتدبر أبعاد عقيدة أهل البيت (ع) مع علم الكلام من أقوالهم ، ثم تأمل خلاصة أبحاث مفكرين وأكاديميين متخصصين حول ماهية وأبعاد علم الكلام عند الزيدية . ((تنبيه : هذا الموضوع فرع من مبحث ((الحافظ ابن الوزير بين الزيدية وأهل السنة والجماعة)) ، على الرابط ، وهو مسودة نظرة تأملية فاحصة تتناول هذا الموضوع بعناية بإذن الله تعالى :
http://al-majalis.com/forum/viewtopic.php?t=903&start=0
[ الزيدية وابن الوزير وعلم الكلام ]
نهج ابن الوزير رحمه الله تعالى ، منهجا واضحا في علم الكلام ، من عدم ضروريته لإثبات عقائد الدين وأصولها ، وإن كان لا يمانع من الخوض فيه ، ويعتقد أن طرق الاستدلال بالكتاب وصحيح السنة وسليم فطرة العقول أولى وأحوط وأفضل ، ويستدل بأن الرسول صلوات الله عليه وآله وسلم لم يخض فيه ولا علمه أحدا من الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عنهم .
ويعتقد بأن الإيمان الجملي يغني عن الغوص في علم الكلام ، وأن الولوج في الكلام والمغالاة فيه يكون صاحبها معرضا لاحتمالية غير السلامة ، على عكس من كفته الجمل في عقيدته الإلهية .
قلت : ونحن ذاكروا نبذة عن علم الكلام ، لما استفحل وصم الشيعة الزيدية به من متابعة للمعتزلة فيه ، والمخالفة لأهل البيت المتقدمين ، ولأن الأمر جلل وفيه من الافتراء على الزيدية ما ينزههم المنصفون عن الخوض فيما لم يكلفوا به من الفلسفات ، وعلى راس هؤلاء المنصفين الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير رحمه الله تعالى ، فنقول اعلم أن علم الكلام نوعان :
الأول : علم الكلام الذي انتهج فيه أصحابه اتجاها مذموما ، وهو المغالاة والتكلف في الدين ، وذلك بالخوض في العلوم العقلية التي لم ينزل الله بها من سلطان ، ولا كلفنا بمعرفتها فضلا عن الإيمان بها ،كالخوض في الحركات والسكون ، والإرادات والمحالات ، والموجودات والمعدومات، والهيولى ، والأجزاء التي لا تتجزأ ، والكلام في التولدات ، والتعمق في ذات الله سبحانه وتعالى ، والخوض في أن الإنسان ليس جسدا ، والطفرات والجينات والذرات وربطها بالدين الإسلامي الحنيف ، وهذا اشتهر به المعتزلة من المسلمين، وهذا لا ينتهج به أهل البيت من الزيدية ، بل لم يؤثر عنهم الإهتمام به ، إلا أن يكون ردا على الخصوم فهو وارد ، بل إنه نادر ، وهو لن يكون إلا كما فعل ابن تيمية مع الأشاعرة والمعتزلة ، وكما يفعل ابن الوزير في كتابه العواصم .
وفيه يقول ابن الوزير رحمه الله تعالى ، منزها أهل البيت الزيدية المتقدمين والمتأخرين عن هذا النوع من العلم المتكلف الذي ما أنزل الله به من سلطان ، بعد أن ذكر فرائد قصائدهم في الرد على غلاة المعتزلة ، وذكر على لسان السيد الإمام الواثق بن المطهر عليه السلام بعد أن نقل قصيدته التي مطلعها ( لا يستزلك أقوام بأقوال * ملفقات حريات بإبطال ) ، ما نصه : ( ثم سرد أسماء الأئمة عليهم السلام ، راويا عنهم الموافقة على إنكار هذه المذاهب المبتدعة ، فذكر علي بن الحسين ، وولديه الباقر وزيدا وجعفرا الصادق ، والقاسم وابنه محمدا ، وحفيده الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين ، وولديه أحمد الناصر ، ومحمدا المرتضى ، والناصر الأطروش ، والقاسم بن علي ، وأحمد بن سليمان ، والمنصور بالله ، وأحمد بن الحسين ، والإمام الحسن بن محمد ، والمطهر بن يحيى ومحمد بن المطهر . نقلت ذلك من شرح هذه القصيدة المسمى " باللآلئ الدرية في شرح الأبيات الفخرية " للسيد العلامة شيخ العترة ترجمان الموحدين محمد بن يحيى القاسمي ، وقد طول في شرحها ، وبين في ذلك طرق الرواية عنهم عليهم السلام فافاد وأجاد رحمه الله تعالى ) اه .
العواصم والقواصم : 3/418 - 419
ثم يؤكد ابن الوزير أن الزيدية وأهلها براء مما ينسب إليهم من الخوض في المذاهب الكلامية المبتدعة ، فيقول ما لفظه : ( وما زال علماء أهل البيت على هذا قديما وأخيرا ، ومن الشواهد ومن الشواهد لذلك أنه ليس لهم في علم الكلام مصنف مبسوط ، كتواليف المتكلمين الحافلة ، إلا بعض ما صنفه أهل العجم منهم في ذلك متابعة لقاضي القضاة ، وهو السيد مانكديم ، وهو الكتاب الموجود في ديار الزيدية اليوم المسمى " شرح الأصول الخمسة " ، ويدل على انفراده بذلك من بين سلفه ، أنه لم ينقل فيه عنهم حرفا واحدا ، وإنما نقل كلام شيوخ الاعتزال ، ومذاهبهم ، وأدلتهم ، إلا أن يكون حكى مذهبهم وأدلتهم في فروع الكلام السمعية كالأسماء ، والشفاعة ، والإمامة ) اه .
العواصم والقواصم : 3/419
فهذا رأي ابن الوزير في هذا النوع من الكلام المبتدع ، بل ورأي أئمة الزيدية الذي حكاه عنهم ابن الوزير وساق قصائدهم وتقريراتهم في البراءة من التمذهب به والاعتقاد به ، فإذا تقرر هذا فاعلم أن ابن الوزير عندما يرد على المسائل الكلامية الصرفة الدقيقة في كتابه العواصم والقواصم فإنه يحكي مذاهب المعتزلة ، ويوجه الخطاب في ردوده على المعتزلة ، فيتوهم القارئ أنه يرد على الزيدية ، فافهم ذلك .
أدلة أخرى على براءة الزيدية من التأثر والانشغال بعلم الكلام الفلسفي :
1- انظر استبسال السيد حميدان بن يحيى القاسمي عليه السلام في كتابه ( تنبيه الغافلين على مغالط المتوهمين ) ، في الرد على أقوال الفلاسفة في العقل والنفس ، وعلى من جمع بين الفلسفة والإسلام في العقل ، وعلى أقوال الفلاسفة في معنى العلم ، والإبطال لما ابتدعه أهل الهيولى والصورة ، وانظر كلامه عليه السلام في حدود العقل والغلو المتكلف .
مجموع السيد حميدان : ص 23 إلى ص 50
2- عقد السيد العلامة المجتهد علي بن محمد العجري رحمه الله تعالى ، مبحثا خاصا في كتابه ( الأنظار السديدة في الفوائد المفيدة ) بعنوان : (الفائدة الثانية عشرة : في بيان الاستغناء عن فن المنطق وبيان مفاسده ) ، وجاء فيه ما نصه : ( لم يعول قدماء أئمتنا عليهم السلام وكثير من متأخريهم على علم المنطق ، ولم يذكروه في كتبهم ولا بنوا عليه شيئا من قواعد دينهم ، وما ذلك إلا للاستغناء عنه بالأدلة العقلية والنقلية ، ولما يؤدي إليه ، ويلزم على التمسك بقواعده من المفاسد . ) اه .
الأنظار السديدة في الفوائد المفيدة : ص48
3- ذكر السيد العلامة علي بن محمد العجري أن الإمام القاسم بن محمد عليه السلام ، قال فيما معناه : ( إن جميع العلوم الإسلامية مستغنية عن المنطق ... ونحن نعتمد على ما ورد في الكتاب والسنة ولغة العرب ... ) اه
الأنظار السديدة في الفوائد المفيدة : ص48
4- قال أمير المؤمنين الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليه السلام ، منزها نفسه عن عقيدة غلاة المعتزلة ، ما لفظه : ( فهذا وفقكم الله دين المؤمنين وديني وما عليه اعتقادي ، لست بزنديق ولا دهري ، ولا ممن يقول بالطبع ، ولا ثنوي ، ولا مجبر قدري ، ولا حشوي، ولا خارجي، وإلى الله أبرا من كل رافضي غوي ، ومن كل حروري ناصبي ، ومن كل معتزلي غال ، ومن جميع الفرق الشاذة ) اه .
مجموع رسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين : جوابه على أهل صنعاء ، ص95
5- قال السيد حميدان بن يحيى القاسمي رحمه الله تعالى ، معنفا غلاة متكلمي المعتزلة :
زال أهل التفعيل والانفعال*********وأديل التطريف بالاعتزال
حرفو محكم النصوص فصاروا********قدوة في التلبيس والإضلال
( إلى أن قال )
ما أتى في التكليف قول بهذا ********في مقال يروى ولا فعال
بل أتى الأمر بالتفكر في الص********نع وترك اتباع الرجال
العواصم والقواصم : 3/ 411- 412
نعم ! وغير هذا كثير ، ولولا الميل للاختصار لأسهبنا في هذه القضية ، لما وجدنا الكثير من أتباع الرجال ينسبون الزيدية إلى مخالفة أهل البيت في ابتداع علم الكلام المذموم ، واتباعهم لغلاة المعتزلة في هذا ، والله المستعان . وسنعضد كلام أئمة الزيدية السابق بكلام مثقفي ومفكري الأمة الذين دونوا آراءهم الخاصة عن الزيدية ، ولكن بعد أن نتكلم على النوع الثاني من أنواع علم الكلام .
الثاني : علم الكلام الذي انتهج فيه أصحابه طريقا محمودا ، وهو الإيمان بالعقل القرآني ، بلا إفراط ولا تفريط ، والإفراط هو اتباع منهج الغلاة بإعطاء العقل منزلة فوق منزلته التي أنزله الإسلام إياها ، والتفريط هو اتباع منهج المهملين لشأن العقل القرآني في أن يكون دليلا فطريا على معرفة توحيد الله وتنزيهه ، ورد المتشابه من الكتاب والسنة إلى المحكم ، ومنهم أهل الجمود الطاهرية ، نعم! وهذا النوع من الكلام هو الذي عليه الزيدية ، بل حتى وفرقة أهل السنة والجماعة وإن كانوا لا يسمونه علم كلام .
ومثاله : أن الزيدية عندما يتكلمون عن قادرية أو حياة أو وجود ، أوعدم مشابهة الله عز وجل لشيء من الأشياء ، فإنهم يجعلون للعقل مجالا في التفكر في لماذا أطلقنا هذه صفات على الله عز وجل ، ويعلل الزيدية هذا بأن يكون المكلف على بينة من عقيدته ، ولا يهتز بمجرد هبوب رياح الآيات والأحاديث المتشابهات والشبه والبدع .
ومع إثباتهم لدور العقل إلى جانب الكتاب والسنة ، فهم لا يغالون في تكليف العقل ورفع مقداره ومكانته التي يستحقها ، بحيث يتجاوز أدلة الشرع القطعية ، وإنما يجعلون منه وسيلة لفهم نصوص الكتاب والسنة .
ومثال أدلة العقول في إثبات عقائد الزيدية ، ما ذكره الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليه السلام ، في كتابه زبد الأدلة ، عندما قال :
( فإن قيل: ما الدليل على أن الله تعال عدل حكيم؟
قلت: لأنه لا يحمل على الجور إلا الحاجة والجهل، وقد ثبت أنه تعالى عالم غني، فثبت أنه عدل حكيم؛ لأن من علم قبح القبيح وكان غنيا عنه لم يفعله أصلا شاهدا وغائبا.
فإن قيل: أفعال العباد منهم أو من الله تعالى؟
قلت: بل منهم؛ لأن الله تعالى أمرهم ببعضها، ونهاهم عن بعضها، وهو لا يأمرهم ولا ينهاهم عن فعله؛ لأنه تعالى عدل حكيم.
فإن قيل: ما الدليل على أنه لا يقضي إلا بالحق؟
قلت: لأن المعاصي باطل، والقضاء بالباطل قبيح، والله تعالى لا يفعل القبيح، وقد قال تعالى: { والله يقضي بالحق }
فإن قيل: ما الدليل على أن الله تعالى لا يعذب أحدا إلا بذنبه، ولا يثيبه إلا بعمله؟
قلت: لقوله تعالى:{ فكلا أخذنا بذنبه }، ولقوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}.
فإن قيل: ما الدليل على أن الله تعالى لا يكلف أحدا من عبيده ما لا يطيقه؟
قلت: لأن تكليف ما لا يطاق قبيح والله تعالى لا يفعل القبيح، ولقوله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها}. ) اه
فإن قيل: ما الدليل على أن الله تعالى لا يشبه الأشياء؟
قلت: لأنه لو أشبهها لجاز عليه ما جاز عليها من التغيير والزوال، والانتقال من حال إلى حال، وذلك أمارات الحدوث، وقد ثبت أنه تعالى قديم. ) اه .
نعم! هذه باختصار بعض مسائل العقيدة التي يجب على المكلف معرفتها بدون تقليد ، بل لابد من استقصاء الأدلة والبراهين عليها ، ليكون المكلف محصنا من رياح التغيير والتبديل .
وفي نظري أن أكثر المذاهب الإسلامية تستخدم أمثال هذه الاستدلالات النقلية والعقلية ، على عقائدها ومشاربها .
وإلى هذا يشير ابن الوزير عليه السلام ، عندما قال : ( والأمر الثاني مما أردته بقولي " أصول ديني عن كتاب الله لا العرض " ، النظر في الأدلة التي أمرنا الله تعالى أن ننظر فيها ، أو حثنا على النظر فيها ، كقوله تعالى : { أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا}، وقوله تعالى : {يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة- إلى قوله-ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير } ، .... ومما يأتي عليه العد ، وهذا أمر لا يصلح أن يكون فيه خلاف بين المسلمين البتة ، ومن أداه الغلو على تقبيح الاكتفاء بهذه الأدلة ، وجب على جميع المسلمين النكير عليه ، والإغلاظ له ، وقد ظهر لي أنه قول أئمة الكلام ، فضلا عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ، وسائر علماء الإسلام ) اه .
العواصم والقواصم : 3/436- 437
وبعد هذه المقدمة التي تكلمنا فيها عن أنواع علم الكلام ، وما هو المذموم وما هو المحمود ، وما هو مسلك الزيدية في الاحتجاجات والاستدلالات العقلية ، نعود لنتفحص رأي ابن الوزير ، وعلى من من أصحاب الكلام انتقد وأزرى ، أعلى الغلاة أم المعتدلين ؟ ولا شك في أنه يقصد الغلاة الذين أدخلوا على الإسلام ماليس منه ، وأقحموا الناس بآراء ليسوا مكلفين باقتحامها .
وفيه اعلم رحمنا ورحمك الله تعالى أن ابن الوزير (ع) كان يميل إلى الاكتفاء بالجمل في العقائد الإلهية ، إذ تكررت منه هذه اللفظة في عدة مواضع من عواصمه ، فقال مادحا لهم ، بعد أن ذكر أن متقدمي ومتأخري الزيدية لا يعولون على علم الكلام المبتدع فيما نقلنا سابقا من كلامه ، مالفظه :
( وإذ هذا كلام أهل البيت من الزيدية والشيعة ، فما ظنك بأهل البيت من أهل الأثر ، والفرق الأربع ، ويوضح ذلك تأليفهم المختصرات المشهورة في ذلك ، واقتصارهم على الإجمال والإشارات ، من أشهر ذلك ما أودعه محمد بن سليمان رحمه الله في أول المنتخب على مذهب الهادي عليه السلام ، فإنه سأله عليه السلام عن ما يكفي في معرفة الله تعالى ، ودليل ذلك ، فأوجز له الكلام في مقدار عشرة أسطر . وكذلك كلامات علي عليه السلام في ذلك . وللمؤيد بالله عليه السلام في ذلك كتاب التبصرة مختصر جدا ..) اه
العواصم والقواصم : 3/419 - 420
وهنا ابن الوزير امتدح ما نقله محمد بن سليمان الكوفي ، عن مسألته للإمام الهادي إلى الحق عليه السلام ، ونسبه إلى مماثلة أقوال أهل البيت من أهل الأثر ، فوجدنا محمد بن سليمان رحمه الله يقول : ( فكان أول ما سألته عنه : أن قلت له : أيها الإمام رضي الله عنك ما تقول في أول ما افترضه الله على خلقه ما هو ؟ فقال : أول ما افترض الله على خلقه معرفته . قلت : وما اصل معرفته ؟ قال : أصل معرفته توحيده . قلت : وما كمال معرفة توحيده ؟ قال : نفي جميع صفات التشبيه له . قلت : فبين لي كيف نفي التشبيه عن الله بكلام موجز مختصر ؟ قال : نعم إن شاء الله ، اعلم وفقك الله انه لم يتوهم المتوهمون ولم يتمثل في عقولهم ، مثل صفة ذات الله ، إلا كان الله بخلاف ذلك الذي يتوهمه المتوهمون ، أو يتمثل في عقولهم ، والشاهد بذلك والدال عليه قوله تبارك وتعالى : { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } ، فافهم ذلك فلك فيه كفاية . قلت : ثم ما بعد هذا ؟ قال : أن تعلم أنه العادل في جميع أفعاله . قلت : ثم ما بعد هذا ؟ قال : أنه لا يخلف الوعد والوعيد ، فهذه الكلمات تفرع لك جميع ما تحتاج إليه من معرفة ربك ، فافهمها وتدبرها ) اه .
كتاب المنتخب ، ص 19
ثم امتدح ابن الوزير كلام الإمام علي عليه السلام ، فمن كلماته المجملة المشهورة عندما سئل عن التوحيد والعدل ، قوله عليه السلام : (التوحيد أن لا تتوهمه ، والعدل أن لا تتهمه) .
ثم امتدح ابن الوزير كتاب التبصرة للإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين سلام الله عليه ، وألحقه بما أهل البيت من أهل الأثر عليه ، فراجعنا كتاب التبصرة ، فإذا به ناطق بما عليه الزيدية اليوم من الاكتفاء في التحقيق والنظر ، إلا عند مقارعة الحجج مع الخصوم فإنهم يلجأون للتطويل والإسهاب والتفرع كما فعل ابن الوزير وابن تيمية ، ثم إن ما جاء في التبصرة مطابق لما سبق ونقلناه عن الإمام المنصور الله عبدالله بن حمزة من زبد الأدلة سابقا بل ومطابق أيضا لما جاء في كتاب العقد الثمين في معرفة رب العالمين للأمير الحسين بن بدرالدين ، ولما جاء في كتاب الموعظة الحسنة ، ولما جاء في كتاب العقيدة الصحيحة للإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم ، ولما جاء في كتاب مصباح العلوم للعلامة أحمد بن الحسن الرصاص . وهذا حتما يدخل في النوع الثاني من أنواع علم الكلام حسب تقسيمنا أعلاه ، والذي أكاد اجزم أن المسلمون ينتهجون به في الاستدلال على عقائدهم ، كل على طريقته ومذهبه . وسننقل من التبصرة التي اعتمد طريقتها ابن الوزير ، نفس المسائل التي نقلناها عن زبد الأدلة ، وسنضيف نظيرها من كتاب العقد الثمين ، وعلى القارئ المقارنة ، ثم الحكم أي علم كلام نفاه ابن الوزير عن أهل البيت عليهم السلام ، آلمغالى فيه على طريقة الفلاسفة والمعتزلة ؟ أم الذي على طريقة الزيدية من أهل البيت ؟ ولو تأمل المنصف الأقوال التي يسوقها ابن الوزير على لسان المتكلمين لعلم أنه يسوق أقوالا معتزلية صرفة وينسبها إليهم ، ولا يسوق شيئا منها على لسان أئمة الزيدية ، لأنه لا توجد في الغالب لهم أقوال في دقائق علم الكلام ، بل لم يهتموا به ذاك الاهتمام . ثم لا يفوتك أن تدرك معنى استدلالات الزيدية العقلية بما سنورد .
قال الإمام المؤيد بالله (ع) في التبصرة :
((فإن سأل سائل فقال : ما الدليل على أن الله لا يفعل شيئا من القبائح ؟
قيل له : الدليل على ذلك أنه تعالى قد ثبت : استغناؤه عن جميع القبائح ، وكونه عالما بقبحها ، وعالم باستغنائه عنها . والعالم بقبح القبيح متى استغنى عنه ، لا يجوز أن يختاره على وجه من الوجوه )).
قال الأمير الحسين بن بدرالدين في العقد الثمين :
((فإن قيل: أربك عدل حكيم؟
فقل: أجل، فإنه لا يفعل القبح ولايخل بالواجب عليه من جهة الحكمة، وأفعاله كلها حسنة.
وإنما قلنا: إنه لايفعل القبيح لأنه إنما يقع ممن جهل قبحه، أو دعته حاجة إلى فعله وإن علم قبحه، وهو تعالى عالم بقبح القبائح؛ لأنها من جملة المعلومات وهو عالم بجميعها كما تقدم، وغني عن فعلها كما تقدم أيضا، وعالم باستغنائه عنها، وكل من كان بهذه الأوصاف فإنه لا يفعل القبيح )).
--------
قال الإمام المؤيد بالله (ع) في التبصرة :
((فإن قال قائل : فما الدليل على أن أفعال العباد غير مخلوقة لله ن وأن العباد هم الذين يحدثونها ؟
قيل له : الدليل على ذلك بانها تقع بحسب أحوالهم ، ودواعيهم ، وهم الذين يستحقون عليها المدح والذم ، فثبت تعلقها بهم ، ولا وجه يصح من أجله تعلق الفعل بالفاعل إلا الحدوث ، فواجب أن تكون هذه الأفعال محدثة من جهة العبيد ، دون جهة الله تعالى، فبان أنها غير مخلوقة لله تعالى ...)).
قال الأمير الحسين بن بدرالدين في العقد الثمين :
((فإن قيل: هل ربك خلق أفعال العباد؟
فقل: لايقول ذلك إلا أهل الضلال والعناد، كيف يأمرهم بفعل ماقد خلق وأمضا، أو ينهاهم عن فعل ما قد صور وقضى، ولأن الإنسان يلحقه حكم فعله من المدح والثناء، والذم والاستهزاء، والثواب والجزاء، فكيف يكون ذلك من العلي الأعلى؟! ولأنه يحصل بحسب قصده ودواعيه، وينتفي بحسب كراهته وصوارفه على طريقة واحدة، ولأن الله تعالى قد أضاف أفعال العباد إليهم، فقال: ?يكسبون? ، و?يمكرون? ، و?يفعلون?، و?يصنعون?، و?يكفرون?، و?يخلقون إفكا?، ونحو ذلك في القرآن كثير، ....)) .
-------------
نعم! فإذا تقرر كل هذا ، عرفت أن ابن الوزير رحمه الله ، إنما ينعى على أقرانه من أهل عصره الطرق التي اتبعوها لتوحيد الله سبحانه وتعالى وتنزيهه ، لا أنه نعى عليهم أصول عقيدتهم ، كما تقرر فيما بينه وبين شيخه في الأسماء والصفات من ثبوت عقيدتيهما في التنزيه وعدم التشبيه وعدم الأخذ بالظاهر ، ثم اختلفوا في طرق الوصول إلى هذه العقيدة ، فقائل يقول بالتأويل ، وقائل يقول لا أتأول ، لا لأني لا أؤمن به ولكن لأسلم ، وهنا ينعى ابن الوزير أن يكون دقيق الكلام طريقا إلى العقيدة المحمدية ، وأخذ واكتفى بالجمل التي أشار إليها الإمام علي عليه السلام ، والإمام الهادي إلى الحق ، كما سبق وأن نقلنا ، وأقر بصحة طريقة استنباط الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (ع) للعقائد وذلك في كتابه التبصرة .
هذا وقد سبق وأن ذكرنا شهادة ابن الوزير للزيدية عدم خوضها في دقيق علم الكلام المبتدع وأنه ليس لهم في هذا أقوال مؤصلة ، وعضدنا كلام ابن الوزير بكلام أئمة الزيدية وعلمائها في دقيق علم الكلام المبتدع الفلسفي ، وما هو موقفهم منه ، ونعضد كلام الجميع بما ذكره من درس فكر الزيدية من المثقفين .
1- قال الدكتور أحمد محمود صبحي : ( والقاسم الرسي - كسائر متكلمي الزيدية - تقترب آراؤه الكلامية من الفقه وتبعد عن الفلسفة ، وهذا ما يميز الزيدية بعامة عن المعتزلة ، ومن ثم لن تجد مصدرا يونانيا أو غير يوناني ، في آراء القاسم الرسي الكلامية وإنما هي إسلامية خالصة . ) اه .
كتاب الزيدية : ص 111
2- قال الدكتور إمام حنفي عبدالله ، وهو أحد المطلعين على الفكر الزيدي عن كثب : ( والحقيقة أن العقل عند الزيدية ، هو عقل قرآني ، أخذت أسسه وقواعده مما ذكر في القرآن الكريم ، وكذلك مما لا يختلف عليه العقلاء ولا يتناقض مع أصول الدين الإسلامي وكليات القرآن ، ولذلك لا نغالي إذا قلنا إنه عقل قرآني يشهد له بكل حال من الأحوال . ) اه .
الصفات الإلهية عند الإمام يحيى بن الحسين : ص 12.
3- قال الدكتور احمد شوقي إبراهيم : ( وقد راج مذهب الاعتزال لما فيه من مظاهر البحث العقلية ، والاعتماد على أساليب المنطق والجدل ، فمالت إليه الطباع ، وكثر أنصاره ، وأصبح المذهب السائد بين مذاهب المتكلمين ، وكان المعتزلة أهل فكر ونظر ، بينما غلب على الزيدية جانب العمل ، ولذا لم يجار الزيدية المعتزلة في مسائل علم الكلام ودقيقه ... ، ولم يبالغ الزيدية مبالغة المعتزلة في تعليل أفعال الله ، وحرية إرادة الإنسان ) .
الحياة السياسية والفكرية للزيدية في المشرق الإسلامي : ص 226 ، 227
نعم ! فهذا أخي الباحث عن الصواب ما كان من رأي ابن الوزير رحمه الله ، ومن رأي أهل البيت عليهم السلام من الزيدية ، في قضية دقيق علم الكلام الفلسفي ، فمن أتاك بعد هذا من الناهقين أو الناعقين يريد أن يزهد الناس في علوم أئمة أهل البيت من الزيدية ، وقام يدعي أنهم ابتدعوا عقائد كلامية ليس عليها منهج الكتاب ولا السنة ولا قول المتقدمين من أهل البيت ، فأيقن أنه إما جاهل أو متجاهل ، هذا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .
صفحہ 19
محمد عسلان
مشترك في مجالس آل محمد
اقتباس :
نعم ! فهذا أخي الباحث عن الصواب ما كان من رأي ابن الوزير رحمه الله ، ومن رأي أهل البيت عليهم السلام من الزيدية ، في قضية دقيق علم الكلام الفلسفي ، فمن أتاك بعد هذا من الناهقين أو الناعقين يريد أن يزهد الناس في علوم أئمة أهل البيت من الزيدية ، وقام يدعي أنهم ابتدعوا عقائد كلامية ليس عليها منهج الكتاب ولا السنة ولا قول المتقدمين من أهل البيت ، فأيقن أنه إما جاهل أو متجاهل ، هذا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .
***
أخي العزيز هناك من الزيدية من وافق المعتزلة وخالف المتقدمين من العترة عليهم السلام في مسائل كالإرادة والصفات ولم يقل بقولهم البتة ومنهم من حاول الجمع بين رأي المعتزلة ورأي المتقدمين من العترة وهو جمع فيه تكلف ومن الفريقين الإمام المهدي ( ع )والإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة ( ع ) وغيرهما من العترة الأطهار وشيعتهم الأبرار أمثال النجري وغيره وهذا واضح جلي لكل باحث متمرس في علم الكلام ، وقد قال إمام الشيعة الكرام محمد بن صالح السماوي حين قال ( والإمام المهدي في علم الكلام على مذهب المعتزلة وفي الإمامة على مذهب الزيدية فأصبح كالشاة الحائرة ........ ) حتى أن السيد المولى مجد الدين رحمه الله وألحقه بآبائه الكرام انتقد الإمام المهدي في رده على الهادي في مسائل الصفات في كتاب اللوامع وانظر ايها سيدي العزيز كتاب الأساس والإيضاح والقلائد والينابيع النصيحة ووووووووووو .
وأيضا في طريقة الإستدلال على العقائد فهناك فرق واضح في استدلال المتقدمين والمتأخرين وقد أوضح هذا كثيرا المولى الحسين بن بدر الدين ولله دره فقد ذكر هذه الآفة أعني طريقة الإستدلال وايضا التأثر بكتب الغير وترك كتب المتقدمين وما في علم الكلام المأخوذ من الغير من أضرار وكان يستدل بكلام المتقدمين كالإمام الهادي ومحمد بن القاسم ووووو .
وانظر إلى كلام السيد العلامة صارم الدين الوزير وشكواه في الفلك الدوار من المتأخرين وتركهم كتب المتقدمين واهتمامهم بكتب الغير فجمعوا بين الغث والسمين .
ولعمري لطريقة المتأخرين في تعاطي علم الكلام والإستدلال على العقائد حتى التي قال بها المتقدمين لهي من أسباب التهاون في العمل والتيه حتى في أبسط المسائل وأكثرها أعني الطرق معتزلية فلسفية لا دخل لها بطريقة المتقدمين واسأل مجرب .
وإن أردتم سيدي الخوض في نماذج من هذه المسائل فلكم ذلك ولو على الخاص ورحم الله المولى حسين حين قال للحاضرين في أحدى المحاظرات ( فعندما ندرسكم تلك الكتب سنبين لكم هذه المسائل ) .
ولا أقصد بهذا التشكيك أو التنفير عن كتب العترة أو التفسيق أو التضليل .
وأخيرا لا أدري سيدي هل التحقت بقافلة الناهقين والناعقين أم لا .
ولكم سلاااااااااااامي سيدي .
صفحہ 20