ولايقال: لأنها لو كانت متواترة وكان التخصيص بغيرها لنقل، لأنا نقول: الإجماع قد أسقط مؤنة نقلها وأغنى عن التعرض للإستدلال بها وبغيرها: وقد نص الكل بأنه إذا أجمع على الحكم سقط وجوب البحث عن المستند.
فإن قيل: إنهم أجمعوا على التخصيص مستندين إليها وهي آحاد.
قيل: هذه دعوى ممنوعة غير مسموعة، فهلم الدليل وليس إليه من سبيل، غايتها حكايات لاتفيد الظن فضلا عن العلم، وقد بينا أن أصلها منهار ولم يثبت له عماد ولاقرار، واستدلوا بأنها كثرت المخصصات في العمومات العملية والظن يكفي في العمل.
والجواب: أن الكثرة لاتخرجها عن القطعية كما أسلفنا على أنه لازم لهم في العلمية وهم لايقولون به، وأما كونها في العمليات والظن يكفي في العمل، فإنها وإن سلم أنه يكفي فيها الظن فلايقتضي أن تكون أدلتها كلها ظنية على سنن بل العمل بالظن مقصور عليها قصر الصفة على الموصوف وليست مقصورة عليه كما ذلك معروف.
ومما يعضد هذا المذهب ويقويه ويشهد له بالمتانة عند ناظريه أن كثيرا من أئمتنا عليهم السلام يتأول الأخبار الخاصة ويترك عموم الكتاب على بابه مع إمكان التخصيص.
والقاعدة: أن تخصيص العام أولى من تأويل الخاص من ذلك حديث الخضروات في الزكاة.
قال الإمام المؤيد بالله عليه السلام في شرح التجريد بعد أن تأوله على القليل الذي لاتجب فيه الزكاة:
فإن قيل: ما أنكرتم على من قال لكم إذا استعملتم الخبرين أعني: (( فيما سقت السماء العشر )). وقوله: (( ليس في الخضروات صدقة )) بأن جعلتم حديث الخضروات خاصا وبقيتم قوله: (( فيما سقت السماء العشر)) على عمومه إلا في المقدار الذي ذكرتم.
قيل له: يرجح استعمالنا بقوة خبرنا إذ لا إشكال أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( فيما سقت السماء العشر )) أقوى وأثبت من حديث الخضروات. انتهى، وغير ذلك مما اشتملت عليه قواعدهم المعروفة وطرائقهم المألوفة، وغرضنا التمثيل لا التطويل.
صفحہ 17