وعلى النحو الذى أوضحته السطور سابقا [ص 75]، فإن حسين قلى خان قد سقطت على رأسه الرغبة فى ادعاء الرئاسة بإغواء شيطان الناس له بوساوس الجهل والظن، فهى إرادة مع إرادة الله تتنازع كما لو كان نجم يتعلق بشمس رحمة الله، فوقع كالظل على الثرى، ووضع عنقه فى قيد العبودية ولما لم يكن محققا حقيقة حاله على الناس حتى ذلك الحين، فقد اقتضت الحكمة الإلهية إمهاله، وحتى يظهر مع بعض الذين مذهبهم النفاق من غير أهله، ويأتى بالبرهان للخلق على فعله ودعواه، ولا جرم أن فتح القلب الطاهر لشهريار العالم أبواب العطف والعفو والصفح على وجه عصره [حسين قلى خان]، ورفع رأسه بحكومة كاشان، فطالت يد ظلمه وجوره على ضعفاء تلك الديار، وأتى واضحا لجميع الناس مقداره ومنزلته بسبب أبى العجائب أحواله وأفعاله، ولأنه قد أحرق فترة منازل وأكواخ المساكين بنيران الظلم، وادخر رأس مال الاستعداد، ومرة ثانية، نفش النسر جناحيه وريشه، وحلق بفكره فى هوى الجيفة الحقيرة، وعاد إلى رأسه ظنه الأسود القديم البعيد منه والطويل، فكان يسعى فى الخفاء لجمع العدة، وفى الظاهر كان يرتدى حجاب إعلان العبودية وحسن الخدمة على وجه ما فى الضمير، فأحيانا كان يميل إلى ترك الدنيا حتى يعلم دنياويوه أنه تارك للدنيا وصارف النظر عن التاج والعرش، وأحيانا كان يتجنب الحياة فى رداء النفاق ويفرش سجادة العبادة فى المسجد والمحراب، وحتى يعلم هذا وذاك ماله من الثروة والحظ، وكان يبعث كل يوم إلى موطئ العرش المشبه بالفلك العريضة المتضرعة والمشعرة على عبودية الحضرة العلية وإنكار همته على الدنيا، وكان الخاقان ذو الهمة العالية يفاخره بالفرامانات المنذرة له من السخط السلطانى والمبشرة له من النصيحة النافعة فى التحرز من الوساوس النفسية، لعله يفوق من الغفلة، ويسقط قدر فكره الأسود من الغليان.
ومضت فترة على هذا الوضع، وكان المدعو محمد قاسم شخصا مجهول الحال ومقلوبا من الرأس إلى القدم- وكانت له قرابة مع طائفة بيرانوند- فكان دائما أسير القيد لعدة أيام فى مدينته بسبب ادعائه صناعة وعمل الإكسير، ولقب نفسه فى مكان ما بلقب" ملا بارانى"، وهرب، [ص 76] وراج على الألسنة فى بلد باسم" ملا محمد"، وقطع السلسلة وهرب، وفى مكان ما أعطى لنفسه شهرة باسم" محمد القاسم"، وصار معروفا به.
صفحہ 107