وقال تيسير: أما عجائب يا إخواننا. الوقاحة أن تدفع وتطلب الأخذ، أم تأخذ ولا تدفع؟
وتصايحت جماعة تيسير، وضرب أحدهم ياسر صفعة حاسمة. وهكذا أصبح من الحكمة أن يتدخل فتوات الكباريه في شكل محاولة للصلح هيأت الفرصة للشرطة أن تأتي في الوقت المناسب وتأخذ الجميع إلى القسم.
وعرف الضابط ياسر من بطاقته وسأله عن تليفون أخيه. وهكذا دق جرس التليفون في حجرة وجدان، وهكذا وجد المسكين نفسه في قسم الشرطة.
وكان الضابط قد صرف تيسير أبو العزم بعد أن هدده بالحبس إذا عاد لمثل ما فعل. فحين جاء وجدان حياه الضابط في تلطف. - المسألة لم تكن محتاجة تشريف سعادتك. مجرد خناقة عادية، إلا أنني حين عرفت شخصية ياسر أحببت أن أقول له شيئا أمامك.
وكان وجدان في حالة من الألم غاية في الحدة؛ فهو لم يتصور نفسه قط قادما إلى قسم الشرطة ليتسلم أخاه، وهذا التباعد بين منهجه في الحياة وبين ما هو فيه جعله يوشك أن ينهار. قد يتصور أن يذهب إلى ياسر في حادثة مرور بسيارته الجديدة، أو في مشكلة روتين، أما تشابك في كباريه بينه وبين سكارى من أجل راقصة. كان في دوار، ولكن ما قاله الضابط بعد ذلك جعله يفيق على حقيقة أبشع. قال الضابط: يا وجدان بك، أنا أقول لأخيك ياسر أمامك إن حماه كل ليلة يظل يدخن الحشيش في شقته إلى الصباح. ولولا أننا نعلم أنه لا يتاجر في المواد المخدرة لألقينا عليه القبض، ولكن الرائحة فاحت، وأصبح سكوتنا أمرا في غاية الصعوبة بالنسبة إلينا.
وارتج على ياسر وازدادت حيرته وهو يرى الأثر المروع الذي ارتسم على وجه أخيه، وساد الصمت لحظات، ثم قال وجدان: أشكرك يا وهبي بك، وأرجو أن تترك لي أنا هذه المسألة. - شكرا يا وجدان بك وآسف لإزعاجك. مع السلامة.
وحين خرج وجدان من القسم ومعه ياسر ومها لم يلتفت إليهما، وإنما ركب سيارته الصغيرة التي أهداها له أبوه بعد أن عاد من الميدان. وتوجه إلى البيت والفجر يؤذن يدعو المؤمنين إلى الصلاة.
وفي الصباح كان من الطبيعي أن يذهب ياسر إلى وجدان في عمله. وكانت الحجرة خالية بهما. - هل أحست زوجتك بشيء؟ - لا. - أتأخذ أموالها لتنفقها على الراقصات؟ - ولماذا خلقت أموالها إذا لم تكن للإنفاق على الراقصات؟ - أهذا منطق؟ - إنا اخترت زواج المال لأتمتع به. - لأول مرة أضطر أن أقول لك إنك أوقح بكثير مما كنت أعتقد. - أنت تعيش في دنيا خاصة بك. لم يعد باقيا من معالمها إلا أنت وقلة ساذجة لا تدري شيئا مما يحيط بها.
ووجم وجدان. يبدو أن كلام أخيه حقيقة كانت خافية عنه. إنه لا يريد إلا أن يكون إنسانا سويا لا يعتدي على حق أحد ولا على كرامته، ولا يعتدي أحد على حقه أو كرامته، ولكن يبدو أن هذا المطلب الذي يراه يسيرا غاية اليسر بسيطا كل البساطة مستحيل التنفيذ. ماذا صنع هو حتى يذهب ليرى أخاه في موقف الأمس ولا شك أن الضابط يعرف كل الحقائق عن أخيه وعن زواجه وعن تصرفاته وعلاقاته؟ وماذا صنع هو حتى يكون نسيبا لشخص لم يتدخل في اختياره، بل كان يعارض في نسبه ويصبح بسببه موضع احتقار من الشرطة والمجتمع.
أفاق من خواطره وقال لأخيه: ماذا تريد الآن؟ لماذا جئت؟ - لا شيء. مجرد أن أراك وأعتذر عن إزعاجك. - لا عليك. هذا إزعاج أنا متعود عليه، وليس الإزعاج ما يؤلمني، ولكن الذي روعني أن أراك حيث رأيتك بالأمس، وروعني أيضا ما قال الضابط عن حميك. - ماذا ستفعل معه؟ - هذا شأني. - أرجوك، لا تغضبه. - أيضا هذا شأني. وعلى كل حال لا تخف؛ هذا نوع لا يغضب أبدا. - على كل حال، السلام عليكم. - مع السلامة. •••
نامعلوم صفحہ