طلب وجدان التليفون: صفوت بك؟ - أنا. - أنا وجدان، هل أستطيع أن أراك؟ - تحت أمرك طبعا. هل هناك شيء؟ - حين نلتقي أقول لك. - تشرفني في البيت؟ - لا. - أجيء إليك في النيابة؟ - ولا في البيت. - إذن. - نلتقي في مكان عام. - في الهيلتون؟ - الساعة السادسة اليوم. ••• - يا سعادة الوكيل، نحن تجار ولنا أعداء كثيرون في السوق، وهذه إشاعات. - يا صفوت بك، الشرطة لا تخلق إشاعات، ولا تتصرف بناء على إشاعات. والذي فهمته أنهم يراعون النسب الذي بيننا. وأنا لا أستطيع أن أتحمل هذا ولا أقبله. نحن أسرة عشنا محترمين ولا نرضى أن يمس أحد سمعتنا التي قدمنا عمرنا لنحافظ عليها. - يا سعادة البك. - اسمع، أظن ليس من المعقول أن أستقيل من النيابة لتشرب سعادتك الحشيش! أصبح الناس يقولون لك يا بك. يا أخي احترم نفسك على الأقل قدر احترام الناس لك. - يا بك هذا كلام كبير. وواضح أن سعادتك تعيش في دنيا أخرى. الحشيش لا يشربه اليوم إلا أمثالي البكوات. كلمة بك اليوم ليس مصدرها المرسوم، وإنما مصدرها الباكو. - الباكو؟! - باكو الآلاف من الجنيهات. - هذه دنياكم. - دنيا الناس اليوم، ولكنك أنت تعيش في دنيا أخرى، ولا داعي للكلام. - فهل أنت مصمم إذن أن تظل على ما أنت عليه؟ - طبعا من أجل خاطرك لن أجعلك تسمع عني شيئا من هذه الناحية. وإنما كل ما في الأمر أنني لاحظت أنك تتكلم بمنطق أصبح غريبا على الزمن، وأحببت أن أكسب فيك ثوابا حتى تصحو على الزمن الجديد. - وفر عليك ثوابك. أنا عضو في النيابة وقضايا الرشوة والسرقة والتهرب من الضرائب والتحايل على القانون هي عملي. ولكن ليس هذا هو المجتمع. والذين يفعلون كذلك كانوا موجودين في كل زمان، وهم موجودون الآن في كل دولة. - ليس بهذه الصورة. - بل ربما بصورة أبشع. ولكن أؤكد لك أن الشرفاء هم الأغلبية. إننا نسمع عن القلة؛ لأن القلة هي التي تخرق العرف العام. أما الذين لا نسمع عنهم شيئا فهم الأغلبية الساحقة وعددهم لا يقارن بالمجرمين والحشاشين. لا تطمئن نفسك أنك ابن زمنك، أنت شذوذ في الزمن، ولم يخل زمن من شذوذ. كل ما يؤلمني أن الصالحين وهم الكثرة يتعثرون أثناء سيرهم عبر الحياة في الأشرار وهم القلة، وهكذا يقع الظلم على المجتمع بأسره مع أنه في مجموعه بريء. عن إذنك يا صفوت بك. سلام عليكم.
وقام وانصرف.
الفصل الحادي عشر
لم يذكر وجدان شيئا من كل هذا الذي حدث لأبيه ولا لأمه ولا لزوجته، وقصد وجدان أن يكثر من زيارته لياسر، وكان يصحب معه ميرفت بأمل منه أن يحاول ياسر أن يجعل علاقاته في طي الكتمان، على الأقل فلم يكن وجدان من السذاجة إلى درجة يعتقد معها أن ياسر سينقلب إلى شخص آخر لمجرد مشاجرة في كباريه. فما هكذا ياسر. فالأمر بالنسبة إليه ليس تجربة عابرة، وإنما هو طريق حياة. إنه يحب أن يعيش هكذا، وإن كانت قلة المال قبل الزواج تحول بينه وبين أحلامه فها هو ذا المال يجري في يده مجرى الماء. فأي شيء يمكن أن يقف في سبيله الآن.
كان وجدان يحب أن يجلس إلى أبيه، فقد كان الحديث معه متعة. كان التفاهم بينهما تاما، وكانت اللغة التي يتحدثان بها واحدة، وكانت والدته وزوجته تشاركانهما في الجلسة. وكانت أمه بذكائها وبطول معاشرتها لأبيه تشاطرهما الحديث مشاطرة واعية، أما ميرفت فقد كانت بطبيعة ثقافتها تعلق على ما يدور بين المستشار المتمرس ووكيل النيابة الحديث من مناقشات توشك أن تكون مدارسات.
التأمت الجلسة في يوم كان وجدان فيه متخففا من العمل، وكان عزام غير راغب في الخروج. وكانت الأحاديث الجارية في هذه الأيام حول محاكمة الذين أثروا ثراء مروعا مستغلين ظروف قراباتهم أو مقدمين رشاوى إلى المسئولين.
قال وجدان: هذه ظاهرة خطيرة.
وقال عزام : أتراها كذلك؟
وقال وجدان: بل أراها في غاية الخطورة يا بابا.
وقال الأب: لا أعتقد ذلك.
نامعلوم صفحہ