فنقول ان المرض الحار اليابس انما يحدث متى كانت الاغذية في امزجتها احر مما ينبغي وايبس او كانت قليلة او متباعدة الوقت فان الاغذية التي بهذه الصفة اذا وردت المعدة والكبد استحالت الى احر مما ينبغي وايبس مما ينبغي مع انها تكسب المعدة والكبد مثل هذا المزاج فيكون فعلها ذلك بجهتين واذا كان ذلك كذلك فيكون الدم المتولد عنها احر وايبس مما ينبغي وتكون الصفرا حينئذ احر مما ينبغي او اكثر او كليهما فيختل لذلك فعل المرارة اما انها لا تفي بما يحتاج اليه من جذب الصفرا وذلك لخروج الصفرا عن المجرى الطبيعي في الكمية او في الكيفية او كليهما فتبقى الصفرا مبثوثة في الدم فلا تزال الاعضاء اذا تغذت بمثل هذا تخرج شياء فشياء كذا عن مزاجها الطبيعي الى الحرارة واليبس حتى يتولد فيها امراض كثيرة وهذا المعنى الذي يلحق من امر الاغذية يلحق من الامور التي من خارج اذا يتولد فيها امراض كثيرة احرت ويبست الاعضاء الفاعلة للغذا والاشياء التي تفعل مثل هذا المزاج من خارج هي الهواء الحار والرياضة المفرطة والسهر والاعراض النفسانية التي تحر الجسم مثل الغضب والفكر وغير ذلك واعظم هذه الاسباب فعلا هو الهواء والمهنة وقد يفعل ذلك استحصاف المسام لان الحرارة حينيذ كذا تحتقن وقد يكون ذلك كما قلنا عن مزاج اصلي طبيعي والصفرا الغير طبيعية المتولدة في ابدان المرضى عن هذه الاسباب هي في الاشهر اربع أنواع احدها الشبيه لمح البيض وجالينوس يرى ان هذا الصنف احر من الطبيعي واكثر نارية وذلك انه انما غلظ عنده لفعل الحرارة فيه كما قال ولذلك كان ناري اللون واما غيره من الاطباء فانهم زعموا ان هذا الصنف اقل حرارة قالوا وسبب الغلظ فيه انما هو مخالطة البلغم له وهذا ان كان كما قالوا فيجب ان يكون هذا الصنف اقل حمرة من الطبيعية وجالينوس يزعم خلاف ذلك ويكون مع هذا فيه لزوجة ما لمكان البلغم وسبيل الوقوف على هذا الخلاف يكون بالحس والمشاهدة لهذه الاعراض والنوع الثاني نوع اصفر وتولده يكون من مخالطة الصفرا الطبيعية للرطوبة المائية وهذا لا خلاف فيه انه اقل حرارة من الطبيعي لاكن الامراض الحادثة عن هذين الصنفين من الصفرا اعني المحمي على راي من يرى انه انما غلظ لبلغم خالطه والاصفر ليس ينبغي ان يعد في الامراض الحارة اليابسة البسيطة بل في المركبة واما على راي جالينوس في المحي فالامراض المتولدة عنه هي الغاية في الامراض الحارة اليابسة واما الصنفان الاخران فهي الزنجارية والكراثية قالوا وتولد هذه انما يكون في المعدة ولا اعلم جالينوس ينسب هذين الصنفين من الاخلاط الى الصفراء البسيطة بل قد صرح في كتابه في القوى الطبيعية ان ساير ضروب الصفراء انما تتولد عن مخالطة المخمة لساير الاخلاط ومما يشهد هذين الصنفين من الصفراء مركب ان تولدهما زعموا انما يكون في المعدة وليس المعدة مما شانها ان تولد الصفراء لا طبيعية ولا غير طبيعية فان الذي شانه ان يولد الطبيعية هو الذي شانه اذا انحرف مزاجه ان يولد صفراء غير طبيعية واذا كان ذلك كذلك فهذه الكراثية والزنجارية ليست صفراء الا باشتراك الاسم ويشبه ان يكون السبب في تولدها انما هي الصفراء الخارجة عن الطبع جدا /في الحر واليبس اذا انصبت الى المعدة ثم خالطها هناك بعض الاخلاط وبخاصة السوداء فتعفنت هنالك ضربا من التعفن وحدث لها مثل هذا المزاج ولذلك امثال هذه الاخلاط في طباع السموم وبخاصة زعموا الزنجارية والامراض المتولدة عنها لا يكاد يتخلص منها لانها لا تجيب الى النضج ولا تنفعل عن الحرارة الغريزية بل تضادها بصورتها الطبيعية كما تضادها السموم وهذه الاخلاط كما قلنا اذا تكونت في البدن حدثت عنها امراض شتى ومن اكثر ذلك حدوثا واشهره هي الحميات الصفراوية والاورام الصفراوية وينبغي ان نقول كيف تولد هذين الجنسين عنها فنقول اما الحميات فيظهر انها حرارة تعم البدن مضرة بجميع افعال الاعضاء وانفعالاتها فمن حيث انها مضرة بافعال الاعضاء وانفعالاتها نرى انها حرارة غريبة ومن حيث ان لها ايضا افعال الحرارة الغريزية وذلك انها تنضج الاخلاط ويكون عنها البرء وبالجملة فليست هي مثل الحرارة الغريبة التي تكون في ابدان الموتى قد نرى ايضا انها طبيعية ولذلك الحق من امرها انها حرارة طبيعية خالطها عفونية ما فاشتدت بذلك كيفيتها ومن حيت ايضا ان هذه الحرارة تعم جميع البدن وتنتشر فيه وكان هذا من فعل الحرارة التي في القلب المنبثة في الشراين الى جميع البدن حكمنا ان الموضوع الاقرب لهذه الحرارة هو القلب وايضا فلما كانت حرارة القلب هي التي بهاتفعل جميع الاعضاء افعالها كان الضرر الداخل على جميع افعالها انما هو ضرورة من تغير مزاج هذه الحرارة واذا كان ذلك كذلك فحد الحمى اذا هو انها حرارة ممتزجة من الحرارة الطبيعية والحرارة العفونية تنبعث في جميع البدن من القلب فتضر بجميع الافعال والانفعالات واذ قد تبين ما هي الحمى باطلاق فينبغي ان ننظر في تولد امثال هذه الحرارة في البدن فنقول ان اسبابها هي بعينها اسباب تولد الحرارة الغريبة لكنها على النصف والا كانت حرارة غريبة محضة وقد تبين في الرابعة من الاثار ما اسباب تولد الحرارة الغريبة وكيف تولدها وذلك انه قيل هنالك ان الفاعل للعفونية سببان احدها فاعل بالذات وعلى القصد الاول وهي الحرارة التي من خارج وذلك ان من شان هذه الحرارة ان تبدد الحر الغريزي وبخاصة اذا اشتدت كيفيتها كالحال في زمن الحر فاذا تبدد الحر الغريزي المستولي على الهيولي حدثت هناك في هيولاه حرارة غريبة وبخاصة متى كانت رطبة فان الرطوبة سهلة الانفعال عما من خارج عسرة الانفعال من ذاتها واما السبب الفاعل لذلك على القصد الثاني فهي البرودة وذلك انه متى غلبت على الحرارة الغريزية اطفاتها فتولدت في هيولاها من الحرارة التي من خارج حرارة غريبة وبالجملة فتبين هنالك ان المبوجود انما ينحفظ بقاءه ما دامت القوى الفاعلة تقهر المنفعلة وتستولي عليها واعني بالفاعلة البرودة والحرارة وبالمنفعلة الرطوبة واليبوسة واما اذا ضعفت عن تدبيره وفعلت فيه القوى التي من خارج صار في طريق الفساد والاسباب المعينة في بدن المحي على تولد امثال هذه الحرارة فيه هي ضرورة الاسباب المعينة على اطفاء الحرارة الغريزية وذلك اما استعاد الموضوع فقط لتكون الحرارة الغريبة كالحال في الدم اذا تولدت فيه صفرا خارجة عن الطبع في كميتها وكيفيتها واما بكثرة الدم وغلظه ولزوجته فيبرد الحرارة الغريزية ويطفيها بمنزلة الحطب الكثير الاخضر اذا وضع على النار والسدد الحادثة عن امثال هذه الاخلاط مما يعين على ذلك فانها تمنع الحرارة الغريزية من ان تتنفس فيعتريها ما يعتري النار التي لا تتنفس فانها لا تلبث ان تنطفي او تضعف وذلك بين من فعل الذين يعالجون عمل الفحم فانهم يغطونه بالتراب الا تسري النار في جميع اجزائه فيترمد واذ قد تبين ما هي الحمى باطلاق وما اسباب تولدها /فقد يمكننا ان نقف على جهة تولد الحمى الصفراوية فنقول ان املك الاسباب في تولد هذه الحمى في ابدان الاحيا يكون لتزيد مزاج الدم في الحرارة واليبس واستعداده لان يتولد فيه مثل هذه الحرارة او استعادات فضلات الهضم واما الغلظ واللزوجة والسدد فليس تتصورها هنا اللهم الا في الصفرا المحية او من جهة الكمية وينبغي ان تعلم انه ليس في بدن الحي صفرا محضة على انها جزء عضو منه على ما سلف من قولنا الا الصفرا الموجودة في المرارة وما تدفعها الطبيعة من الاعضاء او الدم عندما تميزها ولذلك ليس يمكن ان نتوهم ان الموضوع لهذه الحميات الصفراوية هي صفرا محضة بل انما هو دم و رطوبة الصفرا اكثر اجزايها وبذلك امكن ان تقبل النضج وتصير الى الحال الطبيعية فمتى تميزت منه صفرا محضة دفعتها الطباع وما امكن فيه ان يقبل النضج تغذت به الاعضاء وليس يمكن في الصفرا نضج بتة ولا فيها جز تعدى به الاعضاء اصلا واذا لم يمكن ذلك في الطبيعية فكم بالحري ان يكون ذلك في الغير طبيعية وانما هذا الراي من اراء الاطباء مبني على رايهم ان هذه الاخلاط الاربعة اسطقسات المتشابهة الاجزاء وقد بينا الامر في ذلك في كتاب الصحة ولما كانت الحرارة الغريبة انما تتولد في الرطوبة اذ كانت هي اسرع الى العفن من جهة ان الرطوبة تقرت الحرارة الغريزية ان تستولى عليها اذ كانت غير منحصرة في ذاتها وكانت الرطوبات الصفراوية في البدن انما توجد في مواضع الهضم وكانت اعظم هذه المواضع اما الموضع الذي فيه الهضم الثاني وهو الكبد والعروق واما مواضع الهضم الثالث وهي التي في الاعضاء انفسها كانت هذه الحميات صنفين صنف يكون في العروق وصنف يكون في الاعضاء انفسها اعني في مواضع الهضم منها لا في نفسها وسنبين في كتب العلامات الفصول التي تنفصل بها هذان الصنفان من الحمى وهذه الحميات يلغى لها فضول اخر ايضا من قبل الاخلاط التي هي اسباب تولدها واذ قد تبين ما هي الحميات الصفراوية وكم انواعها فينبغي ان نقول في الاورام الصفراوية والورم بالجملة انما يحدث عن مثل هذا الاخلاط في عضو عضو على احد وجهين اما ان يندفع الى ذلك العضو من ذلك الخلط ما لا يفي ذلك العضو بهضمه حتى يعرض ذلك العضو ان يتزيد في اقطاره ولذلك يظن بالورم انه مركب من امراض المتشابهة والالية على ما سيظهر بعد وسبب اندفاع هذا الخلط يكون لوفور القوة الدافعة في العضو الدافع وضعفها في المندفع اليه وقد تعين على ذلك سعة المجاري والوضع مثل ان يكون العضو الدافع فوق المندفع اليه وبخاصة متى كان الخلط ارضيا غليظا فاذا اندفع هذا الخلط الى عضو فانغمرت هنالك الحرارة الغريزية وتولدت حرارة غريبة لم يكن الخلط في غاية اليبوسة فان كان الورم في عضو رئيس اتصلت تلك الحرارة الغريبة بالقلب وكانت الحمى وان كان في عضو غير رئيس لم تكن حمى واما الوجه الثاني من تكون هذه الاورام فانه يكون متى ضعف العضو عن هضم ما يصل اليه من الغذا اما لخروجه في الكيفية او الكمية ولم يقدر على دفعه فانه اذا كانت حال العضو مع ما يصل اليه هذه الحال لم تزل المادة تكثر في ذلك العضو حتى يعظم في اقطاره وتنطفي حرارته فيحدث هنالك حرارة عفونية والاورام الصفراوية اعني التي الغالب عليها خلط صفراوي الحادثة على هذا الوجه ضربان الضرب المسمى حمرة وهذا يظهر من امره ان فيه خلط دموي صالح لمكان الحمرة الظاهرة فيه وليس يحدث منه في العضو كثير تزيد والضرب الاخر المسمى نملة وهذا الخلط الصفراوي فيه اكثر تميزا ولذلك صار يقرح الاعضاء وياكلها وهذه منها ما يكون التاكل الحادث عنه في الجلد فقط ومنها ما يكون في نفس الاعضاء وهو اشر الصنفين وربما استكن هذا الخلط في تجويف عضو فاضر بفعله مثل المعدة والامعا على ما سنتبين / بعد من غير أن يورمه.
~~القول في الامراض الباردة الرطبة المادية
صفحہ 114