ومما يدل على انهم يريدون بها هذا المعنى ما يسمع جالينوس يشبهها بحجار المغنطس وياخذه في تقسيمها. واما قوة النبض فهي ضرورة قوة غاذية جرمية رئيسية اذ كان القلب بها يوزع الحرارات على ساير الاعضاء وايضا فانها كالخادمة للقوة الغاذية الرئيسية التي في القلب لان بها تتحفظ ولذلك ليس يستحق ان توضع قوة اخرى من قوى النفس فان الحال في وجود هذه القوة للنفس الغاذية كالحال في الخمس القوى الموجودة لها التي هي القوة الجاذبة والدافعة والماسكة والهاضمة والمميزة وان كانت القوة النبضية خاصة بالحيوان وذلك الموضع افراط الحرارة فيه واما قسمتهم القوى النفسانية الى الحواس والقوة المحركة في المكان والفكر والذكر والحفظ فقسمته صحيحة لاكن القوة المحركة في المكان ليست شيا اكثر من القوة النزوعية اذا اقترن اليها الراي والخيال وكان هنالك اجماع على ما تبين في كتاب النفس وهم يعدون القوى النزوعية في القوى الحيوانية. ويضعون المحرك في المكان نوع اخر وهذا كله ليس بصحيح بل ليس ها هنا قوى الا غاذية او نامية او مولدة اوحسية اومتخيلة او نزوعية او نطقية ومن رواضع المتخيلة الذاكرة والحافظة ومن رواضع النطقية وخدمها المفكرة والذاكرة والحافظة كما قيل اكثر روحانية من المتخيلة فهذه امور ينبغي ان توضع هنا وضعا وتتسلم من صاحب علم الطباع واذا كان هذا هكذا وتبين ان الاعضاء انما وجدت من اجل هده القوى وهذه القوى من اجل افعالها فاذا ولا عضو واحد في البدن الا هو موجود من اجل فعل واحد من افعال هذه القوى وانفعالاتها ولذلك قد ان ها هنا ان نفحص عن فعل واحد واحد من الاعضا وانفعاله فان بمعرفة ذلك يحصل لنا معرفة صحة عضو عضو باسبابه الغائية اذ كنا قد عرفناه بالسبب الصوري والمادي واما المسبب الفاعل فلا حاجة بنا الى معرفته ها هنا اذ كان قد ذهب وبطل اللهم الا ما كان من الاسباب الفاعلة يجري مجرى الحافظ فلنشرع في ذلك ونبتديء من منافع الاعضاء البسيطة وينبغي ان تعلم ان الشي يقال انه موجود من اجل الشي على احد وجهين احدهما ان تكون من ضرورة وجود الشي الاخر وجود الاول مثال ذلك ان من ضرورة وجود الاعضاء الالية وجود الاعضاء المتشابهة والثاني ان يكون ليس من ضرورة وجود الاخر وجود الاول بل من جهة ان يوجد الاخير بالحال الافضل ومثال ذلك ان العين انما وجدت من اجل ضرورة الابصار فاما كونها مضعفة فمن جهة الافضل على ما سنبين بعد ونحن انما نذكر من هذه المنافع ما نرى انه اكثر ذلك نافع في صناعة الطب. القول في منافع الاعضاء البسيطة وهذه الاعضاء البسيطة منها عظام وما يشبهها من الغضاريف واظفار وعصب وعروق ورباط وغشاء ووتر ومخ ونخاع وشحم وما اشبهه من الثرب وجلد ودم وبلغم ومرة سوداء وصفراء وروح اما العظام فاشهر منافعها انها جعلت لموضع العمدة والوثاقة وهي بالجملة كالاساس لجملة البدن. والمنفعة الثانية لتجن وتستر كعظام الصدر وعظم القحف. واما كثرتها في البدن فانما جعلت اولا لمكان الحركات الجزئية وذلك ان ما كان تتهيا حركة لليد بذاتها لو لم تكن مفصلة من الساعد وكذلك في عضو عضو من الاعضاء المفصلية المتحركة والمنفعة الثالثة بسبب تحلل الفضول البخارية كالشؤون التي في الراس وربما صحبت في ذلك منفعة اخرى وذلك انه متى نزلت باحد العظام افة لم تتعد الى غيره من الاعضاء من جهة ما هو منفصل منه وقد تكون الحاجة الى كثرة العظام لاختلاف اشكالها وكيفياتها بحسب ما اعدت له ولصغرها ايضا ولكبرها اما اختلافها في الصغر والكبر فمثل سلاميات الاصابع وعظام الساق واما اختلافها في الشكل فمثل ان العظم الذي احتج فيه الى وثاقة مفرطة جعل صلبا مصمتا وما احتج فيه الى الحفة جعل اجوفا وما احتج فيه الى ان يتصل باللحم جعل لينا كالغضاريف /وهذه المنافع بينة بنفسها والانسان يقدر ان ياتي بجلها من عند نفسه اذا كان ممن ارتاض ادنى ارتاض بالنظر في هذه الاشياء واما الاظافير فانها جعلت لمنفعتين احداهما وهي العامة لوقاية اطراف الاصابع بمنزلة المراكز التي تجعل في الرماح والثانية لتدعم اللحم عند قبض الاصابع على الشي وهذه اخص باظفار اليد وهي اقل في اظفار الرجل واما المنفعة الاولى فهي عامة للانسان والحيوان واما العصب ففي منفعتها شكوك كثيرة اما جالينوس فيرى ان منفعتها انما هي لتودي الحس والحركة الارادية الى جميع الاعضاء واما اللازم عن راي ارسطو فان العصب انما جعل لموضع تعديل الحرارة الغريزية حتى يكون بها الحس وذلك تابع لرايهما في منفعة الدماغ واما كونها الة الحركة الارادية ففيه نظر ايضا وما يحتج به جالينوس في اثبات وجود الحس والحركة عن الاعصاب من ان بارتفاع العصب يرتفع الحس والحركة فموضع غير برهاني وقد قيل ذلك في كتاب المنطق لاكن يظهر بالجملة ان منفعتها من جنس منفعة الدماغ ومن هنا يظهر كل الظهور انها نابتة منه لا من كونها مغروزة في الدماغ كما يقول جالينوس واما الرباط والوتر فمنفعتها في الحركة الارادية ظاهرة للحس متى كشطنا الجلد عن مفصل حيوان وجعلناه يتحرك. واما الاغشية فاحتج اليها لمكان السترة والوقاية ولتحمل ايضا الاعضاء التي هي متعلقة وتربطها وان كانت هذه المنفعة اخص بالرباط. ومنفعة الصفاق الموضوع على البطن هي من نوع هذه المنفعة اعني انه يمنع الاحشاء من ان تبرز كما يعري ذلك في الفتق واما العروق فهي قسمان شراين وهي التي تحمل الروح والدم الذي في القلب وهذه لا شك هي من اجل حمل هذا الدم والروح. وانما جعلت متشعبة في جميع البدن ومفترقة فيه لتوصل اليه الشي المبثوث فيها اما من الروح فقط واما من الدم والروح معا والقسم الثاني من العروق وهي الغير ضوارب فليس يوجد بالحس فيها روح اللهم الا ان يودي الى وجود ذلك القول كما يزعم جالينوس في الكبد انها معدن الروح الطبيعي التي قلنا نحن فيها انهم يعنون بها القوة الغاذية وانما الظاهر من امر منفعة هذه العروق انها جعلت لتوزع الدم المنطبخ في الكبد على ساير الاعضاء ولذلك جعلت متشعبة كالحال في الشرايين. واما المخ فهو صنفان احدهما الموجود في القحف وهو لا شك هو هيولي الصورة للروح الذي في الدماغ الذي تكون به الحواس. واما المخ الذي في العظام فانه فضلة غذايها والعظام المصمتة ليس لها مخ اذ ليس لها تجويف واسم المخ بالجملة واقع عليها باشتراك الاسم وانما سميناه بذلك لمكان عادة الجمهور فان المخ الذي في العظام فضلة وهذا جوهر رئيس. واما النخاع فطباعه من طباع الدماغ ومنفعته تلك المنفعة بعينها وسياتي تفصيل هذا عن منافع الاعضاء الالية واما اللحم فهو اصناف على ما تبين وارسطو يرى في جميعها انها الة حس اللمس الخاصية التي تنزل منه منزلة العين من الابصار ويستشهد على ذلك من ان الحس البسيط انما يلغى لجسم بسيط وان العصب خادم للحم في هذا الادراك على جهة تعديل الروح المنبث اليه من القلب. وهذه كلها مفاحيص طبيعية فينبغي ان يتسلمها الطبيب ولكن لنعمل ها هنا على ان الحس والحركة احد ما به يتقوم هو الدماغ والاعصاب. واما الجنس من اللحم الذي يسميه جالينوس العضل فهو عضو ألي وهو عنده ألة الحركة المكانية وسنتكلم فيه عند الكلام في الاعضاء الالية. واما اللحم الذي في الاربيتين وتحت الاباط فهو مع هذا الموضع دفع الفضول وكذلك لا يبعد ان يكون كثير من اللحم لمكان الاملاء والوقاية وبالجملة فهو العضو البسيط المشترك لجميع الحيوان كما ان القلب هو العضو المشترك الالي لجميع الحيوان ايضا. واما الدم فالامر فيه بين انه انما وضع لاحد شيين اما لمكان الغذاء كالدم الذي في الكبد والعروق التي يظن انها نابتة منه واما لان يكون /مطية للروح الغريزية الذي في القلب وهذا هو دم الشراين. واما البلغم فانه دم غير منهضم ولذلك هو فضلة الدم فاما ان يكون وجوده في البدن من اجل الضرورة ومعنى ذلك ان الغذاء اذا استحال لم يمكن فيه ذلك الا ان يتولد منه فضول بلغمية او يكون مع ذلك ايضا فيه منافع وذلك لانه يندي الاعضاء ويرطبها وكانه غذا معد لها عندما يتاخر عنها الغذاء واما المرة الصفراء والسوداء فان وجودها اولا وبالذات انما هو من اجل الضرورة وذلك ان الغذا الكيلوسي الذي يصير من المعدة الى الكبد ما كان يمكن فيه ان ينهضم حتى يعود دما دون ان تتميز منه هاتان الفضلتان كالحال في عصر العنب الذي لا يمكن ان يكون منه شراب دون ان تتميز منه فضلتان احداهما غليظة ارضية والاخرى رقيقة ولذلك اعدت لها اعضاء خاصة بها ولم يعد للبلغم اعني من جهة انه ليس في هاتين الفضلتين استعداد لان يكون منها جزء عضو كالحال في البلغم وقد يظهر مع هذا ان الطبيعة قد استعملتها الات خادمة للقوة الغاذية من جهة الافضل وذلك انه يظهر بالتشريح ان للمرارة التي هي كيس المرة الصفراء مجرى يشعب فيتصل بالامعاء العليا وباسفل المعدة يترسل في هذا المجرى الى المعا من المرة الصفراء ما تهيجها بها على دفع الاثقال ويكون كالجلاء لها وكذلك ايضا الطحال له سبيل يتصل بفم المعدة فيرسل الى المعدة من المرة السوداء ما فيه حمضة ما لتقوي شهوة فم المعدة الى الغذاء اذ كان هذا فعل الاشياء الحامضة فيها واما الشحم فمنفعته في الاجسام الحيوانية التسخين كالحال في منفعة الثرب والشحم هو فضلة الدم المنطبخ الذي تتغذى الاعضاء به ولذلك متى وجد في الحيوان باعتدال دل على صحته اذ كان يدل على فضل قوة في التغذي وحسن حال واذا لم يوجد في الحيوان دل على انه ليس هناك جودة طبخ اذ ليس ثم فضلة بل ما يرد من الغذاء ابدان امثال هذه الحيوانات مقصر عما يحتاج اليه اعضاءها واما متى افرط في الحيوان فانه يدل منه على سوء حال وذلك ان اكثر هيولي الغذ اء حينذ الذي هو الدم ينصرف اليه فتبرد اعضاء الحيوان فيهلك واما الشعر فمنفعته في الراس والحواجب الوقاية وذلك من امره بين اما للراس فمن الحر والبرد واما شعر الحاجبين فلوقايته العين مما يمكن ان ينزل من الراس من المايعات التي تصب عليه وكذلك شعر الاجفان بين من امره انه لمكان الوقاية واما شعر الاباط والسرة وكثير من الشعر الخارج على ظاهر البدن والاظهر فيه انه لمكان ضرورة الهيولي وذلك انه انما يتولد في البدن من البخار الدخاني المحترق ويمكن ان يقال ان الطباع تصرف هذا البخار مادة للشعر حتى يكون الشعر شانه ان يجتذب تلك المادة الردية من الجسم على ما نرى كثيرا من الفلاحين يعمدون الى الارض التي يريدون ان يصلحوها فيزرعون فيها من النبات ما شانه ان يجتذب الجز الارضي المحترق الذي فيها وعلى هذا الوجه فقد يكون له منفعة ما واما الجلد فالظاهر انه لمكان الوقاية والسترة وهو من خارج بمنزلة الاغشية من داخل واما الارواح فاما ان تكون الالة القريبة للقوى المدبرة لجسم الحيوان واما ان تكون هي المدبرة انفسها لاكن الاولى ان نضع انها الالة القريبة والهيولي الخاصة ولذلك كان عدمها في الجسم موتا ضرورة واذ قد قلنا في منافع الاعضاء البسيطة فقد ينبغي ان نقول في منافع الاعضاء الالية وفي منفعة جزء جزء ونتحرى من جميع ذلك الاشهر وما يظن انه ضروري في هذه الصناعة ولنبدأ من القول في الاعضاء التي هي الات القوة الغاذية فان هذه هي القوة الضرورية اولا في وجودنا ولذلك نرى ان اخلال فعلها موت.
صفحہ 60