وقد قال في الموت وما بعده من البعث: لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد، وكما قال سبحانه: ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم فالملائكة هم الذين يبسطون أيديهم، ويقولون: أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون.
وقلت: أرأيت لو جعل الله الملك رجلا ومن كانت الرسل تراه من الملآئكة قبلا أهم في تلك الحال والهيئة والصورة مليكة أم رجال بل هم في تلك مليكة وإن انصرفت بهم الهيئة والأحوال.
ألا ترى أن الذهب والنحاس وإن لم يكونا هم الناس فقد يصنع منهما صور وهيئات ويحدث فيهما تماثيل مختلفات والذهب وإن اختلفت هيئاته ذهبب على حاله، وكذلك النحاس وإن كثرت فيه الصور فهو نحاس على حاله لم ينقل واحد منهما عن خلقته وذاته ما نقل عنه من متقدم صورته وهيئاته.
وإنما تبدوا الملائكة إذا بدت بأمر الله وإرادته إلىالبشر بما جعل الله لها وأحدث فيها من الهيئات والصور لا البشر بما لا يدركون ولا يرون من الصور والهيئات إلا ما يبصرون، فجعل الله من الملائكة رسلا وجعل من شاء منهم كما شاء إن شاء رجلا، وقال في ذلك وتعالى: الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير.
فالتبديل للخلق أوالزيادة ليست إبادة، وكذلك من مسخه الله تبارك وتعالى قردا أو خنزيرا فإنما أحدث له عن هيته وصورته تبديلا وتغييرا فيدل هيئته وصورته وأقر نفسه وذاته، ولو كان المسخ للممسوخ إبادة وإفناء لكان ذلك فطرة وإنشاء وابتداء ولم يقل تغيير ولا مسخ ولا تبديل، ولم يصح بذلك إذا لم تكن الذات موجودة خبر، ولا قيل.
صفحہ 28