107

وأصغى إليها ذاهلا وكان يتساءل: «أحق أن التي تتكلم بهذا الصوت الخافت المنكسر الحزين هي الأميرة أمنريدس التي لم تكن الدنيا تسعها جنونا واستهتارا وكبرا؟»، وبدا لعينيه كل شيء غريبا منكرا، فقال بغضب: إن أصغر جندي من جنودي لا يهمل قلبه ولا يسمح لإنسان بأن يفرق بينه وبين من يحب! - أنت ملك يا مولاي، والملوك أعظم الناس متعة وأثقلهم واجبا، كالشجرة الباسقة أوفى من الحشائش نصيبا من شعاع الشمس ونسائم الهواء، وأكثر تعرضا لثورة الريح واقتلاع الزوابع.

فأن أحمس قائلا: آه! ما أشقاني .. لقد أحببتك منذ أول لقاء في سفينتي!

فخفضت عينيها وقالت ببساطة وصدق: وطرق الحب قلبي في ذلك اليوم عينه، ولكني لم أكتشفه إلا فيما بعد، وتيقظت عواطفي ليلة أجبرك القائد رخ على مبارزته فدلني إشفاقي على دائي، وبت ليلتي حائرة مضطربة لا أدري ماذا أصنع بهذا المولود الجديد .. حتى غمرني السحر بعد ذلك بأيام ففقدت وعيي. - في المقصورة؟ .. أليس كذلك؟ - نعم. - أواه .. كيف تكون حياتي بدونك. - تكون كحياتي بدونك يا إسفينيس.

فضمها إلى صدره وألصق خده بخدها كأنه يخال أن التصاقهما ييئس منهما شبح الفراق الماثل أمامهما، وكان يكبر عليه أن يكتشف حبه ويودعه الوداع الأخير في ساعة واحدة، وطرق كل سبيل من الفكر يبغي حلا فاعترضه اليأس والقهر، وكانت غاية سعيه أن يشد حولها ذراعيه، وأحس كل منهما أنه آن أن ينفصلا، ولكن لم يحرك أحدهما ساكنا فلبثا كشيء واحد.

29

وغادر أحمس سفينة الأميرة لا تكاد تحمله قدماه، وكان ينظر إلى شيء في كفه وتمتم قائلا: «أهذا كل ما تبقى لي من حبي؟»، وكانت سلسلة العقد الزمردي هي التي تبقت له من حبه، أهدتها إليه الأميرة تذكارا واحتفظت بالقلب لنفسها، وركب الملك عجلته ومضى إلى معسكر جيشه، واستقبله رجاله وعلى رأسهم الحاجب حور وكان يختلس من مولاه نظرات قلقة مشفقة، وقصد الملك إلى السرادق ودعا برسول أبوفيس وقال له: أيها الرسول لقد درسنا بإمعان ما عرضته علينا، ولما كانت غايتي أن أحرر وطني من سيطرتكم وهو ما رضيتم به، فقد اخترت الحل السلمي حقنا للدماء، وسنبادل الأسرى في الحال، ولكني لن آمر بالكف عن العمل حتى يغادر آخر رجل منكم هواريس، بذلك تطوى هذه الصفحة السوداء في تاريخ بلادي.

فأحنى الرسول رأسه وقال: نعم الرأي الذي رأيت أيها الملك، فإن الحرب إذا لم تكن لغاية تستوجبها صارت تقتيلا وتذبيحا.

فقال أحمس: الآن سأترككم لتبحثوا معا في تفاصيل التبادل والإجلاء.

وقام الملك فقام الجميع وقوفا وانحنوا له إجلالا، فحياهم بيده وغادر المكان.

30

نامعلوم صفحہ