108

وفي مساء ذلك اليوم تم تبادل الأسرى؛ ففتح باب من أبواب هواريس وخرجت منه جماعات الأسرى نساء ورجالا، وكانوا يهتفون لمليكهم مسرورين ويلوحون بأيديهم، وذهب الأسرى الرعاة وعلى رأسهم الأميرة أمنريدس إلى المدينة في سكون ووجوم.

وفي غداة اليوم الثاني بكر أحمس وحاشيته إلى هضبة قريبة تشرف على أبواب هواريس ليشهدوا خروج الرعاة من آخر مدينة مصرية، وكانوا لا يخفون جذلهم، وتتألق وجوههم بنور الفرح والابتهاج، وكان القائد محب يقول: عما قليل يأتي حجاب أبوفيس بمفاتيح هواريس ليسلموها إلى جلالة الملك، كما سلمت مفاتيح طيبة إلى أبوفيس قبل أحد عشر عاما.

وجاء الحجاب كما قال القائد محب، وقدموا إلى أحمس صندوقا من خشب الأبنوس رصت به مفاتيح هواريس، فتسلمه الملك وأعطاه حاجبه الأكبر، ورد تحية الرجال الذين عادوا من حيث أتوا في سكون وصمت.

ثم فتحت الأبواب الشرقية على مصاريعها فدوى صريرها في جنبات الوادي، فتطلع أصحاب الهضبة صامتين، وبرزت أولى جماعات الخارجين، وكانت من الفرسان المدججين بالسلاح قدمها أبوفيس لاستطلاع الطريق المجهول، وتبعتها جماعات النساء والأطفال يمتطين متون البغال والحمير وبعضهن يحملون في الهوادج، وقد استغرق خروجهن ساعات طويلة، ثم بدا ركب عظيم تحيط به الفرسان من رجال الحرس تتبعه عربات كثيرة تجرها الثيران، فعلم الناظرون أنه أبوفيس وآل بيته، وقد خفق فؤاد أحمس لمرآه وقاوم دمعة حرى أحس انتزاعها من حناياه، وتساءل: ترى في أي مكان هي؟ وهل تجد في البحث عنه كما يجد في البحث عنها؟ .. وهل تذكره بمثل ما يذكرها به؟ .. وهل تكتم دمعها كما يكتم دمعه؟ وتابع الركب بناظريه لا يلتفت إلى الجنود المتدفقة على أثره من جميع الأبواب، وما زال يتبعهم ببصره وفؤاده ويحوم حولهم بروحه حتى غيبهم الأفق وابتلعهم الغيب!

واستيقظ الملك على صوت حور وهو يقول: في هذه الساعة الخالدة تسعد روح مليكنا سيكننرع وبطلنا المجيد كاموس، ويكلل كفاح طيبة التي لا تعرف اليأس بالفوز المبين.

ودخل جيش الخلاص هواريس الجبارة واحتل أسوارها المنيعة، وبات فيها حتى فجر الغداة، وزحف أحمس بفرقة العجلات شرقا تتقدمه طلائعه فدخل تنيس ودفنى، وهناك جاءته العيون وهنأته بجلاء آخر رجل من الرعاة عن أرض مصر، فعاد الملك إلى هواريس، وأمر أن يصلي الجيش صلاة جامعة للرب آمون؛ وانتظمت الفرق المختلفة وعلى رأس كل فرقة ضباطها وقائدها، وعلى رأس الجميع الملك وحاشيته، ثم جثوا جميعا في خشوع وصلوا للرب صلاة حارة. وختم أحمس صلاته بأن دعا ربه قائلا: أحمدك وأشكر لك أيها الرب المعبود، فقد وصلت جناحي وثبت قلبي، وأكرمتني ببلوغ الغاية التي استشهد في سبيلها جدي وأبي، فاللهم ألهمني الصواب وأيدني بالعزم والأمان لأضمد جراح شعبي، واجعله خير عابد لخير معبود!

ثم دعا أحمس رجاله إلى الاجتماع به فلبوا سراعا، فقال لهم: اليوم تنتهي الحرب فيجب أن نغمد سيوفنا، ولكن الكفاح لم ينته أبدا، وصدقوني إن السلام أكبر من الحرب حاجة إلى يقظة النفوس وتوثب العزائم، فأعيروني قلوبكم لنبعث مصر بعثا جديدا.

ونظر الملك في وجوه رجاله قليلا ثم استطرد: وقد رأيت أن أبدأ كفاح السلام باختيار أعواني المخلصين: لذلك أعهد إلى حور بالوزارة.

وقام حور إلى مولاه وجثا أمامه وقبل يده، فقال الملك: وأرى أن سنب خير خلف لحور في قصري، أما ديب فهو رئيس الحرس الفرعوني.

ونظر الملك إلى محب وقال: وأنت يا محب قائد جيشي العام.

نامعلوم صفحہ