وفي هيكل هذا الدير صورة مريم، وفي حجرها المسيح ﵇ مصورًا بإحكام وإتقان، والناس يقصدونه للنظر إلى الصورة.
وفي أعلاه قبة بأربع طاقات بناها أبو الجيش خمارويه ابن أحمد بن طولون وكان يكثر غشيان هذا الدير، معجبًا بالصورة التي فيه. وكان يشرب على النظر إليها.
وفي الدير رهبان مقيمون به، وبه بئر منقورة في الحجر يستقى منها الماء.
وأهل مصر ينتابونه ليتنزهوا فيه، ولقربه من الفسطاط.
وقد وهم الخالدي حين ذكره في أديرة العراق لما ذكره كشاجم، فنسبه إلى حلوان العراق ظنًا منه أنه ليس في الدنيا حلوان غيرها.
ومما يؤكد كونه بمصر قول كشاجم:
سلامٌ على ديرِ القصيرِ وسفحه ... فجنّاتِ حلوان، إلى النّخلات
منازلُ كانتْ لي بهنَّ مآربٌ ... وكنَّ مواخيري ومنتزهاتي
إذا جئتها كان الجيادُ مراكبي ... ومنصرفي في السفنِ منحدرات
ولحمانُ ممّا أمسكتهُ كلابنا ... علينا، وممّا صيدَ بالشيّكاتِ
فأين الصيد بالشباك والانحدار في السفن من حلوان العراق؟ ولمحمد بن عاصم المصري فيه:
إنّ ديرَ القصيرِ هاجَ ادّكاري ... لهوَ أيّامنا الحسانِ القصارِ
وزمانًا مضى سريعًا حميدًا ... وشبابًا مثل الرداءِ المعارِ
عرفتني ربوعهُ بعدَ نكرٍ ... فعرفتُ الرّبوعَ بالإنكارِ
فلو أنَّ الدّيارَ تشكو اشتياقًا ... لشكتْ صبوتي وبعدَ مزاري
ولكادتْ تسيرُ نحوي لما قدْ ... كنتُ فيها سيّرتُ منْ أشعاري
فكأنّي إذ زرتهُ بعد هجرٍ ... لم يكنْ منْ منازلي ودياري
إذْ صعودي على [الجياد] إليهِ ... وانحداري في المعتقاتِ الجواري
بقصورٍ إلى الدماءِ صوادٍ ... وكلابٍ على الوحوشِ ضواري
منزلًا لست محصيًا ما لقلبي ... ولنفسي فيهِ منَ الأوطارِ
منزلًا منْ علوّه كسماء ... والمصابيح حولهُ كالدّراري
وكأنَّ الرّهبانَ في الشّعر الأس؟ ...؟ودِ، سودُ الغربانِ في الأوكارِ
غربه ذو البحارِ والأنها ... رِ، في ثيابٍ من سندسٍ ذي اخضرارِ
غرّدتْ بيننا الطيورُ فطارتْ ... بفؤادِ المتيّمِ المستطارِ
كم خلعت العذارَ فيه ولم أرْ ... عَ مشيبًا بمفرقي وعذاري
كم شربنا على التصاويرِ فيه ... بصغارٍ محثوثةٍ وكبارِ
صورةٌ من مصوّرٍ فيهِ ظلّتْ ... فتنةَ للقلوبِ والأبصارِ
أطربتنا بغيرِ شدوٍ فأغنتْ ... عنْ سماعِ العيدان والمزمار
يفترُ الجسم حينَ ترميه حسنًا ... بفتونٍ من طرفها السحّار
وإشاراتها إلى منْ رآها ... بخضوعٍ، وذلّةٍ، وانكسار
لا وحسنِ العينينِ والشّفةِ اللّم؟ ...؟ياءِ، منها وخدّها الجلّنار
ولا تخلفتْ عنْ مزاري لديرٍ ... هي منهُ، ولو نأى بي مزاري
فاقصر عن ملامي اليومَ 'نّي ... غيرُ ذي سلوةٍ، ولا إقصار
فسقى الله أرض حلوانَ فالنح؟ ...؟لَ، فديرَ القصيرِ صوبَ القطارِ
كمْ تنبّهتُ من لذاذةِ نومي ... بنعيرِ الرّهبانِ في الأسحار
والنواقيسُ صائحاتٌ تنادي ... حيَّ يا نائمًا على الابتكارِ
قبلَ أن يبلي الحديدَ الجديدا ... نِ بليلٍ معاقبٍ لنهارِ
إنّما هذهِ الحياة عوارٍ ... وعلى المستعير ردُّ المعارِ
وقال شاعر يصفه:
يا حسرةً في القلب ما أقتلها ... كأنّها في القلبِ طعناتُ الأسلْ
فكمْ وكمْ من ليلةٍ مؤنسةٍ ... أحييتها في الدّيرِ في خيرِ محلْ
ديرِ القصرِ الفردِ في صفائه ... يا من رأى الجنّة من غيرْ عملْ
فاشرب كؤوسَ الرّاحِ ولتشدو بنا ... واغنمْ من الدّهرِ، فللدهرِ دول
من قبلِ أنْ يطرقنا موتٌ فلا ... ينفعُ عندَ الموتِ (ليتَ) و(لعل)
وقال تميم يذكره:
إلى ديرِ القصيرِ صبا فؤادي ... إلى منْ فيه أمثال البدورِ
محلٌ جلَّ أنْ تعزى إليه ... محلاّتُ الخورنقِ والسّديرِ
وأنشدني أبو العباس أحمد النفيس في دير القصير:
قصرنا على ديرِ القصيرِ ركابنا ... أماسّي قضاها السرور قصارا
محل يريكَ النّيلَ والرّوضَ والمها ... ويدني منَ الرّوضِ البعيدِ مزارا
1 / 46