أحدهما: أنها تضمنت الإجماع. لأن الصحابة كانوا بين عامل وساكت سكوت رضى _ والمسألة قطعية _ فكان إجماعا.
والثاني: أنها وإن لم تتواتر لفظا فقد تواترت معنى. لأنه قد تواتر القدر المشترك، وهو العمل بخبر الواحد، كما لا يخفى. وهذا هو الدليل السمعي على وجوب العمل بالخبر الآحاد. والله أعلم.
(( ولا يؤخذ بأخبار الآحاد في )) مسائل (( الأصول )) أي: مسائل أصول الدين، ومسائل أصول الفقه القطعية، وأصول الشريعة. وذلك لأن هذه الأشياء إنما يؤخذ فيها باليقين، وأخبار الآحاد لا تثمر إلا الظن، وهو مضمحل في محل العلم. ألا ترى أن عائشة ردت خبر تعذيب الميت ببكاء أهله وتلت{ولا تزر وازرة وزر أخرى}. ووافقها على ذلك ابن عباس. ونظائر ذلك كثيرة. ولكن خبر الواحد في مثل هذه الأمور إذا وافق الأدلة القاطعة لا يكذب ناقله، لجواز أن يكون صلى الله عليه وآله وسلم إنما قصره على هذا اكتفآء بالأدلة القاطعة. وذلك كأخبار الآحاد في نفي الرؤية، وما أشبه ذلك.
(( وكذا لا يقبل خبر الآحاد فيما تعم به البلوى علما )) بل يجب أن يرد، ويكذب ناقله.
وذلك (( كخبر الأمامية )) الذي رووه في النص على اثني عشر إماما معينين بأسمائهم وأنسابهم.
(( و)) كذا خبر (( البكرية )) الذي رووه في النص على إمامة أبي بكر .
ومعنى عموم البلوى في العلم: شمول التكليف لجميع المكلفين لو ثبت وروده عن الشارع. فما كان كذلك فإن الآحاد لا يقبل في إثباته، ولزوم التكليف به. بل يرد كما بينا. لأن قبول مثل ذلك يؤدي إلى هدم الشريعة، وتحوير نسخها بناسخ لم تستفض، ومعارضات للقرآن قادحة في إعجازه، وغير ذلك من الجمالات. فما أدى إلى ذلك وجب منعه والله أعلم.
(( و)) أما خبر الواحد (( فيما تعم به البلوى عملا )) فقط لا علما وعملا فإنه مما يجب رده، كمسائل أصول الفقه القطعية، وأصول الشريعة كما ذكرنا.
صفحہ 27