بسم الله الرحمن الرحيم
[مقدمة]
الحمد لله الذي شرح صدورنا بمعرفة أصول الأحكام، الفارقة ما بين الحلال والحرام، المنتزعة من الكتاب العزيز وسنة سيد الأنام، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث بشرائع الإسلام، وعلى آله الطاهرين من الأئمة الأعلام، القائمين بما أتى به على ممر الليالي والأيام، صلاة دائمة متصلة ما طلع صباح وهجم ظلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أنجو بها من الشرك وأدخرها ليوم الزحام، وأن محمدا عبده ورسوله ختام الأنبياء وأي ختام!!
أما بعد: فلما_ كان علم أصول الفقه الذي هو رأس علوم الاجتهاد، التي يهتدي بها إلى محجة الرشاد، وأساسها الذي عليه تبنى وتشاد، من أجل العلوم الدينية قدرا، وأعظمها خطرا، وأدقها سرا، إذ موضوعه أشرف الموضوعات، وغايته أجل الغايات، وكان العلماء رحمهم الله تعالى قد وضعوا فيه المصنفات البسيطة والمختصرات، ولم يألوا جهدا في التحقيق، ولا تركوا مجهودا في التدقيق، وكان من جملتها مختصر الشيخ المحقق، النحرير المدقق، شيخ الإسلام، وعماد الأنام، المعروف في جميع الأزمان، محمد بن يحيى بهران، الموسوم بالكافل بنيل السؤول، في علم الأصول، مختصرا من أجل المختصرات، وأكمل المؤلفات، قد رتبه أحسن ترتيب، وقربه أوجز تقريب، وسلك فيه محجة الإنصاف، وتنكب عن كاهل الإعتساف، تولى مكافأته، وأحسن في الدارين مجازاته _ خطر ببالي أن أجمع عليه ما يجري مجرى الشرح، لتبيين معانيه، وتوضيحها لطالبيه، وأبذل المجهود في توضيحه، وأستفرغ الوسع في تحقيقه وتنقيحه، طالبا من الله الودود الغفور، أن يجعله تجارة لن تبور، وأن ينفع به الطالبين، ويغفر لي يوم الدين، إنه أكرم مسؤول، وأعظم مرجو ومأمول.
صفحہ 1
وسميته: بالكاشف لذوي العقول، عن وجوه معاني الكافل بنيل السؤول.
ومعتمدي في النقل: منهاج الأصول، إلى معيار العقول، وكذلك القسطاس المقبول، وكذلك النهاية، ، شرح منهاج البيضاوي، وغيرها من كتب هذا الفن.
وأنا معترف بقلة البضاعة، وقصور الباع في هذه الصناعة، فمن تيقن فيه فسادا فأصلحه، فأجره على الله. وهآأنا أشرع في المقصود، بعون الملك المعبود.
فأقول وبالله التوفيق، وأسأله الهداية إلى واضح الطريق، وهو حسبي ونعم الوكيل:
اعلم أنها قد جرت عادة كثير من المصنفين أن يذكروا في
مصنفاتهم قبل الشروع في المقصود مقدمة، تتضمن الحد والموضوع والغاية، وبعضهم يزيد على هذه، وبعضهم يقتصر على بعضها، كما فعل المصنف. فإنه اقتصر على الحد.
[تعريف بإصول الفقه]
فقال: (( أصول الفقه هو علم بأصول، يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية، عن أدلتها التفصيلية )).
اعلم أن أصول الفقه في الأصل: لفظ مركب من مضاف ومضاف إليه، ومعناه حينئذ الأدلة المنسوبة إلى الفقه، ثم نقل عن معناه الإضافي وجعل لقبا. أي: علما لفن خاص. من غير نظر إلى آخر. وهو يشعر بأبناء الفقه في الدين عليه، فهو يشعر بالمدح، فإذا تقرر ذلك فلأصول الفقه حدان: حد باعتبار العلمية، وحد باعتبار الإضافية.
أما حده باعتبار العلمية فهو: ما ذكره المصنف.
قوله: (( علم )) جنس الحد، وستأتي حقيقته.
وقوله: (( بأصول )) هي: جمع أصل، والأصل والقاعدة والضابط بمعنى واحد .والمراد بها هنا: صور كلية تنطبق على جزئيات، تتعرف أحكامها منها. كما يقال: الأمر للوجوب.فهذا ينطبق على جزئيات كثيرة ك{ أقيموا الصلاة}{ وآتوا الزكاة}{ وأتموا الصيام إلى الليل} ونحوها من صيغ الأمر.
وكما يقال في القياس مثلا: كل فرع شارك أصلا في علة حكمه، فإنه يجب إلحاقه به. ونحو ذلك.
صفحہ 2
وقوله: (( يتوصل بها )) أي: بتلك الأصول، فيه دليل على أن هذا العلم إنما هو وصلة إلى غيره، وليس مقصودا بالذات.
وقوله: (( إلى استنباط الأحكام )) أي: استخراجها عن أدلتها. والإستنباط: الإستخراج. قال تعالى: {لعلمه الذين يستنبطونه منهم}.أي: يستخرجونه مما علموه من الأدلة.
(( والأحكام )): جمع حكم، وهي النسب التآمة. كقولنا: الحج واجب، والوتر مندوب، ونحوه. واحترز به عما ليس كذلك .
وقوله: (( الشرعية )) أي: المأخوذة من الشرع. واحترز به من العقلية كالتماثل والاختلاف.
وقوله: (( الفرعية )) أي: التي يتعلق بها كيفية عمل. واحترز به عن الأصلية وهي التي لا يتعلق بها كيفية عمل.
وقوله: (( عن أدلتها التفصيلية )) . متعلق بالإستنباط، واحترز به عن الإجمالية، كمطلق الكتاب والسنة، فلا يستند في إباحة البيع مثلا، إلى كون الكتاب قاطعا يجب العمل به، بل إلى قوله تعالى: { وأحل الله البيع }. فالحكم إنما يستخرج من الدليل التفصيلي، لا الإجمالي كما بينا . فهذا حد أصول الفقه باعتبار كونه علما .
وأما حده باعتبار الإضافة _ وإنما أخرناه لأن المقصود الأهم هنا هو
العلمي، وأما الإضافي فهو وإن كان متقدما وجودا، فهو مذكور هنا تبعا -
فالأصل في اللغة: ما يبتنى عليه غيره، من جامد أو نام.
قيل: وأكثر ما يستعمل في الناميات كأصل الشجرة . وأما الجمادات فيقال: فيها أساس .
وفي الاصطلاح: يطلق على معان ستة منها:
1_ الدليل .كما يقال: الأصل في هذه المسألة الكتاب والسنة . ومنه أصول الفقه أي: أدلته .
2_ ومنها: الرجحان .كما يقال: الأصل في الكلام الحقيقة. أي: الراجح عند السامع. لا المجاز .
3_ ومنها: القاعدة المطردة . كما يقال: إباحة الميتة للمضطرعلى خلاف الأصل .
صفحہ 3
4_ ومنها: الصورة المقيس عليها . كما يقال: هذا أصل، وهذا فرع . أي: هذا مقيس، وهذا مقيس عليه .
5_ ومنها: مذهب العالم . كما يقال بنى فلان في هذه المسألة على أصله. أي: على مذهبه .
والفقه في اللغة: الفهم لما فيه غموض. قال الله تعالى: { ولكن لا تفقهون تسبيحهم }. { فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا}. {مانفقه كثيرا مما تقول }. ولا يقال: فقهت قولك: السماء علوية، والكواكب مضيئة . لعدم غموضه .
وفي الاصطلاح: العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية . فقولنا: العلم .جنس الحد، دخل فيه سائر العلوم.
وقولنا: بالأحكام .احتراز عن العلم بالذوات، والصفات، والأفعال .
وقولنا: الشرعية .احتراز من العلم بالأحكام العقلية، كالعلم بأن الواحد نصف الإثنين، وأن الكل أعظم من الجزء .
وقولنا: العملية .احتراز من العلمية، كالعلم بأن الإله واحد سميع بصير.
وقولنا: عن أدلتها التفصيلية .احتراز من علم الله تعالى بالأحكام، فليس مستندا إلى دليل، بل هو عالم بهما معا، غير مستفيد أحدهما من الآخر . وكذا يخرج علم المقلد العامي، إذ ليس عن دليل تفصيلي، لأن المقلد إذا علم أن هذا الحكم أفتى به المفتي، وعلم أن ما أفتى به المفتي هو حق، علم بالضرورة أن هذا حق .فهذا علم لحكم شرعي، لا عن دليل تفصيلي، بل إجمالي كما ترى . والله أعلم بالصواب .
وأما موضوع هذا العلم فهو: الأدلة السمعية، لأنه يبحث فيه عن أعراضها الذاتية.
وأما غايته والغرض منه فهو: العلم بأحكام الله تعالى .
(( وينحصر )) المقصود من هذا الكتاب (( في عشرة أبواب )) انحصار الكل في الأجزاء . إذ أصول الفقه مجموع هذه العشرة الأبواب، وليس كل واحد منها يسمى أصول فقه، فلا يقال لباب الأمر والنهي مثلا: أصول فقه. فليس من انحصار الكلي في الجزئيات.
وإنما انحصر في عشرة أبواب، لأن أصول الفقه كما عرفت هو: العلم بالأصول التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية. وهو لا يحصل إلا بمعرفة هذه العشرة الأبواب.
صفحہ 4
هذا: وأما الحصر العقلي في عدد هذه الأبواب، فأمر متعسر بل
متعذر. كيف لا وهو أمر للإصطلاح والمواضعة فيه مدخل!!!
(( الباب الأول [في الأحكام الشرعية وتوابعها]))
(( من أبوب الكتاب في )) بيان (( الأحكام الشرعية و)) في بيان (( توابعها )) من الصحة والبطلان والفساد والجواز، والأداء والقضاء والإعادة، والرخصة والعزيمة.
فالأحكام الشرعية (( هي الوجوب، والحرمة، والندب، والكراهة، والإباحة )).(( وتعرف )) هذه الأحكام (( بمتعلقاتها )) وهي الأفعال الاختيارية الحقيقة الشرعية.
فالواجب في اللغة: الثبوت، والسقوط. قال تعالى {فإذا وجبت جنوبها }أي: سقطت. ويقال:وجب الأمر، إذا ثبت.
وفي الإصطلاح: (( هو ما يستحق ))أي: الذي يستحق المكلف
(( الثواب بفعله )).يخرج الحرام والمكروه.
(( والعقاب بتركه )). يخرج المندوب، والمباح، والمكروه _ ولو كان ذلك في بعض الأوقات _ فيدخل فيه: كل واجب، معينا كان أو مخيرا، فإن تاركه يستحق العقاب إذا ترك معه الآخر. وكذا فرض الكفاية فإن تاركه يستحق العقاب إذا لم يقم به غيره في ظنه.
(( والحرام، ويرادفه القبيح )) في عرف اللغة، واصطلاح العلماء (( بالعكس )) اللغوي. أي: مايستحق الثواب بتركه. يخرج الواجب والمندوب والمباح، والعقاب بفعله. يخرج المكروه.
ويقال لما عرف منه شرعا: المحظور. وعقلا: القبيح. فيدخل كل قبيح ولو قبح في حال دون حال، كأكل الميتة.
(( والمندوب )) في اللغة: المدعو إليه. يقال: ندبته لكذا فانتدب، أي: دعوته فأجاب . وسمي أتنفل بذلك لدعاء الشارع إليه.
وفي الاصطلاح: (( ما يستحق الثواب بفعله )) .يخرج الحرام والمكروه والمباح.
(( ولا )) يستحق (( عقاب في تركه )). يخرج الواجب.
(( والمكروه بالعكس )) اللغوي، وهو: ما يستحق الثواب بتركه، يخرج الواجب والمندوب والمباح، ولا يستحق عقاب في فعله، يخرج الحرام.
صفحہ 5
وقد يطلق على الحرام، وعلى ترك الأولى، كالمندوبات.
(( والمباح )) في اللغة: الموسع فيه.
وفي الاصطلاح: (( مالا ثواب ولا عقاب في فعله ولا تركه )). تخرج الأربعة المتقدمة، لأن الواجب والمندوب في فعلهما ثواب، والمكروه والحرام في تركهما ثواب، وقد يسمى حلالا.
(( والفرض والواجب مترادفان )) على المختار. بمعنى: أن كل واحد منهما يطلق على ما يطلق عليه الآخر.
(( خلافا )) للناصر عليه السلام و(( للحنفية )). فليسا مترادفين عندهم، بل الفرض: ما دليل وجوبه قطعي، مثل الكتاب والسنة المتواترة، وذلك كالصلوات الخمس، فما كان كذلك، فإنه يسمى فرضا، ويفسق تاركه، ويكفر مستحله، ويقضى.
والواجب: ما دليله ظني. كخبر الواحد، والقياس الظني، وذلك كالوتر عندهم، وما كان كذلك فلا يثبت فيه ما تقدم.
قلنا: إن ادعوا أن التفرقة لغوية أو شرعية، فليس في اللغة ولا في الشرع ما يقتضيها. وإن كانت اصطلاحية، فلا مشآحة في الاصطلاح.
قيل: والخلاف لفظي.
صفحہ 6
[ أقسام الواجب ]
(( وينقسم الواجب )) إلى أقسام:
(أ)_ 1_ منها: بحسب فاعله (( إلى فرض عين )). وهو: ما وجوبه على جميع المكلفين، ولا يسقط بفعل البعض، كالصلوات الخمس.
2_ (( وفرض كفاية )). وهو: ما وجب على الجميع، ويسقط بفعل البعض، كصلاة الجنازة والجهاد.
(ب)_1_ (( و))منها بحسب نفسه: (( إلى معين )). وهو: مالا يقوم غيره مقامه كالصلوات أيضا.
2_ (( ومخير )). وهو: ما يقوم غيره مقامه كخصال الكفارة .
(ج)_ (( و))منها: بحسب نفسه أيضا:
1_ (( إلى مطلق )). وهو: مالا وقت له معين، وإنما وقته حال حصوله، كالزكاة للخضراوات مثلا، فإنه لا وقت لها معين، وإنما تجب حال الحصاد والله أعلم.
2_ (( ومؤقت )). وهو: ماله وقت معين، كالصوم، والصلاة، والحج، ونحوها.
(د)_ (( والمؤقت )) ينقسم بحسب وقته:
1_ (( إلى مضيق )). أي: إلى ما وقته مضيق، وهو الذي لا يتسع إلا للفعل فقط، كوقت الصوم، ويسمى هذا الواجب المضيق.
صفحہ 6
2_ (( وموسع )) أي: إلى ما وقته موسع، وهو ما يتسع لفعل الواجب وزيادة، كأوقات الصلاة، وهذا هو الواجب الموسع ، وقد يكون وقته العمر، كالحج مثلا.
(( والمندوب والمستحب مترادفان )) ويراد فهما أيضا التطوع، والمرغب فيه.
(( والمسنون أخص منهما )). لأن المسنون ما أمر به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم _ ندبا _ وناضب عليه، كالرواتب للفرائض. والمندوب ونحوه: بخلافه. وهو: ما أمر به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم _ ندبا _ ولم يوضب عليه.
فكل مسنون مندوب، ولا عكس. فالمندوب أعم لوجوده بدون المسنون.
هذا واعلم: أن المسنون والمندوب ونحوه لا يأثم معتاد تركهما لغير استهانة، ولا يفسق على الأصح، ويندب قضاؤهما.
فهذه هي: الأحكام الخمسة.
وأما توابعها فقد أوضحها بقوله:
(( والصحيح )) هو (( ما وافق أمر الشارع )).
اعلم: أن لفظ الصحة والبطلان تستعمل تارة في العبادة، وتارة في المعاملة.
أما في العبادة فالصحة: موافقة أمر الشارع.
والصحيح هو: ما وافق أمر الشارع. أي: ما كملت فيه الشروط التي اعتبرها الشارع، كالصلاة بالطهارة.
وأما في المعاملات فهي: ترتب الأثر المطلوب منها عليها، كحصول الملك، وحل الانتفاع في البيع، ومنفعة البضع في النكاح.
(( والباطل نقيضه )). أي: نقيض الصحيح في العبادات والمعاملات. فالبطلان في العبادة: عدم موافقة أمر الشارع.
والباطل: ما لم يوافق أمر الشارع، كصلاة من دون طهارة.
وفي المعاملة: عدم ترتب الأثر المطلوب منها عليها، كبيع الملاقي _ وهي ما في بطون الأمهات _ فإنه باطل لعدم ذكر البيع.
وتفسير الباطل في العبادة: يصلح تفسيرا له في المعاملة، والعكس والله أعلم.
(( والفاسد )) من العبادات والمعاملات (( المشروع بأصله، الممنوع وصفه )) .
أما في العبادات فكصوم الأيام المنهي عن صومها، فإن الأصل وهو الصوم مشروع، ولكن الوصف وهو كونه في تلك الأيام منعه.
صفحہ 7
وأما في المعاملات فكبيع الدرهم بالدرهمين، فإن أصله وهو البيع مشروع، بدليل {وأحل الله البيع}.
ولكن الوصف وهو اشتمال أحد الجانبين على الزيادة فيما لا بد فيه من علم التساوي منعه.
(( وقيل )) _ والقائل الشافعي ومالك وغيرهما _ بل الفاسد:
(( مرادف الباطل )). فيفسر بما يفسر به الباطل.
فإن قلت : ما أثر الفرق بين الفاسد والباطل عند من لم يجعلهما مترادفين؟!
قلت: أما المعاملات كالبيع والنكاح، فأثره أن الفاسد يجوز الدخول فيه، وحكمه حكم الصحيح، إلا في أمور مذكورة في مواضعها، بخلاف الباطل.
وأما في العبادات ففي الصلاة والصوم لا يظهر له أثر، وأما الحج فيظهر، فالفاسد: ما فسد بالوطء قبل التحليل بالرمي وقبل مضي وقته. فيلزم فيه الإتمام والقضاء، بخلاف الباطل.
قيل: ومن قال بالترادف إنما يقول به في الصلاة والبيع دون سائر العبادات والمعاملات.
(( والجائز يطلق على ))أربعة معان:
أحدها: (( المباح )) .وقد مر حده. وذلك كما يقال التزين بثياب الزينة جائز أي: مباح.
(( و)) ثانيها: أنه يطلق (( على: الممكن ))أي: مالا مانع عنه - عقلا _نحو أن يقال: كون جبريل في الأرض جائز، أي: لا مانع منه في العقل. أو _ شرعا _ نحو أن يقال: الأكل بالشمال جائز، أي: لا يمتنع شرعا.
(( و)) ثالثهما: أنه يطلق (( على: ما استوى فعله وتركه - عقلا _)). كفعل الصبي.
وكذلك _ شرعا - كالمباح. وهذا القسم أعم من المباح، فلا يقال: أنه هو!!
(( و)) رابعها أن يطلق على: (( المشكوك فيه )). وهو: الذي تعارضت فيه أمارها الثبوت والانتفاء، أمارة تقتضي ثبوته، وأخرى تقتضي نفيه، في العقل والشرع .
مثاله في العقل: ما يقول المتوقفون في أصل الأشياء: هل على الخطر أم على الإباحة؟!
فإن المتوقف في ذلك يصفه بأنه جائز الأمرين. أي: الحظر وعدمه، لاستوائهما عند تعارض دليلهما.
صفحہ 8
ومثاله في الشرع: ما يقوله المتوقف في حكم لحم الأرنب، ووجوب صلاة العيد، لتعارض إمارتي الأمرين جميعا.
فذلك كله صحيح بالاعتبارين: اعتبار الامتناع، والجواز، لتعارض دليلي الصحة، والامتناع. وباعتبار: الوقوع وعدمه. لتعارض إمارتيهما. فيوصف بأنها جائز لهذين الاعتبارين.
فهذه هي المعاني التي تعبر بلفظ الجائز عنها في لسان العلماء.
(( والأداء ما فعل _ أولا _ في وقته المقدر شرعا )).
قوله: (( ما فعل )) جنس الحد، يدخل: الأداء وغيره، كالقضاء والإعادة.
وقوله: (( أولا )) تخرج: الإعادة لأنه فعل ثانيا لا أولا.
وقوله: (( في وقته المقدر له )) يخرج: القضاء لأنه فعل بعد الوقت، ويخرج أيضا: ما لم يقدر له وقت كالنوافل المطلقة.
وقوله: (( شرعا )) يخرج: ما فعل أولا في وقته المقدر له، لكن عقلا لا شرعا، كقضاء الدين عند المطالبة، فإنه فعل في وقته المقدر له، وهو ما يتسع له بعد المطالبة، لكن ذلك التقدير ليس بالشرع، بل بالعقل. فأن قلت: إذا فعل ركعة من الفرض في الوقت وأتم بعد خروجه، هل ذلك أداء أم قضاء؟!
قلت: بل أداء . لأن الوقت المقدر للفرض هو: إلى بقية تسع ركعة كاملة . فما فعله في ذلك الوقت فهو أداء، فقد دخل ذلك في قوله: المقدر له. فتأمل!
(( والقضاء ما فعل بعد وقت الأداء )). وهو المقدر له أولا شرعا. يخرج الأداء والإعادة، (( استدراكا لما سبق له وجوب مطلقا )). قوله: استدراكا. يخرج ما ليس كذلك، كالصلاة مثلا إذا أداها في وقتها، ثم أعادها في الوقت لإقامة الجماعة، أو أداها خارج الوقت قضاء، ثم أعادها لجماعة، فإنه لا يكون فعله الثاني قضاء، لأنه ليس باستدراك، كما لا يكون أداء أو إعادة، لأنه ليس في الوقت.
وقوله: لما سبق له وجوب. تخرج النوافل إذا فعلت بعد وقتها، فإن فعلها لا يسمى قضاء إلا تجوزا، إذ لم يسبق لها وجوب.
صفحہ 9
وقوله: مطلقا. قيد للوجوب، أي: سواء كان على القاضي أم على غيره، فيدخل في ذلك قضاء الحائض للصوم، لأنه وأن لم يسبق له وجوب عليها، فقد وجب على غيرها .
وقيل: بل على القاضي فقط. فيخرج قضاء الحائض للصوم إذ لم يسبق له وجوب عليها.
ثم لا فرق بين تأخيره عن وقت الأداء سهوا أو عمدا، مع التمكن من فعله أولا، ومع عدم التمكن لمانع من الوجوب شرعا كالحيض، أو عقلا كالنوم.
فإن قلت: إذا مات الميت فحجج عنه وصيه هل يكون أداء أو قضاء؟! قلت: ذكر بعضهم أن ذلك قضاء، لأنه فعل بعد الوقت المقدر له، لأن وقته المقدر له هو عمر المكلف، فوقوعه من الوصي هو بعد وقته الموسع. فتأمل والله أعلم.
(( والإعادة ما فعل ثانيا في وقت الأداء لخلل في الأول )).
قوله: ثانيا . يخرج الأداء. وقوله: في وقت الأداء. يخرج القضاء. وقوله: لخلل في الأول. يخرج ما ليس كذلك، كالمنفرد إذا صلى ثانية مع الجماعة.
وقيل: لعذر. فيدخل المنفرد إذا صلى ثانيا فيه مع الجماعة، لأن طلب الفضيلة عذر.
(( والرخصة ))من الفعل والترك (( ما شرع )) للمكلف فعله أو تركه، (( لعذر )) وهو ما يطرأ على المكلف، فيمنع حرمة الفعل أو الترك الذي حرمه الدليل. (( مع بقاء مقتضى التحريم )). وهو دليل الحرمة لو لا ذلك العذر. فالفعل: نحو أكل الميتة للمضطر، والترك: كالفطر في السفر، والقصر فيه عند بعضهم.
(( والعزيمة بخلافها )) وهو ما شرع من الأحكام لا لعذر مع قيام المحرم لو لا العذر.
واعلم أنه لا ينحصر الحكم في العزيمة والرخصة، إذ لا يدخل المندوب والمباح والمكروه في العزيمة، إذ لا رخصة فيها.
ولا يوصف الفعل: بالعزيمة ما لم تقع في مقابله الرخصة. فتأمل!
صفحہ 10
((الباب الثاني [في الأدلة]))
من أبواب الكتاب (( في الأدلة )) والأماران، وشروطها وكيفية الأخذ بها.
(( الدليل )) له معنيان، لغوي واصطلاحي.
أما اللغوي فهو: أنه يطلق على المرشد.
والمرشد له معنيان:
الأول: الناصب لما يسترشد به من الأدلة، قولا أو فعلا. فالباري تعالى يوصف بأنه دليل، لأنه مرشد أي: ناصب للدلالة العقلية والسمعية. والثاني: الذاكر له.
وكذا يطلق أيضا الدليل في اللغة على: ما به الإرشاد، كالأعلام التي تنصب في المفاوز لتعرف بها الطرق، وكذا مخلوقات الباري تعالى، إذ يحصل بها الإرشاد إلى وجوده تعالى.
وأما الاصطلاحي: فحقيقة الدليل في الاصطلاح (( ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى العلم بالغير )) وهو المدلول.
وإنما قال: ما يمكن، دون: ما يتوصل، تنبيها على أن الدليل من حيث هو دليل لا يعتبر فيه التوصل بالفعل، بل يكفي إمكانه.
والنظر هو: الفكر. وهو ترتيب أمور معلومة للتأذي إلى مجهول. كما يقال في الاستدلال على حدوث العالم _ بعد العلم بأنه متغير، وأن كل متغير حادث _: العالم متغير، وكل متغير حادث، فيؤدي هذا الترتيب إلى مجهول، وهو كون العالم حادثا.
وقوله: بصحيح النظر.لأنه لا يمكن التوصل إلى المطلوب بالنظر الفاسد.
إما صورة: بأن لا يكمل فيه شرائط المقدمتين.
وإما مادة: كما في قولنا: العالم بسيط، وكل بسيط له صانع.فصورة هذا الدليل صحيحة، ولكن مادته فاسدة. إذ ليس البساطة مما ينتقل الذهن منه إلى ثبوت الصانع، وإنما ينتقل إلى الثبوت والحدوث من الحدوث.وإن كان قد يفضي إلى المطلوب، لكن اتفاقي لا ذاتي.
وقوله: إلى العلم. لتخرج الأمارة، لأن التوصل بها إلى الظن فقط.ولذا قال: (( فأما ما يحصل عنده الظن فأمارة ))لا دليل.
وهي: ما يلزم من حصوله حصول غيره، لزوما عاديا لا ذاتيا، كان صداع الجدار، فإنه أمارة لا انهدامه.
وقد يقال في حقيقتها على انفرادها: ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى الظن بالغير.
(( وقد تسمى )) الأمارة (( دليلا توسعا )) وتجوزا.
ومنهم من لم يفرق بينهما ويقول في حقيقتهما: ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى المطلوب.
صفحہ 11
(( والعلم )) قد يطلق في المشهور على معان:
أحدها: مطلق الإدراك الذي يعم التصور _ وهو ما يحصل بالمعرف _ والتصديق _ وهو ما يحصل بالبرهان _ إما مطلقا، أو مقيدا بكونه يقينيا.
وثانيها: مطلق التصديق، الذي يساوي اليقيني من الأحكام.
وثالثها: التصديق اليقيني الذي (( هو )) عبارة عن (( المعنى المقتضي لسكون النفس إلى أن متعلقه كما اعتقده )) وهذا المعنى الثالث: هو المقصود بالعلم في تعريف الدليل، لأن المقصود منه: هو البرهان اليقيني، بقرينة ذكر الأمارة معه.
(( وهو )) أي: العلم نوعان:
(( ضروري )) يحصل بلا طلب واكتساب
(( واستدلالي ))لا يحصل إلا بهما.
وانقسامه إليهما: ضروري لا يحتاج إلى دليل، بدليل أن العاقل يجد من نفسه أنه يحتاج في بعضه إلى نظر، كالعلم بحدوث العالم، ولا يحتاج في بعض منه إلى نظر، كالعلم بأن النفي والإثبات لا يجتمعان ولا يرتفعان، وبأن الكل أعظم من الجزء.
(( فالضروري )) من العلم (( مالا ينتفي )) لا (( بشك ولا شبهة )) كالعلم بأن النفي والإثبات لا يجتمعان ولا يرتفعان
(( والإستدلالي مقابله )) وهو: ما ينتفي بشك أو شبهة، فيحتاج إلى دليل كالعلم بأن العلم حادث.ولهذا خالف فيه كثير من العقلاء واحتاج إلى دليل قاطع.
صفحہ 12
(( والظن تجويز راجح )) قوله: تجويز. يخرج العلم. وقوله: راجح. يخرج الوهم والشك.
(( والوهم تجويز مرجوح )) قوله: تجويز. يخرج العلم.وقوله: مرجوح. يخرج الظن والشك.
(( واستواء التجويزين )) أي: لا ترجيح لأحدهما على الأخر
(( شك )). (( والإعتقاد: هو الجزم بالشيء )).خرج الظن والوهم والشك. (( من دون سكون النفس )). خرج العلم.
(( فإن طابق )) الواقع (( فصحيح ))كاعتقاد أن الله تعالى لا يفعل القبيح. (( وإن لا )) يطابق الواقع (( ففاسد ))كاعتقاد أن الله تعالى لا يفعل القبيح، تعالى عن ذلك.
(( و))الإعتقاد الفاسد (( هو الجهل المركب )). لأنه اعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه.
(( وقد يطلق )) الجهل (( على عدم العلم )) وهو المسمى بالبسيط.
وأما السهو والنسيان: فهما يخالفان الجهل، لأن السهو عدم ملكة العلم بعد حصوله، فمعناه أنه لا يصير العلم ملكة للنفس. والنسيان مثله.
وقد يفرق بينهما بأن السهو: زوال الصورة عن القوة المدركة، مع تحققه في الحافظة. والنسيان: زوالها عن المدركة والحافظة جميعا. والله أعلم.
ولما فرغ من تعريف الدليل والأمارة، شرع في بيان الأدلة الشرعية فقال :
صفحہ 13
[الدليل الأول القرآن]
[الأدلة الشرعية]
( فصل )
(( والأدلة الشرعية أربعة وهي:
1_ (( الكتاب )) العزيز.
2_(( والسنة )) النبوية.
3_ (( والإجماع )) . من الأمة أو من أهل البيت عليهم السلام.
4_ (( والقياس )) .
ووجه الانحصار أن يقال:
الدليل إما: وحي، أو غيره. والوحي إما: متلو وهو القرآن. أولا. وهو السنة.
وغير الوحي: إن كان قولا لكل الأمة فهو الإجماع. وإن كان مشاركة فرع لأصل في علة الحكم فهو القياس.
وسيأتي بيان الجميع إن شاء الله تعالى.
(( فالكتاب القرآن )).
غلب عليه من بين سائر الكتب المنزلة في عرف الشرع، كما غلب على كتاب سيبويه في عرف أهل العربية. وسمي قرآنا. لأنه يجمع ويقرن بعضه ببعض.
وهو الكلام(( المنزل على قلب نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم للإعجاز بسورة منه )).فالكلام: جنس الحد. وقوله: المنزل. يخرج كلام البشر، فإنه لم ينزل. وقوله: للإعجاز. يخرج ما نزل لا للإعجاز، كسائر الكتب السماوية، كالتوراة والإنجيل وكالسنة النبوية.
صفحہ 13
والمراد بالإعجاز: قصد إظهار صدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعوى الرسالة بفعل خارق للعادة. وقوله: بسورة منه. بيان لقدر ما به الإعجاز. إذ لا يحصل بالآية والآيتين .
والمراد بالسورة: الطائفة المترجمة _ توقيفا _ المسماة باسم خاص.وأقلها: ثلاث آيات، فبكوثر مثلا، وهذا على القول بأن البسملة ليست بآية. فتأمل!
ومن في قوله: منه. للتبعيض. والضمير راجع إلى القرآن.
وإنما قلنا في تعريف السورة : الطائفة... إلى آخره. ولم نقل البعض المترجم أوله وآخره. لأن الآية أيضا كذلك، إذ لا معنى للمترجم أوله وآخره إلا المبين. ولا يتبين أول الآية وآخرها إلا بالتوقيف.
فإن قلت: ما وجه الإعجاز في القرآن؟
قلت: اختلف فيه على ستة أقوال:
الأول: أنه أمر من جنس البلاغة والفصاحة، كما يجده أرباب الذوق .
الثاني: أنه الصرف. وهو أن الله سبحانه وتعالى صرف دواعي العرب عن معارضته، مع قدرتهم عليها.
الثالث: أن وجه الإعجاز: وروده على أسلوب مبان لأساليب كلامهم في خطبهم وأشعارهم، لا سيما في مطالع السور ومقاطع الآي، مثل: {يؤمنون}{ يفقهون}{ يعلمون}، ومثل: {حم} {طش} وما أشبه ذلك .
الرابع : أنه في سلامته مع طوله جدا عن التناقض .
الخامس : أنه اشتماله على الغيوب.
السادس: أنه كون قارئه لا يكل وسامعه لا يمل.
فهذه هي وجوه الإعجاز في القرآن على الخلاف .
صفحہ 13
والأول: هو الذي اعتمده الجمهور. ووجه الحكمة في أنه جعل وجه الإعجاز: أنه إذا أتى بما يخرق العادة فيما يتعاطاه المخاطبون به ويدعون الصناعة فيه، علموا عجزهم عنه. ولم يكن لأحد أن يقول: لو كنت من أهل هذه الصناعة لأتيت بمثل ما أتى به .
ورد الثاني: بأنه يخرج القرآن عن كونه معجزا. والإجماع على خلافه. وأيضا كأن يكون غير البليغ أدخل في الإعجاز.
ورد الثالث: بأن أكثر أسلوبه يشابه أساليب الكلام، لا سيما المنثور والخطب والرسائل. وأيضا لو كان اختصاصه بأسلوب لكان التحدي بذلك لا يقع لعدم اعتيادهم له.
ورد الرابع: بأن الله تعالى إنما تحداهم بأن يأتوا بما يساويه في الفصاحة والبلاغة فقط.
ورد الخامس: بأن ذلك لا يشمل القرآن. والتحدي واقع بكله، بدليل {من مثله}، وأيضا كثير من الكتب المتقدمة فيه ذلك، وليس بمعجز.
ورد السادس: بأن للخصم أن يقول: إنما لذ لكم لاعتقادكم صحته، والإيمان به، وحصول الثواب عليه.
فثبت أن وجه الإعجاز: هو الفصاحة لاستقلالها بذلك.
نعم. ولا يقدح هذا الاختلاف في وجه الإعجاز في: إعجازه. لأنه قد اتفق على الحكم وهو: الإعجاز . فلا يضر الاختلاف في علته. بل لا يضر الجهل بها والله أعلم.
واعلم: أن التعريف المتقدم للقرآن والسورة لفظي، بالنسبة إلى من يعرف الإعجاز والسورة. فهو تعريف لهما بأي: راد لفظ أشهر، يزيل الشبه، وليس تعريفا باللازم البين، إذ لا يخفى أن كون القرآن للإعجاز مما لا يعرف مفهومه ولزومه إلا أفراد من العلماء، فلا يكون بينا. كذا ذكره بعض المحققين والله أعلم.
صفحہ 14
(( وشرطه )) أي: شرط كونه قرآنا (( التواتر )) اللفظي. وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
ولا خلاف في ذلك في جملة القرآن. وأما القرآءآت المروية، فسيأتي الخلاف فيها.
(( فما نقل )) من القرآن حال كونه(( آحاديا فليس بقرآن )).
وإنما اشترط ذلك(( للقطع بأن العادة تقضي بالتواتر في تفاصيل مثله )) أي: هو وما كان مثله، مما تتوفر الدواعي إلى نقله، وذلك لما تضمنه من الإعجاز الدال على صدق المبلغ . ولأنه أصل سائر الأحكام. والعادة تقضي بوجوب التواتر في تفاصيل ما كان كذلك. حتى يحصل العلم اليقين بثبوته. فما نقل غير متواتر علم: أنه ليس بقرآن _ قطعا _.
وبهذا الطريق يعلم أن القرآن لم يعارض
(( و))إذا تقرر وعلم أن القرآن شرطه التواتر علم: أنها(( تحرم القراءة )) للقرآن (( ب )) القرآءآت (( الشوآذ )). لأنها ليست بقرآن كما تقرر.
(( و)) الشواذ (( هي ما عدى السبع )) القرآءآت التي هي قرآءة:
1_ نافع.
2_ وأبي عمر وبن العلا النحوي.
4_ فبكسائي.
5_ وابن كثير.
6_ وابن عامر.
7_ وعاصم.
7_ وحمزة.
وأما هذه فمتواترة قطعا. على الصحيح، ومن فتش وجد عدد الرواة لها بالغا حد التواتر.
وقال البغي: بل الشاذة ما عدى العشر القرآءآت. وهي: السبع المتقدمة، وقراءة:
8_ أبي يعقوب الحضرمي.
9_ وأبي معشر الطبري.
صفحہ 15
10_ وأبي بن خلف البراز.
وقيل: بل القرآءآت كلها آحادية. والصحيح هو الأول لما تقرر من أن شرط القرآن التواتر وهي الطريق إليه.
(( و)) الشاذة: مثل قراءة ابن مسعود {فصيام ثلاثة أيام متتابعات}
(( هي كأخبار الآحاد في وجوب العمل بها )). فيجب التتابع لذلك. لأن عدالة الراوي توجب قبول ما رواه. فيتعين كونها قرآنا أو خبرا آحادا، وقد بطل باشتراط التواتر كونها قرآنا، فتعين كونها خبرا آحاديا. فتقبل كما يقبل الخبر الآحاد، إذا تكاملت شروطه. فيجب العمل بها ولا يجب العلم بكونها قرآنا.
(( والبسملة )) بعض أي: ة في سورة النمل باتفاق و(( آية )) كاملة
(( من أول كل سورة )) من القرآن، من الفاتحة وغيرها(( على الصحيح )).
لأن منهم من ذهب إلى: أنها أي: ة من سورة الفاتحة فقط. وأثبتت في غيرها للتبرك.
ومنهم من قال: بل هي للتبرك في جميع القرآن، وليست منه. والصحيح: هو الأول. لما ثبت من أنها مكتوبة بخط المصحف، مع المبالغة منهم بتجريد القرآن من غيره، حتى لم يثبتوا آمين. ومنع قوم العجم. وهذا دليل قطعي. لأن العادة تقضي في مثله بعدم الاتفاق. فكان لا يكتبها بعض، أو ينكر على كاتبها.
وأيضا قال ابن عباس رضي الله عنه: من تركها فقد ترك مائة وثلاث عشرة آية من كتاب الله تعالى.
وقال أيضا: سرق الشيطان من الناس آية. لما ترك بعضهم البسملة.
واعلم أن في القرآن محكما ومتشابها، قال الله تعالى: {منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات}. قوله: هن أم الكتاب. أي: المحكمات. أصل الكتاب بمعنى: أن المتشابه يرد إليها.
(( والمحكم )) في اللغة: المتقن. لأن الإحكام الإتقان، فالقرآن بهذا المعنى كله محكم. لإتقانه في حسن نظمه وترتيبه، وفي البلاغة والفصاحة.
وفي الاصطلاح: (( ما اتضح معناه )) فلم يخف.
صفحہ 16
(( والمتشابه )) في اللغة: ما يشبه بعضه بعضا. وبهذا المعنى يكون القرآن كله متشابها. لأنه يشبه بعضه بعضا في الفصاحة والبلاغة والإتقان، وفي تصديق بعضه بعضا. ويدل عليه قوله تعالى: { نزل أحسن الحديث كتابا متشابها}.أي: يشبه بعضه بعضا.
وفي الاصطلاح: (( مقابله )). أي: مقابل المحكم. وهو ما خفي معناه فلم يتضح. بل احتمل وجوها .
وظاهر هذا أن القرآن منحصر في النوعين. وأن المجمل داخل في المتشابه.
وقد قيل: إن المجمل غير داخل فيهما. إذ لا يعرف ما المراد به حتى يعلم مطابقته لمقتضى العقل أولا.
فتكون حقيقة المحكم حينئذ ما لم يرد به خلاف ظاهره. والمتشابه مقابله. فيكون المجمل قسما ثالثا.
قيل: والظاهر الانحصار في القسمين. والله أعلم.
وسمي المتشابه: متشابها. لأن ظاهره يشبه الحق _ لصدوره من عدل حكيم _ والباطل لمخالفته مقتضى العقل.
مثال المحكم: {لا تدركه الأبصار}{ وليس كمثله شيء} فهذا معناه: متضح.
ومثال المتشابه: {إلى ربها ناظرة}، {الرحمن على العرش استوى} فهذا معناه: غير متضح. فيحتاج إلى أن يرجع إلى غيره، وهو المحكم، ليعرف معناه. قال ابن الحاجب: ويعلم الراسخون تأويله. والراسخ هو: المجتهد العدل الثابت العقيدة.
(( وليس في القرآن ما لا معنى له)). بل معانيه واضحة مستقيمة بينة لا تخفى.
إما حقيقية، أو مجازية، لغوية، أو شرعية، أو عرفية.
ويصح معرفة جميعها لكل واحد من المكلفين. وإلا انتقض الغرض بالخطاب - أعني _ فهم المعنى. وصار كخطاب العربي بالعجمية، وبالعكس، وذلك لا يليق بالحكيم تعالى.
(( خلافا للحشية ))فإنهم قالوا في أوائل السور التي من الحروف المقطعة مثل: {حم} {طس} {آلم}: لا معنى لها.بل هي مثل: حادث، ونحوه من المهملات.
صفحہ 17