(فصل)والدليل الثاني: السنة.
وهي في اللغة: العادة والطريقة. قال تعالى: {قد خلت من قبلكم سنن }.أي: طرق.
وفي الاصطلاح: تطلق على ما يقابل الفرض من العبادات، وعلى ما صدر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الأفعال، والتقريرات، والأقوال، التي ليست للأعجاز.وهذا هو المراد هنا. ولهذا قال المصنف: (( السنة: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفعله، وتقريره )).
(( فالقول ظاهر )) وهو: اللفظ المفيد. ومباحث: الأمر والنهي، والعام والخاص، وغيرها. والكلام عليها سيأتي في أبوابها مفصلا، إن شاء الله تعالى .
(( وهو )) أي: القول (( أقواها )) أي: أقوى أقسام السنة. فيرجع إليه عند التعارض بينهما. وإنما كان أقواها لأنه وضع لإفادة المخاطب، بخلافهما .ولأن الفعل يختص بالمحسوس فقط، والقول يفيد في المحسوس والمعقول .ولأنه متفق على الاستدلال به، بخلافهما، إلى غير ذلك، والله أعلم.
ثم بعده الفعل ، ثم بعده التقرير.
(( وأما الفعل )) فالمراد به: فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وحكم اتباعه فيه، والتأسي به. وذلك مبني على مقدمة، وهي الكلام في عصمة الأنبياء عليهم السلام.
فنقول: اعلم أن الأكثر من أهل العدل على أن الأنبياء عليهم السلام يمتنع عليهم الكبائر من وقت التكليف، لأن في ذلك هزما واحتقارا لهم، فتنفر الطبائع عن اتباعهم، فيخل بالحكمة من بعثهم، وذلك قبيح عقلا.
وقيل: لا يمتنع منهم قبل الرسالة لا كفر ولا غيره، وأما بعد الرسالة فالإجماع على عصمتهم. فما كان طريقه البلاغ، فلا يجوز عليهم الكذب لا سهوا ولا عمدا، وأما غير الكذب من الذنوب فإن كانت من الكبائر أو من الصغائر الخسة كسرقة لقمة والتطفيف بحبة من تمر، فالإجماع على عصمتهم منها. وإن كانت من غيرها فالأكثر على جوازه. فهذه جملة ما يحتاج إليه هنا، موضوعه علم الكلام.
صفحہ 19