((الباب الثاني [في الأدلة]))
من أبواب الكتاب (( في الأدلة )) والأماران، وشروطها وكيفية الأخذ بها.
(( الدليل )) له معنيان، لغوي واصطلاحي.
أما اللغوي فهو: أنه يطلق على المرشد.
والمرشد له معنيان:
الأول: الناصب لما يسترشد به من الأدلة، قولا أو فعلا. فالباري تعالى يوصف بأنه دليل، لأنه مرشد أي: ناصب للدلالة العقلية والسمعية. والثاني: الذاكر له.
وكذا يطلق أيضا الدليل في اللغة على: ما به الإرشاد، كالأعلام التي تنصب في المفاوز لتعرف بها الطرق، وكذا مخلوقات الباري تعالى، إذ يحصل بها الإرشاد إلى وجوده تعالى.
وأما الاصطلاحي: فحقيقة الدليل في الاصطلاح (( ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى العلم بالغير )) وهو المدلول.
وإنما قال: ما يمكن، دون: ما يتوصل، تنبيها على أن الدليل من حيث هو دليل لا يعتبر فيه التوصل بالفعل، بل يكفي إمكانه.
والنظر هو: الفكر. وهو ترتيب أمور معلومة للتأذي إلى مجهول. كما يقال في الاستدلال على حدوث العالم _ بعد العلم بأنه متغير، وأن كل متغير حادث _: العالم متغير، وكل متغير حادث، فيؤدي هذا الترتيب إلى مجهول، وهو كون العالم حادثا.
وقوله: بصحيح النظر.لأنه لا يمكن التوصل إلى المطلوب بالنظر الفاسد.
إما صورة: بأن لا يكمل فيه شرائط المقدمتين.
وإما مادة: كما في قولنا: العالم بسيط، وكل بسيط له صانع.فصورة هذا الدليل صحيحة، ولكن مادته فاسدة. إذ ليس البساطة مما ينتقل الذهن منه إلى ثبوت الصانع، وإنما ينتقل إلى الثبوت والحدوث من الحدوث.وإن كان قد يفضي إلى المطلوب، لكن اتفاقي لا ذاتي.
وقوله: إلى العلم. لتخرج الأمارة، لأن التوصل بها إلى الظن فقط.ولذا قال: (( فأما ما يحصل عنده الظن فأمارة ))لا دليل.
وهي: ما يلزم من حصوله حصول غيره، لزوما عاديا لا ذاتيا، كان صداع الجدار، فإنه أمارة لا انهدامه.
وقد يقال في حقيقتها على انفرادها: ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى الظن بالغير.
(( وقد تسمى )) الأمارة (( دليلا توسعا )) وتجوزا.
ومنهم من لم يفرق بينهما ويقول في حقيقتهما: ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى المطلوب.
صفحہ 11