... ولم تزل الفضلاء في كل مكان وزمان، والنبلاء في كل عصر وأوان، يتقربون إلى خواطر مخاديمهم بأحسن ما يؤلفون، وأبدع ما يصنفون، فلا غرو في إهداء هذا الوضع البديع، إلى ذلك الجناب المنيع، فإن لكل جديد بهجة، ولكل ناطق لهجة، والجزء كل عند الكريم، والقليل جليل مع ملاحظة التعظيم، وإن كنت في ذلك كمن أهدى الزهر إلى غصنه، والقطر إلى مزنه.
والبحر يمطره السحاب وماله ... ... من عليه لأنه من مائه
... هذا، ولقد عرضت حكمة على لقمان، وأهديت جرادة إلى حضرة السيد سليمان. قال بعضهم في صدر كتاب له: ولما كانت الهدايا تزرع الحب وتضاعفه، وتعضد الشكر وتساعفه، أحببت أن أهدي إليه هدية فائقة ، تكون في سوق فضائله نافقة، فلم أجد إلا العلم الذي شغفه حبا، والحكم التي لم يزل بها صبا، والأدب الذي أتخذه كسبا، ورأيت فإذا التصانيف في كل فن لا تحصى، والإملاء من سطور العلماء، وطروس الحكماء أوسع دائرة من أن تستقصى، إلا أن التأنق في التحبير من قبيل أبرز الحقائق في الصور، ولكل جديد لذة، ولا خلاف في ذلك عند أهل النظر.
ما كل من حمل اليراع بكاتب ... ... خطا يباري بهجة وبيانا
أخذ العصا بالكف ليس بمعجز ... ... الشأن في تحويلها ثعبانا
... وكان يقال: الوضع وضعان، وضع له افتخار، ووضع له تجار، وحسن التأليف مواهب، وللناس فيما يعشقون مذاهب، ومعلوم أن الجنون فنون، وكل حزب بما لديهم فرحون.
وقد يلام الفتى في الشيء يصنعه ... ... وليس يلحقه لوم إذا تركه
... هذا مع اعترافي بأني في فنون الذوق قليل البضاعة، وفي شجون الشوق كليل الصناعة، ولكن دأبي التقاط درر العبارات من حياض العلماء، وديدني أخذ غرر الإشارات من غياض الحكماء، فهو لسان إخوان الصفا لا لساني، وبيان خلاصة الوفا لا بياني.
كمن يحدو وليس له بعير ... ومن يرعى وليس له سوام
صفحہ 11