جامع البيان في تفسير القرآن
جامع البيان في تفسير القرآن
[الرحمن: 6] يعني بالنجم: ما نجم من الأرض من نبت. وبالشجر: ما استقل على ساق. ثم اختلف أهل التأويل في عين الشجرة التي نهي عن أكل ثمرها آدم، فقال بعضهم هي السنبلة. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسي. قال: حدثنا عبد الحميد الحماني، عن النضر، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: الشجرة التي نهي عن أكل ثمرها آدم هي السنبلة. وحدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا هشيم، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمران بن عتيبة جميعا، عن حصين، عن أبي مالك في قوله: { ولا تقربا هذه الشجرة } قال: هي السنبلة. وحدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا ابن مهدي، وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قالا جميعا: حدثنا سفيان عن حصين عن أبي مالك، مثله.وحدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي عن عطية في قوله: { ولا تقربا هذه الشجرة } قال: السنبلة.وحدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد عن سعيد، عن قتادة قال: الشجرة التي نهي عنها آدم هي السنبلة. وحدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم. قال: حدثنا القاسم، قال: حدثني رجل من بني تميم أن ابن عباس كتب إلى أبي الخلد يسأله عن الشجرة التي أكل منها آدم والشجرة التي تاب عندها، فكتب إليه أبو الخلد: سألتني عن الشجرة التي نهي عنها آدم، وهي السنبلة. وسألتني عن الشجرة التي تاب عندها آدم، وهي الزيتونة. وحدثنا ابن حميد. قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن رجل من أهل العلم، عن مجاهد، عن ابن عباس، أنه كان يقول: الشجرة التي نهي عنها آدم: البر. وحدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة. وابن المبارك، عن الحسن بن عمارة، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كانت الشجرة التي نهي الله عنها آدم وزوجته السنبلة. وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة. عن ابن إسحاق، عن بعض أهل اليمن، عن وهب بن منبه اليماني أنه كان يقول: هي البر ولكن الحبة منها في الجنة ككلى البقر ألين من الزبد وأحلى من العسل.
وأهل التوراة يقولون: هي البر. وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة: أنه حدث أنها الشجرة التي تحتك بها الملائكة للخلد. وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن يمان عن جابر بن يزيد بن رفاعة، عن محارب بن دثار قال: هي السنبلة. وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن، قال: هي السنبلة التي جعلها الله رزقا لولده في الدنيا. قال أبو جعفر، وقال آخرون: هي الكرمة. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عمن حدثه، عن ابن عباس، قال: هي الكرمة. حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط عن السدي، في خبر ذكره عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: { ولا تقربا هذه الشجرة } قال: هي الكرمة. وتزعم اليهود أنها الحنطة. وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قال: الشجرة هي الكرم. وحدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن الشعبي، عن جعدة بن هبيرة، قال: هو العنب في قوله: { ولا تقربا هذه الشجرة }. وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثني أبي، عن خلاد الصفار، عن بيان، عن الشعبي، عن جعدة بن هبيرة: { ولا تقربا هذه الشجرة } قال: الكرم. وحدثنا ابن المثنى، قال: حدثني الحسين، قال: حدثنا خالد الواسطي، عن بيان، عن الشعبي، عن جعدة ابن هبيرة: { ولا تقربا هذه الشجرة } قال: الكرم. وحدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، عن جعدة بن هبيرة، قال: الشجرة التي نهي عنها آدم: شجرة الخمر. وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا عباد بن العوام، قال: حدثنا سفيان بن حسين، عن يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير قوله: { ولا تقربا هذه الشجرة } قال: الكرم. وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن السدي، قال: العنب. وحدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، قال: عنب. وقال آخرون: هي التينة. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: تينة. قال أبو جعفر: والقول في ذلك عندنا أن الله جل ثناؤه أخبر عباده أن آدم وزوجته أكلا من الشجرة التي نهاهما ربهما عن الأكل منها، فأتيا الخطيئة التي نهاهما عن إتيانها بأكلهما ما أكلا منها، بعد أن بين الله جل ثناؤه لهما عين الشجرة التي نهاهما عن الأكل منها وأشار لهما إليها بقوله: { ولا تقربا هذه الشجرة }.
ولم يضع الله جل ثناؤه لعباده المخاطبين بالقرآن دلالة على أي أشجار الجنة كان نهيه آدم أن يقربها بنص عليها باسمها ولا بدلالة عليها. ولو كان لله في العلم بأي ذلك من أي رضا لم يخل عباده من نصب دلالة لهم عليها يصلون بها إلى معرفة عينها، ليطيعوه بعلمهم بها، كما فعل ذلك في كل ما بالعلم به له رضا. فالصواب في ذلك أن يقال: إن الله جل ثناؤه نهى آدم وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها، فخالفا إلى ما نهاهما الله عنه، فأكلا منها كما وصفهما الله جل ثناؤه به. ولا علم عندنا أي شجرة كانت على التعيين، لأن الله لم يضع لعباده دليلا على ذلك في القرآن ولا في السنة الصحيحة، فأنى يأتي ذلك من أتى؟ وقد قيل: كانت شجرة البر. وقيل: كانت شجرة العنب. وقيل : كانت شجرة التين. وجائز أن تكون واحدة منها، وذلك إن علمه عالم لم ينفع العالم به علمه، وإن جهله جاهل لم يضره جهله به. القول في تأويل قوله تعالى: { ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظلمين }. قال أبو جعفر: اختلف أهل العربية في تأويل قوله: { ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظلمين } فقال بعض نحويي الكوفيين: تأويل ذلك: { ولا تقربا هذه الشجرة } فإنكما إن قربتماها كنتما من الظالمين. فصار الثاني في موضع جواب الجزاء، وجواب الجزاء يعمل فيه أوله كقولك: إن تقم أقم، فتجزم الثاني بجزم الأول. فكذلك قوله: { فتكونا } لما وقعت الفاء في موضع شرط الأول نصب بها، وصيرت بمنزلة «كي» في نصبها الأفعال المستقبلة للزومها الاستقبال، إذ كان أصل الجزاء الاستقبال. وقال بعض نحويي أهل البصرة: تأويل ذلك: لا يكن منكما قرب هذه الشجرة فأن تكونا من الظالمين. غير أنه زعم أن «أن» غير جائز إظهارها مع «لا»، ولكنها مضمرة لا بد منها ليصح الكلام بعطف اسم وهي «أن» على الاسم، كما غير جائز في قولهم «عسى أن يفعل». عسى الفعل، ولا في قولك: «ما كان ليفعل». ما كان لأن يفعل. وهذا القول الثاني يفسده إجماع جميعهم على تخطئة قول القائل: سرني تقوم يا هذا، وهو يريد: سرني قيامك. فكذلك الواجب أن يكون خطأ على هذا المذهب قول القائل: لا تقم، إذا كان المعنى: لا يكن منك قيام. وفي إجماع جميعهم على صحة قول القائل: لا تقم، وفساد قول القائل: سرني تقوم بمعنى سرني قيامك، الدليل الواضح على فساد دعوى المدعي أن مع «لا» التي في قوله: { ولا تقربا هذه الشجرة } ضمير «أن»، وصحة القول الآخر.
وفي قوله: { فتكونا من الظلمين } وجهان من التأويل: أحدهما أن يكون «فتكونا» في نية العطف على قوله: { ولا تقربا } فيكون تأويله حينئذ: ولا تقربا هذه الشجرة، ولا تكونا من الظالمين. فيكون «فتكونا» حينئذ في معنى الجزم مجزوم بما جزم به { ولا تقربا } ، كما يقول القائل: لا تكلم عمرا ولا تؤذه، وكما قال امرؤ القيس:
فقلت له صوب ولا تجهدنه
فيذرك من أخرى القطاة فتزلق
فجزم «فيذرك» بما جزم به «لا تجهدنه»، كأنه كرر النهي. والثاني أن يكون: { فتكونا من الظلمين } بمعنى جواب النهي، فيكون تأويله حينئذ: لا تقربا هذه الشجرة، فإنكما إن قربتماها كنتما من الظالمين كما تقول: لا تشتم عمرا فيشتمك مجازاة. فيكون «فتكونا» حينئذ في موضع نصب إذ كان حرفا عطف على غير شكله لما كان في { ولا تقربا } حرف عامل فيه، ولا يصلح إعادته في «فتكونا»، فنصب على ما قد بينت في أول هذه المسألة. وأما تأويل قوله: { فتكونا من الظلمين } فإنه يعني به فتكونا من المتعدين إلى غير ما أذن لهم وأبيح لهم فيه. وإنما عنى بذلك أنكما إن قربتما هذه الشجرة كنتما على منهاج من تعدى حدودي وعصى أمري واستحل محارمي لأن الظالمين بعضهم أولياء بعض، والله ولي المتقين. وأصل الظلم في كلام العرب وضع الشيء في غير موضعه ومنه قول نابغة بني ذبيان:
إلا أواري لأيا ما أبينها
والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
فجعل الأرض مظلومة، لأن الذي حفر فيها النوى حفر في غير موضع الحفر، فجعلها مظلومة لوضع الحفرة منها في غير موضعها. ومن ذلك قول ابن قميئة في صفة غيث:
نامعلوم صفحہ