جامع البيان في تفسير القرآن
جامع البيان في تفسير القرآن
[البقرة: 32] ثم اختلف أهل التأويل في الحال التي خلقت لآدم زوجته والوقت الذي جعلت له سكنا. فقال ابن عباس بما: حدثني به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فأخرج إبليس من الجنة حين لعن، وأسكن آدم الجنة، فكان يمشي فيها وحشا ليس له زوج يسكن إليها. فنام نومة فاستيقظ، وإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه، فسألها: من أنت؟ فقالت: امرأة، قال: ولم خلقت؟ قالت: تسكن إلي. قالت له الملائكة ينظرون ما بلغ علمه: ما اسمها يا آدم؟ قال: حواء، قالوا: ولم سميت حواء؟ قال: لأنها خلقت من شيء حي. فقال الله له: { يآءادم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما }. فهذا الخبر ينبىء عن أن حواء خلقت بعد أن سكن آدم الجنة فجعلت له سكنا. وقال آخرون: بل خلقت قبل أن يسكن آدم الجنة. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة عن ابن إسحاق، قال: لما فرغ الله من معاتبة إبليس أقبل على آدم وقد علمه الأسماء كلها، فقال:
يآءادم أنبئهم بأسمآئهم
[البقرة: 33] إلى قوله:
إنك أنت العليم الحكيم
[البقرة: 32] قال: ثم ألقى السنة على آدم فيما بلغنا عن أهل الكتاب من أهل التوراة وغيرهم من أهل العلم، عن عبد الله بن عباس وغيره ثم أخذ ضلعا من أضلاعه من شقه الأيسر ولأم مكانه لحما وآدم نائم لم يهب من نومته حتى خلق الله من ضلعه تلك زوجته حواء، فسواها امرأة ليسكن إليها. فلما كشف عنه السنة وهب من نومته رآها إلى جنبه، فقال فيما يزعمون والله أعلم: لحمي ودمي وزوجتي. فسكن إليها. فلما زوجه الله تبارك وتعالى وجعل له سكنا من نفسه، قال له، فتلا: { يآءادم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظلمين }. قال أبو جعفر: ويقال لامرأة الرجل زوجه وزوجته، والزوجة بالهاء أكثر في كلام العرب منها بغير الهاء، والزوج بغير الهاء يقال إنه لغة لأزد شنوءة. فأما الزوج الذي لا اختلاف فيه بين العرب فهو زوج المرأة. القول في تأويل قوله تعالى: { وكلا منها رغدا حيث شئتما }. قال أبو جعفر: أما الرغد، فإنه الواسع من العيش، الهنيء الذي لا يعني صاحبه، يقال: أرغد فلان: إذا أصاب واسعا من العيش الهنيء، كما قال امرؤ القيس بن حجر:
بينماالمرء تراه ناعما
يأمن الأحداث في عيش رغد
وحدثني به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: { وكلا منها رغدا } قال: الرغد: الهنيء. وحدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: { رغدا } قال: لا حساب عليهم. وحدثنا المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد: وكلا منها رغدا أي لا حساب عليهم. وحدثت عن المنجاب بن الحارث، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: { وكلا منها رغدا حيث شئتما } قال: الرغد: سعة المعيشة. فمعنى الآية: وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة، وكلا من الجنة رزقا واسعا هنيئا من العيش حيث شئتما. كما: حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد عن قتادة قوله: { يآءادم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما } ثم إن البلاء الذي كتب على الخلق كتب على آدم كما ابتلي الخلق قبله أن الله جل ثناؤه أحل له ما في الجنة أن يأكل منها رغدا حيث شاء غير شجرة واحدة نهي عنها.
وقدم إليه فيها، فما زال به البلاء حتى وقع بالذي نهي عنه. القول في تأويل قوله تعالى: { ولا تقربا هذه الشجرة }. قال أبو جعفر: والشجر في كلام العرب: كل ما قام على ساق، ومنه قول الله جل ثناؤه:
والنجم والشجر يسجدان
نامعلوم صفحہ