جامع البيان في تفسير القرآن
جامع البيان في تفسير القرآن
ظلم البطاح بها انهلال حريصة
فصفا النطاف له بعيد المقلع
وظلمه إياه: مجيئه في غير أوانه، وانصبابه في غير مصبه. ومنه: ظلم الرجل جزوره، وهو نحره إياه لغير علة وذلك عند العرب: وضع النحر في غير موضعه. وقد يتفرع الظلم في معان يطول بإحصائها الكتاب، وسنبينها في أماكنها إذا أتينا عليها إن شاء الله تعالى وأصل ذلك كله ما وصفنا من وضع الشيء في غير موضعه.
[2.36]
قال أبو جعفر: اختلف القراء في قراءة ذلك فقرأته عامتهم: { فأزلهما } بتشديد اللام، بمعنى استزلهما من قولك: زل الرجل في دينه: إذا هفا فيه وأخطأ فأتى ما ليس له إتيانه فيه، وأزله غيره: إذا سبب له ما يزل من آجله في دينه أو دنياه. ولذلك أضاف الله تعالى ذكره إلى إبليس خروج آدم وزوجته من الجنة فقال: { فأخرجهما } يعني إبليس { مما كانا فيه } لأنه كان الذي سبب لهما الخطيئة التي عاقبهما الله عليها بإخراجهما من الجنة. وقرأه آخرون: «فأزالهما»، بمعنى إزالة الشيء عن الشيء، وذلك تنحيته عنه. وقد روي عن ابن عباس في تأويل قوله { فأزلهما } ما: حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: قال: قال ابن عباس في تأويل قوله تعالى: { فأزلهما الشيطان } قال: أغواهما. وأولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأ: { فأزلهما } لأن الله جل ثناؤه قد أخبر في الحرف الذي يتلوه بأن إبليس أخرجهما مما كانا فيه، وذلك هو معنى قوله فأزالهما، فلا وجه إذ كان معنى الإزالة معنى التنحية والإخراج أن يقال: «فأزالهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه»، فيكون كقوله: «فأزالهما الشيطان عنها فأزالهما مما كانا فيه»، ولكن المعنى المفهوم أن يقال: فاستزلهما إبليس عن طاعة الله، كما قال جل ثناؤه: { فأزلهما الشيطان } وقرأت به القراء، فأخرجهما باستزلاله إياهما من الجنة. فإن قال لنا قائل: وكيف كان استزلال إبليس آدم وزوجته حتى أضيف إليه إخراجهما من الجنة؟ قيل: قد قالت العلماء في ذلك أقوالا سنذكر بعضها. فحكي عن وهب بن منبه في ذلك ما: حدثنا به الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا عمر بن عبد الرحمن بن مهرب، قال: سمعت وهب بن منبه يقول: لما أسكن الله آدم وذريته، أو زوجته، الشك من أبي جعفر، وهو في أصل كتابه: وذريته ونهاه عن الشجرة، وكانت شجرة غصونها متشعب بعضها في بعض، وكان لها ثمر تأكله الملائكة لخلدهم، وهي الثمرة التي نهى الله آدم عنها وزوجته. فلما أراد إبليس أن يستزلهما دخل في جوف الحية، وكانت للحية أربع قوائم كأنها بختية من أحسن دابة خلقها الله. فلما دخلت الحية الجنة، خرج من جوفها إبليس، فأخذ من الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته، فجاء بها إلى حواء، فقال: انظري إلى هذه الشجرة، ما أطيب ريحها، وأطيب طعمها، وأحسن لونها فأخذت حواء فأكلت منها، ثم ذهبت بها إلى آدم، فقالت: انظر إلى هذه الشجرة، ما أطيب ريحها، وأطيب طعمها، وأحسن لونها فأكل منها آدم، فبدت لهما سوآتهما، فدخل آدم في جوف الشجرة، فناداه ربه: يا آدم أين أنت؟ قال: أنا هنا يا رب، قال: ألا تخرج: قال: أستحيي منك يا رب، قال: ملعونة الأرض التي خلقت منها لعنة يتحول ثمرها شوكا.
قال: ولم يكن في الجنة ولا في الأرض شجرة كان أفضل من الطلح والسدر ثم قال: يا حواء أنت التي غررت عبدي، فإنك لا تحملين حملا إلا حملته كرها، فإذا أردت أن تضعي ما في بطنك أشرفت على الموت مرارا. وقال للحية: أنت التي دخل الملعون في جوفك حتى غر عبدي، ملعونة أنت لعنة تتحول قوائمك في بطنك، ولا يكن لك رزق إلا التراب، أنت عدوة بني آدم وهم أعداؤك حيث لقيت أحدا منهم أخذت بعقبه، وحيث لقيك شدخ رأسك. قال عمر: قيل لوهب: وما كانت الملائكة تأكل؟ قال: يفعل الله ما يشاء. وروي عن ابن عباس نحو هذه القصة. حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: لما قال الله لآدم:
اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظلمين
[البقرة: 35] أراد إبليس أن يدخل عليهما الجنة فمنعته الخزنة، فأتى الحية وهي دابة لها أربع قوائم كأنها البعير، وهي كأحسن الدواب، فكلمها أن تدخله في فمها حتى تدخل به إلى آدم، فأدخلته في فمها، فمرت الحية على الخزنة فدخلت ولا يعلمون لما أراد الله من الأمر، فكلمه من فمها فلم يبال بكلامه، فخرج إليه فقال:
يآدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى
[طه: 120] يقول: هل أدلك على شجرة إن أكلت منها كنت ملكا مثل الله عز وجل، أو تكونا من الخالدين فلا تموتان أبدا. وحلف لهما بالله
نامعلوم صفحہ