واعلم: أن جميع من يثبت الصانع يقول بنبوة نبينا إلا اليهود والنصارى، والمجوس والبراهمة، وعباد الأوثان والنجوم، فإنهم أنكروا نبوته إلا فرقة من اليهود نسبوا إلى البله فإنهم يقولون: هو رسول إلى العرب فقط، وإنما نسب هؤلاء إلى البله لكونهم اعترفوا بأنه رسول، والرسول صادق في الذي جاء به، وقد جاء بأنه رسول إلى الناس كافة فلا بد من تصديقه، ووجه كونه ليس بنبي عند اليهود قيل: لأنه جاء بنسخ الشرائع، وقال بعضهم: لأنه ليس له معجز، (والدليل على ذلك) المذهب الصحيح: (أن المعجز ظهر على يديه عقيب دعوى النبوة)، قيل: والمعجز هو مالا يطيقه بشر ولا يمكن التعلم لإحضار مثله ابتداء، سواء دخل جنسه في مقدورنا كالكلام، أم لا، كحنين الجذع، وقيل: هو الفعل الناقض للعادة المتعلق بدعوى المدعي للنبوة، وهذا الحد أولى لدخول الكرامات في الحد الأول كنزول المطر عند دعوة الأولياء ونحو ذلك، (وكل من ظهر المعجز على يديه عقيب دعوى النبوة فهو نبي صادق)، فهذان أصلان، (والذي يدل على) الأصل الأول وهو: (أن المعجز ظهر على يديه عقيب دعوى النبوة أنه)، جاء بمعجزات كثيرة قد دونت فيها أسفار عديدة و(جاء) من جملة ذلك (بالقرآن) وهو المعجز العظيم ولذلك فالمؤلفين يقدمونه على سائر المعجزات؛ لأنه أوقع في النفوس، وأوضح في الدلالة لوجوه لا يعقلها إلا العالمون، (و) لما جاء بالقرآن (جعله معجزا له، ولم يسمع من غيره) قبله (وتحدى به فصحاء العرب) وقرعهم بالعجز عن ذلك (ولم يأتوا بشيء من ذلك) الذي تحداهم به، (وإنما لم يأتوا به لعجزهم عنه، فوجب أن يكون القرآن معجزة ظاهرة على يديه عقيب دعوى النبوة)، فهذه ثمانية أصول.
أما كونه -عليه السلام- إدعى النبوة فلا شك أنه معلوم ضرورة لجميع المكلفين.
صفحہ 85