وأما أنه أتى بالقرآن ولم يسمع من غيره، وجعله معجزة له، فإنه يعلمه كل مكلف مع البحث والمخالطة لأهل العلم أو من يتصل بهم، أو الإقامة في أمصار المسلمين وهجرهم، وليس كالأول إذ من المعلوم جهل كثير من المسلمين بذلك.
فإن قيل: ما أنكرتم أن الله بعث نبيا وأظهر القرآن فقتله محمد وادعى النبوة لنفسه؟
قلنا: لو أجزنا ذلك لما وثقنا بنسبة شعر الشعراء وخطب الخطباء، ولا وثقنا بنبوة نبي قط ولا شيء من الكتب السالفة كالتوراة والإنجيل، ثم كيف يبعث الله نبيا ثم يمكن غيره منه قبل التبليغ.
وأيضا فقد ظهر عليه -عليه الصلاة والسلام وعلى آله- غير القرآن من المعجزات مما يدل على أن القرآن معجز له.
وأما الأصل الخامس: وهو أنه تحدى العرب بالإتيان بمثله وقرعهم بالعجز عن ذلك، (فإنه معلوم ضرورة).
أيضا لكن (لمن كان له أدنى فحص وتفتيش ممن عرف أحواله -عليه السلام- وسيره وسمع أخباره علم بالتواتر أنه كان يغشى مجامع العرب ومشاهدهم ويتلوه عليهم ويحدثهم به) ويلتمس منهم المعارضة، (والأمر في ذلك ظاهر)
(والقرآن) أيضا (مشحون بآيات التحدي) قال تعالى: {فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين}[الطور:34] ثم أنزلهم مرتبة ثانية فقال: {فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين}[هود:13] ثم أنزلهم مرتبة ثالثة فقال: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله}[البقرة:23] ثم أخبر أنهم لا يأتون بشيء مما تحداهم به حتى (قال تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا})[الإسراء:88].
فإن قيل: ما أنكرتم أنه إنما كان التحدي عن المشركين لئلا يعارضوه؟
صفحہ 86