(المسألة العشرون: في النبوة)
والنبوة: فعولة فحروفها أصول إلا الواو الأولى، والنبوة مصدر، فإن همزت فهي بمعنى الإنباء؛ لأن النبي مخبر عن الله، وإن لم تهمز فهي من النبو نبا المكان ينبو إذا ارتفع.
وحقيقة النبوة: تحمل إنسان لما يتحمله عن الله إلى الخلق من غير واسطة بشر.
قلنا: تحمل الإنسان، احترازا من تحمل الملائكة إلى الأنبياء فلا تسمى نبوة، وقلنا: من غير واسطة احترازا من العلماء، فإنهم وإن تحملوا عن الله تعالى إلى الخلق ولكن بواسطة بشر، هم الأنبياء.
ولا فرق عند أصحابنا بين الرسول والنبي، والخلاف في ذلك معزو إلى الحشوية وإلى الإمامية والزمخشري وقاضي القضاة قالوا: قال تعالى: {وما أرسلنا من رسول ولا نبي}[الحج:52] والعطف يقتضي المغايرة.
قلنا: لا يدل على المغايرة كما في قوله تعالى: {وملائكته ورسله وجبريل وميكال}[البقرة:98] لأن اللفظين إذا اختلفت فائدتهما من وجه صح عطف أحدهما على الآخر للتأكيد، وإن كان معناهما واحد في الحقيقة، ولفظ النبي يفيد الرفعة بنفسه، ولفظ الرسول يفيدها بواسطة لحمله الرسالة وصبره على المشاق فيها.
واحتجوا أيضا لما روي عنه أنه سئل عن الأنبياء؟ فقال: ((مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، قيل: فكم الرسل منهم؟ قال: ثلاثمائة وثلاثة عشرة)) وفي رواية: ((ثلاثمائة وثلاثة وستون))، فإن الخبر آحادي، والمسألة قطعية.
فإن قيل: ما الدليل على صرف العطف عن ظاهره، فإن ظاهر العطف هو تغاير الذوات فقد عدلتم عن الظاهر فهلم الدليل.
قلنا: لا نسلم أن العطف ظاهر في ذلك، بل وفي التغاير في الصفات سلمنا، فالذي صرف عن الظاهر هو الدليل العقلي، وهو أنه إذا نبأ الله نبيا لا يمكن أن يدل على نبوته إلا بالمعجزة إذ لا طريق إليه غيرها، ولا بد إليها من طريق وإلا كانت النبوة عبثا، والنبي لا بد فيه من معنى الإرسال ولا يصح أن يكون رسولا إلى نفسه، ولا يتصور فرق بينه وبين الأفاضل من أمته أهل وقته إلا بكونه يوحى إليه ويظهر المعجز علي يديه ويهتدي إلى مالا يهتدي إليه غيره ويهدي إليه.
صفحہ 83