227

الكريم.

فكان اذا بلغه نيل منه ووقيعة وشتم يقوم فيتهيأ للصلاة فيصلي ثم يدعو طويلا ملحا في الدعاء سائلا ربه ألا تؤاخذ ذلك الجاني بظلمه ولا يقايسه على ما جنى ، لأن الحق حقه ، وقد وهبه للجاني غافرا له ظلمه (1).

بل يزيد على ذلك في ذوي رحمه فيقول : إني لا حب أن يعلم الله أني أذللت رقبتي في رحمي ، وأني لأبادر أهل بيتي أصلهم قبل أن يستغنوا عني (2).

إن الحوادث محك ، وبها تعرف مقادير الرجال ، وبها تبلى السرائر ومن ثم تعرف الفرق بين أبي عبد الله وبين ذوي قرابته ، فكان يجفوه أحدهم ، بل ينال منه الآخر شتما ونبزا ، بل يحمل عليه الثالث بالشفرة عامدا على قتله ، وليس هناك ما يدعوهم الى تلك الجفوة والقسوة والقطيعة فيعاملهم على عكس ما فعلوه معه ، فتراه واصلا بدل القطيعة ، وبارا عوض الجفاء ، وعاطفا بدل القسوة.

لقد أحزنته تلك النكبات التي أوقعها المنصور ببني الحسن حتى لقد بكى وظهر عليه الجزع والاستياء بل حم أياما حين حمل المنصور شيوخ بني الحسن ورجالهم من المدينة الى الكوفة ، وهم قد لاقوه بسيئ القول بالابواء يوم أرادوا البيعة لمحمد ، وما زال محمد وأبوه عبد الله يلاقيانه بالقول السيئ زعما منهما أنه كان حجر عثرة في سبيل البيعة لمحمد ، ولما أن ظهر محمد بالمدينة أرسل على الصادق يريد منه البيعة ، وحين امتنع عليه قابله بسوء القول والفعل ، وكم تجرع غصصا من بني العباس ورجالهم ، ولو لم يكن قادرا على شيء ينتقم به منهم إلا الدعاء لكفى به سلاحا ماضيا.

صفحہ 230