عبد الله بن علي النصراني المعروف بالدنداني يكنى أبا علي وكان منجما قديم العهد مشهورا في زمانه بهذه الصناعة وصنف فيها. عبد الله بن سهل بن توبخت المنجم هذا منجم مأموني كبير القدر في صناعته يعلم المأمون قدره في ذلك وكان لا يقدم إلا عالما مشهودا له بعد الاختبار وكان المأمون قد رأى آل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب متخشين مختفين من خوف المنصور وقد جاء بعده من بني العباس ورأى العوام قد خفيت عنهم أمورهم بالاختفاء فظنوا بهم ما يظنونه بالأنبياء ويتفوهون في صفتهم بما يخرجهم عن الشريعة من التغالي فأراد معاقبة العامة على هذا الفعل ثم فكر أنه إذا فعل هذا بالعوام زادهم إغراء به فنظر في هذا الأمر نظرا دقيقا وقال لو ظهروا للناس ورأوا فسق الفاسق منهم وظلم الظالم لسقطوا من أعينهم ولا تقلب شكرهم لهم ذما ثم قال إذ أمرناهم بالظهور خافوا واستتروا وظنوا بنا سوء وإذا فالرأي أن تقدم أحدهم ولا يظهر لهم غماما فإذا رأوا هذا أنسوا وظهروا وأظهروا ما عندهم من الحركات الموجودة في الآدميين فيتحقق للعوام حالهم وما هم عليه مما خفي بالاختفاء فإذا تحقق ذلك أولت من أقمته ورددت الأمر إلى حالته الأولى وقوي هذا الرأي عنده وكتم باطنه عن خواصه وأظهر للفضل بن سهل أنه يريد أن يقيم إماما من آل أمير المؤمنين علي صلوات الله وأفتكر هو وهو فيمن يصلح فوقع إجماعهما على الرضا فأخذ الفضل بن سهل في تقرير ذلك وترتيبه وهو لا يعلم باطن المر وأخذ في اختيار وقت لبيعة الرضا فاختار طالع السرطان وفيه المشتري.
قال عبد الله بن سهل بن نوبخت هذا أردت أن اعلم نية المأمون في هذه البيعة وأن باطنه كظاهره أم لا لأن الأمر عظيم فأنفذت إليه قبل العقد رقعة مع ثقة من خدمه وكان يجيء في مهم أمره وقلت له أن هذه البيعة في الوقت الذي اختاره ذو الرياستين لا تتم بل تنقض لأن المشتري وغن كان في الطالع في بيت شرفه فإن السرطان برج منقلب وفي الرابع وهو بيت العاقبة المريخ وهو نخس وقد أغفل ذو الرياستين هذا فكتب إلي قد وقفت على ذلك أحسن الله جزاءك فاحذر كل الحذر أن تنبه ذا الرياستين على هذا فإنه إن زال عن رأيه علمت أنك أنت المنبه له فهم ذي الرياستين بذلك فما زلت أصوب رأيه الأول خوفا من اتهام المأمون لي وما غفلت أمري حتى مضى أمر البيعة فسلمت من المأمون.
عبد الله بن الطيب أبو الفرج الفيلسوف عراقي فيلسوف فاضل مطلع على كتب الأوائل وأقاويلهم مجتهد في البحث والتفتيش وبسط القول واعتنى بشروح الكتب القديمة في المنطق وأنواع الحكمة من تآليف أرسطوطاليس ومن الطب كتاب جالينوس وبسط القول في الكتب التي تولى شرحها بسطا شافيا قصد به التعليم والتفهيم حتى لقد رأيت من ينتحل هذا الصناعة يذمه بالطويل وكان هذا العائب يهوديا ضيق الفطن قد وقف على عبارة ابن سينا فأما أنا وكل متصف فلا تقول إلا أن أبا الفرج بن الطيب قد أحيى من هذه العلوم ما دثر وأبان منها ما خفي وقد تلمذ له جماعة سادوا وأفادوا منهم المختار بن الحسن بن عبدون المعروف بابن بطلان قال ابن بطلان وشيخنا أبو الفرج عبد الله بن الطيب بقي عشرين سنة في تفسير ما بعد الطبيعة ومرض من الفكر فيه مرضة كاد يلفظ نفسه فيها وهذا يدلك على حرصه واجتهاده وطلب العلم لعينه ولولا ذلك لما تكلف عاش إلى بعد العشرين والأربعمائة وقيل لي مات سنة خمس وثلاثين وأربعمائة.
صفحہ 98