ودخل حنين إلى بلاد الروم لأجل تحصيل كتب الحكمة وتوصل في تحصيلها غاية إمكانها وأحكم اليونانية عند دخوله إلى تلك الجهات وحصل نفائس هذا العلم وعاد يلازم بني موسى ابن شاكر ورغبوه في النقل من اللسان اليوناني إلى العربي وغرموا على ذلك الجمل العظيمة ولم يزل معظما مكرما في زمانه مشارا إليه في هذا الشأن إلى أن توفي يوم الثلاثاء لست خلون من صفر سنة ستين ومائتين وهو أول يوم من كانون الأول سنة ألف ومائة وخمس وثمانين للإسكندر. وله من الكتب التي ألفها سوى ما نقله من كتب الحكماء القدماء. كتاب أحكام الأعراب على مذهب اليونانيين مقالتان. كتاب المسائل في الطب للمتعلمين وزاد فيها حبيش الأعسم تلميذه. كتاب الحمام مقالة. كتاب اللين عقلة. كتاب الأغذية ثلاث مقالات. كتاب تقاسيم علل العين مقالة. كتاب اختيار أدوية علل العين مقالة. كتاب مداواة أمراض العين بالحديد مقالة. كتاب آلات الغذاء ثلاث مقالات. كتاب الأسنان واللثة مقالة. كتاب الباء مقالة. كتاب معرفة أوجاع المعدة وعلاجها مقالتان. كتاب تدبير الناقهين مقالة. كتاب المد والجزر مقالة. كتاب السبب الذي صارت له مياه البحر مالحة. كتاب الألوان مقالة. كتاب المولودين لستة أشهر مقالة عمله لم المتوكل. كتاب في البول على طريق المسألة والجواب ثلاث مقالات. كتاب قاطيغورياس على رأي ثامسطيوس مقالة. كتاب قرص الورد. كتاب القرح وتولده مقالة. كتاب الآجال مقالة. كتاب تولد الحصاة مقالة. كتاب تولد النار بين حجرين مقالة. كتاب اختيار الأدوية المحرقة مقالة. كتاب استخراج كمية كتب جالينوس كتبه إلى ابن المنجم.. وكان إسحاق والد حنين سيد لانيا من أهل الحيرة من ولد العباد الذيت اجتمعوا على النصرانية فلما نشأ حين أحب العلم فدخل بغداد وحضر مجلس يوحنا بن ماسوية وجعل يخدمه ويقرأ عليه وكان حنين صاحب سؤال وكان يصعب على يوحنا فسأله حنين في بعض الأيام مسألة مستفهم فجرد يوحنا وقال ما لا هل الحيرة والطب عليك ببيع الفلوس في الطريق وأمر به فأخرج من داره فخرج حنين باكيا وهذا عمله يوحنا لأن هؤلاء الجند يسابوريين كانوا يعتقدون أنهم أهل هذا العلم ولا يخرجونه عنهم وعن أولادهم وجنسهم وغاب حنين سنين ثم ذكر يوسف الطبيب أنه كان يوما عند إسحاق بن الحسين حتى يصر بإنسان له شعر قد ستر وجهه عنه ببعضها وهو يمشي وينشد شعرا بالرومية لا وميرس الشاعر قال يوسف الطبيب فشبهن نغمته بنغمة صبي كنت أعرفه فصحت به فأجاب وقال ذكر يوحنا ابن الفاعلة أنه كان من المحال أن يتعلم الطب عبادي فإنا برئ من دين النصرانية إن رضيت أن أنعم الطب حتى أحكم إنسان يوناني وأنا أسألك أن تستر أمري فبقيت منذ ثلاث سنين لم أره ثم دخلت يوما على جبرائيل ابن بختيشوع فوجدت عنده حنينا وقد ترجم له أقساما قسمها بعض الروم في كتاب من كتب التشريح لجالينوس وجبرائيل يخاطبه بالتبجيل فأعظمت ما رأيت وتبين ذلك جبرائيل مني فقال لي لا تستكثر هذا مني في أمر هذا الفتى فوالله لئن مد له في العمر ليفضحن سرجيس وسرجيس هذا هو الرأس عيني ممن نقل علوم اليونانيين إلى السرياني وخرج حنين من عنده ثم خرجت فإذا حنين قائم ينتظرني فقال لي قد كنت سألتك ستر أمري وأنا الآن أسألك إظهار ما سمعت من أبي عيسى جبرائيل فقلت له أخبر يوحنا ما سمعت من مدحك فأخرج من كمه نسخة وقال تدفع هذا إلى يوحنا فإذا رأيته قد اشتد إعجابه بها أعلمه أنها إخراجي ففعلت ذلك من يومي فلما قرأ يوحنا تلك الفصول وهي المسماة بالجوامع كثر تعجبه وقال ترى أوحى الله تعالى في دهرنا إلى أحد فقلت له كيف قال هذا إلا إخراج مؤيد بروح القدس فقلت هذا إخراج حنين بن إسحاق الذي طردته من مجلسك وأمرته أن يبيع فلوسا وحدثته بما سمعته من جبرائيل فتحير وسألني التلطف في إصلاح ما بينهما ففعلت ذلك فأفضل عليه يوحنا وأحسن إليه. ولم يزل أمره يقوى وعلمه يتزايد وعجائبه تطهر في النقل والتفاسير حتى صار ينبوعا للعلوم ومعدنا للفضائل فلما انتشر ذكره بين الأطباء اتصل خبره بالخليفة فأمر بإحضاره ولما حضر أقطع إقطاعا سنيا وقرر له جار جيد وكان الخليفة يسمع علمه ولا يأخذ بقوله دواء يصفه حتى يشاور غيره وأحب امتحانه ليزيل ما في نفسه عليه إذ ظن أن ملك الروم ربما كان قد عمل شيئا من الحيلة فاستدعاه وأمر بأن يخلع عليه وأخرج توقيعا له فيه إقطاع يشتمل على خمسين ألف درهم فشكر حنين هذا الفعل ثم قل له بعد أشياء جرت أريد أن تصف لي دواء يقتل عدوا تريد قتله وليس يمكن إشهار هذا وتريده سرا فقال حنين ما تعلمت غير الأدوية النافعة ولا علمت أن أمير المؤمنين يطلب مني غيرها فإن أحب أن أمضي وأتعلم فعلت فقال هذا شيء يطول ورغبه وهدده وهو لا يزيد على ما قال إلى أن أمر بحبسه في بعض القلاع ووكل به من يرفع خبره إليه وقتا بوقت فحبس سنة وكان ينقل ويفسر ويصنف وهو غير مكترث بما هو فيه ولما كان بعد سنة أمر الخليفة بإحضاره وإحضار أموال يرغبه فيها وإحضار سيف وقطع وسائر آلات العقوبات ولما حضر قال هذا شيء قد طال ولا بد لي مما قلته لك فإن أنعمت فزت بهذا المال وكان لك عندي إضعافه وإن امتنعت عاقبتك وقتلتك فقال حنين قد قلت لأمير المؤمنين إنني ما أحسن غير الشيء النافع ولا تعلمت غيره قال الخليفة فإنني أقتلك فقال حنين إلى رب يأخذ بحقي غدا في الموقف الأعظم فإن اختار أمير المؤمنين أن يظلم نفسه فتبسم الخليفة وقال له يا حنين طب نفسا وثق بنا فهذا الفعل منا كان لامتحانك لأننا حذرنا من كيد الملوك فأردنا الطمأنينة إليك والثقة بك لننفع بعلمك فقبل حنين الأرض وشكر له فقال الخليفة ما الذي منعك من الإجابة مع ما رأيته من صدق الأمر منا في الحالين قال حنين شيئان يا أمير المؤمنين قال وما هما قال الذين والصناعة قال وكيف قال الذين يأمرنا باستعمال الخير والجميل مع أعدائنا فكيف ظنك بالأصدقاء والصناعة تمنعنا من الأضرار بأبناء الجنس لأنها موضوعة لنفعهم ومقصورة على معالجتهم ومع هذا فقد جهل في رقاب الأطباء عهد مؤكد بإيمان مغلظة أن لا يعطوا دواء قتالا فلم أر أن أخالف هذين الأمرين الشريفين ووطنت نفسي على القتل فإن الله تعالى ما كان يضيع لي بذل نفسي في طاعته فقال الخليفة أنهما شرعان جليلان وأمر بالخلع فأفيضت عليه وحمل المال معه فخرج وهو أحسن الناس حالا وجاها فانظر إلى ثمرة الدين والعلم ما أحلاهما وأحسن منظرهما وفخرهما جعلنا الله وإياك من الشاكرين بهما والمثابين عليهما.
حبيش بن الحسن الأعسم كان نصرانيا أحد تلاميذ حنين والناقلين من اليوناني إلى السرياني إلى العربي وكان حنين يقدمه ويعظمه ويصفه ويرضى نقله وقيل من جملة سعادة حنين صحبة حبيش له فإن أكثر ما نقله حبيش نسب إلى حنين وكثيرا ما يرى الجهال شيئا من الكتب القديمة مترجما بنقل حبيش فيغان الغر منهم أن الناسخ أخطأ في الاسم ويغلب على ظنه أنه حنين وقد صحف فيكشطه ويجعله لحنين.
ولحبيش هذا من التصانيف سوى ما خرجه من اليوناني إلى العربي. كتاب الزيادة في المسائل التي لحنين.
صفحہ 79