وقال يوسف بن الحكم دخلت دار جبرائيل يوما والمائدة بين يديه يأكل في يوم من تموز وعليها فراخ طيور مسرولة كبار وقد عملت كردناك بفلفل فأكل منها وطالبني أن آكل منها فقلت له كيف آكل في مثل هذا الوقت من السنة وسني من الشباب فقال ما الحمية عندك فقلت تجنب الأغذية الردية فقال لي غلطت ليس ما ذكرت حمية ثم قال لا أعرف أحدا أعظم قدرة ولا أصغر يصل إلى الإمساك عن غذاء من الأغذية كل دهره إلا أن يكون ببغضه ولا تتوق نفسه إليه لأن الإنسان قد يمسك عن أكل شيء برهة ثم يضطره إلى أكله عدم سواء لعلة من العلل أو لمساعدة صديق أو شهوة تتجدد له فمتى أكله وقد احتمى منه مدة طويلة لم تقبله طبيعته ونفرت منه فأحدث في بدن آكله مرضا صعبا والأصلح للأبدان تدربها على الأغذية الردية حتى تألفها وأن تأكل منها كل يوم شيئا واحدا ولا تجمع بين شيئين رديين في يوم واحد وإذا أكلت شيئا منها في يوم لم تعاوده في غد ذلك اليوم لأن الأبدان إذا تربت على استعمال هذه الأشياء ثم اضطر الإنسان إلى الإكثار من بعضها لم تنفر من استعماله وإنا قد رأينا الأدوية المسهلة إذا أدمتها مدمن وألفها بدنه فإن فعلها فيه ولم تسهله وأهل الأندلس إذا أراد أحدهم إسهال طبيعته أخذ من السقمونيا وزن ثلاثة دراهم حتى يلين طبيعته مقدار ما يلينها وزن نصف درهم في بلدته وإذا كانت الأبدان تألف الأدوية حتى تمنعها من فعلها فهي بالأغذية وغن كانت ردية أشد إلفا قال يوسف فحدثت بهذا الحديث بختيشوع أباه فسألني إملاءه عليه فكتبه عني بخطه. جبرائيل بن عبيد الله بن بختيشوع بن جبرائيل كان والده عبيد الله بن بن بختيشوع منصرفا ولما ولي المقتدر استخصه لخدمته وأقام في خدمة المقتدر مدة ثم مات وخلف ولده جبرائيل هذا وأختا له صغيرين وانفذ المقتدر ليلة موت عبيد الله بن بختيشوع ثمانين فراشا حملوا الموجود في بيته من رحل وأثاث وآنية وبعد مواراته في القبر اختفت امرأته وكانت ابنة إنسان عامل من أجلاء العمال يعرف بالجرشون فقبض على والدها بسببها وطلب منه ودائع ابنته وأخذ منه مال كثير فخرجت ابنته ومعها ولدها جبرائيل وأخته وهما صغيران إلى عكبرا مستترة من السلطان فتزوجت برجل طبيب فأقامت مديدة عند ذلك الرجل وماتت وأخذ الرجل جميع ما كان معها ودفع ولدها عنه فدخل جبرائيل بغداد وما معه إلا شيء يسير وقصد طبيبها وكان يعرف بهرمزد فلازمه وقرأ عليه وكان من أطباء المقتدر وقرأ على ابن يوسف الواسطي الطبيب ولازم البيمارستان والعلم والدرس وكان يأوي إلى أخوال له ثلاثة وكانوا يسكنون بدار الروم وكانوا يسيئون عشرتهم عليه ويلومونه على تعرضه للعلم والصناعة ويمجنون معه بأنه يريد أن يكون مثل جديه بختيشوع وجبرائيل ما يرضى أن يكون مثل أخواله وهو لا يلتفت وهو لا يلتفت إلى أقوالهم واتفق أنه جاء رسول من كرمان إلى معز الدولة وحمل إليه الحمار المخطط والرجل الذي طوله سبعة أشبار والآخر الذي طوله شبران وكتاب الهدايا المعروفة واتفق أنه نزل قصر فرج من الجانب الشرقي في قريب من الدكان الذي كان يجلس جبرائيل فيه وصار ذلك الرسول يجلس إليه كثيرا ويحادثه ويباسطه فلما كان في بعض الأيام استدعاه وشاوره في الفصد فأشار به وفصده وتردد إليه يومين فانفذ إليه الرسول على رسم الديلم الصينية التي كانت فيها العصائب والطشت والإبريق وجميع الآلة ثم استدعاه وقال له أدخل إلى هؤلاء القوم فانظر ما يصلح لهم وكان مع الرسول جارية يهواها قد عرض لها نزف الدم وما بقي بفارس ولا بكرمان ولا بالعراق طبيب مذكور إلا وعالجها ولك ينجع فيها العلاج فلما رآها رتب لها تدبيرا وعمل لها معجونا وسقاها إياه فما مضي إلا مديدة حتى برئت وصلح جسمها وفرح بذلك سيدها فرحا عظيما ولما كان بعد مدة يسيرة استدعاه الرسول وأعطاه ألف درهم ودراعة سقلاطون وثوبا توزيا وعمامة قصب وقال ادخل إليهم وطالبهم بحقك فأعطته الجارية ألف درهم وقطعتين من كل نوع من الثياب وحمل على بغلة بمركب واتبع ذلك بمملوك زنجي فخرج وهو أحسن الناس حالا ولما رآه أخواله وثبوا له وتلقوه لقيا جميلا فقال لهم للثياب تكرمون ليس لي.
صفحہ 67