ولما مضى الرسول ذكره بفارس وكرمان بما عمل وكان ذلك داعيا إلى خروجه إلى شيراز وكان هذا أول ما نبغ عضد الدولة وولي شيراز ولما دخل رفع خبره فاستدعي وسئل عن عصبتي العين فتكلم فيها بكلام حسن موقعه فاغتبط به وقر له دار وجراية طافيتان ثم أنه عرض لكوكبين خال عضد الدولة فلما وصل إليه أكرمه وأجعله وكان به وجع المفاصل والنقرس وضعف الأحشاء فركب له جوارش تفاحي وذلك في سنة سبع وخمسين وثلاثمائة فانتفع به منفعة عظيمة فأعطاه وأجزل إعطاءه ورده إلى شيراز مكرما ثم أن عضد الدولة دخل إلى بغداد وهو معه في خاصته وجدد البيمارستان فصار يأخذ رزقين وهما برسم الخواص ثلاثمائة درهم شجاعية وبرسم البيمارستان ثلاثمائة درهم شجاعية سوى الجراية وكانت نوبته في الأسبوع يومين وليلتين لملازمته الدار. واتفق أن الصاحب أبا القاسم بن عباد عرض له معرض صعب في معدته فكاتب عضد الدولة يلتمس منه طبيبا فأمر عضد الدولة بجميع الأطباء البغداديين وغيرهم ومشاورتهم فيمن يصلح أن ينفذ إليه قال الأطباء البغداديون على سبيل الإبعاد له من بينهم وحسدا له على تقدمه ما يصلح أن يلقي مثل ذلك الرجل إلا أبو عيسى لأنه متكلم جيد الحجة عالم باللغة الفارسية فوقعه هذا القول موافقا لعضد الدولة فأطلق له مالا ألح أمره وحمل إليه مركوبا جميلا وبغالا للحمل وأنفذه ولما وصل إلى الري تلقاه الصاحب تلقيا جميلا وأنزل في دار قد أعدت لمثله بفراش وطباخ وخازن ووكيل وبواب وغير ذلك ولما أقام عنده أسبوعا استدعاه يوما وقد جمع عنده أهل العلم من أصناف العلوم ورتب لمناظرته إنسانا من أهل الري قد قرأ طرفا من الطب فسأله عن أشياء من أمر النبض فبدأ وشرح أكثر مما تحتمله المسألة وعلل وتعليلات لم يكن في الجماعة من سمع بها وأورد شكوكا ملاحا فلك يكن في الحاضرين إلا من أكرمه وعظمه وخله عليه صاحب في ذلك اليوم خلعا حسنة وسأله أن يعمل له كناشا يختص بذكر الأمراض التي تعرض من الرأس وإلى القدم ولا يخلط بها غيرها فعمل كناشة الصغير فحسن موقعه عند الصاحب ووصله بشيء قيمته ألف دينار وكان دائما يقول صنفت مائتي ورقة أخذت عنها ألف دينار ورفع خبره إلى عضد الدولة فأعجب به وزاد موضعه فلما عاد من الري دخل إلى بغداد بزي جميل صالح وأمر وغلمان وخدم وصادف من عضد الدولة كل ما سره وقال من يوثق به أنه دخل الأطباء عليه ليهنئونه بوروده وسلامته فقال أبو الحسن بن كشكرايا المعروف بتلميذ سنان يا أبا عيسى زرعنا فأكلت أردناك تبعد فازددت قربا فضحك جبرائيل من قوله وقال ليس الأمور إلينا لها مدبر وصاحب.
صفحہ 68