وملك محمد الأمين ووافى إليه جبرائيل فقبله أحسن قبول وأكرمه ووهب له أموالا جليلة أكثر مما كان أبوه يهبه وكان الأمين لا يأكل ولا يشرب إلا بإذنه فلما كان من أمر الأمين ما كان وولي المأمون كتب إلى بغداد بحبس جبرائيل ولما مرض الحسن بن سهل في سنة ثلاث ومائتين مرض مرضا شديدا وعالجه الأطباء فلم ينتفع فأخرج جبرائيل وعالجه فبرئ في أيام يسيرة فوهب له وافرا وكتب إلى المأمون يعرفه خبر علته وكيف برئ على يد جبرائيل وسأله في أمره فأجابه بالصفح عنه ولما دخل المأمون الحضرة في سنة خمس ومائتين أمر بحبس جبرائيل في منزله وأن لا يخدم ووجه من أحضر ميخائيل المتطبب وهو صهر جبرائيل وجعله مكانه وأكرمه إكراما وافرا كيادا لجبرائيل ولما كان في ستة عشر ومائتين مرض المأمون مرضا صعبا وكان وجوه الأطباء يعالجونه ولا يصلح فقال لميخائيل هو ذا تزيدني الأدوية التي تعطيني شرا فاجمع وشاورهم في أمري فقال أخوه أبو عيسى يا أمير المؤمنين نحضر جبرائيل فإنه يعرف أمزجتنا منذ الصبا فتغافل عن كلامه وأحضر أبو إسحاق أخوه يوحنا بن ماسويه فثلبه ميخائيل ووقع فيه فلما ضعفت قوة المأمون عن أخذ الدوية أذكروه بجبرائيل فأمر بإحضاره ولما حضر غير تدبيره كله فاستقام وبعد ثلاثة أيام صلح فسر به المأمون سرورا عظيما ولما كان بعد أيام صلح صلاحا تاما وأذن له جبرائيل في الأكل والشرب ففعل ذلك فقال له أخوه أبو عيسى يوما وهو جالس على الشراب معه مثل هذا الرجل الذي لم يكن مثله ولا يكون سبيله أن يكرم فأمر له المأمون بألف ألف درهم ورد عليه سائر ما قبض عنه من الأملاك والضياع وصار إذا خاطبه كناه بأبي عيسى جبرائيل وأكرمه زيادة على ما كان أبوه يكرمه وانتهى بن الأمر في إجلاله إلى أن كان كل من تقلد عملا لا يخرج إلى عمله إلا بعد أن يلقى جبرائيل ويكرمه. وفي سنة ثلاث عشرة ومائتين مرض جبرائيل مرضا شديدا فلما رآه المأمون ضعيفا التمس منه إنفاذ ابنه بختيشوع معه إلى بلد الروم فأحضره وكان مثل أبيه في الفهم والعقل ولما خاطبه المأمون فرح به فرحا شديدا وأكرمه غاية الإكرام ورفع منزلته وأخرجه إلى بلد الرزم وطال مرض جبرائيل إلى أن بلغ الموت فصل وصية إلى المأمون تشتمل على سبعمائة ألف دينار هذا بعدما نهب له وما أنكره أصحاب الودائع وما أخذه الأمين وما بذله في الكفالات والمصادرات والنفقات وشراء الضياع والأملاك على ذكر ما في الدرج الذي وجد بخطه ودفع الوصية إلى ميخائيل صهره ومات وكانت جنازته مشهورة ودفن في دير مارسرجس بالمداين ولما عاد المأمون من بلد الروم دفع الوصية جميعها إلى بختيشوع ابنه فعمد بختيشوع إلى الدير فعمره وجمع له رهبانا وأجرى عليهم الحرايات والنفقات.. وهذا ثبت ما كان لجبرائيل من الرزق والرسوم والصلات ذكر أن رزقه كان برسم العامة في كل شهر من الورق عشرة آلاف درهم وبرسم الخاصة في المحرم في كل سنة من الورق خمسون ألف درهم وثياب بقيمة عشرة آلاف درهم ولفصد الرشيد دفعتين في السنة مائة ألف درهم ولشرب الدواء دفعتين في السنة مائة ألف درهم ومن أصحاب الرشيد كل سنة على ما فصل مع ما فيه من قيمة الكسوة وثمن الطيب والدواب من الورق أربعمائة ألف درهم.. تفصيل ذلك عيسى بن جعفر خمسون ألف درهم زبيدة أم جعفر خمسون ألف درهم العباسة خمسون ألف درهم فاطمة سبعون ألف درهم إبراهيم بن عثمان ثلاثون ألف درهم الفضل بن الربيع خمسون ألف درهم كسوة وطيب ودواب مائة ألف درهم ومن غلة ضياعه بجند يسابور والسوس والبصرة والسواد في كل سنة ثمانمائة ألف درهم ومن فضل المقاطعة سبعمائة ألف درهم وكان يصير إليه من البرامكة في كل سنة من الورق ألفا ألف وأربعمائة ألف درهم.. تفصيل ذلك يحيى بن خالد ستمائة ألف درهم جعفر بن يحيى الوزير ألف ألف ومائتا ألف درهم الفضل بن يحيى ستمائة ألف درهم فيكون جميع ذلك في خدمته للرشيد وهي ثلاث وعشرون سنة وخدمته للبرامة وهي ثلاث عشر سنة سوى الصلات الجسام فإنها لم تذكر في هذا المدرج من الورق ثمانية ألف ألف درهم وثمانمائة ألف درهم الخرج من ذلك في النفقات والصلات والكفالات والصدقات على ما تضمنه المدرج من العين تسعمائة ألف دينار ومن الورق سبعون ألف ألف وستمائة ألف درهم ثم بعد ذلك وصى لابنه يختيشوع وجعل المأمون الوصي فيها كما ذكرنا سالفا سبعمائة ألف دينار وذكر إبراهيم بن المهدي أنه تخلف عن مجلس محمد الأمين في أيام خلافته عشية من العشايا لدواء وكان أخذه وإن جبرائيل باكره غداة اليوم الثاني فأبلغه سلام الأمين وسأله عن حاله كيف كانت في دوائه ثم دنا منه فقال أمير المؤمنين في تجهيز علي بن عيسى إلى خراسان ليأتيه بالمأمون أسيرا في قيد من فضة وجبرائيل برئ من النصرانية إن لم يغلب المأمون محمدا ويقتله ويحوز ملكه قال فقلت له ويحك ولم قلت هذا القول قال لأن الخليفة الموسوس قد سكر في هذه الليلة فدعا أبا عصمة السبيعي صاحب حرسه وأمره بسواد فنزع عنه وألبسه ثيابي وزناري وقلنسوتي وألبسني أقبيته وسيفه ومنطقته وأجلسني في مجلس صاحب الحرس إلى وقت طلوع الفجر وأجلسه في مجلسي وقال لكل واحد مني ومن أبي عصمة قد قلدتك ما كان يتقلده صاحبك فقلت أن الله مغير ما به من نعمة لتغيره ما بنفسه منها وأنه إذا جعل حجبته وحراسته إلى رجل نصراني والنصرانية أذل الأديان لأنه ليس في عقد دين غيرها التسليم لما يراد به من عدوه من المكروه مثل الإذعان لمن سخره بالسخرة ميلا وإن لعلم له قد حول الأخر ليعلم فقضيت أعزك الله أن عز الرجل زائل وقضيت أنه حين أجلس في مجلس متطببه الحافظ عنده لحياته والقائم بمصالح بدنه والخادم لطبيعته أبا عصمة الذي لا يفهم من ذلك قليلا ولا كثيرا بأنه لا عمر له وأن نفسه تالفة قال إبراهيم بن المهدي فكان الأمر شهد الله على ما قال جبرائيل. ومن أخبار جبرائيل أنه اجتمع في بعض الأوقات مع عشرة أطباء من أهل زمانه وفيهم ابن داوود بن سرافيون وتحادثوا طويلا وجرى حديث شرب الماء عند الأنبياء من النوم فقال ابن داوود بن سرافيون ما في الدنيا أحمق ممن يشرب الماء عند الانتباه من نومه فقال جبرائيل أحمق منه من يتضرم نار على كبده فلا يطفئها فقال له الغلام فكأنك تطلق شرب الماء عند الانتباه من النوم فقال له جبرائيل أما المحرور المعدة ومن أكل طعاما مالحا فأطلقه له وأمنع المرطوبي المعدة وأصحاب البلغم المالح فإن في منعهم شفاء لما يجدونه فقال الحدث وقد بقيت الآن واحدة وعي أن يكون العطشان يفهم من الطب مثل فهمك فيعرف عطشه من مرارة أو من بلغم مالح فضحك جبرائيل وقال متى عطشت ليلا فأبرز رجلك من دثارك فاصبر قليلا فإن تزيد عطشك فهو من حرارة أو من طعام تحتاج إلى شرب الماء عليه فاشرب وإن نقص عطشك فأمسك من شرب الماء فإنه بلغم مالح.
صفحہ 66