وكان محلو يقوى ويعلو في كل وقت حتى أن الرشيد قال لأصحابه كل من كانت له حاجة إلي فليخاطب فيها جبرائيل لأني أفعل كل ما سألنيه ويطلبه مني فكان القواد يقصدونه في كل امورهم وحاله يتزايد ومنذ يوم خدم الرشيد وإلى أن انقضت مدته خمس عشرة سنة لم يمرض الرشيد فحظي عنده وفي آخر أيام الرشيد عند حصوله بطوس مرض المرضة التي توفي فيها وسنذكرها إن شاء الله تعالى. قال يوسف بن إبراهيم مولى إبراهيم بن المهدي سأل مولاي أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي جبرائيل بن بختيشوع عن مسكن جالينوس أين كان من أرض الروم فذكر أن مسكنه كان متوسطا لأرض الروم وأنه في هذا الوقت في طرف من أطرافها وذكر أن حد الروم كان في أيام جالينوس من ناحية المشرق مما يلي الفرات القرية المعروفة ينقبا من طسوج الأتبار وكانت مسلحة يجتمع جند فارس والروم ونواظرهما فيها وكان الحد من ناحية دجلة دارا إلا في بعض الأوقات فإن ملوك فارس كانت تغلبهم على ما بين دارا ورأس العين وكان الحد فيما بين فارس والروم من ناحية الشمال أرمينية ومن ناحية المعرب مصر إلا أن الروم قد كانت تغلب في بعض الأوقات على أرمينية فتلقيت قوله بالإنكار له وجحدت أن تكون الروم غلبت على أرمينية إلا على الموضع الذي تسمى بأرض الروم أرميناس فإن الروم يسمون أهل هذا البلد إلى هذه الغاية الأرمن فشهد له مولاي أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي بالتصديق وأتي بالدليل على ذلك لم أدفعه وهو نمط أرمني كأحسن ما رأيت من الأرمني صنعة فيه صور جوار يلعبن في بستان بأصناف الملاهي الرومية وهو مطرز مسمى باسم ملك الرزم فسلمت لجبرائيل ورجع الحديث إلى القول في جالينوس قال واسم البلد الذي ولد فيه وكان يسكنه جالينوس سرنا وقيل سمرنا وكان منزله بالقرب من قرة بينه وبينها فرسخان قال جبرائيل ولما نزل الرشيد على قرة ورأيته طيب النفس فقلت له يا أمير المؤمنين أطال الله بقاك منزل أستاذي الكبر على فرسخين فإن رأى أمير المؤمنين أن يطلق لي الذهاب إليه حتى أطعم وأشرب وأصول بذلك على متطببي أهل دهري وأقول إني أكلت وشربت في منزل أستاذي فاستضحك الرشيد من قولي ثم قال لي ويلك يا جبرائيل أتخوف أن يخرج جيش الروم أو منسر من مناسرهم فتخطفك فقلت له من المحال أن يقدم منسر الروم على القرب من معسكرك هذا القرب كله فأحضر إبراهيم بن عثمان بن نهيك وأمره أن يضم إلي خمسمائة رجل حتى أوافي الناحية فقلت له ما بي إلى النظر إلى منزل جالينوس حاجة فازداد ضحكا ثم قال وحق المهدي لينفذن ألف فارس قال جبرائيل فخرجت وأنا أشد الناس غما وأكسفهم بالا وقد أعددت لنفسي ما لا يكفي عشرة أنفس من الطعام والشراب قال فما استقر في الموضع حتى وافاني من الخبز والمطاعم المعدة للمسافر ما عم من معي وفضل كثير فأقمت في ذلك الموضع قطعت فيه ومضى فتيان الجند فأغاروا إلى مواضع خمور الروم فأكلوا اللحم كبابا بالخبز وشربوا الخمور وانصرفوا في آخر النهار وسأل إبراهيم بن المهدي جبرائيل هل تبين في رسم منزل جالينوس ما يدل أنه كان له سرو فقال له أما الرسم فكبير ورأيت له أبياتا شرقية وأبياتا عربية وأبياتا قبلية ولم أرى له بيتا فراتيا هذا يدل على أن الفرات كان شمالي المدينة ثم قال وكذلك كانت فلاسفة الروم تجعل بيوتها وكذلك كانت ترى عظماء فارس وكذلك أرى أنا إذا صدقت نفسي وعملت بما تحب لأن كل بيت لا تدخله الشمس يكون وبيئا وإنما كان جالينوس على حكمته خادما لملوم الروم وملوك الروم أهل قصد في جميع أمورهم فإذا قست منزل جالينوس على حكمته بمنازل الروم رأيت من كبر خطته وكثرة بيوته وأن كنت لم أرها إلا خرابا على أنني قد وجدت منها أبياتا مسقفة استدللت بها على أنه ذا مروءة فسكت عنه إبراهيم فقلت يا أبا عيسى أن ملوك الروم على ما ذكرت في القصد وليس قصدهم في هباتهم وعطاياهم إلا مثل قصدهم في مروآت أنفسهم فالنقص يدخل المخدوم والخادم فإذا نظرت إلي قصد ملوك الروم وموضع جالينوس ثم نظرت إلى فضل أمير المؤمنين ومنزلك يكون نسبة منزل جالينوس إلى منزل ملك الروم مثل نسبة منزلك إلى منزل أمير المؤمنين وكان جبرائيل أحيانا يعجب مني لكثرة السؤال والاستقصاء فيه ويمدحني به عند مولاي إبراهيم بن المهدي وأحيانا يغضب حتى يكاد يطير غيظا فقال لي وما معنى ذكرك النسبة فقلت أردت بذكر النسبة أنها لفظة يتكلم بها حكماء الروم وأنت رئيس تلامذة أولئك الحكماء فأردت التقرب إليك بمخاطبتك بألفاظ أستاذيك وإنما معنى قولي نسبة دار جالينوس إلى دار ملك الروم مثل نسبة دارك إلى دار أمير المؤمنين أنها إن كانت دار جالينوس مثل نصف أو ثلث أو ربع أو خمس أو قدر من الأقدار من دار ملك الروم هل يكون قدرها من دار ملك الروم مثل قدر دار من دار أمير المؤمنين أو أقل فإن دار أمير المؤمنين إن كانت فرسخا فقدر دارك عشر فرسخ ثم أن دار ملك الروم أن كانت عشر فرسخ ودار جالينوس عشر عشر فرسخ كان قدر دار جالينوس من دار ملك الروم مثل مقدار دارك من أمير المؤمنين.. قال قدر ما عاينته من ذلك بكثير فقلت له أتخبر عما أسأل فقال لست آبي عليك فقلت إنك قد أخبرت عن صاحبك أنه كان أنقص مروءة منك فغضب وقال إن عيش جبرائيل وبختيشوع أبيه وجورجيس جده لم يكن من الخلفاء فقط وإنما كان من الخلفاء وولاة العهد وإخوة الخلفاء وعمومتها وقرابتها ووجوه مواليها وقوادها وكل ملك الروم ففي ضنك من العيش وقلة ذات يد فكيف يمكن أن أكون مثل جالينوس ولم يكن له متقدم نعمة لأن أباه كان زراعا وصاحب أجنة وكروم فكيف يمكن من كان معاشه من أهل هذا المقدار أن يكون مثلي ولي أبوان قد خدما خلفاء وأفضلوا عليهما وأفضل عليهما غيرهم ممن هو دونهم وقد أفضل علي الخلفاء ورفعوني من حد الطب إلى المعاشرة والمسامرة وأنه ليس لأمير المؤمنين أخ ولا قرابة ولا قائد ولا عامل إلا وهو يداريني إن لم يكن مائلا بمحبته إلي وشاكرا لي على علاج ومحضر جميل حضرته له ووصفته وصفا حسنا عند الخليفة فنفعته وكل واحد من هؤلاء يفضل علي ويحسن إلي وإذا قدر داري من دار الخليفة على جزء من عشرة أجزاء وكان قدر دار جالينوس من دار ملك الروم على قدر جزء من مائة جزء فهو اعظم مني مروءة فقال له إبراهيم بن المهدي أرى حدتك على إبراهيم مولاي إنما كانت لأنه قدمك في المروءة على جالينوس فقال أجل والله لعن الله من لا يشكر النعم ولا يكافئ عليها بكل ما أمكنه أي والله إني لأغضب أن أساوي بجالينوس في حالة من الحالات وأشكر على تقديمه علي في كل الحالات فاستحسن ذلك منه إبراهيم بن المهدي وأزهر استصوابه له وقال هذا لعمري الذي يحسن بالأحرار والأدباء فانكب جبرائيل على قدم أبي إسحاق إبراهيم بن المهدي يقبلها فمنعه من ذلك وضمه إليه.ما معنى قولي نسبة دار جالينوس إلى دار ملك الروم مثل نسبة دارك إلى دار أمير المؤمنين أنها إن كانت دار جالينوس مثل نصف أو ثلث أو ربع أو خمس أو قدر من الأقدار من دار ملك الروم هل يكون قدرها من دار ملك الروم مثل قدر دار من دار أمير المؤمنين أو أقل فإن دار أمير المؤمنين إن كانت فرسخا فقدر دارك عشر فرسخ ثم أن دار ملك الروم أن كانت عشر فرسخ ودار جالينوس عشر عشر فرسخ كان قدر دار جالينوس من دار ملك الروم مثل مقدار دارك من أمير المؤمنين.. قال قدر ما عاينته من ذلك بكثير فقلت له أتخبر عما أسأل فقال لست آبي عليك فقلت إنك قد أخبرت عن صاحبك أنه كان أنقص مروءة منك فغضب وقال إن عيش جبرائيل وبختيشوع أبيه وجورجيس جده لم يكن من الخلفاء فقط وإنما كان من الخلفاء وولاة العهد وإخوة الخلفاء وعمومتها وقرابتها ووجوه مواليها وقوادها وكل ملك الروم ففي ضنك من العيش وقلة ذات يد فكيف يمكن أن أكون مثل جالينوس ولم يكن له متقدم نعمة لأن أباه كان زراعا وصاحب أجنة وكروم فكيف يمكن من كان معاشه من أهل هذا المقدار أن يكون مثلي ولي أبوان قد خدما خلفاء وأفضلوا عليهما وأفضل عليهما غيرهم ممن هو دونهم وقد أفضل علي الخلفاء ورفعوني من حد الطب إلى المعاشرة والمسامرة وأنه ليس لأمير المؤمنين أخ ولا قرابة ولا قائد ولا عامل إلا وهو يداريني إن لم يكن مائلا بمحبته إلي وشاكرا لي على علاج ومحضر جميل حضرته له ووصفته وصفا حسنا عند الخليفة فنفعته وكل واحد من هؤلاء يفضل علي ويحسن إلي وإذا قدر داري من دار الخليفة على جزء من عشرة أجزاء وكان قدر دار جالينوس من دار ملك الروم على قدر جزء من مائة جزء فهو اعظم مني مروءة فقال له إبراهيم بن المهدي أرى حدتك على إبراهيم مولاي إنما كانت لأنه قدمك في المروءة على جالينوس فقال أجل والله لعن الله من لا يشكر النعم ولا يكافئ عليها بكل ما أمكنه أي والله إني لأغضب أن أساوي بجالينوس في حالة من الحالات وأشكر على تقديمه علي في كل الحالات فاستحسن ذلك منه إبراهيم بن المهدي وأزهر استصوابه له وقال هذا لعمري الذي يحسن بالأحرار والأدباء فانكب جبرائيل على قدم أبي إسحاق إبراهيم بن المهدي يقبلها فمنعه من ذلك وضمه إليه. وذكر جبرائيل في جملة ما ذكره لإبراهيم بن المهدي يوما أنه دخل ذات يوم على الفضل بن سهل ذي الرئاساتين بعد إسلامه وهو مخنتن وبين يديه مصحف قرآن وهم يقرأ فيه قال فقلت جون بيني نامه إيزد فقال خوش وجون كليلة ودمنة تفسيرها هذا الكلام قال جبرائيل قلت له كيف ترى كتاب الله فقال طيب ومثل كليلة ودمنة.
ولما حصل الرشيد بطوس وقوي عليه المرض قال لجبرائيل لم لا تبرئني قال له قد كنت أنهاك دائما عن التخليط وكثرة الجماع ولا تسمع منى والآن سألتك أن ترجع إلى بلدك فإنه أوفق لمزاجك فلم تقبل وهذا هو مرض شديد وأرجو أن الله بعافيتك فأمر بحبسه عنه وقيل أن بفارس أسقفا يفهم الطب فوجه إليه وأحضره ولما حضر ورآه قال له الذي عالجك لم يكن يفهم الطب فزاد ذلك في إيعاء جبرائيل وكان الفضل بن الربيع يحب جبرائيل ورأى الأسقف كذابا يريد إقامة السوق وكان الأسقف يعالج الرشيد ومرضه يزيد ويقول فيه أنت قريب من الصحة ثم قال له هذا المرض كله من خطأ جبرائيل فاغتاظ الرشيد وأمر الفضل بن الربيع بقتله فلم يقبل منه الفضل لأن جبرائيل كان قد قال للفضل أنه يموت بعد أيام يسيرة واستبقى جبرائيل وعرض للفضل بن الربيع قولج صعب يئس الأطباء منه فعالجه جبرائيل بألطف علاج فبرئ الفضل وازدادت محبته لجبرائيل وأعجب به.
صفحہ 64