وثانيهما: ناطق بأن كل من توهم هذا التوهم المذكور، وكان عمله غير مقبول؛ لأنه توهم ما لا وجود له في نفس الأمر، ثم إنه قد تجاوز من هذه المناقضة والفضيحة التي ليست بغامضة إلى فضيحة أكبر منها، وهي أنه ذكر في أول كتاب التوحيد أنه لا يتم لأحد ألا يرفع هذا التوهم المشار إليه.
وقال: هنالك بما موداه أن كل من توهم أنه يقدر على شيء ما كان مشركا بالله تعالى، لكنه بزعمه الفاسد لا يكون مكلفا حتى يكون متوهما بالتوهم المذكور فيصير محصل كلامه في الوصفين بل في مواضع أن كل ما كان الإنسان متوهما بالتوهم المذكور كان مكلفا بالتكاليف الشرعية، وكل ما كان مكلفا بها كذلك، كان مشركا بالله تعالى كما سيأتي توضيحه، وعلى هذا قد لزم ما هو أكبر منه من عدم قبول العمل المذكور، ووقع في الفخ الأكبر في العصفور وظهر أنه يلزمه تكفيره للأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين وسائر الأولياء والصالحين، بل جميع المكلفين، ومن المناقضات الذي وقع فيها أيضا بغير شعور أنه صرح في سياق الكلام على هذا الحديث المزبور: ((أن المنفق مثل أحد ذهبا)) يتوهم أن إنفاقه صدر منه بخلقه وقدرته استقلالا، فلذا لم يقبل منه، لكنه قد ذكر في مواضع سنقف عليها إن شاء الله تعالى بأن توهم القدرة يسمى قدرة غير مستقلة وتوهم الاختيار يسمى اختيارا .....غير مستقل إلى غير ذلك من الأسماء، وعلى هذا يكون المتوهم لصدور الإنفاق المذكور بخلقه خالقا غير مستقل إلى غير ذلك من الأسماء، وعلى هذا يكون المتوهم لصدور الإنفاق المذكور بخلقه غير مسقتل كما أن عنده يسمى قادرا غير مستقل، وهذا ما جاء به مخالفا لجميع المسلمين والأشاعرة والمعتزلة وسائر العدلية وغيرهم من الأولين والآخرين.
صفحہ 96