9
وكان خصما للشيخ لأكثر من سبب شديد المراس، وابن مخلوف قاضي المالكية.
ومهما يكن من أمر، فقد عقد المجلس لمحاكمته، وادعى عليه المدعي بأنه يعتقد أن الله على العرش حقيقة، وأنه يشار إليه بالإشارة الحسية، وأنه يتكلم بحرف وصوت، ثم قال: أطلب التعزير على ذلك؛ التعزير البليغ، يشير إلى القتل على مذهب مالك.
فقال القاضي ابن مخلوف: ما تقول يا فقيه؟ فأخذ في حمد الله والثناء عليه، فقيل له: أسرع، ما جئت لتخطب، فقال: أأمنع من الثناء على الله تعالى! فقال القاضي: أجب، فقد حمدت الله تعالى. فسكت الشيخ. فقال: أجب!
فقال الشيخ له: من هو الحاكم في؟ فأشاروا: القاضي هو الحاكم، فقال الشيخ لابن مخلوف: أنت خصمي فكيف تحكم في؟! وغضب، فأقيم الشيخ ومعه أخواه، ثم رد وقال: رضيت أن تحكم في، فلم يمكن من الجلوس.
ويقال: إن أخاه شرف الدين ابتهل إلى الله ودعا عليهم في حال خروجهم، فمنعه الشيخ وأمره أن يقول: اللهم هب لي نورا يهتدون به إلى الحق!
ونعتقد نحن أنه رحمه الله كان يتأسى فيما أمر به أخاه بقوله
صلى الله عليه وسلم ، وقد اشتد إعراض قريش وأذاهم له: «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.»
وكان بعد هذا أن حبسوه في برج أياما نقل بعدها ليلة عيد الفطر إلى السجن المعروف بالجب، وتلا ذلك إرسال كتاب سلطاني إلى الشام بالطعن عليه والحط منه وإلزام الناس - وبخاصة أهل مذهبه - بالرجوع عن عقيدته وإلا كان العزل والحبس مصيرهم، ونودي بهذا في الجامع والأسواق.
وكان من الطبعي بعد ذلك أن ينال الحنابلة بمصر والشام أذى كثير، حتى حبس بعضهم، وأخذ خطوط بعضهم بالرجوع عن العقيدة التي حوكم الشيخ وعوقب بالحبس هو وأخوه شرف الدين من أجلها، كما جرت فتن كثيرة بسببها.
نامعلوم صفحہ