ولبث في السجن عاما وبضعة أشهر، ورفض الإفراج عنه على أن يرجع عن بعض عقيدته. حتى إذا كان شهر ربيع الأول سنة 707 حضر حسام الدين مهنا بن عيسى أمير العرب إلى مصر ودخل السجن وأخرج الشيخ بنفسه بعد أن استأذن في ذلك، وعقدت له مجالس حضرها أكابر الفقهاء وانتهت على خير كما يقول ابن رجب.
10
ولكنه بعد إطلاقه رفض العودة إلى دمشق، وأقام بالقاهرة يقرئ العلم على عادته ويتكلم في الجوامع والأماكن العامة، ويجتمع الناس للإفادة منه. (5)
على أنه لم يخرج من السجن إلا ليعود إليه في العام نفسه بسبب شكاية تقدم بها الصوفية في شهر شوال ضده إلى القاضي (أو الحاكم كما جاء في بعض النصوص)، وذكروا في شكايتهم أنه يحمل على ابن عربي وغيره من أعلام التصوف،
11
وبعد سماع كلام الشيخ قال بعض الحاضرين إنه ليس عليه في هذا شيء.
ولكن الدولة لم ترض بهذا (أغلب الظن أن ذلك كان بإشارة من الشيخ نصر المنبجي عدو ابن تيمية، والذي كان له التأثير الكبير على الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير) فخير بين أشياء، وهي - كما يقول ابن رجب: الإقامة بدمشق أو بالإسكندرية بشروط أو الحبس، فكان أن اختار الحبس مؤثرا له على قبول تلك الشروط.
إلا أن أصحابه رغبوا إليه في السفر إلى دمشق ملتزما ما شرطوه عليه، فأجابهم وركب فعلا متوجها إليها، إلا أنه صدر الأمر برده، فرد في الغد إلى القاهرة وحضر عند القاضي، فقيل له: ما ترضى الدولة إلا بالحبس، إلا أن أحدا من القضاة لم يجرؤ على الحكم عليه؛ لأنه ما ثبت عليه شيء.
ولما رأى الشيخ تحيرهم بين الحق وبين ما تريده الدولة، قال: أنا أمضي إلى الحبس وأتبع ما تقتضيه المصلحة، فأرسل إلى حبس القاضي المعروف، واستمر فيه على عادته من التعليم والإفتاء في الفتاوى المشكلة التي تأتيه من الأمراء وأعيان الناس، وكان أصحابه يدخلون عليه كلما أرادوا.
وحينئذ لم يجدوا بدا من إخراجه إلى الإسكندرية، وبقي في حبس بها مدة سلطنة الملك المظفر بيبرس الجاشنكير. فلما عاد الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى السلطنة، أمر بإحضار الشيخ إلى القاهرة في شوال سنة 709، وأكرمه إكراما زائدا، وقام إليه وتلقاه في مجلس حفل بالقضاة المصريين والشاميين وأعيان الدولة.
نامعلوم صفحہ