حكايات شاعرية
حكايات شاعرية: قصائد قصصية من الأدب الألماني الحديث
اصناف
وذات يوم توجه نحو هذا القصر مغنيان نبيلان، تنسدل على ظهر أحدهما خصلات شعر ذهبية، ويكسو رأس الآخر البياض، كان العجوز يحمل قيثارته، ويجلس على صهوة جواد متألق بزينته، وكان يمشي إلى جواره رفيقه اليافع الشاب.
قال العجوز للشاب: «كن على أتم استعداد يا ولدي. تفكر في أغانينا الصادرة من الأعماق، وترنم بأعذب الأنغام. عبئ كل طاقاتك لتعبر عن الفرح والألم؛ فعلينا اليوم أن نحرك قلب الملك المتحجر.»
ها هما المغنيان يقفان في القاعة الفخمة العالية، وعلى العرش يجلس الملك مع قرينته، أما الملك فرائع روعة مخيفة كأنه ضوء دموي من الشمال، وأما الملكة فحلوة ورقيقة كأنها البدر في التمام.
لمس العجوز الأوتار، فانبعثت أعجب الألحان، وراحت تنثال على الأسماع بأعذب وأجمل الأنغام، ثم انساب صوت الشاب كأنه إشراقة السماء، بينما تدخل غناء العجوز كأنه جوقة من الأرواح خافتة الأداء.
أخذا يتغنيان بالحب والربيع والماضي السعيد، بالحرية والوفاء والطهر والعفاف وكرامة الإنسان، بكل ما هو حلو عذب يجيش في صدور البشر، وكل ما هو نبيل ورفيع يخفق به القلب والوجدان.
وجمت وجوه الحاشية، وكفت عن الدعابة والسخرية، والمحاربون الأشداء من جند الملك خشعوا لله، أما الملكة فذابت في لهيب الأسى، وفي نشوة البهجة، فانتزعت وردة من صدرها، وألقت بها إلى المغنيين. «لقد أغويتما رعيتي، فهل تتجرآن الآن على إغواء زوجتي؟» هكذا صرخ الملك من شدة الغضب، وراح جسده كله ينتفض، ثم أمسك سيفه وقذفه بقوة، فنفذ كالصاعقة في صدر الشاب، صدره الذي تفجر منه الدم وسال بدلا من الأغاني الذهبية.
وفجأة تبددت حشود المستمعين كأن عاصفة هبت عليهم، وأخذ الشاب يحتضر بين ذراعي معلمه، معلمه الذي لفه في المعطف، ووضعه على ظهر الحصان، وبعد أن أحكم ربطه غادر معه القصر وما فيه.
توقف المغني العجوز أمام البوابة العالية، وأمسك بقيثاره الذي يغار منه أي قيثار، ثم رفع يده وحطمه على عمود مرمري ، وأخذ ينادي ويصيح بصوت جلجل في القصر وفي الحدائق الغناء: «ويل لك أيتها القاعات المغرورة، أبدا لن يتردد في أبهائك وتر، لن يصدح فيك غناء. لا لا، بل أصوات الآهات والحسرات وخطوات عبيد، حتى تدوسك روح الانتقام وتحولك إلى عفن ورماد.
ويل لك أيتها الحدائق المعطرة في ضوء الربيع البديع، ها أنا ذا أريك الوجه المشوه لهذا الميت الحبيب، حتى تجف أوراقك وأشجارك، وينضب كل نبع فيك، وتتحجري في مستقبل الأيام، وتتحولي إلى صحراء يباب.
ويل لك أيها القاتل الملعون، أنت يا لعنة الغناء والمغنين، ليذهب أدراج الرياح كل كفاحك للحصول على أكاليل المجد الدموي، لينس اسمك، وليغص في أعماق الليل الأبدي، وليتبدد في الخلاء كحشرجة الاحتضار الأخير.»
نامعلوم صفحہ