حیات ابن خلدون
حياة ابن خلدون ومثل من فلسفته الاجتماعية
اصناف
احتمل ابن خلدون هذا الشرط، وولى وجهه شطر الأندلس وافدا على السلطان ابن الأحمر بغرناطة. ولما بات بمقربة منها وافته من وزيرها لسان الدين بن الخطيب رسالة يهنئه فيها بالقدوم، ويعبر بها عن شدة ابتهاجه للقياه، ووضع في صدر الرسالة أبياتا - على سنة من يجيد صناعتي الشعر والنثر - وهي:
على الطائر الميمون والرحب والسهل
حللت حلول الغيث في البلد المحل
يمينا بمن تعنو الوجوه لوجهه
من الشيخ والطفل المعصب والكهل
لقد نشأت عندي للقياك غبطة
تنسي اغتباطي بالشبيبة والأهل (12) إرساله سفيرا إلى ملك الإسبان
نزل ابن خلدون من السلطان ابن الأحمر منزلة الاحتفاء والإنعام، وندبه للسفارة بينه وبين ملك الإسبان، فعرف الملك قيمته وأعجب بكماله ومقدرته، حتى دعاه إلى الإقامة معه بدار ملكه «إشبيلية»، ملتزما له بأن يرد عليه ما كان لسلفه من أملاك، فرفض ابن خلدون هذه الدعوة، ولم يكن ممن يشغفه المال حبا فيؤثره على المقام بين أمته التي يشرف بشرفها وينحط شأنه بانحطاط سمعتها. (13) تنكر وزير الأندلس له
حاز ابن خلدون لدى ابن الأحمر رعاية ضافية، فجاش الحسد في نفوس بعض معاديه، وطفقوا يسرون لابن الخطيب ما يزلزل ركن الصداقة بينه وبين ابن خلدون؛ حتى اغبر صدره، وبدا عليه انقباض أحس به ابن خلدون، فجعل وجه البلاد في عينه قاتما، ولم يسعه بعد تنكر ابن الخطيب - وهو القابض على مقاليد الدولة - إلا أن يعتزم على الرحلة، واتفق أن وافته كتب من أبي عبد الله صاحب بجاية يستدعيه للقدوم عليه، فاتخذها ذريعة لاستئذان السلطان في الانصراف إلى إفريقية دون أن يطلعه على ما كان بينه وبين ابن الخطيب، فامتعض في مبدأ الأمر ضنا بفراقه، ثم ادكر أن للحنين إلى الوطن حكما لا يغالب، فأذن له بالظعن وأصدر في تشييعه مرسوما من إملاء ابن الخطيب، يشهد له فيه برفعة القدر واستقامة السيرة والتحقيق في العلم، ويوصي قواد الدولة وأعوانها برعايته وإسعافه في كل حال. (14) سفرة الثاني إلى بجاية
سافر إلى بجاية سنة 766، وأقيمت له يوم مقدمه حفلة مشهودة، فأركب السلطان خاصته لاستقباله، وهرع إليه أهل البلد بنفوس متعطشة إلى لقائه، وانهالوا يمسحون أعطافه ويلثمون يده. فاجتمع له في هذا الاحتفال إقبال الدولة وانعطاف الأمة، وهما لا يجتمعان لشخص بانتظام إلا حيث تكون الدولة رشيدة، وإذا كانت الدولة قد تقبل على غير عظيم، فإن الأمة لا تخلع عطفها وإجلالها إلا على من تقدر عظمته وتثق بإخلاصه. (15) ولايته الحجابة لسلطان بجاية
نامعلوم صفحہ