حیات ابن خلدون
حياة ابن خلدون ومثل من فلسفته الاجتماعية
اصناف
وأي صروف للزمان أغالب
وقد تنجح شفاعة الشعر لدى الحاكم المطلق وتأتي بالأثر الذي تذهب الحجج الساطعة دونه عبثا. وما كان من أبي عنان إلا أن هش للقصيدة - وكان وقتئذ بتلمسان - ووعد بالإفراج عن ابن خلدون عند حلوله بحاضرة فاس. ولكنه لم يلبث بعد إيابه إلى الحاضرة إلا خمس ليال فطرقه الوجع ولقي أجله قبل أن يفي بوعده لابن خلدون. (9) خروجه من السجن وولايته كتابة السر وخطة المظالم
وبعد مهلك السلطان بادر الوزير الحسن بن عمر إلى إطلاق سراح ابن خلدون من الاعتقال، وخلع عليه من الإكرام بردا ضافيا، وأعاد إليه ما كان يتقلده من أعمال الدولة.
وعندما استلم السلطان أبو سالم زمام الملك استعمل ابن خلدون على كتابة سره، وألقى إليه الأمر في إنشاء مخاطباته، فعدل بالإنشاء عن طريقة التسجيع وأخذ به في طريق الترسل - ولم يكن في كتاب الدولة لذلك العهد من يجيد صناعة الترسل - فكانت هذه المزية من أسباب تفوقه وإحرازه قصب السبق في حلبة البيان والتحرير.
ولم تزل مكانته لدى أبي سالم راضية، ولم تزحزحه سعاية ابن مرزوق - التي تناولت أكثر رجال الدولة - عما كان يتولاه من كتابة السر وإنشاء المخاطبات، بل لم تقف في سبيل تقليده خطة المظالم آخر عهد الدولة، حتى ثار الوزير عمر بن عبد الله على السلطان ونبذ الناس بيعته من أعناقهم. (10) ابن خلدون في دولة الوزير عمر بن عبد الله
وقع زمام الحكم في قبضة الوزير عمر بن عبد الله وكانت بينه وبين ابن خلدون قبل توليه أمر الدولة مودة وصحبة، فأقره على ما كان يتولاه من العمل وزاد في جرايته. وكان ابن خلدون يطمح بطغيان الشباب إلى غاية أسمى مما يتولى من الأعمال، وفي أمله أن عناية صديقه المقتدر لا تتريث في إسعافه ببغيته. ولما لاح له أن الوزير أخل بعهد الصحبة أخذه الاستياء من تقصيره إلى أن انقطع عن دار السلطان وهجرها؛ إدلالا بسابق المودة، ولكن منصب الوزارة أنسى عمر بن عبد الله أن من أساليب عتب الأصدقاء وتذكيرهم بحق أغمضوا عنه هجرهم من غير جفاء، وصرف القدم عن زيارتهم لا عن ملل. ولم يشأ منصب الوزارة إلا أن يفهمه أن تقاعد ابن خلدون عن مقر السلطان زلة جره إليها تعاظمه وقلة وفائه بما يستحق مقام الرياسة العليا من إكبار وخضوع، فبدلا من أن يرعى الوزير مقام الصداقة ويجعله أرفع مكانا وأقوى سلطانا من مقام الرياسة، أخذته نخوة السلطة، وقابل هجر العتاب والإدلال بهجر الجفاء والتقاطع.
ولما رأى ابن خلدون منه التنكر والإصرار على الإعراض عنه استأذنه في العود إلى إفريقية، فلم يجز له ذلك، وشدد في منعه، حتى دخل عليه يوم عيد الفطر وخاطبه بقصيدة يقول في طالعها:
هنيئا لعيد لاعداه قبول
وبشرى لعيد أنت فيه منيل
فحلت هذه القصيدة عقدة من إبائه، وأذن له في السفر، على شرط أن لا يتخذ سبيله إلى تلمسان؛ كراهة أن يتصل بصاحبها أبي حمو ويشتد به أزر دولته . (11) رحلة ابن خلدون إلى الأندلس
نامعلوم صفحہ