لم يتصف بتلك الصفات لا يستأهل لأن يحمد فضلا عن أن يعبد ليكون دليلا على ما بعده. فالوصف الأول لبيان ما هو الموجب للحمد وهو الإيجاد والتربية، والثاني والثالث للدلالة على أنه متفضل بذلك مختار فيه ليس يصدر منه لإيجاب بالذات أو وجوب عليه قضية بسوابق الأعمال حتى يستحق به الحمد. والرابع لتحقيق الاختصاص فإنه مما لا يقبل الشركة وتضمين الوعد للحامدين والوعيد للمعرضين.
أسلفه من المعاصي. وكل واحد من المذهبين ينافي الاختيار، فأما منافاة القول الأول وهو القول بأنه تعالى موجب بالذات فظاهر. وأما منافاة القول الثاني وهو القول بأنه تعالى يجب عليه شيء بمقتضى حكمته بسبب سابق فلا إذ الوجوب عليه تعالى عندهم ليس كالوجوب على العبد حتى لا ينافي الاختيار بل هو بمعنى عدم قدرته على التركيب، فقوله: «قضية بسوابق الأعمال» علة للوجوب عليه والقضية والقضاء الحكم وقوله: «يستحق به الحمد» متعلق بقوله: «مختار فيه » من حيث إن ما بعده بيان له، «وحتى» استئنافية فيكون قوله:
«يستحق» مرفوعا سببا عما قبله قصد به الحال على طريق حكاية الحال الماضية فإنه تعالى لو لم يكن مختارا فيه بل صدر عنه لإيجاب ذاته أو للوجوب عليه بسبب سابق لم يستحق به الحمد لما عرفت أن المحمود عليه لا بد أن يكون اختياريا. والصفة الرابعة وهي كونه تعالى مالك الأمور يوم الدين لبيان أن كونه تعالى مختصا بالحمد منفردا أمر متحقق لا اشتباه فيه من حيث إن كونه تعالى مالك يوم الدين مما لا يتصور أن يشاركه تعالى فيه غيره بوجه ما بخلاف الأوصاف السابقة فإن كل واحد منها وإن كان مختصا به تعالى لا يشاركه أحد في شيء منها على الوجه الذي ثبت له تعالى إلا أن للعبد حظا فيها يتصور بسببه نوع شركة فيها واختصاص مالكية الأمر في ذلك اليوم به تعالى يوجب اختصاصه بالحمد لما مر من أن ترتب الحمد على الأوصاف المذكورة يشعر بعليتها فيه، ولما جعل الحمد مرتبا على الصفة الرابعة التي هي أظهر وأشد اختصاصا به تعالى بحيث لا شبهة في اختصاصها به تعالى وأشعر ترتب الحمد عليها بكونها دلت له كانت أدل على اختصاص الحمد به تعالى في نفس الأمر لأن اختصاص العلة بالشيء في نفس الأمر اختصاصا قطعيا يفيد اختصاص الحكم به كذلك، فظهر بهذا التقريران قوله: «والوصف» إلخ تفصيل لما سبق من أن ترتب الحكم على مجموع الأوصاف يشعر بعليتها له وأن اختصاص العلة التي هي المجموع به تعالى يستلزم اختصاص الحكم به، إلا أن الوصف الرابع لما كان أبين وأظهر اختصاصا به تعالى كان أدل على تحقق اختصاص الحمد به تعالى. قوله: (وتضمين الوعد للحامدين) عطف على تحقيق الاختصاص.
صفحہ 78