فإن ترتيب الحكم على الوصف يشعر بعليته له. وللإشعار من طريق المفهوم على أن من استحقاق ظاهري والمستحق له على الحقيقة ليس إلا هو عز وجل. قوله: (فإن ترتيب الحكم على الوصف يشعر بعليته له) بيان لوجه دلالة الإجراء المذكور على أنه تعالى هو الحقيق بالحمد دون غيره فإن قوله: الحمد لله حكم بكونه تعالى هو الحقيق بالحمد وإجراء الأوصاف المذكورة عليه تعالى بترتب الحكم المذكور على اتصافه تعالى بها، وهذا الترتيب لما أشعر بكون مجموع الأوصاف المذكورة علة لاستحقاقه تعالى الحمد فحينئذ وجب أن يختص الحمد به تعالى لأن شيئا من الأوصاف المذكورة لا يوجد في غيره فضلا عن المجموع فلا يستحقه غيره تعالى حقيقة، وهذا هو ما وعده قبل بقوله: «كرره للتعليل على ما سنذكره».
قوله: (وللإشعار إلى آخره) عطف على قوله: «للدلالة» ذكر للإجراء المذكور فائدتين:
الأولى أن يكون الكلام بمنطوقه دليلا على اختصاص الحمد به تعالى بواسطة إشعاره بأن تلك الأوصاف علة الحكم وبالعلم الضروري بأن تلك العلة منتفية عما سواه تعالى وأن انتفاء العلة يستلزم انتفاء المعلول، والفائدة الثانية أن يكون الكلام بمفهومه المخالف دليلا على اختصاص العبادة به تعالى وذلك لأنك إذا قلت: الحمد لمن اتصف بهذه الصفات فإن مفهومه المخالف إن من لم يتصف بها لا يليق لأن يحمد وإذا لم يكن لائقا لأن يحمد فعدم كونه أهلا لأن يعبد أولى فيكون إجراء تلك الأوصاف عليه تعالى باعتبار المفهوم دليلا على ما بعده وهو قوله: إياك نعبد. ولما ذكر فائدة إجراء مجموع الأوصاف الأربعة على المجموع شرع في بيان فائدة كل واحد منها على حدة وفرعه على ما قبله بالفاء لأنه تفصيل له والتفصيل متفرع على الإجمال، فالصفة الأولى وهي كونه تعالى رب العالمين من حيث دلالتها على الإيجاد الذي هو أصل جميع النعم وعلى التربية المفرعة على نعمة الإيجاد والتربية موجبة للحمد، والصفة الثانية وهي كونه تعالى رحمانا ورحيما للدلالة على أن صدور تلك النعمة لمخلوقاته لما تقرر من أن الرحمة في العرف واللغة رقة القلب وانعطافه نحو المرحوم بحيث يحملا على أن يتفضل ويحسن إليه باختياره من غير توقع عوض منه ولا غرض آخر سوى الإحسان إليه ولما استحال وصفه تعالى بالرحمة باعتبار المبادىء التي هي انفعالات أريد بها الغاية التي هي الأفعال الاختيارية أشار أولا بقوله: رب العالمين إلى أنه تعالى منعم بنعمتي الإيجاد والتربية ثم أشار بقوله: الرحمن الرحيم إلى أن ذلك الإنعام إنما هو على سبيل التفضل والاحسان الاختياري لا كما زعمت الفلاسفة من أنه تعالى موجب بالذات لا يصدر عنه شيء إلا بطريق الإيجاب والاضطرار، ولا كما زعمت المعتزلة أيضا من أنه تعالى يجب عليه إثابة العيد المطيع بسبب سوابق أعماله الصالحة وعقابه بما
صفحہ 77