إياك نعبد وإياك نستعين (5) ثم إنه لما ذكر الحقيق بالحمد ووصف بصفات عظام تميز بها عن سائر الذوات، تعلق العلم بمعلوم معين فخوطب بذلك، أي يا من هذا شأنه نخصك بالعبادة والاستعانة ليكون أدل على الاختصاص قوله: (ثم أنه ) أي أن الشأن. أشار بكلمة «ثم» إلى بعد سوق الكلام بطريق الخطاب عن سوقه بطريق الغيبة، فإن الكلام من أول السورة إلى ههنا مسوق بطريق الغيبة حيث ذكر تحقيق الحمد والأوصاف الأبدية بالأسماء الظاهرة المنزلة منزلة ذكر الشيء بضمير الغائب ثم انتقل منه إلى الخطاب حيث قيل إياك فتبين أن الكلام فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب.
قوله: (تميز بها) صفة لقوله: «صفات عظام» أي تميز ذلك الحقيق بالحمد بتلك الصفات وقوله: «تعلق العلم» جواب «لما» وقوله: «فخوطب» تفريع على تعينه العلمي الجاري منزلة اليقين بطريق المشاهدة عيانا أي فخوطب ذلك المعلوم المعين بسبب ذكر التعيين العلمي المنزل منزلة اليقين الحاصل بطريق المشاهدة والعيان بناء على قوة ذلك التميز العلمي الحاصل بإجراء الأوصاف عليه. وفي بعض النسخ «وتعلق» بواو العطف معطوفا على ذكر في قوله: «لما ذكر» وجواب «لما» هو قوله: «خوطب» بدون الفاء. قوله: (نخصك بالعبادة والاستعانة) أي نفردك ونميزك بهما ونقصرهما عليك ولا نعبد ولا نستعين بأحد غيرك، على أن تكون الباء داخلة على المقصور وقد تدخل على المقصور عليه كما في قوله: الجر مختص بالاسم فإن الجر مقصور والاسم مقصور عليه. قوله: (ليكون) أي ليكون الخطاب.
وهو بيان لفائدة الالتفات إلى الخطاب وبين له فائدتين: الأولى أنه أدل على اختصاص العبادة والاستعانة به تعالى فإنه لو قيل: إياه نعبده وإياه نستعين لاستفيد الاختصاص من مجرد تقديم ما حقه التأخير فإنه موضوع لإفادة الاختصاص عرفا والالتفات إلى الخطاب يؤكد المعنى المستفاد من التقديم ويقويه لما في معنى التقديم المذكور من الإشعار بترتب الحكم على الوصف الدال على العلية من حيث إن الخطاب المذكور ليس على حقيقته بل مبني على تنزيل التمييز العلمي الحاصل من الأوصاف منزلة تمييز الحاضر الشاهد، فيكون ترتيب الحكم على الخطاب بمنزلة ترتيبه على تلك الأوصاف كأنه قيل: أيها الموصوف المتميز بهذه الأوصاف نخصك بالعبادة والاستعانة. ومن المعلوم أن ترتب الحكم على الوصف يشعر بعليته له فكأنه قيل: نخصك بهما لأجل تمييزك بتلك الأوصاف وقد مر أن اختصاص العبادة والاستعانة به تعالى مما يفيده التقديم فيكون الالتفات مع التقديم أدل عليه من مجرد التقديم وذلك يتضمن الإشارة إلى أن الحمد ينبغي أن يكون على وجه يوجب ترقي الحامد من حضيض الحجاب والغيبة إلى ذروة قرب المشاهدة والحضور إلى أن العبادة والاستعانة لا بد أن يكونا في مقام الإحسان وهو أن يعبد العبد ربه كأنه يراه ويخاطبه. ونظير إياك ههنا
صفحہ 79