فیصل اول: سفرنامہ اور تاریخ
فيصل الأول: رحلات وتاريخ
اصناف
ثم قلت لجلالته: «إن البلشفية أو حكومة السوفيات هي أعظم تجربة اقتصادية سياسية في تاريخ العالم، منذ أيام أور وآشور إلى يومنا هذا، وإنها كتجربة جديرة بالاعتبار، فقد يكون فيها الخير الأكبر المنشود، وهي في كل حال لا تخلو من الخير.»
ثم اتخذت خطة الهجوم، ولست أدري الآن بأي أسلوب، وبأية حيلة، انتقلت إلى فن التصوير، وسألته عن صورتيه الزيتيتين اللتين رسمهما اثنان من الفنانين البريطانيين المشهورين لزلوس المحافظ، وأغسطس جان المجدد. وأظن أني أسميت الأول ملكيا والثاني بلشفيا.
فأجاب الملك وهو يبتسم ابتسامة من تذكر شيئا يسر ويحزن معا: «لا يزال الرسمان في لندن، يظهر أن الفنان يريد أن يغتني دون أن يسافر إلى أميركا ... لا، ليس في طاقتي أن أدفع ثمن الرسم الواحد ألف جنيه إنكليزي.»
وما أدهشني ذوقه عندما سألته أي الرسمين يفضل على الآخر، فلما شرحت - بناء على طلبه - الطريقة القديمة والطريقة الجديدة في التصوير، قال: «إذا لم يكن المرء ملما بفن التصوير إذن، لا يدرك محاسن المجددين ولا تروقه طريقتهم؛ العين وحدها لا تكفي كما تقول، والعاطفة مع العين لا تعين، بل تضلل كما هو الأمر في تفضيلي رسم لزلوس على رسم جان.» - «أوليس السرور الناشئ عن النظر والعاطفة والمعرفة معا أكبر وأثبت من السرور الناشئ عن العاطفة والنظر وحدهما.» - «هذا صحيح، يا أمين، وبودي لو كنت عالما بشيء من الفن؛ لأني أحب الرسوم الزيتية الجميلة، ولكنك رأيت كيف تتراكم الأشغال علي، فأين الوقت لدرس الفنون لنتمكن من فهمها فيزداد سرورنا بها؟ ما رأيك في الدعاية؟» - «كانت شرا لازما من شرور الحرب العظمى، وقد أمست ضربة من ضربات المدنية.» - «يسرني والله أن أسمع هذا منك، يقولون لي: يلزمك بروباغندا. وأنا أقول إنها - وإن كانت مبنية على الحقيقة - من الأباطيل، تذهب كالهباء المنثور، وقبيح بالمرء أن يعلن نفسه.» - «إن لها غير الهباء المنثور نتائج مدهشة، وخصوصا إذا كان القائمون بها من رجال الفكر والفن، المعلن ينفع نفسه في أكثر الأحايين ويزعج الناس دائما.» - «إني أفضل الضرر بدون دعاية على النفع بها.»
قال هذا بلهجة فاصلة صادقة وهو يضع المنشفة على المائدة ويضربها بيده، ثم قال ونحن عائدون إلى المجلس: «فضلا عن ذلك، ليس في ماضي حياتي شيء مهم، ليس فيه ما تسميه مادة صالحة للدعاية. الحقيقة يا أخي، الحقيقة وحدها تكفي، هي تنطق بخير صاحبها أو بشره.» - «ولكن الناس لا يدركون الحقيقة إذا لم ينبهوا إليها.» - «ومن ينبههم إليها؟ الكتاب؟! أكثرهم يقفون بين الحقيقة والناس. الكاتب، الكاتب هو الذي يعرف الحقيقة ويقدمها للناس بأمانة وإخلاص، وعندي أن لا يجوز أن يقدم منها للناس غير ما فيه الفائدة وشيء إذا شئت من الفكاهة، هذا شغل الكاتب.» - «الكاتب الذي يتشرف الآن بمحادثتكم.» - «أسؤال منك هذا أم إقرار؟» - «وهل تأذنون بالاثنين؟» - «يعني أنك تريد التعاون.» - «أولستم الزعيم الأكبر للقائلين بالتعاون ؟»
رفع يديه وقال ضاحكا: «أحسنت التورية.» ثم جلس متبصرا «وماذا تبغي مني، يا أمين؟» - «ما جئتكم مستوزرا ولا طالب امتياز نفط.»
ضحك ثانية، وهو يشعل السيكارة، ويشير إلى علبة السيكار. - «وإني استأذنكم في اختيار المناسب من المواد التي تتعلق بحياتكم الشخصية، وسأتقيد من وجهتي الخاصة بقاعدتكم؛ الحقيقة قبل كل شيء والمفيد الطريف منها لا غير.» - «وهل يحسن الكاتب الاختيار دائما؟» - «لا والله.» - «وهل يستطيع أن يملك عواطفه وأمياله دائما؟» - «ذلك ممكن، المسألة تتوقف على مزاج الكاتب وتهذيبه، وهو في كل حال، لسوء الحظ، ولحسن الحظ، قاضي التمييز.» - «أعوذ بالله من بعض القضاة وتمييزهم.» - «وإن حسبتموني من ذلك «البعض» فإني مصر على التمييز، وطامع برحابة صدركم.» - «الذي يصلح للنشر، يا أمين، والذي لا يصلح.»
وقف عندها مترددا، فقلت: «هو ذا شغلي.»
كانت السبحة بين أنامله يتلهى بها، فتوقف فجأة، وهو يضحك. - «وإني أسألكم فوق ذلك أن تمتحنوني بصفتي قاضي التمييز، قصوا علي قصة فأقول لكم بصراحة إذا كانت تصلح للنشر.»
كان صافي المزاج تلك الليلة، متألق الروح، فرفع السدارة عن رأسه ووضعها على الطاولة، وقال: «سأقص قصة مضحكة ولكن لا لامتحانك، لا والله. كنا بعد الجلوس الأول، أنا والمندوب السامي السر برسي كوكس، مشتغلين في تأليف الوزارة الأولى، فعينا كل الوزراء إلا واحدا حرنا في أمره، بقي عندنا بضعة أشخاص من المستوزرين وليس فيهم من يمتاز عن الآخر بشيء؛ محمد، محمود، أحمد، حمدي - كلهم واحد - من منهم نعين يا حضرة المندوب؟ من منهم تعين يا جلالة الملك؟ حرنا والله في أمرنا، ثم خطر لي خاطر، فقلت للمندوب: «عندي اقتراح، وقد يضحك؛ كن مسلما لدقيقتين، وتوكل على الله، تعال نعمل يانصيب على الوزارة الأخيرة.» وهذا ما كان، كتبنا الأسماء على وريقات، وضعناها في علبة، هززتها بيدي قائلا للمندوب: «قل معي: توكلنا على الله.» ثم سحبنا الورقة الأولى وفتحناها، وكان صاحبها الوزير ... وزير اليانصيب!» •••
نامعلوم صفحہ