كانوا يعتقدون بعبادتهم الأصنام عبادة الله تعالى والتقرب إليه لكن (^١) بطرق مختلفة. ففرقة قالت: ليست لنا أهلية عبادة الله تعالى بلا واسطة لعظمته، فعبدناها لتقربنا إليه زلفى. وفرقة قال الملائكة ذو وجاهة ومنزلة عند الله فاتخذنا لنا أصنامًا على هيئة الملائكة لتقربنا إلى الله زلفى. وفرقة قالت جعلنا الأصنام قبلة لنا في العبادة كما أن الكعبة قبلة في عبادته. وفرقة اعتقدت أن لكل صنم شيطانًا موكلًا بأمر الله، فمن عبد الصنم حق عبادته قضى الشيطان حوائجه بأمر الله، وإلاّ أصابه شيطانه بنكبة بأمر الله تعالى. انتهى كلامه.
فانظر إلى كالم هؤلاء الأئمة وتصريحهم بأن المشركين ما أرادوا ممن عبدوا إلاّ التقرب إلى الله وطلب شفاعتهم عند الله. وتأمل ما ذكره ابن كثير، وما حكاه عن زيد بن أسلم وابن زيد ثم قال: وهذه الشبهة هي (^٢) التي اعتمدها المشكرون في قديم الدهر وحديثه، وجاءتهم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم بردّها والنهي عنها. وتأمل ما ذكره البكري ﵀ عند آية الزمر: أن الكفار ما أرادوا ممن عبدوهم (^٣) إلا الشفاعة. ثم صرّح بأن هذا كفر. فمن تأمل ما ذكره الله تعالى في كتابه تبين له أن الكفار ما أرادوا ممن عبدوا إلا التقرب إلى الله وطلب شفاعتهم عند الله، فإنهم لم يعتقدوا فيها أنها تخلق الخلائق، وتنزل المطر، وتنبت النباتـ بل كانوا مقرين أن الفاعل لذلك هو الله وحده قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ -إلى قوله- فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾
_________
(^١) في "ب" "نحن" وهو خطأ.
(^٢) "هي" ليست في "أ".
(^٣) ليست في "أ".
1 / 46