ليشفعوا لنا، ويقربونا عنده، ولهذا كانوا يقولون في تلبيتهم إذا حجوا في جاهليتهم: لبيك لا شريك لك إلاّ شريك هو لك تملكه وما ملك (^١).
وهذه الشبهة هي التي اعتمدها المشركون في قديم الدهر وحديثه، وجاءتهم الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم- بردّها، والنهي عنها، والدعوة إلى إفراد العبادة لله وحده لا شريك له، وأنّ هذا شيء اخترعه المشركون من عند أنفسهم لم يأذن الله فيه، ولا رضي به، بل أبغضه، ونهى عنه قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل- ٣٦]، وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الانبياء- ٢٥]. وأخبر أن الملائكة التي في السموات من المقربين وغيرهم كلهم عبيد خاضعون لله لا يشفعون عنده إلاّ بإذنه لمن ارتضى، وليسوا عنده كالأمراء عند ملوكهم يشفعون عندهم بغير إذنهم فيما أحبه الملوك وكرهوه (^٢) ﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ﴾ [النحل- ٧٤] تعالى الله عن ذلك علوًا (^٣) كبيرًا. انتهى كلامه.
وقال الإمام البكري ﵀ عند قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ﴾ [يونس- ٣١] فإن قلت: إذا أقروا بذلك فكيف عبدوا الأصنام؟ قلت: كلهم
_________
(^١) أخرجه مسلم في صحيحه -كتاب الحج ٢/ ٨٤٣ عن ابن عباس قال: كان المشركون يقولون: لبيك لا شريك لك. قال فيقول رسول الله ﷺ: "ويلكم! قدٍ قدٍ" فيقولون إلا شريكًا هو لك. تملكه وما ملك. يقولون هذا وهم يطوفون بالبيت.
(^٢) في "ب" "وأبغضوه" وفي ابن كثير "وأبوه" وكل صواب.
(^٣) "علوًا كبيرًا" ليست في "أ".
1 / 45